كيف تُريد أن تُنهي هذا العام؟ وما الذي تُريد أن تفعله في العام المقبل؟ في هذه الأيام الأواخر من عام آخر مضى من العمر لدينا فرصة لنتوقف للتفكير في حياتنا؛ حيث يمكننا أن ننظر للوراء لنقيّم ما قد أنجزناه، وما قد أخفقنا في تحقيقه أيضًا. كذلك نحتاج أن ننظر للأمام، ونفكر فيما نُريد أن تكون عليه حياتنا في السنة المقبلة. وفي الحالتين نحتاج أن نأخذ الأمور ربما بشكل يختلف عما اعتاد الناس أن يفعلوه في الأيام الأخيرة من كل عام، والذي لا يخرج في أغلبه عن أربعة أنواع من السلوك.
البعض يتعاملون مع المناسبة بلا مبالاة.. “فما الفرق بين الأمس والغد؟” إنهم جزء من عجلة لا تتوقف من المشغولية؛ إلى أن يُفاجأوا مرة واحدة بأن العمر قد ولّى بلا رجعة دون أن يبدو للأيام قيمة.
النوع الثاني على العكس من هؤلاء.. فهم ينتظرون هذه المناسبة، ويخططون للاحتفال بها، ربما بممارسات لا تتناسب مع القيم الإيمانية. هؤلاء أيضًا مرور الأيام قد لا يعني بالنسبة لهم شيئًا؛ لأن الحياة بالنسبة لهم هي «نأكل ونشرب لأننا غدًا نموت»!
النوع الثالث يستغرق في مثل هذه المناسبة في أنشطة تعبدية تفيص بالحماس، دون أن يتوقفوا للحظة للتفكير فيما تعهَّدوا به في مثل هذا الوقت في العام السابق، وهل استطاع الواحد منهم أن يعيشه. ومرة أخرى يدخلون عامًا جديدًا بتعهدات حماسية، الله وحده يعلم كم من الوقت سيمضي قبل أن تُنسى، و”تعود ريمة لعادتها القديمة”.
أما النوع الأخير فتحرك المناسبة مشاعر الحزن والشجن في داخلهم، ربما لمعاناة ألمت بهم في العام الذي أوشك على الانتهاء، أو لإحساسهم بالذنب بسبب قلة الإنجاز، أو لشعورهم بالعجز في مواجهة ما هو آت!
أعترف أنني في بداية سنوات حياتي لم أعطِ لنفسي الفرصة في مثل هذه الأيام أن أتوقف لألتقط أنفاسي، وأفكر كيف أجدد قوتي الداخلية معنويًا وروحيًا. لكني أصبحت الآن أكثر اقتناعًا بأن مناسبة رأس السنة يمكن أن تكون وقتًا رائعًا على المستوى الشخصي للنظر داخل نفسي، وعلى المستوى الأسري بالاشتراك في حوار يجمعنا عما نراه عندما ننظرللوراء، والذي نتوق إليه عندما ننظر للأمام!
من أروع الحوارات الإيجابية والمؤثرة التي تَمتَّعنا بها كأسرة مؤخرًا كانت حول السؤال: “تُرى هل يمكننا أن نشكر الله من أجل الإخفاق، أو من أجل الفرص الضائعة؟” وقد فكر كل منا بطريقته فيما كنا نطلبه من الرب خلال العام الماضي، بينما تمنينا أن تأتينا الاستجابة “نعم”، لكنها جاءتنا حاسمة “لا”! ثم أخذنا الحوار أبعد من مجرد تذكر أحداث عام مضى، وشارك كل منا ببعض أحلام الماضي، والتي كنا نظن أننا لا نستطيع أن نعيش بدون أن تتحقق، وكيف كنا نطلبها بحرارة وصدق متناهيين، لدرجة أننا -لو استطعنا- أن نجبر الله أن يستجيب ويُعطينا ما نطلب لكنا فعلنا!
لم يَخلُ حديثنا، الذي سادته روح الفكاهة، من بعض التأثر عندما تذكَّرنا صعوبة اختبار “لا” الإلهية في وقتها. لكن حوارنا الشيق انتهى بالاعتراف أنه بينما نقف على أعتاب عام ٢٠١٩، وننظر للوراء، نمتلئ بالشكر والامتنان لإلهنا لأنه لم يُعطنا كل ما طلبناه منه، وفي صدق مع النفس أدركنا أنه لو كان قد فعل لكنا من أتعس البشر!
قرأت مؤخرًا قولاً أعجبني لكاتب غير معروف: “لا أحد يستطيع أن يرجع بالأيام من أجل بداية جديدة، لكن كل واحد بإمكانه أن يبدأ اليوم سعيه من أجل نهاية أفضل!” إذا كنت قد تعهدت في العام الماضي، أو حتى تمنيت، أن تُصلح علاقتك مع شريك حياتك، أو أن تُعبر عمليًا عن محبتك لأبنائك، وقبولك لضعفاتهم.. أو إن كنت قد عزمت أن تتعامل مع الآخرين من الأقارب أو رفقاء العمل بشكل يؤكد احترامك لهم كما هم، دون أن تحاول أن تُغيرهم ليكونوا على مثالك.. إن تعهدت بأن تكون أقل غضبًا، أو أن تتوقف عن عادة تؤثر على صحتك، أو تُفسدعلاقتك بأحبائك… أيًا كان ما تعهدت به، واليوم تنظر إلى الوراء وتجد أنك لم تفعله، لا تيأس أو تشعر بالفشل.. اليوم الفرصةمتاحة لك لتبدأ من جديد بالاتكال على نعمة الله، والتمسك بوعوده التي تؤكد أنه مستعد دائمًا أن يغفر لنا؛ لأن «أمانته بلا حدود، ومراحمه لا تزول، هي جديدة في كل صباح» (مراثي إرميا ٣: ٢٢ و٢٣).
حتى عندما نفشل في أن نلتزم بتنفيذ ما تعهدنا به، فإن الله في رحمته يعود فيغفر لنا، وبصبر يقبل توبتنا عندما نعترف له بخطيتنا وعجزنا. الله لا يتراجع عن عهده معنا الذي لنا في ابنه يسوع المسيح، وهو لا ينسى أو يُهمل وعدًا أعطاه لنا في كلمته.لقد كان أمينًا مع آبائنا وأجدادنا، وسيظل هكذا مع أولادنا وأحفادنا، ومن جيل إلى جيل إلى الأبد.
تُرى هل لنا أن نتوقف ونفكر معًا كأسرة في رحمة، ونعمة، وغفران الله؛ ونطلب منه أن تستنير عقولنا المحدودة ببصيرة الروح القدس؛ لكي ندرك أن مراحمه أعظم جدًا مما نظن، فندخل العام الجديد بروح جديد.. روح لا يطلب الانتقام بل المغفرة؛ ولا يُصلي من أجل تدمير الآخر، بل أن تغمره محبة المسيح التي لا تُقاوَم. لقد اختار الله المحبة ليفدي العالم؛ فأرسل ابنه الوحيد ليُولد في بيت لحم، ويتألم على الصليب عن خطايا البشر، ويموت لكي يخلّص الذين يؤمنون به، ويقوم من الأموات لكي يعطيهم حياة أفضل هنا على الأرض، وحياة أبدية معه عندما نعبر نهر الأيام إلى هناك.
وحتى يتجدد اللقاء في العام القادم.. «افرحوا في الرب كل حين… لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلَم طِلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع… فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع» (فيلبي ٤: ٤- ١٩).. الرب قريب!