تم افتتاح ملتقى الشباب العربي الأفريقي بمدينة أسوان، أمس ولمدة ثلاثة أيام، وبهذه المناسبة حضر شباب العالم إلى “بلاد الذهب” وأرض الأجداد؛ لزيارة معالم أسوان الأثرية والسياحية؛ احتفالاً بإعلانها عاصمة الشباب الأفريقي لعام ٢٠١٩، وفوق كل هذا مشاهدة نهر النيل بتلك المنطقة الخلابة من أرض مصر، حيث المياه الصافية الرقراقة التي تمنح الحياة.
كما صدق أجدادنا الفراعنة وأعلنوا حابي إلهاً للنيل يحميها من كل شر، ويعطي النماء والخير لأرض مصر العظيمة.
حضروا من كل بقاع الدنيا لينعموا بالجو الدافئ لتلك المدينة الساحرة التي تربط مصر بأفريقيا من آلاف السنين، في رباط لا يستطيع أي أحد أن يفصله، فنفس ذلك الشريان المائي هو الذي يجري في ربوعها على امتداد تلك القارة السمراء المليئة بالكنوز والتاريخ المشترك، والتي داعبت أحلام المستعمرين في كثير من الأحيان ولكنها ظلت القارة القوية التي حاربت الاستعمار عبر تاريخها الطويل منتصرة عليه فاتحة باب المستقبل لأبنائها.
ولوحة النيل بأسوان تعبر عما في خاطري عن عظمة مصر وحضارتها الإنسانية، أول حضارة أرست دعائم الحرية والعظمة في الكون كله، فمصر هي أم الدنيا، وكما قال هيرودوت منذ الآف السنين مصر هبة النيل بألوانها الزرقاء وتلك المراكب الشراعية التي تجوب النيل مع نسمات الهواء الحانية على أشرعتها البيضاء تدفعها ذهاباً وإياباً، تمتع الناظر إليها وراكبها في رحلة نيلية حول تلك الصخور التي وقفت صامدة أمام الزمن والتاريخ وفيضان النيل صمود مصر نفسها أمام أحلك الظروف، ومن ذلك النيل يستمد المصريون قوتهم وعزيمتهم في تحقيق آمالهم وأحلامهم مثلما حفر النيل طريقه في وادي النيل بأكمله منذ قديم الأزل.
لقد تغنى الكثيرين بالنيل فسمعنا كل من أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبد الحليم وحتى محمد منير وشيرين عبدالوهاب ونجاح سلام، بل وكانت هناك قصائد تكتب خصيصا للنيل، ومنها “النهر الخالد” للشاعر محمود حسن إسماعيل فيقول في “النهر الخالد”:
مسافر زاده الخيال.. والسحر والعطر والظلال
ظمآن والكأس في يديه.. والحب والفن والجمال
شابت على أرضه الليالي ..وضيعت عمرها الجبال
ولم يزل ينشد الديارا .. ويسأل الليل والنهارا
والناس في حبه سكارى.. هاموا على شطه الرحيب
آهٍ على سرك الرهيب.. وموجك التائه الغريب
يا نيل يا ساحر الغيوب
ولكن تظل كلمات المصري القديم وهو يقدم كشف حسابه في الآخرة “لم ألوث ماء النيل” في أذني، هي أهم كلماته عن النيل.
فهو نعمة الله للمصريين وهوالحياة وهو المستقبل وهو الحب، هو من علم المصريين أن يعطوا بسخاء ويجزلوا العطاء وخاصة الغرباء.