نظم مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية محاضرة بعنوان “الكنيسة القبطية خلال القرن الثاني عشر”، وذلك بمكتبة الإسكندرية، بقاعة الأوديتوريوم، ألقاها القمص يوسف تادرس الحومي، أستاذ تاريخ الكنيسة، وتاريخ الطقوس، وعلم المخطوطات بالمعاهد اللاهوتية وعضو جمعية الآثار القبطية بالقاهرة وعضو اللجنة الاستشارية –كنوز قبطية – لمكتبة الإسكندرية.
وفى بداية اللقاء رحب الدكتور لؤي محمود مدير مركز الدرسات القبطية بمكتبة الإسكندرية بالحضورالكريم ثم رحب بالقمص يوسف الحومى بمكتبة الإسكندرية وقام بتقديمه.
وخلال كلمته عن “احوال الكنيسة القبطية خلال القرن الثاني عشر” طرح القمص يوسف الحومى سؤال هام وهو لماذا هذا القرن وهذه الفترة ؟ واجاب فى ثمانى نقاط وهم:
اولا : فهى فترة حروب الفرنجة (الصليبية) وانحصار الأقباط بين المطرقة والسندال، وفي النهاية تغلب الوطنية على اي توجه .
ثانيا: القرن 12 كان معظمه في حكم الفاطميين وعاصر نهاية حكمهم وبداية الأيوبيين والفرق بين الحكمين بالنسبة للأقباط .
ثالثا: تقديم نماذج جميلة لابد من إظهارها في تعامل الحكام مع الأديرة والكنائس في هذه الفترة .
رابعا :في هذا القرن دخلت اللغة العربية رسميا للصلوات القبطية بقرار بابوي .
خامسا :إزدهار الترجمات الكنسية للعربية وأهمها ترجمة اولاد العسال للانجيل وهي الترجمة المستخدمة للآن في نصوص صلوات القداس بكتاب القطمارس.
سادسا: استقرار البابوات في القاهرة ولكن لم تستقر التقاليد البطريركية بشأن مكان الرسامة والزيارات الأولى وقراءة وثيقة التقليد والتجليس في اسكندرية ثم الدير ثم القاهرة وأثر ذلك في المشاكل التي نشأت بشأن مخالفة التقاليد الكنسية .
سابعا: إلقاء الضوء على الوزراء وكبار الكُتاب الأقباط ليس في العهد الفاطمي , إنما في عهد الأيوبيين الذي يُشاع انه خال من الوزراء الأقباط .
ثامنا :موقف صلاح الدين بعد تشدده مع الأقباط أولا , ثم التغيير واتخاذ سكرتير قبطي وإرجاع بعض المقدسات القبطية في القدس .
ثم قام بألقاء الضوء على الخلفاء ومعاصريهم من البابوات في القرن الثاني عشر فقال:
نتعرف أولاً على الوضع المدني والوضع الكنسي في مصر في القرن الثاني عشر
يأتي القرن الثاني عشر , ومصر تُحكم من قبل الدولة الفاطمية ويستمر حكمها حتى سنة 1171م حيث تعاقب على مصر من الحكام والبابوات في القرن الثاني عشر كل من:
– الآمربأحكام الله (1101 – 1131م ) الذي كان في الخامسة من عمره يوم تتويجه وأعد له الوزير “الأفضل” كرسيا صغيرا فوق مقدمة سرجه وانطلق به عبر القاهرة , ويعاصره البابا ميخائيل 68 سنة واحدة (+1102م) ثم البابا مكاريوس الثاني البطريرك 69 (1102 – 1128م) .
ويأتي الحافظ (1131 – 1149م ) في عصر للباباغبريال بن تُريك 70 ( 1131 – 1145م ) وابن تُريك أدخل تعديلات كثيرة في الطقوس فقسم صلوات البصخه الى ساعات , وسمح للغة العربية لأول مرة في القراءات وقانون الايمان والصلاة الربانية فقط .
وعاصره ايضا البابا ميخائيل بن دنشتيري 71 ( 1145 – 1146م) الذي لم يجلس على الكرسي سوى ثمانية شهور.
+ ويأتي البابا يؤانس الخامس 72 ( 1147 – 1166م ) معاصراً لأربعة حكام هم : للحافظ في آخر ثلاث سنوات ويستكمل عهده معاصرا للظافر (1149 – 1154م ) والفايز(1154 – 1160 )
وأخيراً العاضد لدين الله (1160 – 1171م ) . وبعد فترة حكم العاضد ينتهي حكم الفاطميين في فترة رعاية البابا مرقس الثالث بن زرعه 73 ( 1166 – 1189م ) بكارثة اذ تم إحراق مدينة الفسطاط – بمنطقة مصر القديمة – سنة 1168م بواسطة شاور وزير الخليفة العاضد لكي لاتقع في أيدي الملك عموري ملك بيت المقدس الصليبي اذ صب عشرين ألف برميل من النفط ليشعل المدينة لهيبا وظلت النيران تأكلها لمدة 45 يوماً وكان كثيرون من سكانها من الأقباط الذين تشردوا في النجوع والكفور , وهكذا جلب الفرنجة (الصليبيون) المصائب على الأقباط , واحدة بعد أخرى.
ثم يأتي حكم الدولة الايوبية (1171 – 1250م )، حيث ظل حكم الأيوبيين لمصر نحو ثمانين سنة عاصرهم في الكنيسة القبطية ثلاثة من الاباء البطاركة أتي منهم اثنين في القرن 12 هما :
تكملة فترة رعاية البابا مرقس الثالث بن زرعه , ثم البابا يؤانس السادس ابوالمجد بن أبي غالب الـ 74
(1189 – 1216م ) وعاصر صلاح الدين والعزيز من حكام بني أيوب في نهاية القرن الثاني عشر .
وهكذا نجد سبعة من البطاركة يقابلهم سبعة من الحكام . والرقم سبعة في التفسير الرمزي الكنسي يشير الى أرقام الكمال فالقرن 12 هو كمال بطاركة وكمال حكام .
