استضافت سوتشي الروسية أمس الأربعاء أول قمة روسية أفريقية بحضور عشرات رؤساء الدول والحكومات. وترأس القمة الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي رئيس الإتحاد الأفريقي في دورته الحالية. ومن المنتظر أن تعقد هذه القمة كل ثلاث سنوات وتناقش العديد من القضايا أهمها “التقنيات النووية في خدمة تنمية القارة” و”المناجم الأفريقية في خدمة شعوب أفريقيا”.
وألقى الرئيس “السيسي” اليوم الكلمة الإفتتاحية في أعمال القمة الأفريقية الروسية والى نص الكلمة:
“السيد/ فلاديمير بوتين، رئيس روسيا الإتحادية
أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي رؤساء الدول والحكومات الأفريقية،
السيد/ موسى فقيه محمد، رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي،
السيدات والسادة،
أود في البداية أن أعرب عن الإمتنان والتقدير للرئيس فلاديمير بوتين، ولشعب روسيا الإتحادية الصديق، ولمدينة سوتشي الرائعة على حفاوة الضيافة وحسن التنظيم الذي لمسته كافة الوفود الأفريقية منذ وصولها إلى روسيا. كما أتوجه بالشكر إلى كافة الجهات المنظمة على الإعداد المتميز وما بُذل من جهد لإطلاق النسخة الأولى من قمة أفريقيا-روسيا التي ندشن أعمالها اليوم.
إنه لمن دواعي سروري أن أتحدث اليوم في هذا المحفل الهام وأمام هذا الجمع المتميز من على أرض روسيا الإتحادية، أحد أهم الفاعلين على الساحة الدولية، وأحد أهم أصدقاء قارتنا الأفريقية. لقد قطع التعاون الأفريقي الروسي أشواطاً طويلة منذ منتصف القرن الماضي الذي شهد تضامن روسيا مع الدول الأفريقية في كفاحها ضد الاستعمار، وإسهامها مادياً ولوجستياً ومعنوياً دعماً لحركات التحرر الأفريقي على إمتداد القارة. ولقد ثبت على مدار السنوات أن الشعوب الأفريقية والشعب الروسي يربطهما الكثير من ركائز التعاون ويتماثلان في العديد من التطلعات، وكذلك التحديات، وهو الأمر الذي يؤكد صواب رؤية إطلاق تعاون أفريقي روسي أوسع وأرحب وأشمل يعكس تلك التطلعات، ويوفر مساحة أكبر للتنسيق ارتباطاً بالتحديات المتسارعة التي نواجهها في إطار عالم ديناميكي ومتغير.
نجتمع اليوم في أول قمة تضم دول قارتنا الأفريقية وروسيا الإتحادية تحت شعار “من أجل السلم والأمن والتنمية”، بعد انقضاء قرابة 3 شهور على القمة الإستثنائية للإتحاد الأفريقي التي استضافتها نيامي في 7 يوليو 2019 والتي شهدت إطلاق الأدوات التنفيذية لإتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية بعد دخول الإتفاقية حيز النفاذ. وتعد هذه الإتفاقية أحد أهم ركائز الأجندة التنموية للإتحاد الأفريقي 2063، حيث تسعى إلى تعزيز جهود الإندماج الإقليمي وزيادة تنافسية القارة الأفريقية على المستوى العالمي، وتحفيز وجذب الاستثمارات الأجنبية في القطاعات ذات الأولوية للدول الأفريقية وعلى رأسها الصناعة والطاقة والزراعة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.
وتسعى دول لإتحاد الأفريقي كذلك للبناء على ما شهدته القارة من نمو اقتصادي ملموس خلال السنوات العشر الأخيرة، خاصةً من خلال المضي قدماً لتحقيق التكامل عن طريق استكمال كافة المشروعات القارية التي تهدف إلى الإندماج الإقليمي، كما تضطلع الدول الأفريقية بجهد كبير لوضع أطر لحوكمة الشركات والأسواق المالية بما يزيد من استقرار أسواقها وجاذبيتها للمستثمرين الخارجيين.
