تناول الحوار الذي يُعد الأول لقداسة البابا تواضروس الثاني مع الإذاعة المصرية، عدة قضايا وطنية واجتماعية وكنيسة ، حيث تطرق إلى الجانب الشخصية المرتبطة بطفولته ورهبنته وإختيار العناية الإلهية لإعتلاء الكرسى المرقصى .. كما تحدث بابا الإسكندرية عن الفتطرات العصيبة التى مرت بها مصرنا الحبيبة خاصة وقت أن أحرقت الكنائس فى صعيد مصر ، من ناحية أخرى أشار قداسة البابا إلى روح الوحدة الوطنية التى تتميز بما مصر ، مؤكداً أن هذه الوحدة لم تتم بفعل فاعل بل بفعل الجغرافيا .. وجاءت أسئلة الحوار الذي أجرته الإعلامية شيرين عبد الخالق مع قداسة البابا تواضروس الثاني، والذى أذيع خلال شهر رمضان عبر إذاعة الشرق الأوسط
وجائت إجابات قداسة البابا كالتالي:
السؤال الأول: فكرت كتير جدًا أبدأ من أين فوجدت أن محطة قداسة البابا الإنسان هي الأولى إن نبدأ بها فأسمحلي قداستك مابين أسيوط والإسكندرية ودمنهور ووادي النطرون ولندن ومحافظة الدقهلية تحب أبدأ منين قداستك ؟
أنا اتولدت في المنصورة عشت فيها خمسة سنوات، ووالدي اتنقل لسوهاج وعشت فيها ثلاث سنوات دخلت فيها المدرسة، ونُقل مرة أخرى للبحيرة فعشت في البحيرة كل سنوات عمري حتى ثانوية عامة ، ثم ذهبت للجامعة في الإسكندرية كلية الصيدلة لكن أقامتي كانت في دمنهور واتخرجت واشتغلت في دمنهور فترة وكان لدي دراسة لاهوتية بالكلية اللاهوتية، ثم سافرت لإنجلترا ودرست quality control وكنت بأدرس زمالة هيئة الصحة العالمية .. وبعدها رجعت دمنهور مدة سنة ثم دخلت إلى الدير بوادي النطرون ، حيث مكثت في الدير أربع سنوات كراهب ثم رسمت كاهن ورجعت أخدم في دمنهور سبع سنوات ثم أسقف مساعد لمطران البحيرة ظللت بها ١٥ سنة في البحيرة في نهايتهم ويوم عيد ميلادي الستون تم اختياري لأن أكون بطريرك الكنيسة المصرية.
السؤال الثاني : وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن حكاية عبارة خرجت من قلب البابا كالرصاصة خرجت من فم البابا وكانت العبارة التي واجهت الرغبة في تقسيم الأوطان في وقت عصيب مر به الوطن كيف تري قداستكم آليه تصحيح هذه الصورة ؟
لو رجعنا بالذاكرة فترة قصيرة في ٢٠١٣ حصل إعتداء على الكنائس في أغسطس، وأنا كنت بطريرك فترة سبعة أو ثمانية أشهر كانت خبرتي محدودة ومسؤليتي كبيرة ، لكن لما حصل إعتداء، كنت متأكدًا أن كل المصريين المسلمين لم يعتدوا على هذه الكنائس لأني كنت في حالة حيرة لأن أبسط تعليق من أي طرف قد يُسبب مشكلة كبيرة.. كان فيه حرق وتدمير وتكسير وكنت في الدير أعلم بكل هذه الأحداث وكان خوفي على البلد كبير جدًا ففكرت وصليت ما الذي يمكن أن أقوله، وظهر في ذهني ما يحدث في سوريا فخطر في بالي أن الوطن أولًا ثم الكنيسة فقلت هذه الجملة، مثل أللي معاه أموال يجيب السيارة الأول ولا المنزل؟ فكانت دي الفكرة الرئيسية
، ونشكر ربنا كانت عبارة فاصلة لتوعية الناس والدولة مشكورة رممت كل الكنائس للمرة الأولى وكله تم والحمد لله وأصبح لنا مشروع الكاتدرائية والمسجد بأمر الرئيس وبنوا في خلال سنتين بينما كاتدرائية نوتردام بنيت في مئتي سنة.
السؤال الثالث: العالم كله حينما يحترق التاريخ تبكي الإنسانية ما هي مشاعر حضرتك عندما علمت بحريق كاتدرائية نوتردام؟
قداسة البابا: عندما علمت الخبر وكنت قرأت عنها كثيرًا وكنت أتطلع لزيارتها، هذه الحادثة مؤثرة، وهي إحتراق للتاريخ وهو قصة الإنسان وهذه الكاتدرائية يزورها كل شهر حوالي مليون شخص ولها شهرة وتاريخ وتحكي عصور وكان ألم كبير لكن أثق مع الزمن يتم إعادة بنائها.