وبعد التعريف بالحكام والبابوات انتقل القمص يوسف الحومى لنقطة أخرى ألا وهي علاقة الحكام بالأقباط خلال هذا القرن فقال:
يُذكر الآمر بعد موت الافضل – وزيره الذي ظل يحكم لمدة 20 سنه بسبب صغر سن الخليفة – وكان معه يعاونه الراهب أبي نجاح بن قنا الذي كان اولاُ في خدمة ابا البركات ابن يحى بن ابي الليث ثم تقرب للآمر وبذل له في مصادرة قوم من النصارى مائة الف دينار فأطلق يده فيهم – كما يقول ابن خلكان : في “وفيات الاعيان” .
وتسلسل الحال الى ان عم البلاد جميع رؤساء مصر وقضاتها وكتابها وشهودها وسوقتها .. و أظهر إمارات تجبر , جعلت الخليفة يجلده بالسياط حتى الموت وسنلقي الضوء عليه اكثر عند الكلام عن الوزراء الأقباط .
والتاريخ : يَذكُر لبابا الإسكندرية دوره في حل الأزمات الدولية ففي عهد المستنصر رسم الخليفة للبطريرك السفر للحبشة ليسألهم أن يطلقوا النيل الى أهل مصر , فلما توجه البطريرك اليهم وأكرموه وسجدوا له , وقالوا له ماحاجتك ؟ فقال إطلقوا ماء النيل الى أهل مصر فقال ملك الحبشة : …. نطلق لهم النيل فأطلقوه ووفيّ النيل تلك السنة . ويبدو ان النجاشي أمر بتطهير مجاري المياه حتي تتدفق بسرعة اكبر وقد كان . ويذكر المقريزي في خططه ان البابا ميخائيل الـ 68 (+ 1102م ) هو الذي سافر فقال :
” وكان المستنصر بالله لما نقص نيل مصر بعثه الى بلاد الحبشة بهدية سنية فتلقاه ملكها وسأله عن سبب قدومه , فعرفه نقص النيل وضرر أهل مصر بسبب ذلك , فأمر بفتح سد يجري منه الماء الى أرض مصر ففتح وزاد النيل في ليلة واحدة ثلاثة أذرع , واستمرت الزيادة حتى رويت البلاد وزرعت ثم عاد البطرك فخلع عليه المستنصر وأحسن اليه “.
وأضاف القمص يوسف الحومى عن الخلفاء وزيارات الأديرة فقال:
يذكر المؤرخ القبطي ابوالمكارم سعدالله بن جرجس ان الخليفة الآمر , كان يزور وبأنتظام أديرة الرهبان في عهد البابا مقارة (مكاريوس) الثاني البطريرك 69(1102 – 1128م) , وكان يغدق عليهم العطايا , وخصوصاً دير نهيا بالجيزة ( إندثر في القرن 14) ويذكر ابوالمكارم انه كان يعطيهم في كل زيارة الف درهم , وجمعوا من الزيارات 25 الف درهم , وبنى منظرة عالية بالدير ورمم الحصن الدايرعليه , كما انعم عليهم بثلاثين فدانا وقف للدير في ناحية طهرمس استمرت بأيديهم الى سنة 1169م فأنتُزعت منهم في عهد الأكراد الأيوبي.
ويقول المؤرخ الانجليزي استانلي لين بول : استمتع الخليفة الآمر – العاشق للحدائق في دير نهيا غربي الجيزة , حيث قام بتشييد إحدى المناظر واعتاد الذهاب للصيد وفي كل مرة يزور الدير يمنح رهبانه الف درهم.
وعندما نسأل لماذا دير نهيا ؟ يجاوبنا الشيخ تقي الدين المقريزي بوصف الدير قبل خرابه بقوله :
” دير نهيا قال الشابُشتي ونهيا بالجيزة , وديرها هذا من أحسن ديارات مصر وأنزهها , وأطيبها موضعاً , وأجلها موقعاً , عامر برهبانه وسكانه , وله في أيام النيل منظر عجيب , لأن الماء يحيط به من جميع جهاته , فإذا انصرف الماء , وزرعت الأرض , أظهرت أراضيه غرائب النواوير وأصناف الزهر , وهو من المتنزهات الموصوفة و والبقاع المستحسنة , وله خليج يجتمع فيه سائر الطير , فهو أيضا متصيد ممتع , وقد وصفه الشعراء , وذكرت حسنه وطيبه . قلت – اي المقريزي – وقد خرب هذا الدير “.
+ أما الخليفة الحافظ (1129 – 1149م) فقد إختار مكان نزهته في بستان بيعة السيدة العذراء المرتوتي جهة منطقة المعادي جنوب القاهرة , ويذكر المؤرخ ابوالمكارم عن ذلك : وحل بها – أي البيعة – الإمام الحافظ والإمام الظافر ولده …. وحضر بعد وفاته الإمام العاضد , وكل منهم يراعي هذه البيعة ويقبل إليه مايحمل من طعام الدير ..وهذه البيعة وسط البساتين وينظر من علوها بحر النيل المبارك والى بر طمويه من الجيزية”.
وليس هذا فقط بل كان يحضر الى الحافظ في قصره بطريرك الأرمن في مصر كل اثنين وخميس ليقص عليه السير والملاحم وتواريخ الملوك المتقدمين ويجلس مع الأمراء ووجوه الدولة واستمر هذا الى وفاة الحافظ.
+ ثم في عهد الخليفة الفائز في نهاية الدولة الفاطمية يرفع ضريبة فرضت على أسقف ورهبان دير طور سيناء ( سانت كاترين بسيناء) وأصدر لهم وثيقة قال فيها:
” … والحذر من تناوله من جهته , وإعتماده بالرعاية والملاحظة ,, والتحذير من تكليفه أو أحد رهبانه مَغرماً أو خسارة ” ونشرت هذه الوثيقة سنة 1956
ويذكر ستانلي لين بول في كتابه :
” .. وكان الحافظ مولعاً بزيارة الأديرة حيث شُيدت مناظر تطل أحياناً على حدائق منعزلة وتشرف على مشهد للنيل المبارك , وإعتاد هو وابنه الظافر , والخليفة الأخير العاضد لهذا السبب أن يترددوا على كنيسة العذراء بالعدوية التي تبعد ثمانية عشر ميلاً جنوبي القاهرة حيث أسهموا في دعمها مقابل حُسن ضيافتهم من قِبَـل الرهبان “.
