قيل “إذا عض كلب رجلًا، هذا ليس خبرًا، أمّا إذا عض رجل كلبًا، فهذا هو الخبر”، هكذا كان يعلم أساتذة الصحافة طلابهم، وعند البحث عن هذه المقولة وجد أنها ترتبط بوقت انتشار الصحافة الصفراء والتي ظهرت في القرن التاسع عشر والعشرين، والتي كانت تنشر الفضائح الأخلاقية والشائعات لجذب القراء، وكنت أظن أن الصحف تقوم بذلك فقط لنشر المختلف والغريب لجذب القارئ ، ولكن في عصرنا الحالي قمنا بما هو أغرب وهو بالسير وراء الشائع ” الترند” .
والصحافة اصطلاحا تعرف انها مهنة قائمة على جمع الأخبار، وتحليلها، والتحقق من مدى مصداقيتها قبل تقديمها للجمهور، سواء كانت سياسية، أو ثقافية، أو محلية، أو رياضية، وغيرها من المجالات ، وتعد الصحافة غذاء الفكر اليومي للإنسان؛ فهي تتيح له معرفة ما يدور حوله من مستجدات الأحداث في مختلف شؤون الحياة.
ورغم التأكيد أن الصحفيون جزء من المجتمع، يتأثرون ويؤثرون، وفي بعض العصور لجأ الصحفيون إلى القصص الخفيفة والمعلومات السطحية كحيلة للتملص من قيود الرقابة أو الحظر، إلا أننا كنا نجد أن هناك من يصر على دور الصحافة المعروف من نشر المعلومات والبحث عن الحقائق لتوعية المجتمع وزيادة معارفه، كما تحمي الصحافة المجتمع من أي شيء يساهم في إيذائه وتشويهه من أفكار هدامة وسلوكيات منحرفة ومشبوهة، كما تكشف الحقائق المستترة وتساعد الأفراد على الاستنارة بطريقها.
ولكن بدلا من دور الصحافة المؤثر في المجتمع، أصبح المجتمع هو المؤثر والمحرك للإعلام والصحافة بشكل خاص ، فمع ظهور مواقع السوشيال ميديا تحولت الصحافة إلى فوضى حقيقية، وأصبح هناك قادة الترند ، الذين يقدمون محتوى على صفحات السوشيال ميديا يؤثروا بها على المجتمع ، وفي الحقيقة هم يقدموا ما يسمى بالصحافة الصفراء لا لشئ سوى الحصول على أكبر عدد من المتابعين والمشاركين.
وبدلا من أن تقوم وسائل الإعلام بكافة صوره بالتقييم ونشر الحقائق وتعديل الذوق العام بطرق مستحدثة تواكب العصر مع التأكيد على الهدف، وجدنا وسائل الإعلام تتراجع عن دورها مع تراجع انتشارها أمام مواقع السوشيال ميديا، وتسعى إلى جمهور السوشيال ميديا من خلال صفحاتها بأساليب ضعيفة ، بل أن وسائل الإعلام أصبحت تلجأ إلى الفضائح والأسرار الشخصية طبقا لترند اليوم ، أمثال حفل محمد رمضان وملابسه ، وفستان رانيا والفيديوهات الجنسية المسربة للبرلماني المشهور … وهكذا حتى يتماشى مع سمات المستخدمين الجدد، مما أدى إلى انتشار الشائعات والأخبار المغلوطة.
لا يخفى على أحد أن هناك تغيير في سمات الشرائح الاجتماعية وأساليب المعيشة ، ولكن لا يعنى ذلك أن نواكب الترند ونهدم ثقافة مجتمع لتلبية بعض الشرائح الاجتماعية ، فحتى إن أخذنا بالمقولة الشهيرة الخاصة “إذا عض كلب رجلًا، هذا ليس خبرًا، أمّا إذا عض رجل كلبًا، فهذا هو الخبر” علينا ان نتأكد من صحة الخبر ونعبر عن الحيادية والأمانة في النقل ، مع الأكيد أننا مطالبون بتقديم صحافة جاذبة للقراء من خلال أساليب جديدة للتناول، مع زوايا أكثر إنسانية وأكثر عمقًا ، نحتاج إلى معاصرة الأدوات مع التوجيه السليم وليس اتباع الترند .