عقد بمقر معهد الأنبا أثناسيوس للدراسات المسيحية ببا محافظة بنى سويف، فاعليات الملتقى الأول للتراث القبطى بعنوان”العمارة والفنون القبطية”توثيقها والحفاظ عليها”،تحت رعاية صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ،ونيافة الحبر الجليل الأنبا إسطفانوس أسقف ببا والفشن وسمسطا، وبرئاسة الأستاذ الدكتور مجدي منصور، ومقرر المؤتمر الدكتور وديع بطرس ،ومنسق عام المؤتمر القس بولس رفعت ،وحضره العديد من أساتذة الجامعات ،وكوادر وزارة الآثار والعديد من الباحثين والمهتمين بالعمارة والآثار القبطية ومجمع كهنة مطرانية ببا وسمسطا والفشن.
وقدمت الدكتورة شروق عاشور ورقة بحثية هامة عن “الرهبنة القبطية ” وبدأت حديثها بنبذة مصغرة عن العقائد المصرية القديمة قائلة،سيطرت العقائد الدينية على عقول قدماء المصريين وتغلغلت فى نفوسهم حتى نسجت خيوطها فى كيانهم الأدبى،مؤكدة أن أهم تلك العقائد عقيدة الحياة بعد الموت فقد أدرك المصريون منذ فجر التاريخ أن حياة الإنسان ليست من العبث بحيث تنتهى فى هذه الدنيا الفانية وإهتدوا الى الآخرة ،فنراهم بنو لدنياهم بيوتا من اللبن والخشب بينما إتخذوا لآخرتهم القبور المنحوتة فى الصخر والأهرمات المشيدة بالأحجار، وكذلك برعو فى المحافظة على الأجساد بالتحنيط ضمانا لبعثة وخلودة فى الحياة الأخرى.
وأضافت عاشور، أن أغلب الظن أن تفكيرهم كان روحيا ولكنهم لم يستطيعوا التحرر جملة من المظاهر والإتجاهات المادية ولدينا فى متون الأهرام وهى أقدم وأغنى المصادر التاريخية للعقائد المصرية، وكذلك كتاب الموتى نصوص صريحة تدل دلالة واضحة على إنهم يعتبرون أن مصير الإنسان فى الآخرة يترتب على سلوكة فى هذه الدنيا ،وقد ظلت تلك العقائد متغلغلة فى نفوس المصريين طول عصور تاريخيم حتى أتت المسيحية فصار المصريين أكثر الناس إدراكا لمبادئها وإستجابة لتعاليمها.
وأشارت الدكتورة شروق عاشور، لظروف الحياة العامة لدى المصريين فى هذا التوقيت حيث إعتمدت على بعض المصادر،وهى الوثائق وهو الإصطلاح الذى أطلق على مجموعة النقوش وأوراق البردى والعملة التى إكتشفت حيث توضح لنا الأوضاع السياسية فترى منذ تولية بطليموس الأول ملكا لمصر،حيث إنه أخذ مقاليد الحكم فى يده وبدأ فى الإندماج والمزج المباشرمع الإغريق حيث تغلغلوا فى أنحاء البلاد كافة وأصبحوا طبقة مهمة إستولت على أفضل الأراضى وأرفع المناصب والوظائف ،ولم يكن شرهم يقتصر عند هذا الحد بل إمتدت أيديهم الى ديانة المصريين فمسحوها بعقائدهم المادية التى خلت من كل معنى روحى بل وفرضوا لغتهم على المصريين فقد دمرت القومية المصرية.
وأستطردت قائلة،ثم يأتى الرومان حيث يعتبرون أرقى طبقة فى مصر فى ذلك الوقت وتمتعوا بقدر كبير من الإمتيازات فكانوا شر خلف لشر سلف فقد كان عصر يسودة الإنحطاط والفساد بصورة كبيرة فى شتى نواحى الحياة حتى بلغت منتهى القسوة فى القرن الثالث الميلادى،لافته،بعد هذا يجب أن ندرك ما وصل اليه المصريون المتعبون حقا والمثقلين بالأحمال فما أن إعتنقوا المسيحية وإستمعوا الى نداء السيد المسيح ” تعالوا الى ياجميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم “انجيل متى 28:11 ” ،حتى لاح لهم فى الأفق البعيد أن يذهبوا الى البرارى والقفار للتقوى والفضيلة فقد رأى أوائل الرهبان والنساك أن أحاديث الناس تفيض هزلا فدفعهم ذلك الى أن ينطووا على نفسهم ويظهر هذا جليا فى حياة الأنبا بولا الذى هرب من الوادى فى الصعيد الأوسط وتوغل فى الصحراء الشرقية وهو فى سن مبكرة وسكن فى أحد الكهوف المطلة على البحر الأحمر الى أن بلغ من العمر عتيا إذ يذكر إنه تنيح فى العام الثالث عشر بعد المئة من عمره.
