منذ أسابيع أثارت الأعمال الفنية التي قام بها مجموعة من خريجي وطلاب الفنون الجميلة الاهتمام بالمحافظات وخاصة القاهرة والمنيا حيث انتشرت صور مشاريع تخرجهم عبر “السوشيال ميديا” ، وقارن البعض بينها وبين الأعمال الفنية الأخيرة التي وضعت بالميادين ولاقت نقدا لعدم اتقان عملها، وتساءل البعض من الشباب منهم انه بعد التخرج لا يجد فرصة جيدة للعمل أو الشهرة كما البعض على الرغم من تميز أعمالهم ولماذا لم توضع أعمالهم في الميادين،وحول كيفية الاستفادة من طاقات الشباب المهدرة وما هو دور الدولة كان لوطني هذا التحقيق .
قال الفنان التشكيلى حلمي التوني تعقيباً على عدد من الأعمال الفنية من مشروعات التخرج : عندما رأيت تلك الأعمال لخريجين من كليات الفن فرحت جداً ، بل كانت بمثابة مفاجأة سارة بالنسبة لي , حيث رأيت فى أعمال هؤلاء الخريجين بارقة أمل ، وفى نفس الوقت رمزاً للجمال في مواجهة الارهاب الفكرى والتذمت المبالغ فيه ، وأضاف قائلاً : إن هؤلاء الطُلاب يُمثلون إنطلاقة مبشرة بالخير إن شاء الله .
وأشار “التوني” إلى إن هناك بعضاً من متذوقى الفن يتسائل هل لدينا بالفعل أناس تستطيع أن تنتج هذا الفن الجميل والراقى ، قائلين : ولماذا نرى من وقت لآخر أعمال باهتة قبيحة تؤذي العين لا علاقة لها بالفن من قريب أو بعيد, بل قد تصل فى بعض الأحيان لما يٌشبه المسوخ شديدة الفقر , ولماذا لا تعرض الأعمال الفنية لهؤلاء الفنانين فى الميادين .
وطالب “التوني” بأن تتصدر أعمال هؤلاء للمشهد الفنى فى مصر ، قائلاً : يجب أن نعمل بالمثل القائل ” أيدي العيش لخبازه ولو أكل نصه ” وأضاف : هما مش هايكلوا نصه بل هما هايزودوه , وقال : أصلح المثل لأقول “أعطي العيش لأهله وأعطي الفن لأهله” .
وتابع “التونى” قائلاً : كانت فرحتى عندما علمت أن تلك الرسومات المنتشرة هى لكليات ليس في القاهرة العاصمة ، بل هى لكليات من جامعتى حلوان و المنيا ,ولهذا السبب فإن هذه الأعمال تعد مصدراً أخر للمفرحة , نظراً لأن الحرية التى تتمتع بها هذه العقول والقلوب الشابة ، أثمرت وأنتجت ابداعاً أكثر من روعة .
وطالب “التوني” المسئولين و القائمين على الحركة الثقافية في مصر , أن يراعوا مثل تلك الأعمال الفنية التى يبدعها مثل هؤلاء الطلبة الذين عملوا واجبهم بكل إقتدار.
واكد الدكتور جرجس الجولي أستاذ كلية الفنون جامعة المنيا، والمشرف على الأعمال الفنية التي قام بها فريق من خريجي الفنون الجميلة، إنه نتاج مجهود مكثف على مدار خمس سنوات وكنا متابعين كل أعمالهم وتم تعليمهم بالجانب الأكاديمي ومفهوم الفن الكلاسيكي وكيفية تعليم فن النحت والاتجاهات الحديثة، موضحًا إن مشروع التخرج يعتبر الانتاج الفكري والعقلي للطالب لمدة خمس سنوات، وكل عام يظهر مثل هذه المشاريع ولكن بدون تشجيع تختفي، مشددًا على أهمية ووجوب تشجيعهم حتى تعطي آمال للاجيال القادمة.
وتطرق إلى دراستهم والتي بدأت بتقليد المنحوتات ثم التدرج لباقي فنون النحت، وهذا ما أثقلهم في الجانب الاكاديمي، قائلًا: “فأنا لا أثقل على الطالب بمدارس واتجاهات حديثة يقوم بنحتها، ومنحوتات غير مفهومة أو سيريالية، بل قمت بإعطائم الوقت لإدراكهم المنحوتات وتقليدها وهذا ماقواهم في الجانب الاكاديمي وهذا ثمرته ما رأيناه في مشاريع التخرج.
وأشار الجولي إلى أنه قام بمتابعة تلك الدُفْعة منذ عامهم الأكاديمي الأول حتى التخرج، والعمل معهم جميعهم بنفس النسق من عمل بورتريهات ومراعاة النسب، قائلا : “فرحت كثيرًا لرؤيتي ردود الأفعال الإيجابية على السوشيال ميديا، وأنا فخور بهم لان التدريبات التى قمت بها اتت ثمارها. ولكن اقول انهم لم يكن فنانون من البداية لما كانت هذه الأعمال ظهرت بهذا الشكل الرائع، فالموهبة مع المجهود والتعلم بطريقة صحيحة هوم ما أنجح الأعمال التى نتجت في الأخير بهذا الشكل الجيد. وعادة طلاب النحت يكون عددهم قليل وهذا ما جعلني استطيع متابعتهم بشكل افضل وكنت اتعامل معهم كاصدقائي مكونًا صداقات مع كل واحد فيهم.”