وفي العصر الأيوبي :
قام صلاح الدين بتشييد قلعته الحصينه على تلال المقطم بواسطة مهندسيين قبطيين هما أبومنصور , وأبومشكور كما يذكر الدكتور عزيز سوريال، ولكن قبل أن يثق صلاح الدين في الأقباط , كانت له قرارات لم يسترح لها الأقباط مثل تصرفه في كنيسة مارمرقس القمحه بالاسكندرية . فخوفا من ان تقع كنيسة مارمرقس القمحة على شاطئ الاسكندرية ويتحصن بها العدو قرروا هدمها فهدمت , واثناء حملة صلاح الدين على بلاد النوبة وعناصر الشغب بالصعيد هُدم دير سمعان ( انبا هدرا) بأسوان ودير في ابريم بالنوبة.
لكن وقفة الأقباط مع المسلمين ضد هجمات الفرنجة ( الصليبين ) جعلته ينظر اليهم بنظرة جديدة فيها الثقة المطلقة، فاختار سكرتيرا خاصاً من الأقباط هو صفي الدولة بن ابي المعالي والمكني بابن شرافي دعاه المؤرخ ابوالمكارم بالشيخ الرئيس، وكاتب السلطان، فقد عاصره سنة 892 ش (1176م ) ويذكر ايضا انه دفن في كنيسة الامير تادرس المشرقي بحارة الروم.
وبعد الانتصار في موقعة حطين سنة 1187م واسترداد القدس , تغيرت الامور أكثر بعدما رآه من إخلاصهم , ومساندتهم له , وظهر هذا بالأكثر بعد وقفة الاقباط في المنصورة مع المسلمين في الدفاع عن البلاد ضد حملة لويس التاسع , وبعد زحفه على القدس أراد ان يكافيء رعاياه الاقباط الذين رافقوه في حملته ككُتاب وبعضهم كعمال وكانوا مخلصين في اداء واجباتهم .
فرد اليهم كثير من الاملاك والاديرة والكنائس التي اغتصبت منهم فرد صلاح الدين ايضا للاقباط دير الملاك بالقدس المعروف بدير السلطان الذي كان استولى عليه الصليبيون، وهو يُعرف بهذا الاسم ( دير السلطان ) من قبل صلاح الدين بسنين عديدة من وقت السلطان جلال الدين السلجوقي (الأتراك السلاجقة) الذي سمح للمعلم منصور التلباني القبطي عامل القدس في عهده – تقديراً لإخلاصه في خدمته – أن يُعمر كنيسة في هذا الدير دُشنت في عهد البابا كيرلس الثاني البطريرك الـ 67 سنة 808 ش ( 1092م م ) وقصد بهذا أن يكون ملجأ لمن يصل القدس من الأقباط وهذا العمل أكد التسمية أكثر وهنا لابد أن نذكر أن وجود كنيسة دير السلطان قبل صلاح الدين . فيحكي كتاب تاريخ البطاركة للانبا ساويرس بن المقفع , في سيرة البابا كيرلس الثاني الـ 67 (وهي السيرة التي سطرها المؤرخ موهوب بن منصور) انه في سنة 485 هجرية (1092م) : ” كان الغُز قد ملكوا مدينة القدس المحروسة .. راعوا النصاري المقيمين فيها واستخدموا في عمالة البلد رجلا نصرانيا يعقوبي (قبطي) محب للمسيح يُعرف بمنصور التلباني… أعمر كنيسة اليعاقبة الأرثذكسيين في القدس وكتب الي الأب البطريرك (البابا كيرلس الثاني) سأله إنفاذ من يكرزها , واستقر مصير أحد الاساقفة لتكريزها في برمهات 808 للشهدا “(مارس 1092م).
كما سمح للأقباط بزيارة القدس بعد أن منعوهم الصليبين فترات طويلة، وكان قد أغلق كنيسة القيامة ولكنه عاد وفتح القيامة سنة 1182م نظير رسوم يأخذها منهم .
ولهذا سد جميع ابواب كنيسة القيامة وخاصة الغربي وترك الباب القبلي الحالي لتحصيل الرسوم , وأعفي الأقباط والأحباش والكرج من هذه الرسوم , ومن هذا الوقت أصبحت مفاتيح القيامة في يد عائلتين مسلمتين ولاتزال.
ويضيف القمص يوسف الحومى أصبح الأقباط بين نارين بقولة “لآبد لنا من وقفة حول حروب الفرنجة (الصليبية) وموقف الأقباط منها، حيث كان بعض الحكام يتوجسون خيفة من المسيحيين الشرقيين لئلا يتعاونوا مع هؤلاء الأعداء الافرنج ولم يدروا بخلدهم اختلافهم معهم في المذهب من قت مجمع خلقيدونية في القرن الخامس حيث افترقت المذاهب , والصليبيين الذين يتبعون الكنيسة الغربية يعتبرون الأقباط الارثوذكس الشرقيين هراطقة”.
ويذكر المستشرق ” رينو” ان الصليبيين منعوهم من زيارة القدس بسبب تعاونهم مع المسلمين في الدفاع عن بلادهم, ورأي الأقباط ان هزيمة الفرنج عقابا من الله . وهكذا كان الأقباط بين ناريين نار الفرنجة ونار شك بعض الحكام.
وذكر القمص يوسف الحومى بعض الأمور التي تظهر عداء الصليبين للأقباط منها هذا الموقف
فقد حدث فيما بعد مع تطور الاحداث في عهد البابا يؤانس العاشر الـ 85 (1363- 1369م ) ان هجم الصليبيون على مدينة الإسكندرية ونهبوا الأقباط والمسلمين جميعاً وأثناء الغارة جروا ابنة كاهن يدعي القس جرجس بن فضائل وهي شابة كانت مصابة بالشلل , وأجبروها على تسليم كل مافي صندوق الكنيسة من مال , ورغم انها اعلنت لهم انها مسيحية ورسمت لهم علامة الصليب إلا انهم قاموا بنهب وسلب الكنيسة هذا ماحدث لاحقا . ونرجع الى القرن الثاني عشر .
