أشهر الترجمات القديمة المعروفة اليوم التي –
أخذت عن اللغات الأصلية رأسًا هي أربع
السبعينية (اليونانية)، الترجمات(الكلدانية)، البشيطا(السريانية) الفولجاتا (اللاتينية)
الزمان : مارس عام 1865
الحدث : صدور الطبعة الأولى من ترجمة الكتاب المقدس باللغة العربية ( ترجمة فان دايك)
“الكتاب المقدس”.. البشرى المفرحة للبشر فى كل زمان ومكان وسط عالم يئن ألماً وضيقاً..عالم يعج بحروب وأخبار حروب وأوبئة ومجاعات…
ها نحن نحتفل بمرور 155 عاماً على ترجمة الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد للغة العربية فى طبعة منقحة ومدققة (حدث ذلك فى التاسع والعشرين من مارس وفى مراجع تاريخية أخرى 10 مارس عام 1865م، ولهذه الترجمة تاريخ طويل سطره مجموعة من الباحثين والمترجمين العظام، من هؤلاء : الدكتور القس عالي سميث، المعلم بطرس البستاني والشيخ نصيف اليازجي اللبناني، الدكتور” كرنيليوس فان دايك”، وعاونه في ضبط الترجمة الشيخ “يوسف الأسير الأزهري”.
فان دايك
هذه الترجمة – التى يطلق عليها ال” فان دايك”، وتستخدمها جميع الكنائس المصرية بمختلف طوائفها ليست الترجمة الوحيدة التى نتناولها هنا على بوابة وطنى، بل كان لابد أن نتعرض لترجمات أخرى متعددة ومهمة، كالترجمة السبعينية، والترجمة اللاتينية والترجمة القبطية والترجمة الحبشية والترجمة الأرمينية وغير هذه الترجمات، أيضا علاقة موضوع ترجمة الكتاب المقدس بمسألة استحالة تحريفه..
علما بأن الترجمات اليوم قد تعددت جداً فالكتاب المقدس كاملاً، بعهديه القديم والجديد متاح الآن مترجماً إلى 698 لغة يتحدث بها 5.6 مليارات إنسان كلغاتهم الأساسية، (وذلك وفقاً لهيئة ويكلف العالمية لمترجمي الكتاب المقدس (Wycliffe Global Alliance) فى تقريرها السنوي عن عام 2019 )
الكتاب المقدس.. نظامً واحد مؤسس على وحي واحد
الكتاب المقدس هو مجموع الكتب الموحاة من الله والمتعلقة بخلق العالم وفدائه وتقديسه وتاريخ معاملة الله لشعبه، ومجموع النبوات عما سيكون حتى المنتهى، والنصائح الدينية والأدبية التي تناسب جميع بني البشر في كل الأزمنة. ومكتوب عنه “الكتب” (يو 5: 39) و”كلمة الله” (رو 9: 6).
يبلغ عدد الكُتاب الملهمين الذين كتبوا الكتاب المقدس أربعين كاتبًا. وهم من جميع طبقات البشر بينهم الراعي والصياد وجابي الضرائب والقائد والنبي والسياسي والملك، إلخ..
واستغرقت مدة كتابتهم ألفًا وست مئة سنة وكان جميع هؤلاء الكتَّاب من الأمة اليهودية ما عدا لوقا كاتب الإنجيل الذي دعي باسمه إذ يُظن أنه كان أمميًا من إنطاكية وكان طبيبًا اشتهر بمرافقته لبولس الرسول.
وفي الكتاب المقدس جميع أنواع الكتابة من نثر وشعر، وتاريخ وقصص، وحكم وأدب وتعليم وإنذار، وفلسفة وأمثال. ومع أن الأسفار التي يتألف منها الكتاب تختلف من جهة وقت كتابتها وأسلوب الكتابة نفسه فإنها لا تخرج عن كونها نظامًا واحدًامؤسسًا على وحي واحد، رغم التنوعات التي لابد منها في الأحوال المختلفة التي كتب فيها الكتاب .
“كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيم ِوَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ،” (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 3: 16)
لغات الكتاب المقدس
(1) كتب أكثر العهد القديم بالعبرانية وهي لغة سامية تشبه العربية من وجوه كثيرة. وقد وجد في العهد القديم بعض فصول بالأرامية وهي لغة شبيهة بالعبرانية.
(2) وكتب العهد الجديد باليونانية وكان قد شاع استعمال هذه اللغة بين يهود الشتات بعد فتوحات اسكندر ذي القرنين والرومانيين. وهي لغة مناسبة كل المناسبة للفلسفة واللاهوت ولذلك اختارها الله لإعطاء وحيه بواسطتها من جهة التعاليم المسيحية.
ويونانية العهد الجديد هي ما يسمونه “بالكوني” وهي اللغة العامية ممزوجة ببعض اصطلاحات عبرانية ويظهر هذا الامتزاج بنوع خاص في انجيلى متى ومرقس وسفر الرؤيا، وقليلاً في رسالة يعقوب وإنجيل لوقا ولاسيما في مقدمة إنجيله، وفي سفر أعمال الرسل أيضاً. أما بولس فطريقته في الكتاب كانت خاصة به.
ترجمات الكتاب المقدس:
يترجم الكتاب المقدس إلى اللغات المعروفة لمنفعة اللذين يجهلون اللغات الأصلية أو الذين يعرفونها جزئيًا.
وهذه الترجمات تؤخذ رأسًا عن اللغات الأصلية، وبعض الأحيان، عن ترجمات قديمة معروفة. وأشهر الترجمات القديمة المعروفة اليوم التي أخذت عن اللغات الأصلية رأسًا هي أربع:
السبعينية (اليونانية)، الترجمات (الكلدانية)، البشيطا (السريانية) والفولجاتا (اللاتينية).
ووجدت هذه الترجمات قبل أن يقوم الماسوريون بإثبات النص العبراني ولهذا فهي ذات قيمة دراسية كبيرة.
العهد القديم العبراني الموجود بين أيدينا مأخوذ عن النسخة الماسورية التي أعدتها جماعة من علماء اليهود في طبرية من القرن السادس إلى الثاني عشر للميلاد. ووضع هؤلاء المعلمون الشكل على الكلمات بواسطة النقط وعملوا للنص تفسيرًا يسمى “المسورة” أي التقليد يتضمن كل ما يتعلق بصحة ذلك النص. وكانت العبرانية تكتب قبل ذلك بدون شكل أو حركات فثبتت تلك الحركات الألفاظ ووحدت قراءتها.
