افتقد القديس يوحنا القصير بائسية الساقطة، تحركت مشاعرها واشتعلت فى قلبها من جديد نار محبتها الأولى نحو الله لكنها سألته هذا السؤال الذى مازال عدو الخير يعرقل به كل تائب : هل لمثلى توبة؟ لقد أعطانى الله الكثير..
اعطانى ثروة عظيمة واعطانى جمالا جسدياً بل واعطانى فضائل روحية فجعلت منزلى مأوى للغرباء والمساكين. بتهاونى ضيعت ما أخذت فهل يمكن أن اعود إلى مكانتى الأولى؟ هل سأكون كما كنت سابقاً فى مركز إهتمام الله فى كل كبيرة وصغيرة فى حياتى؟
حقيقة ان هذا التساؤل يبدو لنا احيانا منطقياً جدا ، ذلك لأننا نقيس مشاعر الله على مشاعرنا البشرية ففى العلاقات البشرية لو احسننا صنعاً قوبلنا بترحاب ولو أسأنا قوبلنا بعبوسة وبجهد كبير يمكن ان تعود العلاقات كسابق عهدها. لكن فى علاقتنا بالله الأمر مختلف تماما، حبه للانسان هو هو وطبيعته لا تتغير بل على العكس عطفه وشفقته يزدادا بالأكثر كلما مالت النفس وانحرفت بالأكثر “أنا ارعى غنمى واربضها يقول السيد الرب واطلب الضال واسترد المطرود واجبر الكسير واعصب الجريح” (حز ١٥ : ٣٤ ). مثل الأم المهتمة جدا بطفلها المريض، كل الرعاية، كل الحنان، كل الوقت والجهد منصب عليه “إن كان لإنسان مئة خروف وضل واحد منها أفلا يترك التسعة والتسعين على الجبال ويذهب يطلب الضال وإن إتفق أن يجده فالحق أقول لكم أنه يفرح به أكثر من التسعة و التسعين التى لم تضل” (مت ١٣-١٢ : ١٨ ).
التوبة تعيد المكانة الأولى لأنه بالتوبة لا يعود الإنسان يبدأ من الصفر من جديد، خبراته الروحية السابقة مع الله ومعاملات العشرة القديمة لا تنمحى.
القديس بطرس بعد توبته من خطيته الصعبة لم يعد فقط إلى رعاية الخراف كوكالة أؤتمن عليها ولكنه أيضا لم يكن فى حاجة ان يجوز من جديد خبرات المشى على الماء وصيد السمك الكثير وخبرة جبل التجلى، حساب رصيده ظل محفوظا له يستعيده بالتوبة، وكذلك كل تائب، يقول القديس يوحنا ذهبى الفم :[إن التائب يعود بقوة أعظم لأنه بقدر ما شعر بدناءة النفس وجهلها بقدر ما يظهر غيرة أوفر كما لو كان مدفوعا بعاصفة قوية نحو سماء الفضيلة] أمين.