قدم قداسة البابا تواضروس الثاني، بطريرك الكرازة المرقسية، مساء اليوم الجمعة، رسالة لشعب الكنيسة عبر الصفحة الرسمية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، شرح خلالها وتأمل في جملة “أرحمنا يا ألله” التي تردد كثيرا خلال الصلوات اليومية وعبر الكتاب المقدس بعهديه الجديد والقديم فقال :-
إن جملة “أرحمنا يا الله” تقال في الصلاة بصيغة جماعية حتى ولو كان الشخص يصلي بمفره، كما أنها جملة تكرر في نهاية كل صلاة، ونصليها في اليوم أكثر من مرة بحسب صلوات الأجبية، ومعانيها مأخوذة من الكتاب المقدس، دائما الإنسان في أوقات الأزمات وأوقات الضيقات لا يجد أمامه سوى كلمة “أرحمنا يا الله”، فلو تخيلت أنك خرجت اليوم ووجدت المسيح أمامك حتما أول كلمة ستقولها له أرحمنا يا الله أو ستقول له مع داؤد في المزمور “أرحمني يا الله كعظيم رحمتك”، الرحمة رابطة حب قوية تربط الإنسان وتجزبه إلى الله، لكي يستمطر مراحم الله في حياته، فكل إنسان في العالم يحتاج إلى رحمة الله مهما كان شكله أو اعتقاده أو زمنه، ونحن نقول في التعبير الشعبي “رحمة الله واسعة” فهي واسعة باتساع البشر واتساع الخليقة كلها، ونحن نبدأ صلواتنا بجملة “أرحمنا يا الله” ونكررها في كل صلوات الكنيسة، كما نكررها في يوم الجمعة العظيمة ٤٠٠ مرة، ونكررها عندما نصلي في الصلوات الجماعية، ونستخدمها عندما نصلي من أجل بعض أيضا، وبالطبع يقبلنا الله سريعا مثل قصة المفلوج المدلى من السقف، الذي رحمه الله وقدم له الشفاء من أجل إيمان أصدقائه، فصلاواتك من أجل الآخرين تستمطر أيضا مراحم الله من أجل كل أحد.
أنني أريد أن أختم الصورة الجميلة لجملة “أرحمنا يا الله” كما وضحها الكتاب المقدس في مزمور 103 حيث أستطاع خلاله داؤد النبي أن يرسم صورة الصليب، على الرغم من أن داؤد النبي عاش قبل ميلاد السيد المسيح بحاولي ألف سنه، حيث قال فيه: “الرب رحيم ورؤف وطويل الروح وكثير الرحمة، لم يصنع معانا حسب خطايانا ولم يجازينا حسب أثامنا لأنه مثل أرتفاع السموات فوق الأرض يطرح رحمته على خائيفيه، وكبعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينا، فكأن القديس داؤد النبي في العهد القديم وقبل صلب السيد المسيح بألف سنة يرسم صورة الصليب من خلال المزامير، فيقول: “كمثل أرتفاع السموات عن الأرض قويت رحمته على خائيفيه”، وهي إشارة للضلع الرأسي من الصليب أي أنه ضلع “الرحمة”، وفي قوله “كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا” في إشارة للضلع الأفقي للصليب أي أنه “ضلع الغفران”، فكأن الصليب هو عبارة عن الرحمة والغفران التي يقدمها الله للإنسان، فيقول أن الصليب هو وسيلة سكب الرحمة والغفران على بني البشر.
هناك صورة أخرى أريد أن أشير أليها عن جملة “أرحمنا يا الله” في العهد القديم، في الأسفار المحزوفة، من سفر طوبيا حيث ذكر عن سارة زوجة طوبيا، أنها عندما تعرضت لضيقة قالت عبارة غاية في الجمال “أرحمنا يا الله أرحمنا حتى نشيخ كلانا معا في عافية” حيث كانت مرة النفس فستجاب لها الله.
ختاما أطلب من الله أن يحفظكم ويكون معكم ودائما… نرفع عيوننا إلى الله لكي نأخذ رحمته ونشعر بهذه الرحمة في حياتنا كل يوم… لألهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.