الأسفار الخمسة السامرية ليست ترجمة بل هي النص العبراني نفسه مكتوبًا بالحروف السامرية أو العبرانية القديمة وهي تحوي بعض الاختلافات الطفيفة عن نص الماسوريين العبراني. أما الترجمة السامرية فهي ترجمة الأسفار الخمسة المذكورة إلى اللهجة السامرية الحديثة.
أولا : ترجمات العهد القديم وجدت قديمًا كما يستعملها اليهود
(1) الكلدانية (الترجمات): عندما رجع اليهود من السبي البابلي كانت اللغة التي يتكملونها هي الأرامية (تدعى تجاوزًا الكلدانية). وهي تختلف بعض الاختلاف عن اللغة العبرانية التي كان يتكلمها جدودهم، ولذا فأصبح من الضروري ترجمة الأسفار لهم. وتسمى هذه الترجمة “ترجومات” وإليها يشار في (نح 8: 8). وهي مفيدة جدًا اليوم إذ تبين كيف كان اليهود يفهمون بعض الجمل المستعصي فهمها علينا الآن.
(2) اليونانية ( السبعينية ): هي ترجمة العهد القديم إلى اللغة اليونانية، مع بعض الكتب الأخرى التي نقل البعض منها عن العبرية كسائر أسفار العهد القديم، والبعض الآخر كُتِبَ أصلاً باليونانية. وسميت هذه الترجمة بالسبعينية بناء على التقليد المتواتر بأنه قد قام بها سبعون ( أو بالحري اثنان وسبعون) شيخاً يهودياً في مدينة الإسكندرية في أيام الملك بطليموس الثاني فيلادلفوس (285 247 ق.م.)
كانت الإسكندرية مقراً لعدد ضخم من يهود الشتات حيث استقر عدد كبير منهم في مصر منذ أيام إرميا النبي، بل ربما من أيام غزو “شيشق” لفلسطين في القرن العاشر قبل الميلاد. وعندما أسس الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية التي سميت بإسمه، في 331 ق. م. تجمعت غالبية هذا الشتات في المدينة الجديدة واحتلوا كل الجزء الشرقي من الميناء الكبير، ونمت قوتهم بنمو المدينة التي أصبحت من أعظم المراكز الحضارية والمواني البحرية في حوض البحر المتوسط. وأصبحت عاصمة عالمية غنية، ومراكز للآداب اليونانية والمعارف والعلوم، ومركزاً خصباً لامتزاج الثقافات التي مهدت الطريق لعالم العهد الجديد، ففي ذلك العالم امتزج الشرق بالغرب ووضعت أسس الحضارة الحديثة.
في هذا الجو الذي امتزجت فيه الثقافات الدينية والفكرية، أصبح اليهود الهيليبيون ظاهرة حضارية، ففي الإسكندرية وجد يهود الشتات مع زهوهم بميراثهم العبري، وإحساسهم بدورهم في الحضارة، وقد تجردوا من قيود القومية الضيقة والانعزالية، وجدوا أنفسهم أمام تحد كبير من آداب اليونان وفلسفتها. وكان يهود الإسكندرية يتحدثون باليونانية فقد كان هذا شرطا للمواطنة، وكانت معرفة اليونانية مطلباً أساسياً للتجارة والأعمال والحياة الاجتماعية. كان يهود الإسكندرية، كما كان يهود طرسوس، يتنازعهم عالمان مختلفان من الثقافة، ومن هنا نبتت الحاجة الماسة إلى ترجمة الأسفار العبرية إلى لغتهم الثانية.
كانت اللغة العبرية قد أصبحت وسيلة ضعيفة للاتصال عند يهود الإسكندرية، تكاد تقتصر على بعض المجامع، بالإضافة إلى رغبتهم في الإشادة بحكمتهم وتاريخهم. وكان لابد أن تحاك الأساطير حول نشأة عمل له مثل هذه الأهمية، فثمة خطاب يسمى خطاب “اريستياس إلى ميلوكراتس” دارت حوله كتابات كثيرة. وقد نشر هذا الخطاب لأول مرة باللاتينية في 1471 م. ثم باليونانية بعد ذلك بتسع سنوات. يقول الكاتب انه أحد كبار رجال بلاط بطليموس فيلادلفوس وأنه رجل يوناني مولع بتاريخ اليهود، وكتب عن رحلة قام بها مؤخراً إلى أورشليم لمقصد معين. ويقول “ديمتريوس فاليريوس” أمين مكتبة الإسكندرية الشهيرة، أن أريستياس اقترح على الملك أن يضيف إلى المكتبة ترجمة “القوانين اليهودية”، ولما كان بطليموس رجلاً مثقفاً، وافق على الاقتراح وأرسل سفارة إلى أورشليم برسالة إلى “أليعازر” رئيس الكهنة طالباً منه إرسال ستة شيوخ من كل سبط من الأسباط الاثني عشر إلى الإسكندرية للقيام بالترجمة التي اقترحها “أريستياس”. ووصل الاثنان والسبعون شيخًا ومعهم نسخة من الناموس مكتوبة بحروف من ذهب على رقوق من الجلد. وأقام لهم الملك مأدبة امتحن فيها هؤلاء الزائرين اليهود بمسائل صعبة، ولما اطمأن إلى علمهم، رتب لهم خلوة رائعة في جزيرة فاروس، وكان ديمتريوس أمين المكتبة كما جاء في خطاب اريستياس: “يحفزهم على إتمام الترجمة حيث أن الملك قد رودهم بكل ما يلزمهم. فعكفوا على العمل، وقارنوا النتائج لكي تتفق فيما بينها، وكل ما اتفقوا عليه، كانوا ينسخونه تحت إشراف ديمتريوس.. وبهذه الطريقة تمت الترجمة في اثنين وسبعين يوماً، وكانت هي المدة المعينة لهم من قبل “.
فرح الفريق اليهودي بهذا العمل وطلبوا أن يعطوا نسخة منه، ونطقوا باللعنة على كل من يجرؤ على الحذف منها أو الإضافة إليها، كما فرح بها الملك أيضاً. وإذ حظيت بهذه البركة المزدوجة وضعت في المكتبة.
وهذه الرواية عن أصل الترجمة السبعينية في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، مع خلوها من التفاصيل المعجزية الزائفة، وكنتيجة مباشرة لسياسة ملكية، ليست مما لا يصدق، فقد كان المجتمع الإسكندري مجتمعاً مولعاً بالآداب والفلسفة، وقد نبتت فيه فكرة إنشاء المكتبات، ولذلك فان خطاب “أريستياس” ليس فيه ما يجافي الحقيقة.
