الأسباب التاريخية خلف تعنت الجانب الإثيوبي تجاه حقوق مصر المائية
تختلف مصر وأثيوبيا حول حجم المياه المُتدفق سنويًا، في المباحثات الدائرة منذ بضع سنوات، بعد بداية إنشاء سد النهضة الاثيوبي، وتواجه كافة الاقتراحات المصرية بتعنت الجانب الإثيوبي، وفي حين أعربت مصر في أكثر من مناسبة عن أن تشغيل السد “لا يجوز بفرض الأمر الواقع”.إلا أن اثيوبيا ماضية في استخدام سياسة الأمر الواقع، وفي حال مضت أثيوبيا في اكتمال بناء سد النهضة بشروطها المُجحفة، فإن مصر سوف تتأثر مائياً، وبالرغم من أن مصر -منذ البداية- لم يكن لديها مانعاً من بناء سد النهضة، بل وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي -خلال كلمته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل أسبوع- أنه يقبل بالحق في التنمية لكل البلدان وبناء السدود، ولكن ليس على حساب الأوطان الأخرى، وليس على حساب المصريين، واصفاً مسألة مياه النيل بأنها قضية وجود.
بالعودة لموافقة مصر على بناء السد، نجد أن مصر قد وافقت استناداً لاتفاق المبادىء الذي وقعته الدول الثلاث، مصر وأثيوبيا والسودان، وهو الاتفاق الذي يحترم حقوق مصر المائية، لأن أثيوبيا لا تحتاج المياه بينما تحتاج الكهرباء، ومصر تعتمد بنسبة 95% على نهر النيل، الذي سوف يقام السد على منابعه والذي سوف يتأثر في فترة ملء خزان أثيوبيا، ذلك الخزان الموجود خلف سد النهضة، وسوف يتأثر بكيفية التعامل مع ظروف الفيضانات الزائد أو الجفاف الزائد، وكان لابد من مرونة الجانب الأثيوبي، الذي رفض اقتراحات مصر في تعنت يبدو غير مبرر.
ما هي اقتراحات مصر؟
تريد مصر في اقتراحها ألا يقل منسوب خزان السد العالي خلال سنوات ملء سد النهضة عن 165 مترا، لأنها تخشى أن تتزامن المرحلة الأولى لملء السد مع فترة جفاف شديد في النيل الأزرق في إثيوبيا، على غرار ما حدث في 1979 و1987. وأكدت مصر أن مسألة مياه نهر النيل تعد مسألة حياة ووجود بالنسبة لمصر، معربة عن عدم ارتياحها لطول أمد المفاوضات مع إثيوبيا حول ملء وتشغيل السد. بينما حصتها الحالية هي55.5 مليار متر مكعب.
رفضت أثيوبيا تلك الاقتراحات، أو حتى مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء، بما يخالف المادة الخامسة من نص اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015، بين الدول الثلاث، كما يتعارض مع الأعراف المتبعة دولياً للتعاون في بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة.
وأصدر البيت الأبيض، بيانًا أعلن فيه دعم كل من مصر، وإثيوبيا، والسودان، للتوصل إلى اتفاق تعاوني ومُستدام ومُتبادل المنفعة بشأن تشغيل سد النهضة الإثيوبي. وأكد البيت الأبيض، حق جميع دول وادي النيل في التنمية الاقتصادية والازدهار.
ودعت الإدارة الأمريكية في بيانها، جميع الأطراف إلى بذل جهود حسنة النية للتوصل إلى اتفاق يحفظ تلك الحقوق، مع احترام حقوق مياه نهر النيل في الوقت ذاته.
جاء ذلك تزامناً مع انعقاد مفاوضات سد النهضة وقبل وصولها إلى طريق مسدود حسب بيان الرئاسة المصرية، حيث بدأت المفاوضات الاثنين الماضي وانطلقت اجتماعات اللجنة الوطنية البحثية الفنية المستقلة المكونة من السودان ومصر وإثيوبيا للبت في موضوع ملء وتشغيل سد النهضة الأثيوبي، وبعدها طلبت مصر تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وهو الأمر الذي رفضته السودان وأثيوبيا. حيث أعرب وزير الموارد المائية والري السوداني، ياسر عباس، عن رفض بلاده مقترح مصر حول إشراك خبراء من أي طرف دولي آخر لحل أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وأشار “عباس”، في ختام اجتماعات اللجنة الفنية المصرية الإثيوبية السودانية في الخرطوم، إلى ثقته باللجنة البحثية التي تم تكوينها بواسطة وزراء الخارجية ووزراء الموارد المائية ورؤساء الاستخبارات، من باحثين وخبراء من الدول الثلاث لدراسة وتقديم سيناريوهات محددة لدراسة قواعد الملء الأول والتشغيل لسد النهضة الإثيوبي.
