113 عام على إنشاء ضاحية “مصر الجديدة”
* البارون إمبان .. أريد بناء مدينة هنا سيكون اسمها “هليوبولس”
* قصر البارون ، الميرلاند ، المطار ، الترام .. اهم معالمها البارزة
” أريد بناء مدينة هنا ، سيكون اسمها هليوبوليس أى مدينة الشمس وسوف أبدأ بتشييد قصر فيها ، ..” كلمات تفوه بها المعمارى البلجيكى البارون إمبان مصمما على أن يحول هذا الجزء من الصحراء الذى يقع شرق القاهرة الى ضاحية من أجمل ضواحى القاهرة وكان له ما أراد وتم بناء ضاحية مصر الجديدة ذات التراث المعمارى المتميز التى كان يطلق عليها قديما مدينة أون الفرعونية والتى عرفت فى العهد اليونانى باسم هليوبوليس مدينة الشمس ..
البداية .. عندما وصل البلجيكى إمبان الى القاهرة فى نهاية القرن التاسع وكان يحمل لقب بارون ، ولم تمض أيام حتى عشق الرجل مصر وتمنى أن يعيش فيها بل ويموت فيها ، وكان له ما تمنى فقد طلب البارون إمبان من أحدى المهندسين المعماريين اصطحابه على ظهر حصان فى الصحراء بالقرب من طريق السويس القديم ، وهناك أبدى البارون رغبته فى بناء ضاحية على هذا الجزء من الصحراء .. وفى عام 1905 اشترى البارون إمبان من الحكومة ستة آلاف فدان من الصحراء لبناء ضاحية اختار لها اسم “هليوبولس” أى مدينة الشمس واعتبره الناس معتوها ، فمن ذا الذى سيذهب ليعيش فى منفى على مسافة عشرة كيلو مترات شمال شرقى القاهرة بحجة التمتع بالهواء النقى والإيجارات المنخفضة ؟ ، تجاهل إمبان كل مظاهر التعجب من همز ولمز ، وبدأ في بناء ضاحية مصر الجديدة ما بين عامي 1906 – 1907، على يد فريق كبير من المهندسين فى كافة التخصصات ، لقد أرادها أن تكون قاهرة جديدة وراقية تمزج بين الشرق والغرب فشيد بها الفنادق البارعة الجمال ومضامير سباق الخيول ومساكن على الطراز البلجيكى الكلاسيكى وتميزت شوارعها بالاتساع تخترقها الحدائق ، وكان نقل مواد البناء والطمى والعمال على ظهور الحمير أو الجمال ..
من أهم المعالم التاريخية لضاحية مصر الجديدة :
قصر البارون
يعد قصر البارون أحد أهم المعالم التاريخية لضاحية مصر الجديدة ، شيده البارون إمبان بعد افتتاح قناة السويس ليسكن فيه وقد حمل القصر اسمه البارون وقد استوحى تصميم القصر من العمارة الهندية وخاصة المعابد مثل معبد “انكوروات” فى كمبوديا ومعابد “أوريسا” الهندوسية ، القصر صممه المعماري الفرنسي “ألكساندر مارسيل” ، يقع القصر على مساحة 12 ألف متر ، حوى القصر على العديد من التحف والتماثيل المصنوعة من الذهب والبلاتين والبرونز ، واكتمل بناء القصر في عام 1911، وقد صمم بطريقة تسمح بدخول الشمس إليه من جميع الجهات ، حيث تدخل جميع حجراته وردهاته .
مطار القاهرة الدولى
يعد البارون امبان رائد الطيران المدنى الحديث فمنذ تأسيس المدينة كان يخطط لإنشاء ميناء جوى يخدم المدينة حتى يعرفها العالم بأسره وليحقق أفضل استفادة من ديناميكية هذا المركز فى عمليات التبادل وشكلت الظروف المناخية والأرض السهلة المنبسطة القابلة للاستغلال معاييرا هامة فى اختيار هذا الركن من الصحراء لإقامة المشروع وبالفعل وبعد بناء هذا المطار عام 1923 أصبحت مصر واحدة من أولى الدول الإفريقية التى شهدت بداية انطلاق الطيران المدنى.
فندق هليوبوليس
فى عام 1908 قرر الخديوى عباس حلمى الثانى إنشاء فندق كبير يحمل اسم هليوبوليس بالاس وقد كلف المعمارى “أرنست جاسبار” بوضع التصميم الهندسى والمعمارى للفندق واستمر البناء ثلاث سنوات وتم افتتاحه عام 1910 وقد اطلق عليه لقب “تاج محل الصحراء” ، إقيم الفندق على مساحة 20 فدان تقريبا وقد صمم على التراث الأوربى ، وهو الفندق الذى صار مقرا فيما بعد للرئاسة فعرف باسم قصر الإتحادية أو قصر العروبة .