منذ القرن الأول الميلادي، هناك أدلة كثيرة، ففيلو (من 30 ق.م. 45 م.) يقتبس من معظم أسفار العهد القديم من السبعينية، كما أن بالعهد الجديد اقتباسات من كل أسفار العهد القديم تقريباً. ويقول فيلو أن يهود مصر استقبلوا الترجمة بنفس الاحترام الذي يولونه للأصل العبري، والأرجح أن هذا ينطبق على كل العالم الهيليني، مع احتمال استثناء فلسطين حيث كان يقيم اليهود المحافظون المتزمتون.
صدرت أول طبعة من الترجمة السبعينية في بداية القرن السادس عشر بعد اختراع الطباعة ومما يبعث على الارتياح أن يصل إلينا بعد كل هذا الزمن الطويل، نص يوناني موثوق بصحته، حيث أن الفولجاتا اللاتينية التي قام بها جيروم سرعان ما أصبحت هي نسخة الكتاب المقدس المقبولة في الكنيسة الرومانية، فكان ذلك ضربة شديدة للترجمات اليونانية، ففي العالم المسيحي الغربي أصبحت السيادة للغة اللاتينية، وانزوت اليونانية، حتى أصبحت معرفة اللغتين اليونانية والعبرية شيئاً نادراً في العصور الوسطى. ولكن عندما بزغت أنوار النهضة وظهرت مخطوطات عديدة ثمينة كانت مكنوزة في مكتبات الأديرة، بدأت أنظار العلماء تتجه إلى الكتاب المقدس في كتابات آباء الكنيسة الأوائل.
وتعد الترجمة السبعينية أثرًا رائعًا من النواحي التاريخية والاجتماعية والدينية، كما أنها تحتفظ لنا بمعاني كلمات عبرية لم تعد تستخدم الآن، أيضا كان للسبعينية أثر عميق في كلمات وعبارات العهد الجديد، بل يبدو أن هناك كلمات بذاتها قد هيأتها السبعينية لتستخدم في العهد الجديد.
وهناك ترجمات أخرى يونانية موجودة في بعض المتاحف وأخرى لم يبقَ منها لدينا إلا آثار تدل عليها.
ثانيا : الترجمات القديمة التي صنعت خصيصاً لأجل المسيحيين:
(1) الترجمات السريانية الدياتسرون:
قام أحد سكان وادي الفرات المدعو “تيتان”، بحبك حوادث الأناجيل الأربعة في كتاب واحد أطلق عليه الاسم اليوناني “دياتسرون”. وقد انتشرت هذه المقابلة للأناجيل الأربعة، وكانت باللغة السريانية، انتشارًا واسعًا في كنائس سورية من أواخر القرن الثاني للميلاد حتى القرن الرابع أو الخامس. وهي اليوم موجودة في ترجماتها العربية واللاتينية وفي الترجمة الأرمنية للشرح الذي كتبه عنها القديس “افرام”. وفي أثناء الحفريات التي جرت عام 1933م في قلعة رومانية على الشاطئ الغربي لمنطقة الفرات العليا وجد 14 سطرًا غير كاملة للدياتسرون باللغة اليونانية.
ترجمة الأناجيل في اللغة السريانية القديمة: انتشرت هذه الترجمة انتشارًا واسعًا في القرن الثاني للميلاد. ووجد إنجيلان ناقصان من هذه الترجمة، أحدهما “وليم كوريتون” عام 1842 في دير السريان الموجود في وادي النطرون جنوبي غربي دلتا النيل، ووجدت الثاني “أجنس سميث” لويس في دير القديسة كاترينا عند جبل سيناء. ولاشك أنه كان للكنيسة السريانية ترجمة كاملة في اللغة السريانية القديمة للعهد الجديد كاملاً، ولكن هذه لم توجد كلها لغاية اليوم.
البشيطا أي “البسيطة”: ترجم العهد القديم إلى السريانية في القرن الثاني أو الثالث للميلاد من اللغة العربية. وقد أصلحت هذه الترجمة فيما بعد بالمقابلة مع الترجمة اليونانية. أما العهد الجديد فقد سهر على ترجمته وجمعه أسقف اديسّا (الرها) رابولا (عام 411-435م.). وقد قابل في ذلك الترجمة السريانية القديمة على مخطوطات يونانية متعددة. ولما كانت الكنيسة السريانية لم تقبل الرسائل الكاثوليكية الصغرى وهي رسائل بطرس الثانية ويوحنا الثانية والثالثة ويهوذا والرؤيا فقد بقيت البشيطا بدون هذه الكتب الخمسة.
الترجمة الفيلوكسينية الهرقلية للعهد الجديد: قام عام 508 م. أسقف هيرابوليس في سوريا اليعقوبي المدعو “فيلوكسينس” بترجمة العهد الجديد كله وقد أدخل، لأول مرة في الكتاب المقدس السرياني، الكتب الخمسة المذكورة أعلاه. ونقَّح توما الهرقيلي هذه الترجمة تنقيحًا دقيقًا عام 616 م. مستعينًا بمخطوطات كثيرة من مدينة الإسكندرية.
الترجمة السريانية الفلسطينية: ويرجع أصلها إلى أواخر القرن الخامس أو أوائل القرن السادس للميلاد. وأكثر المخطوطات الباقية لهذه الترجمة مقسمة بطريقة القراءات الكنسية .
(2) الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس
انتقلت المسيحية إلى لغات شعوب العالم المختلفة عن طريق الترجمات. لقد عرف العالم اليوناني أسفار العهد القديم عن طريق ترجمته إلى اليونانية، الترجمة المعروفة بالسبعينية، ومن المتفق عليه أنه عندما انتشرت المسيحية، كانت اللغتان السريانية واللاتينية أول لغتين يترجم إليهما الكتاب المقدس، ويكاد الإجماع ينعقد على أن ترجمة الأناجيل وسائر أسفار العهدين القديم والجديد إلى هاتين اللغتين، تمت قبل نهاية القرن الثاني.
( أ ) : الفولجاتا
كثرت الترجمات اللاتينية في القرن الرابع ولا نعرف شيئًا عن أوائل من ترجموا الكتاب المقدس إلى اللاتينية، فرغم كل أبحاث العلماء في العصر الحديث، ما زالت هناك تساؤلات كثيرة عن أصل الكتاب المقدس في اللاتينية لا تجد الإجابات الجازمة الشافية.
تبدأ دراسة تاريخ الترجمات اللاتينية مع “جيروم” في أواخر القرن الرابع، فقد قام بناء على تكليف من البابا “داماسيوس” بعمل الترجمة اللاتينية الأساسية التي تعرف “بالفولجاتا” وكانت الحاجة إليه ملحة. كانت توجد قبل ذلك عدة ترجمات يختلف بعضها عن بعض، ولم تكن هناك ترجمة يمكن الاعتماد عليها أو الرجوع لها عند الحاجة، فكان ذلك هو ما دفع البابا “داماسيوس” إلى تكليف جيروم بالقيام بهذا العمل.
