رغم قسوة الحياة بالصعيد والإماكانيات الضعيفة التي يعاني منها أهالي القرى، إلا أن هناك من أثبت عكس ذلك واستطاع أن يحفر اسمه وسط اكبر النحاتين في عالم الفن التشكيلي رغم سنه الصغير ، هو كيرلس غالي ، أصغر نحات عرف بقرية قوص بمحافظة قنا وصاحب هدية أيقونة رحلة العائلة المقدسة التى قدمت للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان أثناء زيارتة التاريخية إلى مصر. حصل “كيرلس” على 9 شهادات تقدير خلال دراسته بالجامعة.
النحت وزنة
“انا بعتبر النحت بالنسبالي وزنة من الله ميزني بها ويستوجب علي استغلالها لأني سوف احاسب عليها يوم القيامة لو اهملتها” هكذا قال الفنان التشكيلي كيرلس غالي البالغ من العمر 29 عاما والحاصل على بكالوريوس تجارة شعبه محاسبة، في بداية حديثه لـ”وطني”، لافتًا إلى أنه بدأ العمل في النحت وهو في سن 10 سنوات بقريته التي نشأ بها وهي “حجازة قبلي” التابعة لمركز قوص بمحافظة قنا.
وتابع “كيرلس” : ” قريتنا مشهورة جدا بخشب السرسوع وده كان السبب ان اثنين من الرهبان الفرنسيين تابعين لرهبنة “إخوة يسوع الصغار” هما فرنسوا و بطرس، أتوا من فرنسا واستقروا فى قريتنا، ووده اللى ابتدت معاهم الفضل في قصتى مع النحت”
وأوضح، أنه بدأ العمل في فن النحت في سن العاشرة مع خاله حيث كانت لديه ورشة للنحت تحت إشراف الراهب بطرس . وعرف في ذلك الوقت في قريته ، أنه أصغر من عمل بالنحت فى القرية و”كنت ألاقى تشجيع كبير جدا على أعمالي ولاقى شغلي استحسان الجميع، وتنبأ لى هذا الراهب بمستقبل باهر فى فن النحت. لم تكن علاقتى بالنحت يحكمها المال بل كنت اعمل من أجل إشباع هواياتى ورغباتى فى فن النحت وكنت اعمل فى الاجازات وبعض الأحيان بعد انتهاء اليوم الدراسي . حتى حصلت على شهادتي الجامعية من كلية التجارة”.
نحات أم محاسب
وأشار، على الرغم من أنه كان يتمنى الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لم يسعفه المجموع فى الثانوية العامة، واستطاع أن ينمي موهبته في كليته التجارة حيث كان يشترك في مرسم الجامعة وبالمؤتمرات التابعة للجامعة حتى حصل على 9 شهادات تقدير دراسته بالجامعة في مجال الرسم.
وتابع “كيرلس” : “بعد مرحلة الجامعة اشتغلت كمحاسب لمدة سنتين ونصف بالإضافة لعملي فى النحت فى نفس الوقت، وكان الأمر متعب جدا أن أعمل كمحاسب نهارًا وكفنان ليلًا، ومن هنا توجب على أن آخذ قرار واختيار احداهما اما المحاسبة أو الفن، فأخذت قراري واستقلت من المحاسبة وركزت على فن النحت وقررت أن أنتقل من مرحلة الهواية إلى مرحلة الاحتراف”.
أيقونة “رحلة العائلة المقدسة”
أيقونة “رحلة العائلة المقدسة” التى قدمت هدية للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان فى زيارته التاريخية إلى مصر، احدى أبرز أعمال “كيرلس” الفنية التي نحتها في ورشته الذي تخصص بالأكثر بها في الأعمال الفنية الدينية، وقال: كانت أيقونة العائلة المقدسة التي أهدتها للبابا فرنسيس هى بداية النقلة الحقيقة فى حياتى الفنية حيث عرضت الأيقونة على الأنبا عمانوئيل مطران كرسي الأقباط الكاثوليك بالأقصر، وهو كان المنسق العام للزيارة والمسئول عنها وقدمت بيد الأنبا إبراهيم المطران العام للأقباط الكاثوليك بمصر، وكانت هذه الأيقونة من أروع الأيقونات التى عملتها وتوالت بعدها الأعمال والشهرة وكثرة طلبات الشغل. فعملت ايضا أسدين كرسى البابا فى دير الانبا بيشوي بوادي النطرون، ولوحة السيد المسيح بظهرية كرسي البابا تواضروس بكنيسة مارمينا العجائبى فى دبى بالإمارات” .
أجمل الأعمال
أما عن أجمل اعماله الذي يفضلها قال : ” أيقونة العشاء الرباني، لما تحملها من قيمه كبيرة وصعوبة فى التفاصيل والأشخاص والتلاحم ببعض حيث استغرقت شهر عمل متواصل، وشرفت بالحصول على فرصة عمل حوامل زخيرة القديسة تريزا التى وزعت بكنائس مصر متزامنة بالاحتفال مع زخائرها التي قدمت الى مصر من فرنسا لتطوف بالكنائس الكاثوليكية.”
أما عن نوعية الخشب الذي يعمل عليه الأيقونات وطريقة عمله قال “كيرلس”: “اشتغلت على البلوط والارو والزان والـ mdf، بس افضلهم هو خشب السرسوع لما يتميز به من ألوان لثمرة الخشب ، فهو لا يحتاج الا لدهان سيلر شفاف فقط لإظهار جماله وطريقة الشغل يتم عن طريق تقطيع الأخشاب بالمقاسات المطلوبة بالمنشار، ثم تبدأ مرحلة التجهيز بالعدد اليدوية كالصاروخ والشنيور والمنى كرافت والازاميل والمبارد. ثم مرحلة السنفرة والمرحلة النهائية هى الدهان بمادة السيلر الشفاف، وطبعا هناك تفاوت بين كل ثمرة خشب والأخرى فكل نوع خشب له طريقه فى التعامل”.
وتابع “النحت على الخشب مش سهل ومحتاج صبر لأنك فى لحظة ممكن تخسر تعبك كله لو الخشب اتكسر مثلا او ضربت ضربة ازميل غلط ، الموضوع محتاج تركيز كبير، وكل فنان له طقوس معينة فى الشغل، انا مثلًا بحدق النظر للصورة موضوع الاهتمام لفترات طويلة من أجل تكوين صورة ثلاثية الأبعاد داخل العقل، ثم التركيز فى الخشبة التى سوف اشتغل بها من أجل نقل الصورة اللى بداخل عقلي على الخشب وتكوين صورة كاملة على الخشب والبداية فى ازاله الشوائب من حول هذه الصورة من أجل اظهارها فى احلى شكل لها وتقديم عمل فني يليق بي ويستحوذ على رضاء الجميع”.
واختتم حديثه ” “انا زى أى انسان أسعى أن يصل شغلي إلى كل العالم واتمنى عمل معارض داخل مصر وخارجها . ولكن مؤمن أن لكل شئ تحت السماء وقت ومقتنع انى بمشي بخطى ثابتة نحو تحقيق حلمي فطموحي لا يتوقف”.