قديما كانت الشائعات محدودة الانتشار قليلة التأثير,لاتجاوز المحيط الذي أطلقت فيه,وأحيانا تموت في مهدها فلم تكن وسائل الإعلام والاتصال والتواصل الحديثة قد ظهرت بعد.الآن تنتشر الشائعة بضغطة زر في ثوان معدودة أسرع من انتشار النار في الهشيم,فتتجاوز الحدود وتعبر القارات في نفس لحظة إطلاقها علي مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت,التي أصبحت مسرحا للجريمة المنظمة ومرتعا للإرهابيين والمتطرفين والمنحرفين.
أصبح هذا الإعلام الموازي المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي,يمثل خطرا كبيرا علي تماسك ووحدة واستقرار المجتمعات والأسر والأفراد علي حد سواء بسبب عدم تقنين أوضاع ذلك الإعلام البديل وتنظيمه,وعدم خضوعه للمراقبة والمحاسبة,وأيضا بسبب ضعف تأثير وسائل الإعلام التقليدية وبطء انتشارها وعدم ملاحقتها لركب التطور.
وبجانب ما أحدثته هذه الطفرة الحديثة من تغيير في العلاقات الإنسانية والاجتماعية والأسرية,تجد أن أي شخص مهما كان غنيا أو فقيرا متعلما أو جاهلا,يحرص علي أن يكون متصلا بشبكة الإنترنت من خلال أجهزة الاتصال الحديثة التي أصبحت في متناول أي فرد في العالم,لمتابعة مايحدث حوله أو بعيدا عنه.
ويستغل البعض تلك الطفرة في وسائل الاتصال, وحرص الأشخاص علي متابعة مواقع التواصل والتعارف وتصديق ماينشر عليها في إطلاق ما يريدون توصيله ونشره من شائعات ومعلومات مغلوطة وموجهة بهدف إثارة الفتن والقلاقل والبلبلة والفوضي في المجتمعات المستهدفة.
ولعل أقرب مثال علي ذلك شائعة اغتصاب طالبة وسط زراعات مدينة طالبات جامعة الأزهر فرع أسيوط ووفاتها قبل وصولها المستشفي والتي انتشرت علي الفيس بوك.وأحدثت ردود أفعال متباينة وكادت تحدث فتنة في صعيد مصر,وطالب الجميع المسئولين بجامعة الأزهر بالرد وكشف حقيقة الواقعة, واهتم رئيس الوزراء بالأمر وطلب توضيحا من الجهات المسئولة وتبين عدم صحة الواقعة, وأن وراء إطلاقها طالبة وأستاذ جامعي تم القبض عليهما وحبسهما بعد اتهامهما بنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة محظورة أسست علي خلاف القانون.
أيضا من الأمثلة القريبة لتلك الشائعات شائعة وفاة المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان الأسبق, والتي انتشرت بشكل واسع مما أزعج الرجل وجعله ينفي تلك الشائعة ويؤكد أنه حي يرزق وغيرها الكثير والكثير من الشائعات فقد أماتوا الرئيس مبارك وغيره من الشخصيات العامة والفنانين عدة مرات.
والغريب في الأمر أن صحفا ومواقع إخبارية قومية وخاصة وقنوات فضائية تستقي معلوماتها وأخبارها من مواقع التواصل الاجتماعي دون التأكد من مصدرها والتدقيق في صحتها,وتضطر بعد ذلك إلي الاعتذار لقرائها ومتابعيها علي هذه الأخطاء,ومن أمثلة ذلك علي سبيل المثال لا الحصر.شائعة وفاة الدكتور كمال الجنزوي رئيس وزراء مصر الأسبق التي انتشرت علي الفيس بوك,ونقلتها عنه صحيفة مسائية مصرية كبري,دون التأكد من صحتها ونشرت هذه الشائعة خبرا في صفحتها الأولي.
وأيضا مهزلة نشر صحف ومواقع قومية وخاصة خبر تعيين الدكتور محمد وجيه عبد العزيز وزيرا للنقل عقب استقالة وزير النقل السابق هشام عرفات,بعد حادث قطار محطة مصر الذي راح ضحيته عدد كبير من المواطنين, وتبين أن الخبر عار تماما من الصحة,وأن هذا الشخص توفي منذ سنوات طويلة,وأن ابنه أطلق تلك الشائعة في منشور له علي صفحته وأضاف أن والده هو الذي شيد كل محطات السكك الحديدية في أوروبا ولم يكلف أحد نفسه بتدقيق المعلومة وتم تداولها علي الفيس كأنها حقيقة ونشرها موقع مؤسسة قومية كبري وبعض مواقع الصحف الخاصة وبعد اكتشاف خطأ المعلومة تقدمت نلك المواقع باعتذار لقرائها.
وأنا أري أن من أسباب هذا التخبط وهذه العشوائية وانعدام المهنية والاحترافية في وسائل الإعلام أن الصحف والمواقع والفضائيات في سبيل تحقيق السبق والانفراد لاتهتم بالمصداقية والتدقيق في مصدر الخبر وصحته وحتي لو كان الخبر صحيحا نجد أن صياغته ركيكة مليئة بالأخطاء النحوية والإملائية والمعلومات الخاطئة,وأيضا من أسباب تدهور وتردي مستوي الإعلام والصحافة امتهان من لا مهنة له والمدعين وغير المتخصصين لهذه المهنة,وأصبح كل من ينشئ لنفسه صفحة علي الإنترنت أو في مواقع التواصل,يمنح نفسه صفة إعلامي وكاتب صحفي وأيضا قصور القانون 180لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام وعدم تناوله ما يخص هذا الإعلام الموازي من حيث التنظيم والمراقبة والمحاسبة رغم أنه الأوسع والأسرع والأكثر انتشارا.
كل ذلك تسبب في تردي وضع الإعلام التقليدي بمختلف وسائله مما ترك الأمر لهذا الإعلام البديل أن يرتع ويتمادي ويستفحل خطره ويهدد سلامة وتماسك المجتمع ولابد من تدارك هذا الأمر وعدم الاستهانة به لأنه يمس أمن الوطن واستقراره.
[email protected]