القديس جيروم
ونعرف بعض التفاصيل من الخطاب الذي أرسله جيروم في 383 م. إلى البابا مع أول جزء تمت مراجعته، وكان هذا الجزء يحوي الأناجيل الأربعة. ويقول جيروم في خطابه: “لقد أمرتني بالقيام باستخلاص ترجمة جديدة من القديمة، وبعد أن انتشر العديد من نسخ الكتاب المقدس في كل العالم، فكأني أشغل مركز الحكم. وحيث أنها تختلف فيما بينها، فعلى أن أقرر أيهما تتفق مع الأصل اليوناني “. وبناء عليه سلم البابا الأناجيل الأربعة كبداية بعد مقارنتها بكل دقة مع المخطوطات اليونانية.
ونحصل على صورة مشابهة من “اوغسطينوس” الذى كان معاصرًا لجيروم والذى ينصح قراءه بالرجوع إلى “الإيطالا”، فهي أكثر أمانة في ترجمتها وأقرب إلى الفهم في معانيها. ولكن ماذا كان يقصده بالإيطالا؟ لقد ثار جدل كثير حولها. كان الظن من قبل أنها كانت خلاصة من كل الترجمات التي تمت قبل جيروم، لكن بروفسور “بركت” (في كتابه: النصوص ودراستها) يؤكد مشدداً بأن ما يقصده “اوغسطينوس” بهذه الكلمة إنما هو ترجمة جيروم (الفولجاتا)، التي يرجح أنه عرفها جيداً وفضلها على أي ترجمة سابقة. فقبل جيروم كان هناك ناصيف اليازجي العديد من الترجمات التي شكا منها كلاهما (جيروم واوغسطينوس)، أما بعد جيروم فقد أصبحت ترجمته هى الترجمة البارزة المعتمدة، والتي طردت بمرور الزمن الترجمات الأخرى من الميدان، وبقيت هي، “الفولجاتا العظيمة”، الترجمة اللاتينية الكاملة المعتمدة للكتاب المقدس.
ناصيف اليازجي
(ب):اللاتينية القديمة
الكتاب المقدس في اللاتينية قبل جيروم: أن المخطوطات التي وصلتنا من عصر ما قبل جيروم، تعرف بوجه عام “باللاتينية القديمة”، وإذا سألنا أين ظهرت في الوجود، فإننا نكتشف حقيقة مذهلة، فهي لم تظهر في روما، كما يمكن أن نتوقع.
لقد جاءتنا أول مخطوطات كنيسة لاتينية من شمالي أفريقيا. ضمت الكنيسة في شمالي أفريقيا العديد من الكتاب اللاتين البارزين، ولو أن لاتينيتهم كانت تختلط أحيانا ببعض المصطلحات الأجنبية، ولكن كتاباتهم كانت تتقد بنيران الحق الذى تعرضه.
أحد الرجال البارزين بين الكتاب الأفريقيين، هو “كبريان” أسقف قرطجنة، الذي نال إكليل الشهادة في 257م، وتتكون كتاباته من عدد من الأبحاث القصيرة أو النبذ ورسائل عديدة مملوءة جميعها باقتباسات من الكتاب المقدس. ولا شك في انه استخدم ترجمة كانت مستخدمة في أيامه في شمال أفريقيا، ومن المتفق عليه أن اقتباساته دقيقة، ولذلك فهي تقدم لنا صورًا جديرة بالثقة من الترجمة اللاتينية الأفريقية القديمة في مرحلة قديمة وإن لم تكن أقدم المراحل.
لقد بين البحث النقدي أن “كبريان”، الذي لم يكن يعرف اليونانية كانت لديه ترجمة مكتوبة استخدمها في كتاباته، وبذلك يقدم لنا هذا الأسقف والشهيد العظيم، الدليل على وجود الكتاب المقدس في اللاتينية قبل عصر جيروم بنحو قرن ونصف القرن.
الكتاب المقدس في عصر “ترتليان “: إذا رجعنا نصف قرن إلى الوراء، نجد “ترتليان” الذي برز في أول القرن الثاني، وكان يختلف عن “كبريان” في أنه كان عالمًا ضليعًا في اليونانية، فكان قادرًا على أن يترجم لنفسه ما يقتبسه من السبعينية أو من العهد الجديد في اليونانية.
وهناك احتمال أن مصدر اللاتينية القديمة شرقي: ومع أن الدلائل حتى الآن تشير إلى أن الترجمة اللاتينية القديمة الأولى جاءت من أفريقيا، فان نتائج الأبحاث الحديثة فيما يسمى النص الغربي للعهد الجديد، تشير إلى اتجاه آخر إذ يتضح من المقارنة أن النص الغربي قريب جداً من المراجع السريانية التي ظهرت أصلاً في الولايات الشرقية من الإمبراطورية.
وأدى هذا التشابه الشديد بين النصوص اللاتينية والنصوص السريانية، ببعض العلماء إلى الاعتقاد بأنه يحتمل أن تكون أقدم الترجمات اللاتينية قد تمت في الشرق وبخاصة في إنطاكية، ولكن الأمر مازال لغزاً ينتظر اكتشاف عناصر جديدة وأبحاثًا أشمل لحله.
(ج): تصنيف المخطوطات اللاتينية
سبق أن تكلمنا عن الترجمات الأفريقية بالارتباط بالآباء الافريقيين “ترتليان وكبريان” والمخطوطات التي تتصل بعصرهما.
وعندما نصل إلى القرن الرابع، نجد في غرب أوروبا وبخاصة في شمالي إيطالية، صورة ثانية للنص، يسمى النص الأوروبي، لم تثبت علاقته الوثيقة بالنص الأفريقي. فهل هو نص مستقل نبت في تربة إيطالية، إليهم انه نص مشتق من النص الأفريقي بعد تعرضه للتنقيح في رحلته إلى الشمال وإلى الغرب ؟
ويجب أن نعلم أنه في القرون الأولى، لم يعرفوا الكتاب المقدس كاملاً في كتاب واحد، فكانت الأناجيل، وأصبحت والرسائل الجامعة، ورسائل بولس، والرؤيا (من العهد الجديد)، والتوراة، والأسفار التاريخية، والمزامير والأنبياء(من العهد القديم) كل مجموعة منها في مخطوطة على حدة.
