1919.. ثورة ألهمت العقاد – الحكيم – ونجيب محفوظ
ثلاثية نجيب محفوظ تجسد أروع ملحمة عن ثورة ١٩19
الأديبة مي زيادة تترك صالونات الفكر لتقود المظاهرات النسائية
تحتل ثورة ١٩١٩ مكانة متفردة في نفوس المصريين لما تركت من أثر على توحيد الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني، واتحاد واصطفاف لكل طوائف الشعب المصري، من مختلف الانتماءات، وأثرت بشكل كبير على الحركة الفنية والإبداعية ظهرت في أعمال خلدت الثورة حتى الآن ، فقد ساهمت في ظهور حركة إبداعية وجيل من الأدباء والمبدعين حملوا شعلة الثورة ليقدموا أروع الأعمال الأدبية ، منهم العقاد ومي زيادة وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ والذي تعتبر روايته الثلاثية من أهم الأعمال التي جسدت ثورة ١٩١٩، فقد اعتبر المؤرخون أنها ساهمت بشكل كبير في تثقيف الشعب المصري سياسيا، وأنها جسدت ملحمة التحرر الوطني وإظهار روح المقاومة لقوى غاصبة فرضت سيطرتها على المصريين، وفي هذا الموضوع نستعرض عددا من الأعمال الأدبية التي أرخت للثورة وكتبها أدباء كبار.
“عودة الروح”
عاش توفيق الحكيم ثورة 1919، بكل أحداثها وكل أيامها وخفق لها وأثر فيها مع الشباب فكان كتابه “عودة الروح” انطباعه كبيرة من انطباعات الثورة، وقد كتب عنها، قائلا: الشرارة الأولى التي أشعلتها الثورة المصرية “أمة أتت في فجر الإنسانية بمعجزة الأهرام، لن تعجز عن الإتيان بمعجزة أخرى، أو معجزات، أمة يزعمون أنها ميتة منذ قرون، ولا يرون قلبها العظيم بارزا نحو السماء من بين رمال الجيزة، لقد صنعت مص قلبها بيدها ليعيش إلى الأبد”.
وعن كتابة الحكيم لرواية “عودة الروح”، قال الدكتور شريف الجيار، أستاذ الأدب المقارن، إن الحكيم بناها على فكرة التعددية وعلى فكرة الفعل ورد الفعل فهناك احتلال وهناك مقاومة من الشعب، لذا فأنه اعتبره “نص مقاومة”، كذلك هي رواية الآلام والمعاناة للشعب المصري في ظل الاحتلال، استطاع فيها الحكيم أن يوجد فيها عودة الحياة والبعث وذلك ما تشعر به عندما تسمع “عودة الروح”، فقد كان توفيق الحكيم يؤمن بقدرة الجنس الروائي وقدرته على استيعاب القضايا الملحة على كافة الأصعدة.
“من الرومانسية إلى الواقعية ”
وعن الإبداع مع جيل ثورة 1919 قال الدكتور شريف الجيار، أستاذ الأدب المقارن، لقد تحول الإبداع المصري بعد العقد الثاني من القرن العشرين من الرومانسية إلى الواقعية، كان لهم ولجيل الطبقة الوسطى دورًا في التمهيد للثورة، فقد تأثروا بالقراءات الإنجليزية والألمانية والفرنسية وقراءة التاريخ السياسي العالمي، فنرى كل هذا الواقع السياسي هو ما قدمه لنا محمد حسين هيكل في رواية “زينب”، وهو الذى دعي إلى ما يعرف بالأدب الوطني أو القومي والعودة إلى التراث الفرعوني في الإبداع، فالرواية في العقد الثاني والثالث من القرن العشرين كانت تتجه إلى النسق السياسي، فقد تشبع هذا الجيل بروح التنوير الفكري والقومي والفلسفي الحديث.