وذكر القمص يوسف الحومى وزراء اقباط آخرين في العصر الأيوبي :
+ في بداية الدولة الايوبية عُين زكريا إبن أبي المليح بن مماتي – وهو من اسيوط – في ديوان الحرب , ولما اسلم صار وزيرا للمالية , ويذكر الدكتور عزيز سوريال عطية انه مات بحلب سنة 1209م.
+ وفي عهد الملك العادل سيف الدين الأيوبي ( 1199 – 1218م ) اختار ابن الميقات القبطي بمثابة وزير للحرب , وهو المعروف في المصادر العربية باسم صفي الدين.
وذكرنا لهذين الوزيرين يرد على مقولة انعدام الوزراء الاقباط في العهد الايوبي .
وعن اللغة العربية والقداس القبطي اضاف القمص يوسف الحومى
بدأ الأقباط بالكتابة باللغة الغربية ابتداء من القرن العاشر وابن المقفع خير ذليل على ذلك , وبالرغم من هذا وحتى القرن الثاني عشر لم تكن اللغة العربية قد دخلت الى صلوات الكنيسة فقد كانت الصلوات كلها لاتزال تتلى بالقبطية بما فيها الجزء التعليمي الذي يقرأ فيه أجزاء من الإنجيل ورسائل الرسل , وصلاة قانون الإيمان والصلاة الربانية , ولكن نجد في هذه الفترة تطويراً جديداً يظهر , ذلك أن البابا غبريال بن تُريك البطريرك الـ 70 الذي جلس على كرسي البطريركية سنة 1131م قد سمح ولأول مرة بتعريب جزء من الصلوات وخصوصا التي بها الشق التعليمي فقرر من خلال القانون الثالث من قوانينه :
الثالث من قوانينه فقال : ” يجب على كل اسقف منكم ايها الاساقفة ان يعلم الشعب الذى يرعاه وليلزمهم بحفظ الذُكصا و الصلاة التى علمها السيد المسيح لتلاميذه , و الامانة المقدسة [قانون الإيمان] باللسان الذى يعرفه و يفهمه ليصلى به فى الصلاه , فلا يهذى بما لا يعلمه و ما قدر على اكثر من ذلك فله اجره ”
وقد فسر الاستاذ الدكتور إميل ماهر (القمص شنوده ماهر) في بحثه ” تراث الادب القبطي” قانون البابا غبريال هذا بقوله :
” فالقانون الثالث من قوانين البابا غبريال بن تريك في القرن الثاني عشر يطالب الاساقفة بتعليم رعيتهم الصلاة الربانية , والامانة المقدسة باللسان الذي يعرفونه ويفهمونه , والمعروف أن هذا البابا هو أول من صرح بقراءة الأناجيل والرسائل والمواعظ باللغة العربية , بينما استمرت صلوات القداس الالهي تُتلي كلها باللغة القبطية وحدها .
لأن القبط كانوا يعتقدون أن التقديس باللغة العربية غير جائز شرعاً . واستمر الوضع علي هذا الحال الي أواخر القرن التاسع عشر حين بدأ بعض الكهنه بترجمة أجزاء من القداس الي العربية , بعد تلاوتها أولاً باللغة القبطية “.
أما الكتابة باللغة العربية فهي تسبق قانون البابا غبريال بقرنين من الزمان حيث أنه من المعروف أن الأسقف ساويرس بن المقفع كتب كتابه الشهير : سير البيعة المقدسة أو تاريخ البطاركة في القرن العاشر مترجماً عن اليونانية والقبطية ومكملاً بعض السير , وأفتيخوس بطريرك الروم الملكية سبقه بقليل .
كنائس مدينة الإسكندرية ظلت تصلي باللغة اليونانية إلي القرن الثاني عشر الميلادي , فيما عدا كنيسة مارمرقس الشهيرة بالقمحة وكانت على البحر (إندثرت)، كما يذكر ابوالمكارم في تاريخه عن الكنائس والاديرة , إي بعد دخول العرب ولغتهم العربية بخمسة قرون .
ويذكر ابن سباع في القرن 13 ان من الشروط التي تؤخذ علي البطريرك عند رسامته , والتي لابد ان تتم في الاسكندرية انهم : ” يأخذوا خط يده بأنه لايغير عليهم لسان لغتهم الرومية الذي (التي) إتخذوها عن مرقص الانجيلي”.
ولاتزال مخطوطات الأديرة القبطية ومخطوطات البطريركية تحتفظ بنص القداس باللغة اليونانية القديمة (الرومية) .
وقد نشر العالم رينودو نحو سنة 1655م النص اليوناني القديم للقداس الباسيلي وأعاد نشره دير أبومقار 2003م كما ظلت القبطية و اليونانية حية على ألسنة رجال الكنيسة في القرن الثاني عشر لأن تاريخ البطاركة يذكر عن البابا مقاره (مكاريوس) الثاني أن التقليد الخاص به قد قُريء في كنيسة المعلقة بمصر باللغات اليونانية والقبطية والعربية سنة 1102م.
وأضاف القمص يوسف الحومى عن إستقرار البطاركة في مدينة القاهرة وعدم استقرار التقاليد :
ففي القرن الحادي عشر نقل البابا خرستوذلو ( اي عبدالمسيح) الـ 66 مقر البطريركية , والمقر البابوي من مدينة الإسكندرية الى مدينة القاهرة , ثم يأتي القرن الثاني عشر ونجد إستقرار الكرسي المرقسي والمقر البابوي في كنيسة بالقاهرة , وظل بهاوبالرغم من عملية النقل إلا أن رسامة البابا البطريرك وتجليسه ظلت تتم في مدينة الإسكندرية المقر التاريخي . حتي بعد نقله للقاهرة، أصبحت محكومة بشروط وتقاليد وزيارات لابد ان يقوم بها ففي القرن 14 أي بعد نقل الكرسي بثلاث قرون من الزمان، يذكر العلامة القس شمس الرياسة ابن كبر كاهن المعلقة في القرن الرابع عشر،ما كان يحدث – أنه لكي تصح بطريركيته كان لابد من بعد رسامته بالإسكندرية زيارة ثلاث كنائس فيها اي الإسكندرية وعمل قداس بها وقراءة تقليده فيها. ففي اليوم الاول يزور كنيسة الانجيلين الاربعة، وفي اليوم الثاني كنيسة الملاك ميخائيل القيصرون واليوم الثالث كنيسة مارمرقسالقمحا التي كانت علي البحر، وبهذا يقبله أهل الإسكندرية كبطريرك، وبعدها يزور دير ابومقار ويصلي القداس به ويقرأ تقليده ليقبله رهبان الاديرة، ثم ينتقل للمعلقة بمصر ليصلي ويقرأ تقليده ويذكر تاريخ البطاركة أمثلة لهذا في القرن 12 منها رسامة البابا مقار الاول الـ 59 سنة1102م: “لما كرز في الاسكندرية ودير أبومقار ومصر علي العادة ونجز شغله من مصر إنحدر الي الإسكندرية”.