(د) : أهمية المخطوطات اللاتينية القديمة لتحقيق النص
هذه الترجمات اللاتينية القديمة والتي ترجع إلى منتصف القرن الثاني، تقدم لنا صورة مبكرة للنص اليوناني الذي ترجمت عنه، وتزداد أهميتها متى عرفنا أنها من الواضح كانت ترجمة حرفية. إن أهم مخطوطاتنا ترجع إلى القرن الرابع، بينما هذه المخطوطات اللاتينية ترجع على الأرجح إلى القرن الثاني. وهي مخطوطات غير محددة التاريخ أو المكان، ولكنها اذ تجئ من منطقة محددة من الكنيسة، وقد استخدمها آباء نعلم تاريخهم تماماً، فإن ذلك يجعلنا قادرين على تحقيق النص اليوناني الذي كان مستخدما هناك في ذلك الوقت.
ثالثاً: الترجمة القبطية للكتاب المقدس
تتكون الأبجدية القبطية من الحروف اليونانية مُضافًا إليها سبعة حروف من اللغة الديموطيقية المصرية لنطق الأصوات غير الموجودة في اللغة اليونانية. لقد وصلتنا باللهجات الخمس (البحيرية ، الصعيدية ، البشمورية ، لهجة مصر الوسطى ، اللهجة الأخميمية ) مخطوطات يكاد بعضها يكون كاملاً.
وتعد هذه الترجمات للكتاب المقدس بعهديه، أقدم ترجمات بعد السريانية القديمة، وترجع في معظمها إلى القرن الثالث الميلادي، وإن كان البعض يقولون إنها ترجع إلى القرن الثاني. ويرجح أن الترجمة الصعيدية هي أقدمها ثم قبطية مصر الوسطى، وأخيرًا البحيرية، وهي تمثل نصًا يونانيًا يكاد يكون خالصًا خاليًا مما يعرف بالإضافات الغربية، بينما تحتوي الصعيدية على كل القراءات الغربية، فهي أقرب ما تكون لنصوص “بيزا” وبخاصة في سفر الأعمال.
نشر المتحف البريطاني في 1912 ترجمة بالصعيدية مكتوبة قبل 350 م.، وهي تحتوي على أسفار “تثنية ويونان والأعمال”، وتعد من أقدم مخطوطات الكتاب، والأرجح أننا كُتِبَت نحو 200 م. وهناك الكثير من أسفار العهد الجديد بالصعيدية ما عدا سفر الرؤيا. أما بالبحيرية فهناك أسفار موسى الخمسة وأيوب والمزامير وأجزاء من الأسفار التاريخية في العهد القديم مع كل أسفار العهد الجديد، وان كان سفر الرؤيا يبدو أحدث كتابة من باقي الأسفار. وهناك بالبشمورية أجزاء من إشعياء والمراثى ورسالة إرميا وأجزاء كثيرة من العهد الجديد. وقد ترجم العهد القديم عن السبعينية. ويبدو أن المزامير تُرْجِمَت حوالي 303 م.
رابعاً: الترجمة الحبشية:
تقول التقاليد أن المسيحية أُدخلت إلى بلاد الحبشة في أيام الملك قسطنطين (324-337 م.). وقد كرّس اثناسيوس بطريرك الإسكندرية “فرومنتيوس السرياني” أسقفًا على الحبشة قبل عام 370 م. وربما عام 330. ولما تنصر غرانا ملك أكسوم حوالي عام 340 م. تنصرت جميع مملكته أيضًا.
من المرجح أن يكون “فرومنتيوس” نفسه بدأ بترجمته الكتاب المقدس إلى اللغة الحبشية وهؤلاء القديسون هم الذين هربوا عام 451 من سوريا إلى مصر بعد مجمع خلقدونية بسبب عقيدتهم بالطبيعة الواحدة، وتوجهوا من مصر إلى الحبشة، ومن الممكن أنهم راجعوا هناك الترجمة الأصلية التي يقال أنها تمت في منتصف القرن الرابع عشر وما يليه بمراجعتها مع الترجمات العربية.
خامساً: الترجمة الغوطية:
نقل الكتاب المقدس إلى اللغة الغوطية عام 350 م. على يد الأسقف “اولفيلاس” ولم يترجم أسفار صموئيل الأول والثاني ولا الملوك الأول والثاني
سادساً: الترجمة الارمنية:
يقول الكاتب الأرمني موسى الخوريني الذي عاش في القرن الخامس أن أول ترجمة للكتاب المقدس في اللغة الأرمنية قام بها اسحق (البطريرك من 390 – 428 م.) وكانت من الترجمة السريانية.
وكتب كوريون (القرن الخامس) أن “مسروب” مخترع الأبجدية الأرمنية (406 م.) عمل عام 411 بمساعدة أحد الكتبة اليونانيين على ترجمة الكتاب المقدس كله من اللغة اليونانية وقد ابتدأ من سفر الأمثال.
سابعاً: الترجمة الجورجانية:
المدعوة بحق “الأخت التوأم للترجمة الأرمنية” أُكملت في القرن السادس. واشتغل في ترجمتها عدة كتَّاب من اللغة الأرمنية والسريانية مع أنها لم تخل من تأثير اليونانية.
ثامناً: الترجمة السلافية:
قام بها في القرن التاسع “كيريلوس ومتوديوس” ولم يبقى منها اليوم سوى أجزاء قليلة.
تاسعاً: الترجمة العربية للكتاب المقدس
١- أقدم الترجمات العربية للكتاب المقدس
يبدو أن المسيحيين العرب كانوا يستخدمون الترجمة السريانية التي تمت منذ القرن الثاني للميلاد، وإن كان البعض يظنون انه كانت هناك ترجمة عربية استخدمها بعض العرب ولكنها اختفت ولم يبق لها أثر.
ولكن بعد أن انتشر العرب في كل أقطار الشرق، أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في تلك الأقطار، قام المسيحيون بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى.
والمعتقد أن أقدم ترجمة عربية يعرفها التاريخ هي التى وضعها أسقف إشبيلية في أسبانيا في 724م. نقلاً عن الفولجاتا اللاتينية، ولكن يبدو أن هذه الترجمة لم تصل إلى الشرق. كما انه عثر على نسخة عربية للأناجيل الأربعة ورسائل الرسول بولس في دير”مار سابا” بالقرب من أورشليم يرجع تاريخها إلى منتصف القرن الثامن أيضا، كما عثر على نسخة عربية لرسائل بولس الرسول في دير سانت كاترين بسيناء ترجع إلى نفس العصر.