“قنطرة الذي كفر”
قال الناقد والشاعر شعبان يوسف عن رواية “قنطرة الذي كفر” لمصطفى مشرفة، إن مشرفه في تلك الرواية لم يفعل ما فعله محفوظ في “الثلاثية والسكرية وقصر الشوق” وتوفيق الحكيم في “عودة الروح”، حيث إنهما قدما تفصيلات صريحة وواضحة ترصد القسمات الاجتماعية والسياسية للشعب المصري خلال نهوضه العظيم في الثورة، ولكن “مشرفة” آثر أن يدفع بأشخاص عاديين للغاية وربما كانوا أشخاصًا ليسوا على قدر ما يحدث فيما بعد، ولكنهم في وقت بعد سقوط الأوباء الصغيرة واليومية صاروا أبطال الحدث، رغم أن تلك الرواية الوحيدة لمشرفة فقد استطاع أن يجعلها موضعا لتقنيات حديثة لم تكن معهودة في زمن كتابتها، كما أن لغتها العامية والطبيعية جاءت على غرار اللغة العربية الرصينة ليثبت أن العامية الدارجة قادرة أن تكون لغة سرد من طراز فريد وهو ما قصده مشرفة من استخدامه للغة العامية في تلك الرواية، مؤكدًا أن مشرفة استطاع أن يقرب المشهد الاجتماعي الثرى والمتشابك وقتها.
“نجيب محفوظ”
ولد نجيب محفوظ قبل اندلاع ثورة 19 بسنوات قليلة “ولد في 1911″، أي كان يبلغ من العمر وقت الثورة 8 سنوات فقط، إلا أنه استطاع وبعبقرية الأديب الكبير أن يصف تلك الأحداث بدقة، وأن ينصفها بكل حب وإخلاص في عدد كبير من الأعمال، فتناول محفوظ الثورة في قصة “نور القمر” وكذلك في رواية “حديث الصباح والمساء”، إضافة إلى “الثلاثية”، وتحديدا في رواية بين القصرين، حيث قدم محفوظ صورة بانوراميه كبيرة للمجتمع المصري وقت الثورة، بل وجعل فهمي ابن السيد أحمد عبد الجواد أحد قادتها الطلابية، وقدمه كشهيد لها.
وقال نجيب محفوظ عن ثورة 1919، “أعتبر نفسي من براعم ثورة سنة 1919، فإذا كان للثورة رجالها الذين قادوها وشبابها الذين اشتركوا فيها، فأنا من البراعم التي تفتحت وسط لهيب الثورة وفى سنوات اشتعالها ولم يكن عمري حين قامت ثورة 19 يزيد على 7 سنوات. كان حي الجمالية الذي نعيش فيه مركزا للثورة والمظاهرات وعندما رأيت المظاهرات لأول مرة في ميدان بيت القاضي حسبتها “زفة فتوات”.
“عباس العقاد ”
كان العقاد ابن من أبناء ثورة 1919 شارك فيها في شبابه حيث هاجم لجنة ملنر الإنجليزية التي جاءت لتهدئة الشعب المصري من أجل إخماد روح الثورة، وارتبط بزعيم الثورة سعد زغلول بل إنه ألف كتابه الشهير “سعد زغلول: سيرة وتحية” في محاولة لتذكير الأمة بزعيميها، يحكي فيه العقاد الشكوك التي اثيرت حول أصل سعد، فمن الأجانب من نسبوه إلى المغول ومنهم من ينسبونه للأتراك، مثال: لمحت “التيمس” لمثل هذه الشكوك حيث وصفت سعد بـ “إنه كان طويل القامة نحيل البنية عريض المنكبين أسمر اللون مع شيء من الصفرة، وعظما خديه بارزان، وعيناه ضيقتان، فكان له في ذلك مسحة من سيماء المغول”.
ولكن يستدل العقاد على نقيض تلك الشكوك لا سيما الشك في كونه ذي أصل تركي، وذلك لأن ملامح سعد كانت بعيدة كل البعد عن الملامح التركية خاصة شكل الجمجمة المستطيلة والأنف المنفرج، كما أن أسماء الأسرة كلها ليس فيها اسم واحد يشبه أسماء البيئة التركية التي لا يعقل أن تنسى أسماءها وتندمج في عنصر الفلاح كل هذا الاندماج بعد جيلين أو ثلاثة، فسعد الله وفتح الله وفرج الله وشلبي وستهم والشناوي وشعث واسم زغلول نفسه من الأسماء التي لا تمت للبيئة التركية بصلة، وإنما قد تكون فيها مشاركة للتسمية البدوية، ولكنها لا تشارك الأسماء التركية لا من قريب أو من بعيد.
