حاله من الضجر بدت على وجهة زميلتي الكوردية وهي تجيب على سؤال مدرس اللغة الألمانية عن جنسيتها أن كانت سورية أو كردية فأجابت كوردية، ووسط همهمات بعض الزملاء العرب انفجرت باكية أن الأتراك يقتلون الأكراد برضى الدولة السورية التي نحن مواطنين فيها ولم يقدروا كل ما قام به الأكراد ضد داعش لحماية المدن السورية، ليست فاطمة الكردية الوحيدة في المهجر الذي عاودها شعور الألم والمرارة فخلال الأربع وعشرين ساعة التي تلت الضربة التركية للأكراد في شمال سوريا والتي سماها الرئيس التركي أردوغان نبع السلام، ولا يمكن تخيل نبع سلامة الممتلئ بدماء الأطفال والنساء في الشريط الحدودي لسوريا فقد استشري الغضب بين ابناء الجالية الكردية في العاصمة النمساوية فيينا.
ليس بمقدور العالم برمتة ولو اجتمعوا على رأي واحد لمنعنا من النضال المتواصل من أجل الحرية أبدًا لن يستطيعوا إيقافنا لأننا الكورد أبناء النور والنار والحرية هي العنصر الثالث المكون لوجودنا بدونها لا نريد أن نحيي ولن نترك أعدائنا أيضا ينعموا بالحياة.
هكذا جاءت كلمات صديقي الصحفي الكردي “هستيار ئارياني”، والذي تشعر عندما تحدثه بمدى إيمانه بقضية وطنه واعتزازه اللا متناهي بقوميته ومدى الألم الذي يشعر به على وطن مقسم وإصرار على اليقين من إرجاعه يوما.
الكورد اليوم حقيقة وقوة قائمة على أرض الواقع، وكل من يحاول إنكارهم وإنهائهم سوف يكونون هم المنتهين أمام قوة وعزيمة وصلابة أبناء وبنات الكورد المستمدة من شرعية قضيتهم العادلة، وحقهم بالحياة والعيش والوجود على جغرافية وطنهم كوردستان المقسمة على دول مصطنعة بموجب اتفاقية سايكس بيكو والاستعمارية، أما اليوم في ظل فقدان الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط لصلاحيتها وعدم ملائمتها للعيش البشري غير المراعية لأدنى معايير حقوق الإنسان، الثورة الكوردية في كل أجزائها المحتلة شمالها وجنوبها وشرقها وغربها قد بلغت أعلى مراحلها، والشرارة تبدأ من غرب كوردستان في شمال ما تسمى بدولة سورية.
وقد بلغت أوج عظمتها، حيث أزالت حلم دولة الخلافة الإسلامية داعش من الوجود، فأصبحوا يمتلكون قوة السلاح المضافة إلى قوة الإرادة بطليعة المرأة الحرة، فازعج هذا الواقع المحتلين في كل أجزاء كوردستان، يقودهم وحشية الترك المغول والحقد الفارسي و العداء العروبي حتى أن العربان يرضوا بأن يكونوا جنودًا لسلطانهم أردوغان العثماني القزم الذي نصب أجداده أعواد الخازوق لأجداد العرب على مدار ٥ قرون واليوم الأبناء ينحنون لها ويستحملونها فقط من أجل مواجهة الشعب الكوردي ومواصلة إنكار حقوقهم و وجودهم في الحياة، لكن هيهات إن حقدهم وشوفينيتهم سوف يميتهم، وميدان المواجه مفتوحة والكورد كرماء في سبيل دفع ثمن الحرية من دمائهم، والشعب الذي لا يحزن بل يحتفل باستشهاد ابنائهم وبناتهم في سبيل الوطن مستحيل أن يزول بل سيبقى إلى أبد الآبدين.
