” إبتَهِجي جِداً يا بِنتَ صِهيون ، واهتفِي يا بِنتَ أُورَشَليم هُوَذا مَلِكُكِ آتِياً إلَيكِ بارّاً مُخلِّصاً وَضيعاً راكِباً على جَحشٍ آبنِ أتان … ويُكَلِّمُ الأُمَمَ بالسَّلام ” ( زكريّا ٩ : ٩ – ١٠ ). إنّه قادم، هو الموجود في كلّ مكان ومالئ الكون، هو يتقدّم ليحقّق فيكِ السلام للجميع. إنّه قادم، وقد قال : ” ليسَ الأصِحَّاءُ بِمُحتاجينَ إلى طبيب ، بلِ المَرْضى . ما جِئتُ لأدعوَ الأبرار، بَلِ الخاطِئينَ إلى التوبَة ” ( لوقا ٥ : ٣١ – ٣٢ ). أتى ليُخِرج من الخطيئة أولئك الذين غرقوا فيها. لذا، لا تخافي : ” اللهُ في وَسَطِكِ فلَن تَتزعزَعي ” ( مزمور ٤٦[٤٥] : ٦ ). ارفَعي يديكِ، استقبلي ذاك الذي رسمَت يداه جدرانكِ. استقبلي ذاك الذي قبِلَ في ذاته طبيعتنا البشرية وكلّ ما هو لنا، ما عدا الخطيئة، ليتحمّلَ مسؤوليّتنا. ابتهجي يا بنتَ أورشليم، غنّي وارقصي من الفرح ،” قومي استَنيري فإنَّ نورَكِ قد وافى ومَجدَ الربِّ قد أَشرَقَ علَيكِ ” ( أشعيا ٦٠ : ١ ).
ما هو هذا النور ؟
إنّه ” النورُ الحَقّ الذي يُنيرُ كُلَّ إنسان آتِياً إلى العالَم ” ( يوحنا ١ : ٩ ) ، والذي ” ويؤمن به ويتبعه لا يبفي الظلام ” ( يوحنا ١٢ : ٤٦ ) .
إنّهُ النور والطريق والحق والحياة ( يوحنا ١٤ : ٦ ).
إنه نور الحُبّ المتجسّد ليعطي للعالم وصيةً جديدة : ” أَحِبوا بَعضُكم بَعضاً . كما أحَببتُكم ، أحِبوا أنتُم أيضاً بَعضُكم بَعضاً ” ( يوحنا ١٣ : ٣٤ ) .
إنّهُ النور الأبدي … الذي ظهرَ في الزمن ، النور الذي تجلّى في الجسد وأُخفيَ من خلال الطبيعة البشريّة .
النور الذي لفّ الرعاة وقاد المجوس إلى مغارة بيت لحم ” فَقَد رأينا نَجمَه في المشرِق ، فجِئْنا لِنَسجُدَ له ” ( متى ٢ : ٢ ).
النور الذي كانَ في العالَم وبِه كانَ العالَم والعالَمُ لَم يَعرِفْهُ ( يوحنا ١ : ١٠ ) .
النور الذي جاءَ إلى بَيتِه ، فما قَبِلَه أهلُ بَيتِه ( يوحنا ١ : ١١).
وما هو مجد الله ؟
إنّه بدون شكّ ذاك الصليب الذي تمجّدَ عليه الرّب يسوع المسيح ” شُعاعُ مَجدِ الله وصُورةُ جَوهَرِه ” (عبرانيين ١ : ٣ ). وقد عبّر عن ذلك يسوع نفسه عندما أتَت ساعَةُ انتقاله عن هذا العالم إلى أبيهِ ، وكان قد أحَبَّ خاصَّتَه الذين في العالم ، فبلغ به الحُبُّ إلى أقصى حُدودِه فقال : ” الآنَ مُجِّدَ ابنُ الإنسان ومُجِّدَ اللهُ فيه وإذا كانَ اللهُ قد مُجِّدَ فيه فسَيُمَجِّدُه اللهُ في ذاتِه وبَعدَ قليلٍ يُمَجِّدُه ” ( يوحنا ١٣ : ٣١ – ٣٢ ). المجد الذي تكلّم عنه كان ارتفاعه على الصليب.
أجل، الصليب هو مجد الرّب يسوع المسيح وعظمته. كما أنبأ وقال قبل عذابه والآمه : ” وأنا إذا رُفِعتُ مِنَ الأرض جَذَبتُ إليَّ الناسَ أجمَعين” ( يوحنا ١٢ : ٣٢ ).
كما كان سمعان القيروانيّ إلى جانب يسوع لمساعدته في حمل صليبه، فإنّ الرّب يسوع يقف دائمًا إلى جانبنا لمساندتنا في المِحَن.
سمعان القيرواني يرمز إلى البشريّة جمعاء، وعلى طريق الجلجلة، عانى المسيح والبشريّة معاً العذاب والألم . واليوم أيضًا، وفي كلّ أيّام حياتنا، وحتّى نهاية العالم سنحمل صليب حياتِنا وسنعاني المشقّات والصعوبات ، والرّب يسوع سيبقى معنا، جنبًا إلى جنب، لمساندتنا ولإرشادنا على طريق الغبطة الأبديّة. فلنَمتلكْ الجرأة والبساطة ، لنتّكئ عليه، كونه مخلصنا ، عندما يصبح الصليب ثقيلاً جدًّا. ونحن على ثقة بأنه سيمنحنا القوّة اللازمة لإكمال طريقنا نحو السعادة الأبديّة ، نحو الملكوت المُعّد لنا .
رُفِع يسوع على الصليب بعد أن تألم حتى الموت ، الموت على الصليب ، بصبرٍ ووداعة .
إذا تبِعنا يسوع خلال هذا الاسبوع العظيم المُقدّس ، وقبِلنا بإيمانٍ وصبر وشجاعة أن نتألّم معه ، سنقوم معه من الموت .
نسأل العذراء مريم ، الأُم الحزينة ، أن تساعدنا في حمل صليبنا لنشارك ابنَها يسوع الآمه لنصل لعيد القيامة بإيمانٍ وفرحٍ وقداسة .