ومثال أخر ماذكر عن البابا غبــــريال بن تريك الـ 70 سنة 1131م: “ثم طلعوا به المعلقة وألبسوه ثياب الرهبنه..وركبوا معه جماعه الي الاسكندرية فكرز بها كما جرت العاده وقدس وكرز كهنه بها، وطلب ان يمضي الي دير أبومقار يكمل تكريزه فلم يقدر من كثرة العربان فمضي الي مصر”.
ثم يذكر تاريخ البطاركة عنه انه : “لما عاد هذا البطرك الي الجيزة بعد مجيئه من اسكندرية طلع الي دير القديس ابومقارليكرزوه هناك علي جاري العادة لمن تقدمه من البطاركة”. مخالفة التقليد وخلاف مع الدير: وفي سنة 1102م لما تأخر البابا مقارة الثاني الـ 69 عن زيارة دير ابومقار بعد رسامته في 9 نوفمبر 1102م، يذكر تاريخ البطاركة أن رهبان دير أبومقار إختلفوا معه، وكان رهبان دير أبومقار يشعرون أن لهم دور كبير في الكنيسة بعد نقل علوم مدرسة الإسكندرية اليهم وخروج أكبر عدد من البطاركة من ديرهم . لذا ظل البابا مقارة (مكاريوس) الثاني، لايصلي من قبل عيد الميلاد بخمسة ايام الي بعد عيد الغطاس بأثني عشريوما حتي صلي في دير ابومقار حسب التقليد المتبع، ثم رجع وصلي في القاهرة. وقال تاريخ البطاركة عن ذلك:
” ووصل [البابا مقارة الثاني] الي مصر [بعد رسامته بالاسكندريه في يوم 12 كيهك 819 ش – 1102م ] يوم السبت الرابع والعشرين من كيهك المذكور , واجتمع الاراخنه والشعب في يوم الاحد غدوة [غده اي اليوم التالي] في كنيسة السيدة المعلقة وظنوا أنه يقدس ويكرز فاجتمع جماعة من رهبان دير ابومقار وقالوا ما يقدس بعد قداسه في اسكندرية إلا في دير ابو مقار كما جرت عادة من تقدمك فان انت نقضت هذا الرسم وقدست اليوم في هذه الكنيسة بمصر قبل ان تقدس في اسكنا ابو مقار ما يكون بيننا وبينك معاملة فيما بعد ولانرفع اسمك في هيكلنا ولا ندعك تدخله ولاتقدس فيه ابدا ولو قتلنا كلنا . وشعثوا وجلبوا واكثروا الكلام والصياح فلم يقدس في ذلك اليوم واقام بمصر لم يقدس الا بعد الغطاس وسار الي دير أبو مقار في النصف من طوبة وقدس في الاسكنا بكنيسة أبومقار في يوم الاحد الثالث والعشرين منه وعاد الي مصر وقدس في كنيسة السيدة المعلقة بمصر في يوم الاحد آخر طوبة من السنة المذكورة وكرز فيها وكان يوم حسن وقرى تقليده على الانبل يوناني وقبطي وعربي وكمل القداس كما يجب وقرب جميع الشعب وكان خلق كثير قد اجتمع في ذلك اليوم حتى ضاقت بهم الكنيسة وفرح الشعب وشكروا الله تعالى على رحمته” وظلت الرسامات تتم بمدينة الإسكندرية : وحتى بعد انتقال إقامة البابوات في القاهرة ظلت الرسامة تتم في الإسكندرية المقر التاريخي للكرسي ,ثم يرجع لمقره بالقاهرة , واستمر هذا الوضع تقريبا حتي القرن السادس عشر كما ذكرنا بسبب عدم الأمان لطرق المواصلات، واندثار معظم كنائس مدينة الإسكندرية.
وأضاف القمص يوسف الحومى عن الوزراء والأطباء والكتبة والمؤرخين الأقباط فقال الوزراء في العهد الفاطمي، يقول دكتور عبدالمنعم سلطان في كتابه : ” المجتمع المصري في العصر الفاطمي ” : كان من الصعب بل من المستحيل على الخليفة أو الحاكم أو غيره من الخلفاء الإستغناء نهائياً عن أهل الذمة في دولته لإمتيازهم ببعض الأعمال الهامة التى لايجيدها غيرهم وخاصة وظائف الدواوين والمالية والطب ولذا كثر استخدام الأقباط في خدمة الدولة الفاطمية وبعدها الأيوبية سواء كوزراء أو كتاب، حيث كانت فئة الكتاب تحمل على عاتقها العمل الإداري للدولة .
بشأن الوزراء الأقباط : كنا قدمنا ورقة بحثية في مؤتمر التراث العربي المسيحي في دورته الـ 26 عن : الوزراء الأقباط في عهد الدولة الفاطمية (مابين 969 – 1171م ) وحصرنا حوال خمسة عشر وزيرا قبطيا في هذه الفترة قدمنا عنهم ورقة بحثية في الدورة 26 لمؤتمر التراث العربي المسيحي ولكنهم جاءوا خلال ثلاث قرون وقبل ذكر الأسماء ننوه الى الألقاب .
