أيام وليالي قضاها شمشون مستهيناً رغم أن الله حذره مراراً وتكراراً، لكن بقدر ما صبر عليه الله بقدر ما استهان شمشون، بل إن أقوى تحذير زلف به لسان الشيطان نفسه إذ قالت دليلة “أخبرنى بماذا قوتك العظيمة وبماذا توثق لإذلالك” (قض ٦: ١٦ )؟ وهو غارق فى الخطية انتفض كعادته طالباً المعونة فلم تأته.. هذه المرة أوثق وقلعت عيناه – العين تلو الأخرى – ولا مجيب ولا سامع لدعواته وتوسلاته.
أخيرا بعد أن صدقت نيته وماتت فيه الشهوات كلية استطاع أن يصرخ بصدق توبة – قرأها فاحص القلوب – واستجيبت طلبته “يا سيدى الرب اذكرنى وشددنى يا الله هذه المرة فقط” ( قض ٢٨ : ١٦) ولأن الهوى فيه قد مات قال “لتمت نفسى مع الفلسطينيين” فى الحال قوة الله ملأته وبها ضغط على الأعمدة التى يرتكن عليها معبد الوثن وهدم المعبد على من فيه.
إنها توبة صادقة جديرة أن تضعه مع أبطال الإيمان الذين ذكروا فى الرسالة إلى العبرانيين “جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء” ( عب ٣٢ : ١١)
العالم بكل شيء يعرف اشتياقات القلب وجديته فى التوبة “لنتقدم بقلب صادق فى يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير” (عب ٢٢: ١٠ ) .
لم يكن القديس بطرس حزيناً على مكانته التى يمكن أن يفقدها بين التلاميذ، بل كان الحزن عميقاً على عشرة الحب التى أخطأ فى حقها بجرم تخاذله ساعة الشدة ولم يستطع أن يبرهن على حبه عملياً. كيف يمكن أن يتجاسر ويطلب مكانته الأولى لا كتلميذ بل وتلميذ ملاصق للمعلم فى كل الأحداث؟
نظر السيد المسيح إلى صدق توبة بطرس، لأنه هو فاحص القلوب، فعرف حرارة توبته التى خجل بطرس أن ينطق بها فبادره بالسؤال اتحبنى؟ يا رب انت تعلم كل شئ انت تعلم أنى أحبك.
متى كانت نوايانا معرجة بين الفرقتين أو كما يقولون عين فى الجنة وعين فى النار.. فترت توبتنا وخدعنا ضمائرنا، ومتى كانت نوايانا قاطعة فاصلة بين موت وحياة عاد إلى قلوبنا شوقها وحرارتها ومكانتها فى حضن الله فى ثقة ودالة البنين هامسين: يا رب أنت تعلم كل شئ أنت تعلم إنى أحبك.