واصل الاقتصاد الأمريكي أداءه القوى مدفوعاً بتدابير تحفيزية، بينما شهد اقتصاد الصين أسوأ أداء منذ الأزمة العالمية، فيما انكمش اقتصاد اليابان، وتباطأ نمو اقتصاد أوروبا.
وليست لغة الأرقام فقط هي التي تحدثت عن معاناة الاقتصاد العالمي، بل انطلقت التحذيرات من الأوضاع الراهنة، وانتشرت مخاوف متعلقة بالتوترات التجارية الراهنة وتأثيرها عالمياً.
أكبر اقتصاد في العالم يواصل النمو ولكن.. على الرغم أن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة حقق نتائج كبيرة في العام الجاري حتى وصل معدل نمو الناتج الإجمالي المحلي في الربع الثاني مستوى 4.2%، فإن هناك مخاوف تخيم على أداء الاقتصاد الأمريكي.
وانتشرت تحذيرات من أن النمو الاقتصاد الأمريكي سيتجه للتباطؤ في العام المقبل، ما سيؤثر على أداء الدولار وقرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وعلى الرغم أن صندوق النقد الدولي خفض تقديرات النمو الأمريكي في العام المقبل بنحو 0.2% إلى 2.5%، فإن تقرير صادر عن بنك “جولدمان ساكس” أكد أن الاقتصاد الأمريكي لن يشهد ركوداً خلال العامين المقبلين، على الرغم من مخاوف السوق من أنه يلوح في الأوفق.
وفيما يتعلق بالسياسة النقدية في العام الجاري، تمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي من إشباع رغبة المستثمرين ورفع معدل الفائدة 4 مرات، إلا أن المناخ الذي أحاط تلك القرارات اتسم بالتوتر والمشاحنات، عبر انتقاد الرئيس الأمريكي المتكرر لسياسة التشديد النقدي.
وخفض الاحتياطي الفيدرالي في اجتماع ديسمبر توقعاته لعدد مرات رفع معدل الفائدة في العام المقبل إلى مرتين بدلاً من تقديراته السابقة بثلاث زيادات، مع خفض توقعات النمو الاقتصادي والتضخم.
كما أن التوترات التجارية التي كانت محور أحداث 2018 تسببت في تكدير صفو المستثمرين، وأثرت سلباً على أسعار المنتجات، والمناخ الاستثماري، نتيجة سباق التعريفات الجمركية بين واشنطن وبكين.
وفي الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم.. فإن الوضع الاقتصادي كان متدهوراً من وراء الإجراءات التجارية، حيث عانت بكين في العام الجاري من تعريفات جمركية على منتجات تصدرها للولايات المتحدة بقيمة 250 مليار دولار.
واتضح ذلك في بيانات الناتج الإجمالي المحلي للربع الثالث من العام الجاري حيث نما اقتصاد الصين بأضعف وتيرة منذ الأزمة العالمية وذلك بنحو 6.5%، في مقابل 6.7% في الربع الثاني.
كما أن بكين لا تزال تعاني من أزمتها الكبرى والمتمثلة في الديون، وأعلنت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز أن الصين لديها ديون غير معلنة قد تتراوح قيمتها بين 30 إلى 40 تريليون يوان (4.34 تريليون إلى 5.78 تريليون دولار).
وتشير توقعات وكالة التصنيف الائتماني إلى أن معدل كافة الديون الحكومية إلى الناتج الإجمالي المحلي لدى حكومة بكين بلغ 60% في العام الجاري.
أما في اليابان.. فأداء الاقتصاد خرج من نطاق النمو ودخل في نوبة انكماش استمرت على مدار فصلين في العام الجاري، وذلك خلال الربع الأول والثالث.
وأظهرت البيانات الرسمية أن الناتج الإجمالي المحلي لليابان انكمش بنحو 0.3% في الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر الماضي.
ولا يزال ثالث أكبر اقتصاد في العالم عالقاً في المنطقة السالبة لمعدل الفائدة، وعاجزاً عن التطور بمعدل التضخم إلى مستوى يرضي أهداف المركزي للتخلص على السياسة النقدية الفضفاضة.