ألقاب الوزراء الفاطمين : اهتم الفاطميون بإعطاء الوزراء – وسائر ارباب الدولة القابا شرفية كثيرة واول من اخذ لقب شرفي هو : ابن عمار الذي دُعي أمين الدولة , وكذلك لقب الوساطة . والوساطة : كما عرفها القلقشندي في ” صبح الأعشى ” : منصب دون الوزارة في الرتبة وقد حل محل الوزارة في بعـــض الاوقات . واستعمل في العهد الفاطمي للوزراء لان الوزير يكون وسيطاً بين الخليفة والرعية . ومنذ سنة 1137م اخذ الوزراء الفاطميون لقب ” ملك” مثل الوزير الأفضل الذي عرف بالملك الأفضل . ولقب برجوان بلقب ” قائد القواد ” , ولقب ابن عبدون بـ ” الكافي ” ولقب زرعة بن نسطورس بـ ” الشافي ” , والحسين بن ظاهر بـ ” امين الامناء ” ويانس بـ “سيف الاسلام” وهكذا ….
علما بأن رئيس الدواوين , يعادل رئيس الوزراء الأن , وديوان الجهبذية اي زراة المالية والمقصود هنا الضرائب , وغيرها من الألقاب والمسميات التي شاعت في هذه الفترة .
ومن الوزراء نذكر
+ ابوسعد بن زنبور من جملة وزراء المستنصر بالله ابي تميم سنة 487هـ ( 1094م) أواخر القرن الحادي عشر . وبداية القرن 12
وابويوسف يعقوب ابن ساويرس الملقب بالرئيس الحكيم الكاتب .
+ الافضل ابي القاسم شاهنشاه (1121م ):
حينما مات بدر الدين الجمالي عن عمر يناهز 80 سنه خلفه ابنه أبو القاسم شاهنشاه ولقب بالأفضل ,
ظل في الوزارة نحو 38 سنه , وكان قد تولي اولا في حياة ابيه بعد اسلامه , وكان له الفضل في اقامة الخليفة الآمر ابن المستعلي موضع ابيه بعد وفاته , ودبر دولته , وحجر عليه ومنعه من ارتكاب الشهوات فحمله ذلك على ان عمل على قتله فوثب عليه جماعة قتلوه في شهر رمضان 515هـ ( نوفمبر 1121م ) وذكره ابن الصيرفي في كتاب : ” الاشارة ” , وكذلك ابن خلكان في : ” وفيات الاعيان ”
+ وفي عهد الآمر : وبعد موت الافضل – وزيره الذي ظل يحكم لمدة 20 سنه بسبب صغر سن الخليفة – كان معه يعاونه الراهب أبي نجاح بن قنا رئيس الدواوين مابين ( 1125 – 1129م ) : الذي كان اولاُ في خدمة ابا البركات ابن يحى بن ابي الليث ثم تقرب للآمر وولاه رياسة الدواوين سنة 519 هـ / 1125م , وبذل له في مصادرة قوم من النصارى مائة الف دينار فأطلق يده فيهم – كما يقول ابن خلكان في وفيات الاعيان – وتسلسل الحال الى ان عم البلاد جميع رؤساء مصر وقضاتها وكتابها وشهودها وسوقتها , ومن الناس الذين صادرهم انه : ” صادر رجلاً جمالاً فأخذ له عشرين ديناراً ” , وكان يصرف ببذخ وكانت تصنع له ملابس خاصة به في تنيس ودمياط من الصوف الأبيض المحلى بالذهب , وكان يركب بالسروج المحلاة بالذهب والفضة , ويدخل الى جامع عمرو فيجلس هناك ويستدعي الناس.. و أظهر إمارات تجبر , جعلت الخليفة يجلده بالسياط حتى الموت سنة 1129م
قال عنه ابن ميسر في ” أخبار مصر ” :
” فيها [أي سنة 523هـ / 1129م ] قُتل ابونجاح النصراني المعروف بالراهب , قتله الامير مقداد والي مصر وصلبه عند الجير, ثم أمر به فأُنزِل ورُبط على خشبة ورُمي به في النيل … حتى خرج الى البحر المالح . وكان ابتداء أمره أنه كان يخدم والي الدولة ابا البركات بن أبي الليث , ثم اتصل بالآمر [ بأحكام الله الفاطمي ] بعد قتل المأمون وبذل له في مصادرة قوم من النصارى مائة الف دينار فأطلق يده فيهم , وتسلسل الحال حتى عم البلاء منه لجميع رؤساء مصر وقضاتها وكتّابها وسوقتها بحيث لم يبق أحد إلا وناله منه مكروه من ضرب أو نهب أو أخذ مال . وإرتفع عند الخليفة حتى كان يُعمل له بتنيس ودمياط ملابس مخصوصة به من الصوف الأبيض بالذهب فيلبسها ومن فوقها غفارة ديباج , ويتـطيب بعدة مثاقيل مسك كل يوم فكان يشتم ريحه من بعيد , ويركب الحمير بسروج محلاة بالذهب والفضة , ويجلس بقاعة الخطابة في الجامع العتيق بمصر ويستدعى الناس للمصادرة . واتفق أنه طلب يوماً رجلاً من مصر يعرف بأبن الفرس , من العدول المتميزين , وكان معظماً عند الناس فأهانه وأخرق به , فخرج من عنده ووقف بالجامع في يوم جمعة وقال : يا أهل مصر , أنظروا عدل مولانا الآمر في تمكينه النصراني من المسلمين , فإرتج الناس لكلامه وكادت تكون فتنة , فدخل خواص الآمر وخوفوه عاقبة ذلك … وكان بحضرته رجل من الأشراف فأنشد : ان الذي شُرُفت لأجـــله يَزعم هـذا أنه كاذب.
فقال له : ماتقول ياراهب ؟ فسكت . فأمر به فقتل …. وأصله من أشمون طناح , وترهب أولاً على يد أبي اسحاق بن أبي اليمن وزير بن عبدالمسيح متولى الديوان بأسفل الأرض [ أي الوجه البحري] ”
+ وفي عهد العزيز كان الوزير يدعي فضل , ولم يكن وجود الوزراء من المسيحيين يجد قبولاً من بعض المسلمين , ولذا نجد الشاعر الحسن بن بشر الدمشقي يتعرض في شعره لهذا الوضع في اثناء حكم الخليفة العزيز حسب ماذكر ابن الأثير فقال :
” تَنصر فالتنصر دين حـــــــــــــــق عليه زماننـــــــــــــــــــا هذا يَدُلُّ
وقُــــــل بثلاثةِ عزّوا وجلٌّـــــــــــوا وعطِــــــــــل ماسواهم فهو عطل
فيعقوب الوزير آب وهــــــــذا الـــــ ………. العزيز إبن وروح القدس فــــضلُ
ولما شكا الوزير الفضل أمر هذا الشاعر الى العزيز وطلب معاقبته , لم يستجب الخليفة اليه إلا على مضض ثم عفا عنه
+ الأخرم بن أبي زكريا رئيس الدواوين :
انتهت وزارة رضوان الولخشي سنة 1139م , وبعده عهد الخليفة الحافظ بالوزارة الى رجل نصراني يدعى الأخرم بن زكريا وتولى رئاسة الدواوين , فعاد معه كثير من الكتاب النصارى الى وظائفهم , ويذكر المقريزي في خططه أن للعرافيين دور في الاشارة اليه وبحث عنه الحافظ وسلمه الدواوين وفي عهده رجع كُتاب النصاري أوفر ماكانوا عليه .. وتظاهروا بالملابس … وركبوا البغلات الرائعة والخيول المسومة بالسروج المحلاة واللجم الثقيلة …واتخذوا العبيد والمماليك والجواري.
