عرف الانسان الذهب منذ فجر الحضارة واستخدمه في صناعة التماثيل والحلي وكان الفراعنة من أقدم الشعوب
الذين استخدموا الذهب وصنعوا منه أغطية لأصابع المومياوات ، وزينوا به كل شيء في حياتهم حتي التوابيت . وقد كان الذهب ولا زال من أكثر المعادن التي تخطف الأبصار وتشكل مصدرا أساسيا للثراء ، لكن افتتان الانسان بالذهب اتخذ اتجاها غريبا في السنوات الخيرة فقد اصبح مضافا غذائيا للحلوي والشوكولاتة واللحوم ، وانتشرت اعلانات كثيرة تعرض ما لذ وطاب من الأطعمة المزينة بالذهب بأسعار باهظة جدا ، المعروف أن الذهب لا زال من اغلي المعادن النفيسة التي تصنع منها الحلي والساعات والعملات الذهبية ، ويدخل في صناعة اكسسوارات الملابس مثل البروش( أوالدبوس )والأحزمة ، والحقائب والأحذية ، ويتفنن عشاق الذهب في استخدامه في صنع كل أدوات المائدة بأنواعها ، ويدخل الذهب في صناعة الالكترونيات وأجهزة الكمبيوتر نظرا لكونه ناقلا ممتازا لا يتأثر لايتأثر بالعوامل الخارجية ، كما يدخل في صناعة مكوكات الفضاء ، ويدخل في صناعة الجسور والتيجان في مجال طب الأسنان ، ويدخل في صناعة الأثاث الفخم الذي يطعم بالذهب ومعادن أخري . كل هذه الاستخدامات للذهب معروفة ومقبولة أما ظاهرة انتشاره كمضاف غذائي في دول عديدة حتي في مصر ، وظهور بعض الطهاة علي القنوات الفضائية يستعرضون أساليبهم في تزيين الكيك برقائق الذهب أو مسحوق الذهب .. فهذا أمر يستحق وقفة . تري ما هي البلدان التي انتشرت فيها هذه الظاهرة وهل هناك تصريح من مؤسسات علمية لتداول هذا المضاف الغذائي الذهبي ؟ وهل أكل الذهب له أضرار علي صحة الانسان ؟
لجنة الخبراء المشتركة :
الذهب يدخل بالفعل في تصنيع بعض الأغذية كمضاف غذائي يحمل الرمز(اي 175) ، وقد تمت المصادقة علي استخدامه من قبل الاتحاد الأوروبي كملون غذائي فوق اسطح بعض المأكولات وخاصة الحلويات والشوكولاته . ويعود استخدامه كمضاف غذائي الي عام 1975 ، حيث تم تقييمه من قبل اللجنة العلمية للغذاء ، الا أن نقص الأدلة المتعلقة باستخداماته وآثارها المحتملة دفع بلجنة الخبراء المشتركة بين منظمة الفاو ومنظمة الصحة العالمية من ناحية واللجنة المعنية بالمضافات الغذائية من ناحية أخري .. الي اعادة تقييمه من جديد ، لكن لم تستطع أيا من الجهتين التشريعيتين تحديد الجرعة المناسبة للفرد يوميا ، ولم يتم تحديد جرعة قصوي لتناوله مع الغذاء ، وهو أمر شائع في المضافات ذات المصادر الطبيعية والتي يسمح باستخدامها دون تحديد الكميات .
وقد أوضحت عدة لجان تشريعية مختلفة آخرها الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية استحالة اجراء تقييم حقيقي لمخاطر الذهب نظرا لمحدودية البيانات المتوافرة حول امتصاصه وتوزيعه وتمثيله الغذائي وآلية اخراجه من الجسم ، وبذلك خرج التقرير النهائي للهيئة الأوروبية بعد مراجعتها للأدلة المتوفرة بالموافقة علي استخدام الذهب كمادة مضافة للأغذية ، وقد أوصت اللجنة بادراج كل من متوسط حجم الجسيمات وتوزيع حجم الجسيمات والنسبة المئوية للجزيئات النانوية الي مواصفات المضاف الغذائي
E175
عروض مبهرة في أفخم المطاعم :
يباع الذهب المخصص للطعام علي هيئة زجاجات أو عبوات تحتوي رقائق أو زجاجات رش ( بخاخ ) أو علي شكل مسحوق . وقد انتشرت في الآونة الأخيرة اعلانات عن كب كيك بالذهب أو شوكولاته بالذهب أو عبوات الذهب لتزيين الكيك وأنواع عديدة من الطعام .
