تحت هذا العنوان حدثتك أيها القاريءالعزيز عن التاريخ الطويل للعلاج المجاني في مصر وعن الأخطاء التي اختبرها رجال الصحة حين شرعوا في تنفيذ برامجهم الصحية. ووعدتك أن أتحدث إليك عن الطريقة العملية التي عكفت علي دراستها نقابة الأطباء لمدة عامين كاملن, ولم تفرغ من وضعه الأخير إلا في جلستها الأخيرة هذا الأسبوع, وقدمته إلي وزارة الصحة التنفيذية لمناقشته ليتخذ طريقه إلي التنفيذ في وقت نرجو أن يكون سريعا حتي يمكننا أن نبني مصر الغد من الناحية الصحية علي أسس صحية عملية سليمة.
طريقة تنظيم تعميم العلاج
الأغلبية الغالبة من الآراء تتفق علي أن تأميم العلاج هو الهدف الذي نأمل أن نصل إليه… ولكننا مراعاة لظروفنا المالية نري أن هذا الأمل في الوقت الحاضر هو استحالة يصعب الوصول إليها.. والمثل القائم علي صدق هذه الحقيقة هو إنجلترا التي بلغت مصروفاتها لمشروع التأميم في عامه الأول (1949 ـ 1950) 414 مليون جنيه إسترليني ـ قارن هذا المبلغ المتواضع المخصص للصحة والبالغ 9 (وأكتبها بالحروف تسعة) تسعة ملايين جنيه للوقاية والعلاج للشعب كله في العام تصرف حوالي نصفها للمرتبات والديوان العام ويتبقي ما يقل عن عشرين قرشا لكل مواطن في العام.
والرأي الذي اتفق عليه أن يكون العلاج منوعا حسب طبقات الشعب.
أولا ـ علاج حر
هذا النوع من العلاج يشمل طبقة القادرين علي العلاج الخاص من أفراد الشعب ولا يعني هذا أن يترك أمره كما هو متبع في الوقت الحاضر بل يكون هذا النوع من العلاج تحت إشراف لجنة مختصة من بين أعضاء الهيئة الصحية العليا, وعمل هذه اللجنة هو الإشراف علي المستشفيات الخاصة وجميع وحدات العلاج الحر تتحدد أنواعها وأجورها.. ويكون هذا الإشراف مماثلا للإشراف المتبع في البلديات ومصلحة السياحة التي تحدد درجات الفنادق ودرجات الغرف والأجور المناسبة لكل غرفة حسب إمكانياتها ووسائل الراحة المتوفرة فيها.. كما تحدد هذه اللجنة الأجور المطلوبة للعمليات في كل مستشفي ولكل طبيب أو جراح حسب خبرته وأقدميته وكفاءته ودرجته العلمية.
ثانيا ـ علاج تأميني
وهذا العلاج يشمل الطبقات المتوسطة كطلبة المدارس والعمال في الشركات ومتوسطي الحال من الموظفين وصغار الملاك وصغار التجار.. إلخ, وعلي الدولة تحديد هذه الفئة مستنيرة بالأبحاث والإحصائيات وتقدير مستوي المعيشة لكل فرد ويكون أساسه مساهمة المشمول في المشروع وتساعده الدولة إن كان موظفا أو صاحب العمل إن كان عاملا, ويتبع فيه نظام الطبيب الممارس لكل عدد محدود من أفراد الشعب لا يزيد علي خمسة آلاف نسمة يقوم بالكشف عليهم ويكون من حقه وحده تحويل الحالات إلي الأخصائيين أو إلي المستشفي المختص بالمنطقة التابعة له في التقسيم.
1 ـ هذا النظام يعطي الحق للعلاج المجاني الكامل للمعدمين من المواطنين ـ أما غيرهم فيدفع المريض قرشا في كل زيارة للطبيب الممارس وخمسة قروش للزيارة المنزلية.
2 ـ يشمل هذا النظام مالك الخمسة أفدنة فأقل وعددهم 14 مليون نفس أما الباقون فإنهم يتبعون العلاج الخاص أو العلاج التأميني.
3 ـ يشرف علي هذا العلاج مجلس صحي إقليمي مكون من السيد المحافظ ومدير صحة المديرية ومندوبين من رجال البلدية ومجلس المديرية ومندوب نقابة الاطباء وبعض الأخصائيين من الأطباء, ورجال مجلس الأمة.
4 ـ يشترك مجلس المديرية والمجلس البلدي في مصروفات الإنشاء للمستشفيات اللازمة للمشروع والمصروفات السنوية.
5 ـ يقسم كل إقليم إلي مناطق عدد كل منها يزيد علي خمسة آلاف يشرف عليهم طبيب ممارس يختص بالكشف عليهم وتحويل الحالات الضرورية للمستشفيات الخاصة بكل منطقة.
6 ـ تستعمل الوحدات الحكومية في القري لهذا المشروع ـ وفي المناطق التي لا يوجد بها وحدة طبية كمجموعة صحية أو مستشفي قروي أو وحدات مجمعة أو علاج شامل يقوم المجلس بتأجير منزل مناسب وليست هنالك ضرورة ملحة لبناء مستشفي قروي أو خلافه في بادئ الأمر.
7 ـ يراعي أن لا يقل دخل الطبيب الممارس المتفرغ لخدمة المشروع عن خمسين جنيها سنويا دون أن يكون له عيادة خاصة بالقرية.
التمويل
(أ) يحتاج المشروع علي حسب التقدير الأولي إلي هذه المبالغ:
20 مليون جنيه أسرة جديدة ليتوافر ثلاثة أسرة لكل ألف جنيه من السكان.
4 ملايين جنيه لإصلاح المستشفيات المحلية وتوسيعها.
8 ملايين جنيه للمارس العام.
6 ملايين جنيه للأدوية.
و20 مليون جنيه لبناء مستشفيات جديدة جملة هذه المبالغ 44 مليون جنيه.
(ب) يمكن الحصول علي هذا المبلغ من الجهات الآتية:
1 ـ حصيلة الأموال المعتمدة في الوزارات المختلفة. وزارة الصحة, والشئون والمجلس الدائم للخدمات ووزارة التربية والتعليم ووزارة المواصلات والأوقاف والسجون.
2 ـ مساهمة مجلس المديرية والمجلس البلدي.
3 ـ مساهمة كبار الملاك في المشروع خدمة لفلاحيهم.
4 ـ زيادة المبلغ الذي تدفعه الدولة للخدمة الطبية ليصل في جملته إلي 10% من الميزانية العامة أسوة بما هو متبع في باقي الدول الأخري حتي المتخلفة منها.
والرأي عندي أن هذا المبلغ يعد ضئيلا حين نضع في الميزان الخسائر التي نفقدها في الأرواح الهالكة كل عام نتيجة لنقص العلاج في الدولة وما نفقده أيضا من نقص في الإنتاج نتيجة صحة العامل الزراعي والصناعي لعدم توافر العلاج الجدي الصحيح.
دكتور أبولس بولس
عضو نقابة الأطباء