وأقر “عباس”، بوجود خلافات بشأن الملء والتشغيل في حال السنوات الجافة، وطالب بإعطاء مزيد من الوقت للجنة الفنية البحثية لحل التعقيدات، مضيفاً أنه لابد من استمرار عمل هذه اللجنة لمعالجة النقاط الفنية لحين توصل الدول الثلاث لتفاهمات بشأن الملء دون إضرار بأحد.
وأوضح أن الاجتماع الوزاري ناقش خطوات ملء السد، وأشار إلى أن ملء البحيرة قد يستغرق من 4 إلى 7 سنوات اعتمادًا على كون السنة شحيحة الإيراد أم مطيرة، وقال: “بناء السد الإثيوبي يتم على مراحل، في كل مرحلة يزيد ارتفاع السد ويتم التخزين والتوليد الكهربائي”.
أما الجانب الأثيوبي، فقد أعرب عن معارضته لموقف مصر الذي أعلنت فيه عن وصول مفاوضات سد النهضة إلى طريق مسدود، مؤكداً رفضه المقترح المصري حول إشراك طرف رابع لحل الأزمة. حيث تخشى مصر من تأثيره على حصتها من مياه النيل، التي تبلغ حوالي 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.
وقال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سلشي بقل:”الخبراء من إثيوبيا ومصر والسودان قدموا بعض المقترحات ما يعني أن المفاوضات لم تصل إلى طريق مسدود”.
وشدد بقل على أن بلاده ترفض الوساطة من أي جهة، معتبرا أن التفاوض سيستمر بين البلدان الثلاثة من أجل الوصول إلى اتفاق.
وتابع سلشى: “الوفد المصري تقدم بمقترح يستحيل تنفيذه، لمطالبته بـ 40 مليار متر في السنة، بينما مخزون إثيوبيا نحو 20 مليار متر، ما يعني أن إثيوبيا تعطي مصر من مخزونها الاستراتيجي”.
وأردف وزير الري الإثيوبي: “الوفد المصري رفض مقترح السودان المحدد بـ 35 مليار متر… مصر تطالب بأشياء مدهشة وموقفها كان مفاجئاً”.
مخالفة إعلان المبادىء
ويأتي رفض الجانب الأثيوبي بالمخالفة لإعلان المبادىء سالف الذكر، حيث تنص المادة العاشرة التي تحمل اسم “مبدأ التسوية السلمية للمنازعات” من الاعلان على ما يلي: تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا. وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/ رئيس الحكومة”.
الأمر الذى دعا الرئاسة المصرية لاصدار بيان للمواطنين تتعهد فيه بحماية الحقوق المائية في نهر النيل، وترحب ببيان البيت الأبيض إذ قالت: “جمهورية مصر العربية تتطلع لقيام الولايات المتحدة الأمريكية بدور فعال في هذا الصدد، خاصة على ضوء وصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى طريق مسدود بعد مرور أكثر من أربع سنوات من المفاوضات المباشرة منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ في 2015، وهي المفاوضات التي لم تفض إلى تحقيق أي تقدم ملموس، مما يعكس الحاجة إلى دور دولي فعال لتجاوز التعثر الحالي في المفاوضات، وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، والتوصل لاتفاق عادل ومتوازن يقوم على احترام مبادئ القانون الدولي الحاكمة لإدارة واستخدام الأنهار الدولية، والتي تتيح للدول الاستفادة من مواردها المائية دون الإضرار بمصالح وحقوق الأطراف الأخرى”.
أوراق ضغط جديدة
تسعى مصر خلال الفترة المقبلة لتغيير سياستها التي كانت أكثر مواءمة وتوافقية مع إثيوبيا، إذ كانت تتّبع سبلاً دبلوماسية لا تهدف إلى الصدام مع أديس أبابا، لكنها أعلنت مؤخراً انها لن تقبل بسياسة فرض الأمر الواقع، إلا أنّ أثيوبيا التي ما زالت متمسكة بموقفها الرافض لأي تعاطٍ مع المخاوف المصرية، وفرْض سياسة الأمر الواقع التي حذرت منها مصر، قد تدفع مصر نحو التوجّه إلى “صوماليا لاند” ومحاصرة أديس أبابا عبر حدودها، لما تمثله أراضي الإقليم الصومالي من موقع إستراتيجي مهم للغاية، سواء بالنسبة لمنطقة القرن الأفريقي أو للأزمة المصرية الإثيوبية”.
وإقليم “أرض الصومال” يقع في منطقة القرن الأفريقي، وتحدّه جيبوتي من الغرب، وإثيوبيا من الجنوب، التي يرتبط بحدود كبيرة معها، ومنطقة بونتلاند الصومالية من الشرق. وتملك أرض الصومال ساحلاً طويلاً على خليج عدن يمتد بطول 740 كيلومتراً.وقبل عام من الآن، أطلقت مجموعة من الدول العربية والأفريقية كياناً اسمته “الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن”، وهو اتفاق بين دول عدة يهدف إلى حماية حركة التجارة والملاحة العالمية والدولية. وهو يضم السعودية، مصر، السودان، جيبوتي، اليمن والأردن.