ونوه أستاذ كلية الفنون الجميلة جامعة المنيا إلى وجوب أن يكون هناك بروتوكول تعاون بين الكلية وهيئة المجتمعات العمرانية ليتم عرض هذه المعروضات في الميادين العامة، متمنيًا أن يتم تفعيلة في القريب العاجل، راجيًا أن يلفت نظرهم هذا النجاح ويتم تجهيز هذا البروتوكول.
وبالاستفسار عن المواهب الفنية بمصر أجاب الأستاذ المشرف على الاعمال الفنية التى قام بها فريق من خريجي الفنون الجميلة بالمنيا، أن مصر بها مواهب متميزة ولكن ينقصها التمويل، مشددًا على أهمية تشجيعهم خاصة بعد أن قدموا اعمالا اشاد بها الجميع ، ومساعدتهم بعرضها في المياداين، وتمويلها إذا احتاج العمل لذلك ليظهر بصورة وخامة جيدين، موضحًا أن خامات مشروعات التخرج تختلف عن خامات تماثيل الميادين، فالأخيرة -بحسبه- يجب أن تكون قادرة على تحمل الظروف المناخية، لذا هي تعتبر مكلفة أكثر.
وتمنى الدكتور جرجس الجولي ، أن تتعاون وزارة الإسكان مع هذه المواهب .
وعلق ساهر سمير العامرى الأول على قسم النحت والحاصل على درجة الإمتياز فى مشروع التخرج لسنه ٢٠١٩ ، قائلاً : أنا درست بشعبة النحت والميدالية بكلية فنون جميلة جامعة المنيا، وفى البداية فكرت فى أكثر من فكرة لمشروع التخرج وبعدما تحددت الفكرة فى ذهنى ، بدأات تنفيذها بالفعل ، حيث كانت لدي فكرة حول موضوع التصوير “السيلفى” ، وللصدفة كنت فى أجازة وقت إختمار الفكرة فبدأت أدرس الموضوع من أكثر من جهة حتى استطيع ان أنفذها ، لكن فى نفس الوقت تحمست أكثر نظراً لإنتشار التصوير السيلفى فى وقتنا الحالى ، لذلك أحببت أن أعبر عن درجة هوس الكثيرين بـ”السيلفى” ، وبدأت أفكر وأتأمل كيف بدأت الفكرة بالمقارنة بالماضى ، وكيف كان لأثنين من الصدقاء أن يلتقطوا لأنفسهم صورة تذكارية دون أن يكون بصحبتهم أحد ، والآن فكرة التصوير “السلفى” حلت هذه المسألة تماماً .
وأضاف “ساهر” :هذه هى الفكرة الأصلية لـ”السيلفى” فلو أراد أحد من الأشخاص أن يحتفظ بـ “ذكرة حلوة ” فى حياته أصبح الطبيعى أن يلتقط الصورة “سيلفى” وهذا كان بداية التطور فى “السليفى” ولكن الجديد فى الأمر أن بعض الأشخاص بدأوا يُعرضوا أنفسهم للخطر علشان يلتقطوا صورة أو الإدعاء بعمل خير أو إدعاء أى موقف فى أى مناسبة لمجرد ألتقاط صورة سيلفى ، أو لمجرد الحصول على عدد من الإعجابات “اللايكات” على الفيسبوك ، وبالتالى تحول التصوير من مجرد ألتقاط صورة جميلة للذكرى إلى هوس وجنون السيلفى .
وقال ساهر سمير : من هنا بدأت اشتغل على الموضوع وأبحث من خلال الإنترنت حول موضوع وتطور السيلفى وبدأت أرى الحالات الشائعه عن التصوير السيلفى ، ومن ثم بدات أصمم “الكادرات” المناسبة التى يُمكن العمل عليها فى المشروع ، منوهاً أن التنفيذ استغرق 23يوماً من بداية تجهيز الخامات والشاسية إلى أخر لحظة عمل ، وأضاف : كنت بشتغل تقريباً من ٩ إلى ٧ ، هذا ومن المعروف عن النحت البارز أنه نحت على الجدران ، وذلك أحببت أن أنتج شئ جديد ، بحيث أجعل المُتلقى يتفاعل مع القطعة الفنية و يدور أو يتحرك حواليها ١٨٠ درجة حتى يستطيع أن يتفاعل مع الأشاخص الأخرين ، وليس مجرد المشاهدة بدون التحرك وحتى يستطيع أيضاً أن يلتقط أى صورة من أى زاوية من القطعة الفنية ، وبالفعل هذه الفكرة أوجدت تفاعل كبير للغاية من جانب الحضور وعلى رأسهم أساتذتنا من الكلية .