٢- الترجمات العربية للكتاب المقدس في العصور الوسطى
في بداية القرن العاشر، قام رجل يهودي، أشتهر باسم “سعديا الفيومي”، بترجمة كل العهد القديم أو أكثره إلى اللغة العربية وكتبه بحروف عبرية لمنفعة اليهود الناطقين بالعربية مستعينا بترجوم “أونكلوس” والترجمة السبعينية، ولكنه ترجم الأسفار الخمسة عن النص العبري المسوري، وقد طبع هذا الجزء في القسطنطينية في 1546 م. بالأحرف العبرية، ثم أعيد طبعه بعد ذلك فى مجموعة باريس متعددة اللغات فى 1645 م.، ثم في مجموعة لندن في 1657 بالحروف العربية.
ويقال أن “حنين بن اسحق” ترجم العهد القديم عن السبعينية إلى العربية في القرن التاسع الميلادي، كما أن هناك ترجمات آخرى عربية لبعض أسفار الكتاب يرجع تاريخها إلى القرنين العاشر والحادي عشر منها ترجمة انجيل لوقا في 946 م في قرطبة بواسطة “اسحق فالكنر”. وأحياناً كانت توضع الترجمتان السريانية والعربية جنباً إلى جنب في عمودين متوازيين في مخطوطة واحدة. وقد حصل العالم الألماني ” تيشندورف” على نسخة منها في أديرة وادي النطرون، وهى موجودة الأن في المتحف البريطاني.
في منتصف القرن الحادي عشر قام كثيرون بترجمة المزامير، منهم عبد الله بن الفضل الأنطاكي الذي ترجمها عن اليونانية، وطبعت في حلب في 1706 م.، ولذلك تعرف بالترجمة الحلبية، وأعيد طبعها في لندن في 1725 م.
وفي القرن الثاني عشر قام رجل سامري اسمه “أبو سعيد” بترجمة أسفار موسى الخمسة إلى اللغة العربية الدارجة، وطبعت في هولندا في 1851 م. كما ترجمها أيضا رجل يهودي من شمالي أفريقي في القرن الثالث عشر، وطبعت في أوروبا في 1622 م.
وفي أوائل القرن الثالث عشر (1202)، نشر العهد الجديد بالترجمتين العربية والقبطية في مخطوطة واحدة بعد تنقيح بسيط لإحدى الترجمات العربية وأطلقوا عليها اسم “الفولجاتا الإسكندرانية”.
وفي منتصف القرن الثالث عشر، قام “هبة الله بن العسال الاسكندرى ” بترجمة الكتاب المقدس من القبطية إلى العربية، ولكنها لم تصل إلينا، إلا أن راهبًا يدعى “جبرائيل”، نقل عنها نسخة في 1260 م. للأناجيل الأربعة فقط وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني.
٣- النسخ العربية المطبوعة للكتاب المقدس
بعد اختراع الطباعة في (القرن الخامس عشر)، طبعت نسخ من الكتاب المقدس بلغات عديدة جنباً إلى جنب في مجلد واحد، وكان من أول هذه النسخ نسخة للمزامير في خمس لغات كانت العربية إحداها مع العبرية واليونانية والكلدانية واللاتينية، وقد طبعت ب”جنوا” في إيطاليا في 1516 م.، وتوجد منها نسخة كاملة بجناح الكتب الأثرية بدار الكتب المصرية.
ثم طبعت نسخة متعددة اللغات في الأستانة في 1546 م. تحوي أسفار موسى الخمسة عن ترجمة “سعديا الفيومي”، كما سبق القول. كما طبعت الرسالة إلى غلاطية بالعربية في هدلبرج في 1583 م.، ثم طبعت أول نسخة للبشائر الأربع في روما في 1591 م. منقولة عن الفولجاتا الإسكندرانية، وفي نفس السنة طبعت نسخة أخرى بالعربية واللاتينية. وتوالي طبع جملة ترجمات للمزامير ثم طبع العهد الجديد كله بالعربية في هولندا نقلاً عن مخطوطة بمكتبة ” ليدن”، يقال أنها ترجع إلى 1342م.
وفي 1671 م. طبعت أول نسخة لكل الكتاب باللغة العربية بدون أي لغات أخرى بجانبها في مدينة روما تحت إشراف هيئة برئاسة الأسقف “سركيس بن موسى الرزي” مطران دمشق، وظلت مباشرة الترجمة الشائعة الاستعمال حتى ظهور ترجمة “سميث وفان دايك البيروتية” Van Dyck Version. وقامت تلك الهيئة بجمع عدة نسخ عربية وقابلوها بالعبرية واليونانية، وبخاصة بالفولجاتا اللاتينية، ولكن كان بها الكثير من الخلل والركاكة والأخطاء اللغوية.
وفي 1725 م. نشرت جمعية نشر المعارف المسيحية في بيروت نسخة مطبوعة للمزامير تنسب إلى أثناسيوس بطريرك إنطاكية الملكي، وقد حازت التقدير لصحة الترجمة وسلامة اللغة. وفي 1727 م. طبع العهد الجديد بالعربية في لندن، بعد أن راجعه “سليمان نفري “على اليونانية، إلا أنها كانت ترجمة ركيكة وضعيفة.
ثم طبعت جمعية التوراة الإنجليزية العهد الجديد بالعربية في 1816 م.، وقام بترجمته القس الإنجليزي “هنري ماتن والمستر نثنائيل سباط “من الهند. أما أول نسخة كاملة للكتاب المقدس بالعربية أصدرتها جمعية التوراة الإنجليزية فكانت في 1822 م.
وفي 1851 طبعت جمعية نشر المعارف المسيحية ببيروت العهد الجديد عن ترجمة المعلم “فارس الشدياق”، ثم طبعت العهدين معًا في 1857 م.
٤- الترجمة الأمريكية العربية للكتاب المقدس:
لم تكن كل الترجمات التي سبق الكلام عنها، وافية بالغرض وبخاصة أننا لم تترجم عن اللغات الأصلية للأسفار المقدسة، بل ترجمت عن السبعينية أو اللاتينية أو السريانية أو القبطية. كما كانت نسخها نادرة الوجود، لا ترى النور إلا في الكنائس والأديرة، وكان بعضها في شكل مخطوطات، أو مطبوعة طبعًا رديئًا، وقلَّما وصلت إلى أيدي الشعب، حتى دعا الله أناسًا هيأهم لهذه الخدمة.
ففي يناير 1847 م. قررت لجنة المرسلين الأمريكية ببيروت القيام بترجمة الكتاب المقدس كله من اللغتين العبرية واليونانية، وطلبت من الدكتور “القس عالي سميث ” المرسل الأمريكي أن يكرس وقته لهذا العمل الجليل. فشرع الدكتور( عالي سميث في العمل بمعاونة المعلم بطرس البستاني والشيخ نصيف اليازجي اللبناني.) وكان المعلم بطرس البستاني ضليعًا في اللغتين العربية والعبرية، كما كان الشيخ نصيف اليازجي نحوياً قديراً.