وأدى ذلك برئيس الوزراء شينزوا آبي للتعهد بأنه سيدعم المركزي الياباني في العام المقبل لتحقيق مستهدف التضخم عند 2%.
كما أن الحرب التجارية بين قطبي الاقتصاد العالمي أثرت بالسلب على أداء طوكيو، خاصة مع التقارير الصحفية على مدار العام بأن دونالد ترامب يستهدف اليابان في حربه التجارية.
وبالنسبة لأوربا.. عانت القارة العجوز من مشاكل سياسية عصفت بالتعافي الاقتصادي النسبي، وعلى الرغم من التأكيد على أن منطقة اليورو مستمرة في النمو فإن الأرقام نفت صحة ذلك.
وفي الربع الثالث من العام الجاري زاد الناتج الإجمالي المحلي في منطقة اليورو بنحو 1.7% على أساس سنوي مقارنة بمستويات 2.2% في الربع الثاني من العام نفسه.
كما أن الحكومة الشعبوية في إيطاليا مارست ضغطاً على باقي الكتلة، خاصة مع تنامي الديون ورفض حكومة روما تحديد عجز موازنة إلى الناتج الإجمالي المحلي يرضي طموح أعضاء الاتحاد.
وفي فرنسا، فإن التظاهرات الأخيرة التي اندلعت بسبب زيادة الضرائب على الوقود هددت مركز الرئيس الفرنسي نفسه ما اضطره في النهاية إلى الرضوخ إلى مطالب الشعب وتأجيل تنفيذ المقترح.
وعلى الرغم من ذلك فإن المركزي الأوروبي أكد انتهاء برنامج شراء الأصول في منطقة اليورو بنهاية العام الجاري، لتنتهي عملية تيسيرية دعمت أداء الاقتصاد في السنوات الماضية.
وعانت بريطانيا في العام الجاري من عدم اليقين بسبب مفاوضات البريكست، فالمملكة المتحدة لم تتوصل حتى الآن إلى موقف محدد بشأن مصيرها في الاتحاد الأوروبي في انتظار كلمة البرلمان.
وفي الأسواق الناشئة.. الوضع لم يكن أفضل بل عدد من الاقتصاديات عانت من أزمات متلاحقة، مثل تركيا التي شهدت تهاوي عملتها لأدنى مستوى في تاريخها عند 7.2362 ليرة لكل دولار قبل أن تتعافى من هذا المستوى المتدني، وذلك مع وصول معدل التضخم لأعلى مستوى في 15 عاماً.
كما أن الأرجنتين انخرطت في أزمة انهيار العملة ولمستوى متدني قياسي، ما دفع المركزي لزيادة معدل الفائدة عند مستوى 60%.
وحدث ذلك تزامناً مع تهاوي قيمة عملة البيزو من مستوى 17.1910 بيزو لكل دولار مع بداية العام حتى وصل عند مستوى 41.5386 بيزو لكل دولار في سبتمبر، قبل أن تتعافى قليلاً.
ونتيجة لتلك الأزمات وافق صندوق النقد الدولي على منح الأرجنتين قرضاً بقيمة 50 مليار دولار على مدار 3 سنوات.
وكان من الطبيعي مع تلاحق كل تلك الأزمات أن يتجه صندوق النقد الدولي لخفض تقديرات النمو العالمي سواء في العام الجاري أو في 2019، وذلك للمرة الأولى منذ عامين.
وأصبح الصندوق يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي في العام الجاري و2019 بنحو 3.7% بخفض بنسبة 0.2% عن التقديرات السابقة.
وحذر الصندوق من مخاطر تشديد الأوضاع المالية خاصة في الأسواق الناشئة وكذلك التوترات التجارية المتزايدة، مشيراً إلى أن البيانات الأخيرة تشير إلى تباطؤ الزخْم في الاقتصاد العالمي أكثر مما كان متوقعاً، وهو ما ظهر في تباطؤ مفاجئ للاقتصادات الناشئة وفي منطقة اليورو، بالإضافة إلى أن البريكست بدون صفقة قد يثير تراجعاً إضافياً للثقة.