وأشار الأول على قسم النحت والحاصل على الإمتياز بمشروع التخرج لسنه ٢٠١٩ ، قائلاً : كما قُمت أيضاً بإضافة جانب تفاعلى من خلال وضع “مرايات” تساعد الحضور على كشف المزيد من زوايا القطع الفنية فضلاً عن تفاعلهم أكثر مع المكان ومع خيرهم من الحضور ، وأيضاً ألتقاط الصور السيلفى مع باقى “الوشوش” التى قمُت بنحتها وهذا يظهر من الصور ، وعلق “ساهر” قائلاً : سعدت جداً بردود الأفعال التى جاءتنى على المشروع والفكرة بصفة عامة ، كما سعدت للغاية بالتفاعل الكبير على مواقع التواصل الإجتماعى خاصة على الفيسبوك ، وأتمنى أن يزيد وينتشر هذا التفاعل بل ويصل للإعلام نظراً لأن الموضوع بنعاصرة و بنعيشة كلنا دلوقتى ، وأضاف : حالياً أنا أصبحت خريج وبفكر فى أن أكمل فى مجالى وأن أقوم بعمل ” اتيليه” خاص بي ، لأقوم بعرض شغلى من خلاله ، كما أتمنى أسافر إلى إيطاليا وأتعرف عن قرب عن فنون النحت هناك و أحضر ورشة من الورش التى تُقام هناك و إنشاء الله نطور أنفسنا أكثر وأكثر.
واستطرد ساهر سمير قائلاً : من أشهر الأعمال التى نفذتها خلال أخر سنة هى جدارية لـ “الريس متقال” وجدارية لـ “الكينج محمد منير” و جدارية لـ” الخال عبدالرحمن الأبنودى” وأتمنى أن أصل ههذه الجداريات سواء لـ ” الكينج ” و أسرة “الأبنودى” لكي اهديهم هذه الجداريات ، مُختتماً كلامه قائلاً : أحب أن أشكر ربنا فى المقام الأول ثم أهلى وأساتذتى على المجهود الذى بذلوه معى ولأجلى ، ووقفهم معى وتعاليمهم لي ، فأن بدونهم ما أستطعت أن أصل لهذه المرحلة الفنية .
وقال الفنان التشكيلي وجدي حبشي الناقد الفني بجريدة وطني : عندما يقدم شباب من الفنانين مشروع التخرج من كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان .. يجب أن يتخذ كل طالب أو طالبة موضوع المشروع .. وأن يكون لكل مشروع هدف أو رسالة فنية يعبر عنها كل من الفنانين من بوجهة نظره الفنية .. وعليها تقييم المشروعات “الاعمال الفنية” من حيث الفكرة أولا ثم صياغتها برؤية ابداعيه مبتكره.
وأضاف : ” أمامنا صور لأعمال نحتيه لطلبه كلية فنون المنيا قسم نحت ولأول مرة أرى موضوع التخرج يحمل عنوان نشأة الانسان سواء رجل امرأة ورسالته في الحياه.. والملاحظ في تلك الاعمال نجد منها من هو متأثر بالفن الفرعوني ولكن الفكرة والتنفيذ برؤيه ابداعيه جديده مثل العمل النحتي لبناة الاهرامات وكذلك الخط الفرعوني مع المرأة ..كما نجد أعمال نحتيه للمرأة وقد عبرى عنها الفنانات تحت تأثير البيئه والمجتمع المحيط بهما.. فنلمس من الأعمال الضغوط التى تعاني منها المرأة.. مثل العمل الفني الذي يبرز أن المرأة مخلوق للانجاب .”
وتابع : كما نجد عمل فني أخر للمرأة المتحرره، ولكن برؤيه تقليدية.. مثل العمل النحتي الذي يعبر عن المرأة وقد تجردت من ملابسها وفي خطوه للإمام.. والمرأة الشابه يليها امرأة عجوز ومقيده من يديها، وحلول تشكيليه. كما نجد عمل نحتي مبتكر وبرؤيه معاصره مثل التمثال الذي يشترك فيه المرأة والرجل بصياغه جمالية، ونجد عمل نحتي أخر للفنانه التى فكرت بان نشأة الانسان من الطين.. فنلمس فيها من الجداريه النحتيه اسلوب وفكره جديده كخلق الإن.
وقد عبرت عنها برؤيه جماليه معاصره .. وفي جداريه أخرى نجد الفنانه وقد تأثرت بالفن الفرعوني، فنلمس في النحت البارز تأثير النحت الفرعوني بين الأنسان والعقرب. ودلالاته الرمزية والفنيه.
ومن وجهة نظري الفنية والتحليليه للاعمال النحتيه.. يجب أولا أن يدرك الفنان رسالة الفن التشكيلي على المجتمع الذي يعيش فيه .. والقيم الجماليه والابداعيه التى تؤثر على المجتمع .. لكن نرتقي بالذوق الفني لدى الإجيال الشابه ومدى الحريه التى يتمتع بها أى مجتمع معاصر.. ولذا تقاس المجتمعات بانتاج فنونها التشكيليه أو الادبيه أو الموسيقيه أو السينمائيه أو الرياضية.