وفي 11 يناير 1857م رقد الدكتور القس سميث في الرب، وكان قد أتم ترجمة أسفار موسى الخمسة والعهد الجديد وأجزاء متفرقة من أسفار الأنبياء، فواصل العمل بعده الدكتور” كرنيليوس فان دايك”، وكان طبيبًا وعالِمًا في اللغات (كان يتقن عشر لغات، خمسًا قديمة وخمسًا حديثة) وكان وقتئذ في التاسعة والعشرين من العمر، فراجع كل ما ترجمة الدكتور سميث والمعلم بطرس البستاني مراجعة دقيقة، يعاونه في ضبط الترجمة الشيخ” يوسف الأسير الأزهري”.
وانتهى من ترجمة العهد الجديد في 28 مارس 1860 م.، ومن ترجمة العهد القديم في 22 أغسطس 1864 م. وتم طبعها جميعها في 29 مارس 1865 م.
وتمت ترجمة العهد الجديد عن النص المشهور الذي حققه ” أرازموس ورفاقه”، ويعتبر أدق النصوص. أما العهد القديم فقد ترجم عن النص العبري الماسوري الذي يعتبر أدق نص عبري. وقد أصدرت دار الكتاب المقدس بالقاهرة نسخة منقحة منها ومعنونة للأناجيل الثلاثة الأول كل منها على حدة في 1986 م.
٥- الترجمات الكاثوليكية العربية للكتاب المقدس:
قام الآباء الدومينكان في الموصل بإصدار ترجمة طبعت في 1878 م.، كما قام الآباء اليسوعيون في 1876 م. بإصدار ترجمة عربية جديدة بمعاونة الشيخ إبراهيم اليازجي ابن الشيخ نصيف اليازجي وقس اسمه “جعجع” تحت رعاية البطريرك الأورشليمي، فجاءت ترجمتهم فصيحة اللغة وإن كانت لا تبلغ في الدقة والمحافظة على روح الكاتب ما بلغته الترجمة الأمريكية. وقد صدرت في 1986 م نسخة منقحة منها لأسفار موسى الخمسة وللمزامير وللأناجيل الأربعة وأعمال الرسل عن دار المشرق ببيروت.
٦- الترجمات العربية الحديثة للكتاب المقدس
قام الآباء البولسيون في حريصا بلبنان بإصدار ترجمة للعهد الجديد في 1956 م.
ثم قامت لجنة على رأسها الدكتور القس جون طومسون والدكتور القس بطرس عبد الملك بتنقيح كامل لترجمة فان دايك البيروتية للعهد الجديد، ونشرت في 1973 م في سلسلة من الكراريس بها رسوم جذابة وخرائط كثيرة.
ثم قام الأنبا غريوريوس أسقف التعليم والبحث العلمي بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية مع بعض معاونيه بترجمة إنجيل مرقس الذي نشر في 1972 م.، ثم ترجمة إنجيل متى الذي نُشِر في 1975.
وفي 1980 م. أصدر اتحاد جمعيات الكتاب المقدس ببيروت ترجمة جديدة للعهد الجديد مُعنونة، ومذيلة بجدول للشروح.
وفي مارس 1982 صدرت في القاهرة ترجمة عربية تفسيرية للعهد الجديد تحت اسم “كتاب الحياة” عن هيئة كتاب الحياة الدولية (Living Bible (international ثم أعيدت طباعتها في أبريل 1982. ثم صدرت طبعة أخرى منقحة من نفس الترجمة فى القاهرة فى ابريل 1983 وصدرت منها طبعة معنونة فقراتها في 1985، وفي 1988 م. أصدرت ترجمة تفسيرية للعهدين الجديد والقديم.
هيئة “ويكلف” تترجم الإنجيل إلى لغات جديدة خلال 2019
قدمت هيئة ويكليف العالمية لمترجمي الكتاب المقدس (Wycliffe Global Alliance) تقريرها السنوي عن عام 2019، حيث استعرضت إحصائيات دقيقة عن أوضاع ترجمة ونشر الكتاب المقدس في العالم بمختلف اللغات، حتى اللغات التي لا يتحدث بها إلا مجموعات صغيرة من البشر.
شارح الكتاب المقدس الدكتور “أكرم حبيب” قال، إن ملخص التقرير يوضح أن جميع سكان العالم تقريباً يمكنهم قراءة وفهم الكتاب المقدس، سواء بلغتهم الأولى أو بلغتهم الثانية، وأن الغالبية العظمى لديها عدة ترجمات للكتاب المقدس في لغتهم الأولى.
ويضيف التقرير أن حجم الإنجاز الذي تم خلال عام 2019 هو إنجار كبير على جميع المسيحيين أن يفتخروا به، فقد تمت ترجمة الكتاب إلى 105 لغات جديدة خلال هذا العام فقط، وأن المتبقي من العمل سهل ومن الممكن الانتهاء منه ببعض المساعدة والدعم من مختلف الكنائس المسيحية، وسيأتي وقت قريب جدا يمكن أن نقول فيه أن الكتاب المقدس مترجم بالكامل إلى جميع لغات الكرة الأرضية بلا أي إستثناء.
بناء على هذا التقرير الدقيق والميداني، يقول “حبيب” إن الكتاب المقدس يوجد (كله أو أجزاء منه) اليوم مترجمًا إلى 3،384 لغة (نعم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربعة وثمانين لغة)، يتحدث بها 6.9 مليارات إنسان، مع العلم أن جميع سكان الكرة الأرضية نحو 7.7 مليارات إنسان. فالكتاب المقدس كاملاً، بعهديه القديم والجديد متاح الآن مترجماً إلى 698 لغة (ستمائة وثمانية وتسعون لغة) يتحدث بها 5.6 مليارات إنسان كلغاتهم الأساسية، ويفهمها أغلب باقي سكان العالم، أي أن باقي سكان العالم (2 مليار) يستطيعون فهم الكتاب المقدس بسهولة بأي من هذه اللغات لأنها تمثل لغة ثانية لهم. كما يوجد العهد الجديد كاملاً، مع أجزاء من العهد القديم، مترجماً ومطبوعاً في عدد 1،548 لغة (ألف وخمسمائة وثمانية وأربعين لغة)، يتحدث بهذه اللغات 786 مليون نسمة حول العالم
صورة أخرى لفان دايك
استحالة تحريف الكتاب المقدس
فى عودة لكتاب “سنوات مع أسئلة الناس” لمثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث يقول قداسته:
ان موضوع تحريف الكتاب المقدس يمكن الرد عليه من نواح متعددة منها:
1- من الذي حرَّفه؟ وفي أي عصر؟ وهل كتب ذلك في أي تاريخ؟
إن حادثة خطيرة كهذه، ما يمكن أن تمر دون أن تُثار حولها ضجة كبرى لا بُدّ أن يسجلها التاريخ. وواضح أن التاريخ لم يسجل أية إشارة عن مثل هذا الاتهام الخطير. لا في التاريخ المدني، ولا في التاريخ المسيحي، ولا في تاريخ غير المسيحيين. ولم يحدث اتهام لأحد معين من ملايين المسيحيين بتحريف الإنجيل، ولا أي اتهام لكنيسة معينة، ولا تاريخ لذلك..