كما استطاع الكورد الحفاظ على وجودهم عبر التاريخ، اليوم أيضا يستطيع ذلك بالقوة والعقل والسلاح والإرادة الحرة، الكورد اعرق الشعوب المعروفة بثوريتها وعشقها الجنوني للحرية، ويبقى الكورد القوة الطليعية لكل الشعوب المضطهدة لبداية تدشين عصر جديد يسمى بعصر تحرر الشعوب.
وفي مقابلة مع مشعل لوكو أحد ابناء منطقة القامشلي المهمومين بالقضية بنفس الانفعال والغضب المنتشر بين أبناء الجالية الكوردية في فيينا حكى أن الدولة التركية باتت تخشى الأكراد بعد سيطرتهم على الشريط الحدودي بالكامل، ولمدة 8 أعوام كاملة قدم الأكراد فيها أكثر من مليون شهيد, حاربوا داعش وقتلوا وأسرو منهم أعداد كبيرة لا تزال في السجون.
الأكراد كانوا يقدمون عشرات الشهداء كل يوم لقد حرروا مدن ومحافظات خارج مناطقهم من سيطرة داعش, وباتوا مسيطرين سيطرة كاملة على مناطقهم في الوقت نفسة النظام وجد أن دورهم قد انتهى وهم يرون أنه حان الوقت لتحقيق مكاسب للأكراد بعد كل ما قدموه, في الوقت نفسة تخشى تركيا من زيادة نفوذ الاكراد أكثر من ذلك, وهم بالأساس يريدون إقامة دولة مستقلة تلك الدولة المقسمة بين تركيا وإيران والعراق وسوريا, وتركيا تخشى أيضا من الأكراد الموجدين بها حاليا والذي يتعدى خمسة وعشرون مليون كوردي في تركيا منصهرين داخل تركيا ولكن ولاءهم للهوية الكوردية.
في الوقت نفسه، نرى اتفاقا بين إيران وتركيا على ما يحدث من ضربات أيضا نجد صمت الولايات المتحدة وأوروبا التي تخشى من تهديدات أردوغان , أردوغان الذي يطالب بمنطقة عازلة ثلاثين كيلو متر بطول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا بدون أي تواجد عسكري كردي الدولة السورية.
ويضيف “لوكو”، بنبرة حزينة في اعتقادي فرحة بما يحدث للأكراد فإما أن يرجعوا لحضن الدولة السورية بدون مطالب أو يتركوا لمواجهة مصيرهم.
من عام ونصف الجنود الأتراك دخلوا عفرين ومازالوا موجودين واليوم مثل الامس لا فرق فلم تعترض سورية ولم تشتكِ للأمم المتحدة ولا لأي منظمة دولية ، لقد دمرونا، الأبرياء يقتلون والتلفزيون السوري يقدم برامج للطبخ والمكياج كأن لا شيء يحدث سورية لواردت منع الأتراك من مهاجمتنا كانت تستطيع فلديها الجيش القادر على ذلك, ولكنها لا تتدخل فلا مشاكل لها مع تركيا، آلاف النازحين حاليا يسافرون على الحسكة بالرغم من عدم وجود ماء ولا كهرباء وغلاء معيشة رهيب وكل هدف البعد عن القذائف فالإنسان يتحمل الجوع والعطش ولا يتحمل القذائف التي وصلت لقرى على بعد 15 كيلو متر من الحدود لا أحد يدافع عن الأكراد، ثم صمت طويلا وتركني أفكر في أبناء النور والنار كما يصفون انفسهم وكيف عانت هذه الأمة منذ فجر التاريخ سياسيا واجتماعيا وحتى جغرافيا، الأمة الكردية بإقليمها الكردستاني، وما يحدث الآن من هجمة شرسة تشنها تركيا على أكراد سوريا تعيد الأمل لديهم بدولة كردستان الكبرى، ذلك الحلم الذي راود الأكراد على مر القرون، ولماذا مع كل صراع في الشّرق الأوسط تبرز القضية الكردية، وللحديث بقية…