وكانت حدائق الفندق تأوى أنواعا متعددة من العصافير من بينها نوع كان يظل يزقزق وقت الغروب وهو الوقت الذى كانت تقام فيه حفلات الشاى الراقصة فى خلفية الفندق ، وكان الخدم وأغلبهم من النوبة يرتدون الجلاليب التقليدية بألوان تدل على درجة كل منهم فى السلم الوظيفى بالفندق وكان الزبائن يتنافسون فيما بينهم على الأناقة وكان رسم الدخول 35 ج ، ومن حفلات الزواج المهيبة التى اقيمت هناك حفل زفاف ابن باغوص باشا عام 1937 والذى حضره 1000 مدعو ووصيفات بلغ عددهن اثنتى عشر كان يرتدين فساتين فاخرة ويضعن خصلات من الريش على شعورهن ..
حديقة الميرلاند
تعد من أقدم الحدائق بمصر الجديدة تم إنشاءها عام 1961 كانت الروضة والحوض فى غاية من الجاذبية يوم الافتتاح ، كانت الناس تستحم فى الأحواض رغم انها غير مخصصة لذلك ، ، وفى الصالة العليا كانت فرقة ” ليه بولى شاه” تقدم عروضها بصفة منتظمة باشتراك صبحى بدير ووجدى فرنسيس وصادق قلينى وكانت الراقصة الشهيرة سهير ذكى تقدم عروضها وكان أولئك الذين يشترون زجاجة ويسكى هم فقط الذين يتمكنون من الحصول على مكان بالقرب من حلبة الرقص .
مضمار سباق الخيل
شيده البارون عام 1909 داخل الميرلاند ، وهو مكان راق يتجمع فيه كل سكان مصر الجديدة والقاهرة حيث كان الناس يخالطون البارون امبان وعمر الشريف والأغاخان وغيرهم ، وقد كان مكانا للاحتفال بأعياد الطيران ، .
ترام مصر الجديدة
جاءت فكرة إنشاء الترام عندما أراد البارون ربط ضاحية مصر الجديدة بالقاهرة وجذب الناس إليها خاصة مع افتقار الضاحية للمرافق وأهمها المواصلات، فكلف المهندس البلجيكي “اندريه برشلو”، بإنشاء خط مترو يربط الضاحية الجديدة بالقاهرة، وظل الترام من المعالم المميزة لمصر الجديدة حتى وقت قريب .
ومن أجل الحفاظ على هذا التراث الذى يميز ضاحية مصر الجديدة كانت الفكرة الى إقامة متحف مصر الجديدة داخل قصر البارون والذى حدثنا عنه شكرى أسمر رئيس مجلس أمناء مؤسسة تراث هليوبوليس قائلا : نحن مجموعة من المتطوعين أسسنا مبادرة تراث مصر الجديدة فى نوفمبر عام ٢٠١١ وبعدها بعاميين تم تكوين مؤسسة تراث هليوبوليس والتى تعد من اهدافها الأساسية الحفاظ على تراث مصر الجديدة من مبانى وأشجار ولفت الأنتباه للتعديات التى تتعرض له من خلال عدة محاور نعمل عليها اولهما المحافظة على ثروة مصر الجديدة من أشجار وحدائق ولهذا خاضت المؤسسة عدة معارك اشهرها معركة حديقة الميريلاند والتى نجحوا -مع التكاتف مع الاهالى- فى المحافظة عليها وإعادة أعمارها ، هذا الى جانب المعركة التى يخضونها حاليا فى شارع ابو بكر الصديق للمناشدة بعدم قطع الاشجار لما تساهمه فى خلق بيئة صحية للسكان ومظهر حضارى للشارع
ونجحت الحملة فى جذب الكثير من المواطنين على صفحات التواصل الاجتماعى او من خلال الورش التى يعقدونها وإقامة معارض فى شوارع الكوربة لمسابقات فوتوغرافية لاحياء ومناطق مصر الجديدة ، واطلقت المؤسسة ايضا حملة بضرورة عودة الترام لفك الزحام وحث المواطنين على ركوب الدراجات
وعن دورهم فى نشأة متحف مصر الجديدة يقول شكرى : كانت مناشدات للوزارات والحكومة لاقامة المتحف واستغلال قصر البارون على مدار خمس اعوام بلا كلل او ملل حتى نجحنا اخيرا فى تنفيذ ورشة عمل بالمشاركة مع وزارة الاثار وتصادف هذا اليوم كان اول يوم يستلم فيه الدكتور خالد عنانى مهامه والذى تحمس جدا للفكرة ودخلت حيز التنفيذ فنجح فى جلب تمويل لتجديد قصر البارون امبان وإقامة متحف مصر الجديدة وتم اسناد العمل للهيئة الهندسية والمقاولون العرب واطلقنا نداء لمشاركة الاهالى فى هذا المتحف من خلال عرض الموروثات العائلية مثل صور عائلية او كروت بريدية أو قطع أثاث أو تماثيل أو تذاكر ترام أو إعلانات أو واجهات محال قديمة مع بقاء ملكيتها للمالك وذكر اسم العارض بالمتحف التى تعبر عن الحياة فى مصر الجديدة فى النصف الأول من القرن العشرين ١٩٠٥- ١٩٦٠.