” ليس لدي وقت للقراءة ” هكذا يصرح كل من يستخف بأهمية القراءة ، مع العلم أن ثورة التكنولوجيا التي أدت إلى تعلق الجميع بمواقع التواصل الاجتماعي جعلت الكثيرين يعتقدون أن تلك القراءات العشوائية لأفكار متناثرة لمئات الأصدقاء قد تشبع عقولهم، وهم يتوهمون أن ذلك يغني تمامًا عن قراءة الكتب أو الصحف التي تنتمي لمؤسسات عريقة تخضع لضوابط وإشراف وتنسيق دقيق، ولها أهداف سامية.. ولكن لماذا نقرأ ؟
هل يجب علينا أن نقرأ لكي نتباهى بمعرفتنا وننتهز الفرص لنستعرض معلوماتنا ومعرفتنا بأحدث الإصدارات وأشهر الأدباء وأشهر العلماء وأهم القضايا العلمية والسياسية المثيرة للجدل؟ بالطبع لا. هل نقرأ الكتب بهدف التسلية أو ملء الفراغ في حياتنا؟ بالطبع لا ، لأنه بمجرد أن تتاح لنا وسيلة أخرى لملء الفراغ سوف نعزف عن القراءة . لكن الأمر أخطر من ذلك بكثير ، فالقراءة تغير حياة الإنسان وتغير مصائر الشعوب، وبالنسبة للأطفال في سن ما قبل المدرسة وما قبل الحضانة.. فالقراءة في سن مبكر جدًا تفجر عبقرية الصغار ، وكم من أطفال ظهر نبوغهم مبكرًا وتفوقوا على أقرانهم بل وأصبحوا مخترعين ! وماذا عن كبار السن ؟ القراءة تحمي الإنسان من الشيخوخة وتؤخر موت خلايا المخ .
ماذا يقرأ مارك زوكربيرج ؟
مارك زوكربيرج مؤسس ورئيس موقع فيس بوك لم يشغله عمله في فيس بوك عن قراءاته الخاصة، فهو يعلن من حين لآخر عن الكتب التي قرأها، وقد وضع قائمة لأهم الكتب التي ينصح الجميع بقراءتها، وهي تضم 23 كتابًا، نذكر منها :”مقدمة ابن خلدون”، “جيم كرو الجديد” بقلم ميشيل ألكسندر، “لماذا تسقط الأمم” بقلم دارون أسيمولجو وجيمس ايه روبنسون، “وزير الفقراء” بقلم داريل كولينز – جوناثان موردوخ – سيوارت راذرفورد – أورلاندا روذفن، ” النظام العالمي لهنري كيسنجر، “مصنع الأفكار “بقلم جون جارتنر، “الطاقة: دليل للمبتدئين” بقلم فاكلاف سميل. “زعيم عصابة ليوم واحد” بقلم سودهير فيكاتس، و “طبيعتنا الملائكية الأفضل” بقلم ستيفن بينكر”، ويأتي هذا الكتاب بترشيح من بيل جيتس أيضا .
الكتاب والطفل العبقري :
ما الهدف من القراءة للطفل في سن ما قبل المدرسة وما قبل الحضانة ؟ ليس فقط لتهيئة الطفل للقراءة والكتابة والتفوق الدراسي، إنما الهدف الأهم هو اكتشاف مواهب الطفل ودرجة ذكائه، فإن استجابة الطفل للصور والكلمات والأرقام والأفكار البسيطة التي توجه إليه قد تكشف نبوغه وعبقريته فيكون ذلك مؤشرًا لوالديه لتنمية مواهبه، فربما يكون لديهم أينشتاين جديد أو تولستوي جديد أو بيكاسو جديد أو توماس اديسون جديد .
ولدينا في مصر أمثلة لا حصر لها من أطفال عباقرة قدموا اختراعات مبهرة ، نذكر منهم على سبيل المثال الأخوين بدران محمد بدران ، ومحمود محمد بدران الذين تم تسليط الضوء على اختراع كل منهما عام 2011 ، حيث قام بدران في ذلك العام باستخدام المجال الكهرومغناطيسي لحماية المنشآت الهامة من هجوم الصواريخ، وكان قد بدأ قبل ذلك بعمل أبحاث عن القنبلة النووية، وهو منشغل بكيفية إبطال مفعولها، أما أخوه محمود محمد بدران، فقد قام بصنع خلايا شمسية جديدة من النبات، وسجل الاختراعان في أكاديمية البحث العلمي، وحاز كل منهما على جائزة المخترع الصغير من المركز القومي للبحوث .