السيدات والسادة،
إننا نعي التحديات التي تواجه جهود ترسيخ الإستقرار في القارة الأفريقية، ولعل خطتنا الطموحة لإسكات البنادق بحلول عام 2020 تعد أحد أهم الخطوات لتحقيق هذا الهدف الأسمى، وهو الموضوع الذي سيكون على رأس أولويات عمل القادة الأفارقة خلال العام القادم في ضوء أهميته لتحقيق تطلعات الشعوب الأفريقية في العيش في سلام ورخاء.
وفي هذا الإطار، تبرز الحاجة الماسة لدعم سياسة الإتحاد الأفريقي الإطارية لإعادة الإعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات ودعم أنشطة مركز الإتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات الذي تستضيفه مصر، وخطط العمل التنفيذية التي تُحصن الدول الخارجة من النزاعات ضد أخطار الإنتكاس، وتسعد على بناء قُدرات مؤسسات الدولة لتضطلع بمهامها في حماية أوطانها ترسيخاً للإستقرار والسلام.
ومن هذا المنطلق، فإننا نؤكد التزامنا بالتفاعل مع الأطراف الإقليمية والدولية في ضوء إدراكنا لأهمية تعزيز التنسيق والمواءمة بين آليات السلم والأمن القارية والإقليمية والدولية في إطار يرتكز على مبادئ إحترام القانون الدولي والمساواة في السيادة وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول وحل النزاعات بالطرق السلمية، وإعلاء قيم العمل متعدد الأطراف.
كما يتعين علينا أن نتذكر جميعاً أن مواجهة الإرهاب تعد أولوية متقدمة لأجندة السلم والأمن الأفريقية والدولية، ومع إدراكنا لصعوبة تلك المعركة وتعقيداتها، تظل المواجهة الشاملة هي الطريق الأمثل لاجتثاث جذور الإرهاب ومحاصرته.
السيدات والسادة،
إن القارة الأفريقية منفتحة للتعاون مع مختلف الشركاء، وإننا نأمل من خلال قمتنا أن نرسي قواعد التعاون الأفريقي الروسي للسنوات المقبلة مع تأكيدنا أهمية توسيع وفتح آفاق هذه العلاقة لتشمل الجوانب التجارية والصناعية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية والتعليمية والتي يجب أن تأتي إعمالاً لمبدأي الشراكة العادلة بين الدول الأفريقية وروسيا في إطار يضمن المكسب للجميع، وملكية الدول الأفريقية لمقدراتها.
السيدات والسادة،
واتصالاً بتركيز قمتنا الحالية على موضوع “السلم والأمن والتنمية”، لا يفوتني في هذه المناسبة أن أشير إلى إعتزام مصر إطلاق النسخة الأولى من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة يومي 11 و12 ديسمبر 2019، ليكون منصة إقليمية وقارية يجتمع فيها قادة السياسة والفكر والرأي وصناع السلام وشركاء التنمية في مدينة أسوان جوهرة النيل، والتي تعبر بحق عن الهوية الأفريقية لمصر.
وسنعمل على أن يوفر المنتدى منصة دائمة للحوار والتفاعل بين القادة وصانعي القرار والخبراء من كافة دول القارة الأفريقية وخارجها، تُعنى بالعلاقة بين السلام من ناحية والتنمية المستدامة من الناحية الأخرى، من أجل وضع الآليات ذات الصلة القائمة بالفعل موضع التنفيذ وتفعيلها في السياق الأفريقي. وأنتهز هذه الفرصة لدعوة الرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الإتحادية وأشقائي رؤساء الدول الأفريقية للمشاركة في أعماله وللإسهام في مناقشاته بهدف إثراء التفاعل حول موضوعاته الرئيسية.
ولا يسعني في الختام إلا أن أؤكد تطلعي لخروج قمتنا اليوم بخلاصات تصب في مصلحة الشعوب الأفريقية وشعب روسيا الصديق، وأن تمهد مخرجاتها للمزيد من التعاون الروسي الأفريقي في المستقبل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”