ويستكمل العقاد في حديثه عن الشكوك التي اُثيرت حول “زعيم الأمة”، أن الذين أرجعوا أصول العقاد للبدو والعرب هي تلك الأسماء، بالإضافة إلى أن أباه كان يرتدي الطربوش البدوي والنطاق لبدوي ويحمل السلاح كما يحمله زعماء البدو على خلاف عادة الفلاحين.
يروي العقاد أنه عثر على نسبة مغربية تنسب إلى سعد زغلول، ما حمله أن يسأل سعد عن تلك النسبة، فأجابه سعد ضاحكا: “القصة كلها من أصحاب الحيل الدفاعية والأساليب المستظرفة في (تخليص القضايا) على طريقة الأيام حينها”.
واستكمل سعد: “قُبض علينا في عهد الاحتلال ولبثنا في السجن زمنا بعد وضوح براءتنا وإبداء المحقين رأيهم الصريح بهذه البراءة، وألح علينا بعض الصحاب أن تبلغ الأمر إلى الإنجليز طلبا للإفراج عنا فرفضنا، فكان من الحيل التي لجأ إليها محامينا الأريب أنه التمس لنا أصلا أجنبيا، وكتب لنا نسبة مسلسلة كنا نحن أول المستغربين لها الضاحكين منها حين أطلعنا عليها بعد الإفراج عنا، وإنما ألجأه إلى هذه الحيلة أن فرنسا كانت قد استولت على تونس وأخذت في ضم التونسيين المقيمين بمصر إلى رعاياها، وكان بعض الناقمين منا يريد عقابنا وتلفيق الشهادات التي تلصق التهمة بنا، ثم أرادوا أن ينفونا إلى السودان بعد تهافت التهمة وظهور بطلانها، ولم تكن النسبة المغربية سبب نجاتنا كما أراد محامينا جزاه الله، ولكنها بقيت فكاهة نتذكرها و يتحدث بها أصدقاؤنا، و تخلف منها تلك الإثارة التي سمعت بها، ولا منشأ لها غير تلك النسبة الموضوعة”.
وكان هذا كل ما قاله سعد عن أصله في النسبة المغربية، مما يدل في كلامه أنه كان يعتبر نفسه فلاحا مصريا ولا يرضى بأن يسلكه أحد في غير زمرة الفلاحين المصريين، بحسب ما يعبر عباس العقاد في كتابه.
“مي زيادة رمز من رموز ثورة 19”
لم يقل دور المرأة عن دور الرجل في ثورة 19 لأنها كانت تعبيرا عن إرادة شعب بكامله، وتعتبر الأديبة مي زيادة واحدة ممن كان لهم دور بارز في تلك الثورة، إذ دأبت كل ثلاثاء، ولمدة 20 عاما على إقامة ندوات ثقافية، أو صالونات أدبية ضم قامات الفكر وأساطين الثقافة، فقد ذكر العقاد في كتابه «رجال عرفتهم» أن زوار تلك الندوة التي كانت تقيمها مي زيادة ربوا على 30 نجما ساطعا منهم أستاذ الجيل لطفى السيد، وعبد العزيز فهمى، وأحمد شوقي، وخليل مطران، وأنطون الجميل، ومصطفى صادق الرافعي، والعقاد، وطه حسين، وملك حفني ناصف، وغيرهم، وكانوا يتناقشون في أمور البلاد دقها وجليلها صغيرها وكبيرها، كما كانت الخطب العصماء التي تلقى في تلك الندوة، أشبه بالشرارة التي تُشعل فتيل الثورات والتي كانت منها ثورة 19، ولم يكن دور مي زيادة ينطوي على كتابة الأدب فقط، وتنظيم الصالونات الثقافية فقط، لكنها أيضا كانت حاملة للمبادئ التي لابد من النضال لترسيخها وتجسيدها والدفاع عنها كامرأة عربية أدركت واجبها ورسالتها في عصره، فكان له دور ساهم في ثورة 1919 بالتظاهر والخطابة وحرية المرأة والرأي والوطن، وحيث إنها فلسطينية المولد ولبنانية الأصل ومصرية المنشأ، فودت القومية والإنسانية سبيلها إلى قلبها وعقلها.