الطفل المصري محمود وائل استطاع أن يردد عن ظهر قلب جدول ضرب 7 وهو في سن ثلاث سنوات ونصف وذلك بعد أن استمع إلى أباه وهو يشرح جدول الضرب لأخته الأكبر منه، وعندما خضع محمود لاختبار الذكاء حصل على 155 درجة ، في سن الحادية عشر خصصت له الجامعة الأمريكية منحة لدراسة اللغة الإنجليزية ودورات كمبيوتر يدرسها خريجي كلية الهندسة. وزير التعليم العالي عرض على محمود دخول الجامعة بعد الإعدادية لكنه رفض حتى يعيش سنه بشكل طبيعي مع أقرانه في المدرسة.
لدينا طفل مصري آخر يجهز علاجا لفيروس “سي” من خلال النانو تكنولوجي، وطفل مصري آخر تأثر بحادثة اغتيال النائب العام هشام بركات عام 2015 فقرر تصميم جهاز لكشف المفرقعات داخل السيارات.
هكذا فالطفل المصري لم يعد ذلك المستمع الهاديء لقصص الخرافات. لقد أصبح الطفل مهمومًا بأحداث الإرهاب والأمراض والأوبئة وتغير المناخ، ولو توافرت له الرعاية الكافية من الأسرة والمدرسة والدولة سوف يبهر الجميع بإنجازاته وابتكاراته.
أوليفر في النمسا :
والواقع أن الاهتمام بالطفل العبقري في مصر ليس على مستوى الاهتمام العالمي. ولنا أن نتذكر الطفل المصري أوليفر الذي يعيش في النمسا والذي وصف بأنه ثالث عبقري هناك بعد موتسارت وأينشتاين.
وقد نشرت عنه مجلة آخر ساعة عام 2006 . كانت معلمته ريناتا باتت تتناقش مع تلاميذها في الصف الثاني الابتدائي حول موضوع المجموعة الشمسية والكواكب والنجوم فسألت التلاميذ عن حجم الكرة الأرضية مقارنة بحجم الشمس، فرفع أوليفر يده واستفاض في الإجابة لمدة عشر دقائق متواصلة عن عدد كواكب المجموعة الشمسية ومواصفاتها وأحجامها وسرعة دورانها وحجم الشمس، وعندما قرأت المعلمة عن الموضوع في المراجع والموسوعات العلمية ذهلت لأن كل المعلومات التي ذكرها أوليفر كانت صحيحة .
هذا الطفل قام بتخطيط شبكة مواصلات لجزء من الحي الثاني في العاصمة نورد بانهوف وأهداه حاكم العاصمة جهاز كمبيوتر بكل مشتملاته، و اشتمل التخطيط على أن يسير القطار فائق السرعة.. الذي يسير في اليابان على قضبان مغناطيسية.. فوق نهر الدانوب.
وخطط أوليفر مدينة للأطفال في المدينة الحرة اكسكاليبور سيتي التي تقع على الحدود النمساوية التشيكية، وذلك بناءً على طلب صاحبها الملياردير الشهير رونالد سوينج الذي كان يرسل لأوليفر سيارة شيفروليه لنقله هو وأخيه مانويل ووالديه، طولها 12 مترا !
حققت له وزارة الصحة طلبه ووافقت على حضوره مجموعة من العمليات الجراحية المتنوعة، وأقامت له إحدى الصحف النمساوية حفلًا لعيد ميلاده بحضور عدد من نجوم الفن والرياضة وممثلة البرلمان بروني فوخس التي حملت معها رسالة لأوليفر من مستشار النمسا بخط يده، يعتذر فيها عن عدم حضور عيد ميلاد أوليفر بسبب سفره إلى روسيا !
صناعة المخترعين :
في إحدى ضواحي ولاية ساندييجو الأمريكية تقوم مدرسة فيبي هيرتس بعمل معرض سنوي للمخترعين الصغار وفازت مؤخرًا سبنسر ماكفاي الطالبة في الصف الثاني الابتدائي باختراعها الذي هو عبارة عن ماكينة لإطعام الطيور وإخفاء مفاتيح المنزل في نفس الوقت .
وقام التلميذ ديفيد هاتفيلد باختراع الكاب المبرد وهو يحتوي على جيوب داخلية بها أوعية ثلجية يمكن استخدامه في الأيام شديدة الحر وخاصة لاعبو الرياضة. والطفلة كاتي دوتشمان التلميذة في الصف الرابع الابتدائي صممت ترمومتر يوجد داخل وخارج فنجان الشوكولاتة الساخن وعلى طبق الفنجان يشير إلى درجة حرارة المشروب حتى لا يلسع من يشرب دون معرفة مدى سخونته.