السؤال الرابع: صعيد مصر في قلب الكنيسة والقيادة السياسية بدأت الإهتمام به كيف تري قداستكم الأمر ؟
صعيد مصر به كثافة سكانية عالية وبه نقص في مشروعات التنمية، وهذا بسبب الزيادة السكانية المستمرة .. وعمل الكنيسة عمل روحي و الدور الثاني هو الدور الإجتماعي وهذا دور هام أن يكون للكنيسة دور في خدمة المجتمع، فمثلًا توجد عدد من المدارس أقامتها الكنائس في مناطق من الصعيد وأنشئت مستشفيات مثل مستشفي بني مزار لتخدم أهل الصعيد، وجاري تجهيز مستشفى في نقادة بالإضافة لبعض البرامج التنموية يوجد مكان لدينا في الكنيسة اسمه أسقفية الخدمات الإجتماعية والعامة تساعد الكنائس في الأنشطة الإجتماعية للمصريين كلهم .. لدينا برامج توعية ومحو أمية وبرامج توعية ضد بعض الأمراض ، يوجد برامج تعليمية تخدم وتدرب بعض العمالة على الأعمال المهنية وهذا يساعد في تنمية المجتمع ويوجد التفات من الدولة لمشروعات الصعيد وهذا شئ جيد.
السؤال الخامس: قداستك دائمًا تتحدث بابتسامة ومن القلب هل هذا هو المفتاح السري لقلوب المصريين ؟
أنا متعود أن أتحدث عما بداخلي، فنحن كلنا خدام من أجل الوطن، وهذا هو المفهوم الأساسي، كل شخص يخدم الآخر بطريقة مختلفة ولا نستطيع الإستغناء عن شخص فعندما تمسكي رغيف خبز، هناك من زرع ومن حصد ومن طحن ومن نقل ومن خبز، كل هؤلاء أشخاص نحن لا نستطيع الإستغناء عن أحد منهم.
السؤال السادس: رؤية قداستكم الواسعة جعلت، من أقباط المهجر قوى ناعمة في الخارج. كيف استطعت قداستك استعادة ثقة أقباط المهجر للوطن؟
أول كلمة أقولها لحضرتك أن كلمة أقباط المهجر ليست تعبير دقيق لأنهم مصريين ولكن لتَجَمُّعَهم في الكنائس أصبح التعبير دارج لكنهم مسيحيون، ديانتهم مسيحية يعيشون في بلاد مختلفة.. المهاجر الذي في الخارج يُسافر ويترك قلبه في مصر وكنائسنا التي في العالم هي أماكن مصرية يتجمع فيها الإقباط للعبادة ونتجمع بصورة منتظمة ولدينا ٣٥ إيبارشية في العالم في أمريكا وأوروبا وأفريقيا وأورشليم وأستراليا ومنطقة الخليج .. العمل منظم لذا فالتواصل سهل.
وشئ هام الإستفادة من خبراتهم، والدولة تعمل على ذلك من خلال مؤتمرات وزيارات. والعلماء الذين في الخارج يكونون ممثَلَين في المجلس الرئاسي الذي يتابع الأنشطة العلمية مثل د. مجدي يعقوب والدكتور فاروق الباز والمهندس هاني عازر وهكذا.
السؤال السابع: ما رأي قداستكم في فكره مؤتمرات “مصر تستطيع” التي أتت بفكره العقول المهاجرة للإستفادة منها بالداخل ؟
رائعة، لسه من حوالي أسبوعين كنت مع المهندس إبراهيم سمك وهو صاحب إبتكارت متعددة في الطاقة الشمسية وأفكار هؤلاء الناس واختراعتهم رؤيتهم ونظرياتهم العلمية يخدمون بها مصر.. يوجد تواصل دائم وهذا شئ هام وحضرتك تعلمي البعد جفاء. باحاول الزيارة بإستمرار للكنائس بالخارج وبارسل آباء أساقفة إلى هناك.