2- كذلك كانت نسخ الكتاب المقدس قد وصلت إلى كل أرجاء المسكونة.
فالمسيحية بعد حوالي 35 سنة منذ صعود السيد المسيح، كانت قد انتشرت في آسيا و أوروبا و إفريقيا. فانتشرت في فلسطين وسوريا وبلاد ما بين النهرين وفي تركيا، ووصلت إلى بلاد العرب والهند. وفي أوروبا وصلت إلى بلاد اليونان وقبرص وإيطاليا ومالطة، وامتدت غربًا إلى الهند. وفي أفريقيا وصلت إلى مصر وليبيا وامتدت جنوبًا، وخلال القرون الثلاثة الأولى كانت قد وصلت إلى كل بلاد المسكونة.
وكل تلك البلاد، كانت عندها نسخ من الإنجيل…
كما تمت ترجمة الأناجيل إلى اللغات المحلية.
ومن أقدم ترجماته: الترجمة القبطية في مصر، وترجمة الإنجيل السريانية في سوريا التي عُرِفَت بالترجمة البسيطة (البيشيطو)، والترجمة اللاتينية القديمة. كل ذلك في القرن الثاني، غير الترجمات التي انتشرت في باقي البلاد، غير اللغة اليونانية للأصلية، يُضاف إلى هذا الترجمة السبعينية للعهد القديم التي تمت في عهد بطليموس الثاني (فيلادلفوس) Ptolemy II Philadelphus في القرن الثالث قبل الميلاد (وستجد النص الكامل للكتاب المقدس بعهديه لغات هنا في موقع الأنبا تكلا).
بطليموس الثاني
فكيف كان يمكن جمع نسخ الإنجيل من كل بلاد المسكونة، وجمع كل الترجمات، وتحريف كل ذلك معًا؟!
ألا يبدو الأمر مستحيلا من الناحية العملية؟! هذا لو فكر أحد في ذلك أصلا!!
3- ثم مَنْ يجرؤ على ذلك؟! وهل من المعقول أن يتفق كل مسيحي العالم على تحريف كتابهم المقدس، ثم يؤمنون به بعد ذلك؟!
المعروف أن المسيحية حينما قامت، كانت تتربص بها اليهودية التي طالما اتهمت المسيحيين عند الحكام الرومان. فلو حرَّف المسيحيون إنجيلهم، لفضحهم اليهود. كذلك كان فلاسفة الوثنيين في صراع مع المسيحيين الذين ينمون في العدد على حسابهم. وكانوا يدرسون الإنجيل للرد عليه. فلو حرف المسيحيون الإنجيل، لفضحهم الوثنيون وفلاسفتهم..
يُضاف إلى كل هذا انقسامات داخل صفوف المسيحيين، فانحرف البعض منهم عن الإيمان المسيحي، وأسمتهم الكنيسة بالهراطقة، وحاربتهم فكريًا وكنسيًا. فلو قامت الكنيسة بتحريف الإنجيل، لوقف ضدها الهراطقة وشهروا بها..
ولو قامت كنيسة معينة بتحريف بعض نسخها أو كلها، لحرمتها الكنائس الأخرى.
ولقد شهد القرن الرابع هرطقات heresies عنيفة هزت أركان العالم المسيحي، ومن أمثلتها الهرطقة الأريوسية التي انعقد بسببها المجمع المسكوني الأول الذي اجتمع فيه 318 أسقفًا مندوبين عن كنائس العالم كله سنة 325 م. وقرروا حرم أريوس. وبقى الأريوسيون شوكة في جسد الكنيسة وبخاصة لصلتهم بالإمبراطور، مما جعلهم يقدرون على نفس القديس أثناسيوس، وعزله أربع مرات.. فهل كان أولئك سيسكتون على تحريف الإنجيل؟!
حدثت بعد ذلك هرطقات عديدة، مثل هرطقات سابليوس – أبوليناريوس – ماني – مقدونيوس – نسطور – أوطاخي.. وغيرهم. كل ذلك في القرن الرابع وأوائل القرن الخام. فهل كان أولئك سيسكتون لو حدث تحريف شيء من الإنجيل؟!
ومن غير المعقول أن تتفق كل كنائس العالم مع الهراطقة، ومع الهراطقة الذين حرمتهم الكنيسة، على تحريف الإنجيل الذي يؤمن به الجميع!!
4- يوجد كذلك في المتاحف نسخ من للإنجيل ترجع للقرن الرابع ، تمامًا كالإنجيل الذي في أيدينا الآن.
ونقصد بها: النسخة السينائية، والنسخة الفاتيكانية، والنسخة الأفرامية، والنسخة السكندرية. وكل منها تحوي كل كتب العهد الجديد الذي في أيدينا، بنفس النص بلا تغيير. وهي مأخوذة طبعًا عن نسخ أقدم منها. ويستطيع أي إنسان أن يرى تلك النسخ القديمة في المتاحف وعلى الإنترنت، ويرى أنها نفس إنجيلنا الحالي.
5- كذلك نحب أن نذكر ملاحظة هامة أساسية وهي:
كلمة “تحريف” لا يمكن إثباتها عمليًا إلا بالمقارنة:
أي مقارنة الإنجيل الأصلي بالإنجيل الذي يُقال بتحريفه. والمقارنة تظهر أين يوجد ذلك التحريف؟ في أي فصل أو فصول الإنجيل؟ وفي أي الآيات؟
أما إذا لم تحدث مقارنة كهذه، يكون هذا الاتهام خطير، بلا بينة، بلا دليل، بل إثبات، بلا بحث علمي.. وبالتالي لا يكون مقنعًا لأحد.
( يمكن أيضا الرجوع الى كتاب: الكتاب المقدس، هل يُعقَل تحريفه؟! – سلسلة اقرأ وافهم إيمان
كنيستنا – كنيسة القديسين مرقس وبطرس بسيدي بشر، الإسكندرية.مكانة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه، وهو الفصل الثالث من كتاب سلسلة محاضرات تبسيط الإيمان لنيافة لأنبا بيشوي مطران دمياط.)