من أغلي الأطعمة المصنوعة من الذهب في العالم طبق حلوي مثلجة يقدمه مطعم شهير في نيويورك ثمنه 25 ألف دولارا ، وقد دخل موسوعة جينس للأرقام القياسية عام 2007 ، تحتوي الوصفة علي كمية كبيرة من الذهب و28 نوعا من الكاكاو ، يتم تقديمها في طبق من الذهب النقي والألماس .
وفي نيويورك أيضا يستقبل أحد الفنادق الشهيرة زبائنه بفطور فخم يحتوي علي قطعة خبز ” بيجل ” يصل سعر الواحدة منها الي 100 دولار لاحتوائها علي رقائق الذهب .
ولعشاق اللحوم يقدم مطعم آخر في نيويورك أغلي شطيرة هامبرجر في العالم ثمنها 666 دولارا ، تحتوي الشطيرة علي ملح خاص من جبال الهيمالايا وقطع من الكافيار مرتفع الثمن ، ويتم لف قطع اللحم بورقة رفيعة من الذهب . أما في لاس فيجاس يقدم فندق شهير أغلي طبق لازانيا في العالم لأنه يحتوي علي رقائق من الألماس والذهب عيار 23 قيراطا .
مارجريتا الذهبية :
في منطقة باراماتا بولاية سيدني باستراليا المعروفة بكونها منطقة سياحية وثقافية مليئة بالفنادق والمطاعم والمسارح والسينمات ، والمتنزهات المحببة للعائلات .. قام أحد المطاعم باعداد بيتزا تحت اسم “مارجريتا الذهبية ” ، عرضتها لأول مرة عام 2016 ، وتم الاعلان عنها في صحيفة الديلي ميل البريطانية ، تحتوي مارجريتا الذهبية علي المكونات المتعارف عليها من خضار وطماطم وأعشاب ، وهي مغطاة برقائق رفيعة من الذهب عيار 24 قراط ، تضاف اليها بعد الطهو .
السوشي بالألماس :
الفلبين أيضا لها نصيب من التباهي بعروض الأطعمة المغلفة بالذهب ، فقد أعدت الطاهية الشهيرة أنجليتو أرانيتا طبق السوشي الأغلي في العالم ، حيث استبدلت الأعشاب البحرية برقائق الذهب ، وكل قطعة من السوشي تكون مزينة بالقليل من الألماس والؤلؤ القابل للأكل .
وتعتبر الامارات من أكثر الدول شهرة في انتشار ظاهرة اضافة الذهب الي المأكولات ، وقد كشف مقال نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال ” أن مطاعم أحد الفنادق الفخمة هناك استخدمت خمسة كيلو جرامات من الذهب في أطباقها خلال العام 2008 ، وهو ما يعني أن كلفة استخدام المعدن الأصفر في الفندق تصل الي 500 ألف دولارا سنويا .
يبدا بعض سكان أبو ظبي يومهم بتناول الكابوتشينو المزين بالذهب الذي تقدمه بعض المقاهي العالمية هناك مقابل 25 دولارا ، وفي أحد الفنادق تقدم القهوة بالذهب والكيكة بالذهب .
وقد وصل سعر لوح الشوكولاتة المغطي بشريحة من الذهب الي 1630 دولارا . أما قطعة الكب كيك في دبي فقد تخطي سعرها الألف دولارا ، وهي تحتوي علي كاكاو ايطالي والفانيلا الأوغندية مع ذهب عيار 23 قيراطا .
الأمر الطبيعي أن هذه الظاهرة بدأت تنتشر في مصر ويقوم بعض الطهاة باستعراض طريقة تزيين الكيك بالذهب ، وتقدم بعض المطاعم المصرية برجر بالذهب .
رأي العلم في أكل الذهب :
أمام هذا السباق المحموم لتقديم هذه الوجبات اللامعة باهظة الثمن لابد أن يكون التساؤل هل هي جديرة بكل هذا الحماس والأسعار الباهظة ؟ هل يأكل الانسان الذهب لتحقيق أي فائدة صحية ؟ وهل له أضرار ؟ الاجابة واضحة وصريحة ، لايوجد أي دواء يتم تناوله عن طريق الفم يدخل الذهب في مكوناته علي الاطلاق ، فالذهب له بعض الاستخدامات الطبية مثل جزيئات الذهب ولكن لا يتم وصفه ابدا كمكمل غذائي أو كأحد عناصر علاج يؤخذ عن طريق الفم .