السؤال الثامن: الدين للديان والوطن للإنسان واحدة من مقالات قداستك في جريدة الأهرام ولكن يرى البعض اشكالية في خلط الدين بالسياسة كيف تفسر لنا الأمر قداستك؟
الدين من الله والسياسية من الأرض والبشر. يمكن وصف الدين بشكل البيضة و السياسة بالزلطة اذا وضعتيهم مع بعض البيض يتكسر وفقدنا قيمة الأكل و الزلط يلوث فقدنا قيمة البناء لهذا فهناك ضرورة أن يكون هناك فصل كامل ما بين هذا وذاك .. نذهب للكنيسة والمسجد للعبادة، لكن حضرتك تقصدي المواطنة وهذه لنا كلنا مجرد ولادتي على أرض مصر أصبحت مواطن مصري لي حقوق وعليَّ واجبات.. وأتذكر العبارة التي ذكرت في ثورة ١٩ “الدين لله والوطن للجميع، الدين للديان والوطن للإنسان”.
السؤال التاسع: من خلال متابعتي لمقالات قداستك في الأهرام بنعتبرها حكم وخلاصة للدراسات بنسشعر فيها بخيط أدبي كبير ؟
بالرغم أن دراستي صيدلة لكن بعد التخرج ذاكرت نحو، وقرأت لتوفيق الحكيم وأنيس منصور ومحمد حسنين هيكل .. القراءة شئ مهم، كانوا دائمًا يعلمونا شئ مهم، “read to lead” اقرأ لتقود. اليوم اقرأ في مجالات كثيرة.
السؤال العاشر: كيف ترى الفن بمفهومه الأصلي السامي ؟
قداسة البابا: فن أي Art إذا وضعنا حرف e في الأول و h في آخر الكلمة تصبح earth فالفن يحول الفراغ إلى شئ جميل أو ما هو خراب إلى كلمة مقدسة وكريمة. والفن العامل الأساسي به هو أصابع اليد، الرسم أو الخزف أو العزف وفي أصابع اليد الله يعملنا أشياء كثيرة لأنه يجب التنوع في حياتنا والتنوع سبب الغني والجمال والتنوع يكملنا والتكامل يجب أن نفهمه كلنا لكي نعيش.
السؤال الحادي عشر: ورد بالكتاب المقدس، رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية “وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.” كيف ترى قداستك التغير الذي طرأ على روح الفكر المصري بعد ثورتين خاصة أننا نجد البعض خرج عن الأصول التي تعودناها وتربينا عليها؟
قداسة البابا: بلا شك أعتقد أن علماء الإجتماع لديهم حاليًا، مادة غزيرة على التغير الذي حدث في السلوكيات المصرية ، وفي ناس فهمت الثورات خطأ .. وعايز أقول لحضرتك أننا شعب متدين نحب الدين من أيام الفراعنة فهم تركوا لنا معابد ومقابر وإخناتون تحدث عن التوحيد ، كل هذا يؤكد أننا شعب نحب الدين، وفي نفس الوقت نرفض أن نحاكم بالدين وربما هذا بعض الإخطاء التي حدثت سابقاً ، ونشكر الله أن مصر تستعيد صورتها السابقة وعدم وجود ثقافة وتعليم كافي والدور السلبي للإعلام، كل هذه عوامل غيرت في الشعب المصري .. ومصر معتدلة ونحن نعيش حول نهر النيل ونتعلم منه الإعتدال والوسطية وحتي الآن النهر يمثل واجهة اجتماعية ونتعلم منه روح الوحدة .. والوحدة الوطنية لم تتم بفعل فاعل بل بفعل الجغرافيا، الفرق الوحيد أن حضرتك تدخلين مسجد وأنا كنيسة ولكننا نعيش في كل شئ في التعليم والشوارع.
السؤال الثاني عشر: لقد فطرنا الله على حب الحياة وكافة الديانات حرمت قتل النفس ورغم ذلك يوجد بيننا المتطرفون والإرهاب الذين يجعلوننا نموت في كل لحظة مابين الكنيسة البطرسية ومسجد الروضة كيف ترى قداستكم مواجهة الفكر والإرهاب ؟
قداسة البابا: مواجهة الفكر المتطرف تبدأ بقاعدة قوية من التعليم، يكون فعال وقوي ونتعلم فيه حب الله والآخر والطبيعة، فهي مسكننا الأوسع ونحافظ عليها.
التعليم هو المدخل الصحيح لحفظ سلامة المجتمع ويجب أن يوجد تجديد في التعليم وزيادة جرعات الثقافة في كل مكان. والفن أحد الوسائل الراقية فكيف تكون الثقافة راقية ؟ والقراءة أيضًا ومحبتها ثم الإعلام يجب أن يصدر صورة حقيقة وليست سلبية بل تقديم العناصر الإيجابية الفعالة ويجب توافر عنصر التشجيع والفنون التي كانت في مدارسنا الحكومية. هذه العناصر تُوجِد لدى الإنسان رغبة وتجعل نفسية الإنسان مستريحة.