وقام طفل آخر باختراع نموذج يشبه أرجوحة طرزان بها مكنسة تجمع كل اللعب الملقاة على الأرض في غرفة الأطفال .
يقول نيكولاس فرانكوفيتش المدير التنفيذي للمتحف القومي للتعليم في مدينة أكرون بولاية أوهايو الأمريكية، والذي قام بتنظيم المعرض القومي للمخترعين الأمريكيين الصغار:”بعض الكليات ترغب في إدراج تلك الاختراعات ضمن مناهجها الدراسية ، وإن الولايات المتحدة بدأت تعتقد أنه إذا لم نستطع أن نتفوق على الصين في مجال التصنيع فإننا يجب أن نتفوق في مجال الاختراعات .
المكتبة غيرت حياة ويليام كامكوامبا :
نشأ ويليام كامكوابا في قرية فقيرة جدا في مالاوي يندر فيها وجود التيار الكهربائي، وبالتالي لم يكن يمتلك كمبيوتر ولم يستخدم الإنترنت، له ستة أخوات، عاش في ظروف عائلية صعبة حتى أنه طرد من المدرسة لعدم سداد المصروفات، كان في المرحلة الإعدادية آنذاك في عام 2014 ، وبدلا من الاستسلام للسخط على الظروف القاسية بدأ يتردد على مكتبة القرية، ولفت نظره كتاب عن كيفية تصنيع طواحين الهواء.
وقرر أن يصنع واحدة بنفسه، وصنعها من الخردة وأشياء قديمة على سبيل المثال استخدم راديو قديم وإطار عجلة قديم، و نجح في توليد طاقة كهربائية لإضاءة منزله، وقد صنع واحدة أكبر من الأولى ثم واحدة ثالثة أكبر من الثانية، واستطاع توليد طاقة لتشغيل مضخات مياه لري أراضي القرية كلها .
وأخذ ويليام كامكوابا يطور في أبحاثه واختراعاته حتى نجح في أسلوب لتنقية المياه وعلاج الملاريا، وطاقة شمسية لإضاءة 6 منازل في قريته بجوار منزله، وحفر بئر عميق واستخرج الماء بواسطة مضخة تعمل بالطاقة الشمسية.
تهافت على القرية المفكرون والمخترعون والفنيون والمعلمون ، وعرضت عليه أكثر من شركة تمويل مشروعاته وتقديم منحة له لاستكمال دراسته . كل هذه النتائج الرائعة كانت بفضل كتاب واحد قرأه تلميذ فقير مفصول من المدرسة !
لنقرأ بوعي وحذر :
يكاد يكون الكتاب هو مصنع العلماء وملهم المفكرين والأدباء والفنانين .. بشرط أن نعي ونختار بعناية ماذا نقرأ حتى نرتقي بأفكارنا ونسمو بانسانيتنا، إذن هل توجد كتب يجب أن نتحاشاها؟ نعم، على سبيل المثال توجد مخطوطة قديمة في مكتبة لندن لم يستطع أحد أن يفك شفرتها ويفهمها على الإطلاق، لكنهم اكتشفوا أنها طلاسم تنتمي إلى عالم السحر، وبالفعل قد يعثر أي شخص على كتاب سحر ، و يجب حرق مثل هذه الكتب فورا لأنها كتب شيطانية تدمر حياة من يقرأها .
هناك أيضا كتب تحض على التطرف والتعصب والكراهية وتحض على العنف لا يجب قراءتها، وهناك أيضا كتب ومجلات تخاطب الغرائز وتثير الشهوات وتنشر أفكار مسمومة، هذه أيضا يجب تحاشيها لأنها تدمر الإنسان وتفقده عفته وتجره لرذائل مدمرة .
إن كتاب مثل “كفاحي” الذي ألفه هتلر أصبح دستورًا للحزب النازي وكل الحركات الفاشية في العالم، وخاصة في إيطاليا في ظل حكم موسوليني الفاشستي وفي أسبانيا في عهد فرانكو الفاشي . هل يجب أن نقرأ هذا الكتاب ؟!
بينما الكتاب المقدس لازال مصدرا للإلهام وتفسير معنى الحياة والسمو الروحي وبوصلة لإرشاد مئات الملايين من البشر على مدى الأجيال، وهو الكتاب الأكثر انتشارًا في العالم، وقد ترجم إلى 2000 لغة .