يقول د. مريد ميشيل .. استشاري الجراحة العامةبمستشفيات وزارة الصحة وزميل الكلية الملكية بلندن :
الذهب المشع له استخدامات طبية عديدة في علاج الأورام السرطانية كما يمكن تحميل أدوية الكيماوي عليه وحقنها في الورم ، ويستخدم الذهب أيضا في مجال التجميل باستعمال الخيوط الذهبية لشد الجلد واعادة نضارته . ويستخدم الذهب أيضا في علاج بعض الأمراض المناعية مثل الروماتويد لأنه يثبط الخلايا المناعية المسؤولة عن التهام وتكوين الأجسام المضادة ، وبالتالي ايقاف التفاعل المناعي والذي يؤدي الي حدوث الالتهابات الضارة المزمنة بالأنسجة والمفاصل .
يضيف د. مريد : أما عن دور الذهب في علاج الأورامفقد بدأت الأبحاث علي ذلك في أمريكا في الثمانينات ، ويعتمد العلاج علي جزيئات الذهب المصنعة بتقنية النانو تكنولوجي وهي كرات متناهية الصغر في حجم النانو ، مصنعة من السيليكا مع طبقة خارجية من الذهب النقي أو المضاف اليه القليل من معدن الفضة ، وهذه الكرات أصغر 50 مرة من كرات الدم الحمراء . ومن خلال تغير سمك هذه القشرة الذهبية يمكن ضبط كرات النانو للتفاعل مع أطوال موجية محددة من الليزر أو الأشعة تحت الحمراء والتي تمر بالجسم حتي تصل للورم دون المساس بالأنسجة السليمة
ويتم حقن محلول النانو ذهب عن طريق الوريد ، ثم يتم تعرض الورم بعد مرور يوم للتسخين في درجة حرارة 45- 50 درجة مئوية باستخدام الليزر أو الأشعة تحت الحمراء وبالتالي يتم تفتيت الخلية السرطانية.
أما عن أكل الأغذية المغلفة أو المزخرفة بالذهب مثل الشوكولاته فهذا لا يسبب أية أضرار صحية ، ولا نسمع عن حالات تسمم من الذهب لأن الذهب المستخدم في ذلك من النوع النقي عيار 23-24 ، وليس كالذهب المستخدم في الحلي الذي تتم اضافة بعض المعادن الضارة له . لذلك لا يتم هضمه أو امتصاصه من الأمعاء ولكن يعتمد ذلك علي كمية الذهب وحجم جزيئاته وعدد مرات تناوله .
الي هنا انتهي حديث الدكتور مريد ميشيل ، لكن بعض الأطباء يحذرون من احتمال تأثير أكل الذهب علي الكبد والكلي ، وانه يمكن أن يسبب حساسية لبعض الحالات ، ويمكن أيضا أن يسبب تسمم شأنه شان المعادن الآخري .
من ناحية أخري فان أملاح الذهب ومعقداته بدأت تظهر عددا من الأعراض الجانبية بعد أن شاع استخدامها في العلاجات الطبية لأمراض الروماتويد والتهاب المفاصل ، اذ يبدو أن هذه المركبات قادرة علي تحرير شوارد الذهب التي يمكن أن تنتقل في الجسم وتسبب تلف الكبد والكلي ، كما يرتبط الاستخدام المطول للذهب في علاج بعض الأمراض كالروماتيزم – بظاهرة تذهب الجلد اي تغير لون الجلد الي اللون البنفسجي ابتداءا من المنطقة تحت العينين وصولا الي باقي أجزاء البشرة المعرضة للشمس ، ومازال السبب الفعلي لهذا التلون مجهولا حتي اليوم ، لكنه مرتبط بتراكم الذهب في الأدمة دون التسبب في أية التهابات موضعية .
فكروا أولا :
نعود لظاهرة أكل الذهب ونتساءل أليس هذا اهدارا حقيقيا للثروة المعدنية ؟ لأنه مهما حقق المستثمرون من مكاسب مادية فان البشرية تخسر هذا الذهب الذي يكون مصيره الي المجهول علي عكس أي أسلوب آخر لاستخدام الذهب .. يسمح بتداوله من جيل لآخر ولا يتم اهداره أبدا ، عزيزي القاريء قبل أن تبدأ في تناول كب كيك بالذهب أو شطيرة هامبرجر بالذهب عليك أن تعلم أن بعض الباحثين في الولايات المتحدة يدرسون في الآونة الأخيرة امكانية استخراج الذهب والفضة والبلاتينيوم من مخلفات الصرف الصحي ، وذلك بعد أن بينت دراسة أجريت في جامعة أريزونا أن مدينة تحوي مليون نسمة تشطف في مراحيضها كمية من المعادن الثمينة تعادل 13 مليون دولارا كل عام !!