ومن المسيحيين الأرمن: عين الحافظ (1130 – 1149م) وزير أرمني هو بهرام بن أسيد الأرمني في 3 ابريل 1135م , وقد احضر اخوته واهله من ارمينية ومالبث ان بلغ عدد الارمن في مصر ثلاثين الف , وكان اخوه الباساك واليا على مدينة قوص . ولكن لم يدم السلام طويلا له لأن الدسائس والفتن كثرت حوله حتى أن رضوان الولخشي والى الغربية قدم على رأس جيش كبير لمحاربة بهرام , وفر بهرام من القاهرة ودخلها رضوان وتولي الوزارة مكانه , وكان ذلك يوم الجمعهة 13 جمادي الاولى 531هـ ( 5 فبراير 1137م ) ولما وصل الخبر الى قوص تجرأ اهلها وقتلوا اخو بهرام – الباساك – ورميت جثته في القمامة , وامتدت ايدي النهب والسلب الى دور الارمن وكنائسهم وقتل بطريركهم في دير الزهري، ثم أعقبها طرد جميع النصارى من الوظائف في انحاء الدولة وانتهت وزارة رضوان يوم 13 شوال 533هـ ( 12 يولية 1139م ) .
وتنحى بهرام عن الوزارة ولكنه لم يفقد صداقة الخليفة فأسكنه في قصر , ثم ذهب وترهب في دير انبا شنوده بسوهاج وبعد قضاء سنوات عديدة رجع الي القاهرة من الصعيد بطلب وحماية الخليفة الحافظ له وتوفي بهرام يوم 24 ربيع الثاني 535هـ ( 7 ديسمبر 1140م ) ومشي الخليفة في جنازته الى قبره في دير الخندق وسط صلوات الكهنة ورائحة البخور وبكي عند قبره.
يانس الأرمني (1131 – 1132م ) :
في بداية عهد الحافظ يأتي إسم : ” يَـانِس ” العبد الأرمني للأفضل كوزير له , ذكره المناوي في : “الوزارة والوزراء” ،كان مولى(عبد) أرمنياً اُهديّ الى الافضل ابن امير الجيوش بدر الجمالي , وترقى في خدمته فولي الباب (صاحب الباب اي الوزارة الصغرى) وكني بأبي الفتح , ولقب بالامير السعيد , ولما ولي الوزارة في عهد الخليفة الحافظ نُعت بناصر الجيوش سيف الاسلام وإتخذ فيما بعد اسم : [ أمير الجيوش سيف الإسلام أبوالفتح يانس الحافظي ] وكان عظيم الهمة شديد الهيبة, وأمضي في الوزارة الصغرى ( صاحب الباب) أقل من عام بيد أ ن الامور ساءت بينه وبين الخليفة الحافظ فقتله بالسم في 26 ذي الحجة سنة 526هـ ( 7 نوفمبر 1132م) وذكره القلقشندي في صبح الأعشى , والمقريزي في إتعاظ الحنفاء.
وعن الأطباء المسيحيون
في عهد الفاطميين ظهر كثيرين من الأطباء المسيحيين الذين عالجوا الخلفاء ونالوا ثقتهم منهم ابوسهل كيسان بن عثمان بن كيسان , وأخوه ابوالحسن سهلان بن عثمان بن كيسان وابوالفتح منصور بن سهلان … وغيرهم …. وللاستزادة يمكن الرجوع الي كتاب الاب لويس شيخو , وكتاب الاب ميشال نجم وهؤلاء كانوا قبل القرن الثاني عشر .
أما في القرن 12 ففي خلافة الحافظ يظهر اسم النصراني ابن قِرقَــة ” الذي كان عالما في علم السموم , و كان آمر خزانة الملابس , وكان يملك داراُ رائعة على الخليج , وأثناء علاج ابن الخليفة تسمم فأُلقى به في السجن ثم أعدم وفي عهد الدولة الايوبية كان هناك اربعة أطباء مسيحيين خاصيين بصلاح الدين هم:
ابن المطران موثق الدين ابونصر اسعد بن ابي الفتح و ابوالنجم النصراني ابن ابي غالب بن فهد و ابوالبيان بن مدور و ابوالقادر هبة الله .
من أشهر الكتاب الأقباط في هذا القرن :
+ البابا غبريال بن تُريك فقد قبل البطريركية كاتبا في الدواوين باسم ابوالعلاء صاعد بن تريك , ثم رسم شماسا فبطريركا سنة 1131م .
+ البابا مرقس بن زرعه قبل البطريركية , كان في وظيفة مستوفي الديوان باسم ابا الفرج ابن ابي السعد بن زرعه، ثم رسم بطريركا سنة 1166م .
+ وكان ابوالفرج بن زنبور كاتب السوباسي التركي والي القاهرة , وانه أكمل عمارة كنيسة السيدة المعروفة بالمرتوتي (المعادي الآن).
+ ويوحنا ابن ساويرس وكان كاتبا وله من الكتب : ” العلم والعمل في كيفية وجوب البقاء ” طبع بمصر 1913م .
+ والسديد ابوالفضائل ابن ستمائة كاتب الامير على بن احمد الكردي في خلافة المستضيء جدد كنيسة باسم الملاك ميخائيل .