وإستعرضت الدكتورة شروق عاشور، العديد من شخصيات مؤسسى الرهبنة وزعماؤها قائلة،لاشك كانت عاملا له أثر لاينكر فى تكوين النظام الرهبانى فلقد إجتذبوا القلوب للتشبة بهم فقد جعلوا أمامهم كلماتهم كأنها نبراس يهتدون به الى الطريق الصحيح وهو الرهبنة مثلما ذكر من أقوال الأنبا إنطونيوس،مشيرة، “ثمة إناس أفنو أجسادهم بالنسك لكنهم ظلوا بعيدين عن الله كونهم لم يقتنوا فضيلة التميز” ،وكذلك قوله “ضع مخافة الله نصب عينيك دائما “،كما قال ايضا الأنبا باخوميوس “الرهبنة هى الصوم بمقدار والصلاة بمداومة وعفة الجسد وطهارة القلب وسكوت اللسان وحفظ النظر والتعب بقدر الإمكان والزهد فى كل شئ،كذلك من أقوال الأنبا بيمن “من ثلاثة أعمال للراهب وهى الصوم الى المساء والصمت الدائم مع عمل اليدين كل يوم “.
وتابعت الدكتورة شروق عاشور حديثها، أن تعاليم الأباء الأوائل وتمجيدهم لحياة البتولية والنسك،فقد الهبت قلوب الشباب والعذارى فى الجيلين الثانى والثالث وجعلتهم مستعدون للإنطلاق وراء النسك والتأمل،فمن الأقوال المشهورة للقديس كيريانوس “أن العذارى هن النصيب الأمجد فى قطيع المسيح )200-280م)،وقد تلقى هولاء النساك مبادئهم وتعاليمهم فى جامعة شعبية ديمقراطية وقد كان التعليم نظريا وعمليا فى وقت واحد إذ كانوا يلقنون هذه التعاليم وهم فى الوقت نفسه أمثله حية لها أمام ناظرى مشاهديهم والمستمعين لهم
وفى كلمتها أكدت الدكتورة شروق عاشور، على أن هذا المناخ خلق حركة مقاومة سلبية وعصيان مدنى أو تمرد على الأمبراطورية الرومانية وإستبدادها وتأكيد لشخصية مصر وإستقلالها الفكرى طالما عز عليها الإستقلال السياسى خاصة وأن نشوء هذه الحركة تزامن مع جهاد الكنيسة القبطية الوطنية للحفاظ على معتقدها فى الوحدة والطبيعة الواحدة ضد الهرطقات المناوئة، وبعد أن وجد المواطنون فى الإيمان الجديد أساسيات ديانتهم المصرية القديمة الثالوث المقدس والحياة الأخرى.
وقالت،كذلك ظهرت حركة شعبية فى الدلتا والصعيد ولم تنشأ فى الإسكندرية (العاصمة اليونانية لمصر ) فالإسكندرية فى ذلك الوقت كانت منبع العلوم ومهد الثقافات وملتقى الحضارات التى تهوى اليها النفوس، فقد تردد عليها كثير من الزائريين بثقافاتهم المختلفة فالبعد كل البعد عنها والإقتران بإستخدام اللغة القبطية لغة قومية وحيدة قدس بها الأباء الأولون ووعظوا بها وكتبوا بها رسائلهم وقوانينهم فلم يكن الأنبا إنطونيوس (أبو الرهبان ) ،يعرف اللغة اليونانية وكانت كتابات الأنبا شنودة الذى يوصف بأنه أعظم كاتب باللغة القبطية سببا فى دعم الهجة الصعيدية وإزدهار أدابها طوال عدة قرون فالأديرة كالمؤسسات المصرية الخاصة تطور فيها ما يعرف بالقبطية فى لغتها وفنونها حيث أيقظت بين الطبقات والشعوب الإتجاهات والثقافات المحلية بحيث تكون مستقلة بعد أن رضخت بواسطة روما لهيلينية بكونها الثقافة الوحيدة .
وعن الكنيسة المصرية قالت الدكتورة شروق عاشور،تعتبر هى كنيسة الشهداء والقديسين دون كنائس العالم حيث وجد الرهبان التمثل بالشهداء وما يعانوه من ظروف التعذيب وما أظهروه من إيمان عجيب وبطولات روحية فكل ذلك آثار الوزع الدينى فى قلوب الكثيرين فطالما لم يستطيعو أن يستشهدوا فهو إختبار من الله فالطريق واحد الى السماء والنتيجة واحدة فى النهاية حيث حياة الزهد والعبادة مادامت ستؤدى فى النهاية الى الغاية السامية نفسها.
وعن الأسس الإشتراكية فى الرهبنة قالت الدكتورة شروق عاشور،هى القائمة فى النظام الرهبانى بحيث كان جميع الأغنياء والفقراء والمتعلمين والجهلاء فى أن واحد يعيشون عيشة واحدة ويسمون لغاية واحدة وهى السمو بالروحانيات فى جو مصرى خالص بعيدا عن تسلط وإستبداد الإغريق وكان الإندماج فى هذا الطريق سهلا وميسرا لمن يشاء وممهدا لمن يرى أن يستقل بإشتراكية بعيدا عن جو تسوده الدكتاتورية والتميز للفئات الموجودة الأخرى وشجعت أراضى مصر بكل تضاريسها من جبال وصحراء وكثبان ومرتفاعات ومنخفضات حيث وفرت الجو الروحى للتعبد والإنعزالية حيث إقترب الصحراء والجبال للراغبين فى العزلة ،والذين فضلوا الفقر الإختيارى والتجرد من مباهج الحياة بعيدا فى البرارى حيث تمكنهم الطبيعة المصرية من العيش طيلة أيام السنة فى الخلاء فألتامل والإنفرادية من أسس النظام الرهبانى المساعدة للراهب على خوض تجربتة القاسية مع نفسه.