أعلم جيدًا أن فيروس كورونا شبح قوي يجتاح العالم ، خيم بالظلام على جميع الدول تاركًا في كل دولة أثار مدمرة بجميع جوانب الحياه، وجعل شعوب العالم تترقبه وتراقب بكل حذر آثاره المحزنة، وعندما بدأ في الانتشار بمصر سادت حالة من الخوف بين جميعنا، وبدأ كل شخص يتساءل هل لم اصيب من هذا الشبح اللعين؟!، وأتخذت الدولة المصرية العديد من الإجراءات الاحترازية في محاولة منها للسيطرة على انتشار هذا الشبح بين مواطنيها، وبينما يراقب الجميع تداعيات انتشار فيروس كورونا بمصر وينظر لقرارات الدولة بعين القلق والخوف، وجدت نفسي أجد في بعض تلك القرارات انتصارات عظيمة تمنيتها من قبل، فتذوقت طعم الفرح وسط القلق حيث وجدت:
* شعب يلتف حول حكومته يشيد بقرارتها، فتعامل القيادة السياسية مع هذا الشبح أجبر المصريون على الاشادة بمجهودات الدولة، فمن كانوا يوجهوا دائما النقد واللوم للحكومة أصبحوا يشيدوا بالقرارات، وايقنوا أن هناك قيادة حكيمة و مجهودات جادة تبذل على الارض من أجل سلامة مصر وشعبها، وهناك أصوات ارتفعت بين صفوف المعارضة قائله”شكلي هحب الحكومة دي ولا أيه”، بل أشادت منظمات عالمية ودول عظمى بالخطوات التى اتخذتها مصر من أجل سلامة أبنائها، وأصبح هناك ثقة بين الدولة و مواطنيها.
* النظافة الشخصية والوقائية ستصبح أسلوب حياه، فهناك تغير في عاداتنا الصحية وأسلوب حياتنا اليومية، وتحول في مفهوم النظافة الشخصية فالاحتياطات التى يتخذها الشخص لحماية نفسه هي ابسط الأساليب التي يحلم الكثيرين أن يجدوها في الشارع المصري وكان يفتقدها المواطن سواء من ارتداء القفازات والكمامات داخل المحلات وخاصة محلات الطعام، غسل الايدي بانتظام، تعقيم وتطهير الأماكن العامة والمنازل، كل هذه الخطوات الطبيعية ستصبح أسلوب حياه للمصريين، ورفع شعار الوقاية خير من العلاج.
* وزارة التعليم تنفذ رؤيتها في التعليم عن بعد وإلغاء امتحانات النقل، فيصرخ الجميع من نظام التعليم الحالي ونحلم بتغيره وقد جاء هذا الشبح ليجبرنا أن نجد نظام أخر غير المعتاد عليه للتعليم، وكأنه الفرصة الذهبية التي تمنيتها الوزارة لفرض رؤية جديدة دون مقاومة من المجتمع، واعلم جيدًا أن التعليم عن بعد وخطة الوزارة ينقصها الكثير والكثير وبها العديد من المشاكل ولكنها بداية رحلة التغير، وفرصة لكي تستطيع الوزارة رصد كافة سلبياتها وتقصيرها في نظام التعليم الجديد وتداركه قبل بداية عام دراسي جديد جاد، وتأهيل نفسي للاسرة والطلاب على تغير نظام اعتدنا عليه، وجرس إنذار لمافيا الدروس الخصوصية.
* الأنسانية أولا .. بت كثيرًا أردد كلمات أغنية “بحلم أفتح عنيا على جنة من الإنسانية”.. وأذ بهذا الشبح يفجر بداخلنا معنى الإنسانية، فتوالت المبادرات الإيجابية تظهر بالعالم لمواجهة هذا الشبح بشكل عام، وفي مصر بشكل خاص، و امتلات صفحات المواقع الاجتماعي بالدعوات والصلوات للعالم كله دون النظر لأي اعتبارات سياسية – دينية، فالجميع أيقن أن الإنسان في خطر، ولكي أحتفظ بحقي في الحياه علي أن أساعد من حولي على الاحتفاظ بحقهم في الحياه أيضا.
*حياة إسرية جديدة، فأصبح أفراد الأسرة مجبرين على البقاء سويا في المنزل وهو الشكل الذي افتقدناه تماما، ولكن هذا هو الهدف الأسمى من تكوين أسرة أن تربطهم حياه واحده مشتركة، فإذ بابناء يجدون آبائهم معهم ويشاركوهم تفاصيل يومهم، تجمعهم مائدة واحدة، وهو شكل جديد للحياة الاسرية افتقدته هذه الأجيال نتيجة ضغوط الحياه، وهو انتصار عظيم لمن سيستغل هذه الفرصة ليملى منزله بالدفء والود والحب والحوار وأكتشاف من يعيشون معه، وتعديل مفهوم الأسرة في أذهان الجميع.
* علاقة مباشرة مع الله، و غرس مفاهيم جديدة عن اتصالنا بالله، فجاء قرار غلق دور العبادة كخبر صادم على الجميع وغير متوقع، ولكني على يقين تام أن الله سيستخدم هذا الموقف لزرع مفاهيم جديدة داخلنا وغرس مبادئ جديدة داخل مجتمعنا، و سيكتشف كل شخص الله بشكل جديد ويختبر مذاق أشهى لعلاقته الشخصية مع الله.
* مقاهي مغلقة ومازالت الحياه مستمرة، شوارع هادئه، فبات من المستحيل أن تتخيل الشارع المصري بدون مقهى، ولكن جاء شبح كورونا ليجبرنا على ذلك،، وهذه الايام ستثبت لرواد المقاهي أنه يمكنك العيش بدونها، والسيطرة على نفسه في تناول الشيشة، و أتمنى أن تتخذ الحكومة من هذه التجربة خطوات جادة في الحد من انتشار المقاهي والشيشة بالشارع المصري، فحقًا استطاع المواطن الحياه بدونهما.
*واخيرًا احساسنا بقيمة الحياه وقيمة كل شئ حولنا، فلم نكن نعلم أن حياتنا اليومية الروتينية نعمة، لم نكن ندرك جيدًا أن كل ما نعتبره طبيعي وشئ عادي لا قيمة له نعمة، فالعادي والمألوف لنا نعمة، نشتاق إليها الان، فعلمنا هذا الشبح اللعين أنه يجب أن نستمتع بكل ما حولنا ونشعر بقيمة كل شئ نعتاد عليه، ونشكر الله دائما على كل ما حولنا.
أعلم جيدا أن أعظم انتصار يجب أن نسجله هو القضاء على هذا الشبح و رحلة الحد من انتشاره، و قريبًا سأسجل هذا.