+ وابوالبركات بن صاعد والد النجيب ابي البركات بن صاعد جدد عمارة كنيسة يوحنا المعمدان وكرزت في سبتمبر 1180م.
+ والشيخ ابن كتامة المكين ابوالبركات وجدد كنيسة الاربعة كائنات وكنيسة ابي مينا في الخلافة الفائزية , وابوسعيد المهذب الخطير ابن مماتي كاتب بديوان الجيش وقد اسلم .
+ وابوالبركات بن ابي سعيد هبلان الكاتب الذي جدد قبة خشب على المذبح بكنيسة مرقوريوس.
وقام الناصر لدين الله (1180 – 1225م ) في مطلع خلافته بابعاد النصارى عن الوظائف الرسمية بخجة انهم يسرقون اموال المسلمين .. فأبعد آنذاك ابن الاشقر الكاتب في ديوان الارض في ابريل 1184م , ولم يثبت ابنه في وظيفته إلا بعد اعتناقه الإسلام.
وفي اواخر القرن الثاني عشر نجد الكاتب ابوسعيد جبريل ابن الاعرج , وابن امين الملك ابن المحدث الكاتب , والشيخ ابوسعيد ابن أندونه المستوفي بالديوان الخاص العادلي ( العادل الأول احمد بن ايوب ).
هذه نماذج فقط وليست حصراُ بكل الوزراء والكتاب في القرن الثاني عشر , منهم من اسلم ومنهم من ظل على دينه وخدم الدولة والكنيسة من خلال مساهماتهم في ترميم الكنائس .
وبالإجمال فإن المؤرخ الإنجليزي ستانلي لين بول يقول عن هذه الفترة “عومل نصارى مصر بمراعاة نادرة أكثر بكثير مما كان عليه الحال فيمن تلاهم من الحكام ……. فلم يسبق للأقباط والأرمن أن تلقوا كل هذا الإحسان من قِبل حكام مسلمين , لقد كانوا مفضلين .. وعينوا بأعلى مناصب الدولة … وكانت معظم المناصب المالية في الحكومة آنئذ – مثلما كانت دائماً – في حوزة الأقباط . فقد كانوا جامعين للضرائب , ومراقبين للحسابات , فأصبح من غير الممكن الإستغناء عنهم بسبب قدراتهم .
ونقرأ بشكل متواصل أثناء حكم الخلفاء السابقين (من الفاطميين) عن بناء وترميم الكنائس مسجلاً بواسطة النصراني ابي صالح حيث يعكس تاريخها المعاصر بدقة حالة مصر عند نهاية الحكم الفاطمي”.
وظهر كثير من الكتاب والمتعلمين وبدأ يكثر التراث الكنسي المكتوب والمترجم للغة العربية وفي عهد الدولة الايوبية ظهر أولاد العسال : وهم ثلاثة إخوة شغلوا مناصب كبيرة في الدولة , وعلماء كنسيون شغل احدهم منصب سكرتير مجمع الاساقفة وآخر رسم كاهنا , وثالث يكلف النساخ من الرهبان بنسخ الكتب , ووضعوا كتبا ودراسات لاهوتية وقانونية , ولهم ترجمة شهيرة للاناجيل راجعوها على النسخ اليونانية والقبطية والسريانية ولاتزال الكنيسة القبطية تستخدم ترجمات أولاد العسال للكتاب المقدس في صلوات القداس من خلال كتاب القراءات الكنسية المسمى بـ ” القطمارس ” . وعملوا على تلخيص كتب كثيرة بعد ترجمتها في ملخصات لاتزال موجودة . ونقوم بتدريس منهج كامل عن اولاد العسال في دبلومة التراث العربي المسيحي بالقاهرة.
المؤرخون الأقباط : وفي نهاية العصر الفاطمي وباية الايوبي وضع الكاهن القبطي الايغومانوس ابوالمكارم سعدالله بن جرجس كتابه التاريخي عن الكنائس والاديرة وقد عاش ابوالمكارم في القرن 12 , لأنه ذكر في كتابه انه حضر لدير نهيا في شهر شوال 569 هجرية / مايو 1174م للقربان فيه , أي للقيام بصلاة القداس الإلهي , مايؤكد وظيفته ككاهن وذكر في كتابه مئات الكنائس والاديرة والاسقفيات الموجوده في عهده وكذلك العادات القبطية وهو مرجع هام حتى الان لبيان هذه الفترة .
وقد انتهينا من تحقيق تاريخ أبوالمكارم وستنشره قريبا مكتبة الاسكندرية من خلال مركز القبطيات .
ومن المؤرخين الأقباط ايضا : الشيخ موهوب بن منصوربن مفرج الاسكندراني , مكمل كتاب تاريخ البطاركة بعد ابن المقفع واستكمل سير البطاركة في عهده في القرنين 11 و12 وانتهي من ذكر نياحة وفاة البابا ميخائيل السنجاري 1102م , ولايزال نص ماكتبه مرجع هام لتاريخ البطاركة.
والبابا مرقس الثالث بن زرعه استكمل سير البطاركة من البابا غبريال بن تريك 70 الى البابا يؤانس الخامس 72.
معاني ابوالمكارم بن بركات بن ابوالعلا من اهالي المحلة وكتب سيرتي البطريركين 73 و 74 واسهب في ذكر حوادث وحروب الدولة الأموية.
بناء الكنائس وهدمها في القرن الثاني عشر :
ونأتي الى نقطة تاريخيه هامة تخص الكنائس والاديرة وموقف الحكام منها , وفيها نقاط مضيئة ونقاط مظلمة , وسنزكز على المضيء منها :
+ يُذكر للخليفة الآمر أنه سمح للملكيين الروم ببناء كنيسة لطيفة اي صغيرة في حارة زويلة عوضا عن كنيسة اخرى هدمت , كما رممت في عهده كنيسة العذراء المعروفة بالمرتوتي (المعادي ) اهتم بها الشيخ ابواليمن وزير متولي ديوان اسفل الارض اي الوجه البحري وولده ابوالمنصور . وفي خلافة الامر ايضا جددت كنيسة مار سابا وهي احدى كنائس دير القصير بطره , اهتم بتجديدها الشيخ ابي البركات يوحنا الكاتب وتولى مصروفاتها ابي الفضائل اخيه.