النعمة هى عطية مجانية قد تطلق على العطايا المادية “فإنه يشرق شمسه على الاشرار و الصالحين و يمطر على الابرار و الظالمين” ( لو ٣٥:٦) “فإنه منعم على غير الشاكرين و الاشرار” (لو ٣٥:٦ ) او تطلق على كل العطايا الروحية من غفران مجانى او معونة الهية ضد كل مكايد ابليس او استنارة و فهم للوصايا الالهية “فلنتقدم بثقة الى عرش النعمة لكى ننال رحمة و نجد نعمة عونا فى حينه” (عب١٦:٤ ).
هى مفتاح الدخول لملكوت السموات و التى بدونها لا يستطيع الانسان ان يصل الى الخلاص الابدى “لأنكم بالنعمة مخلصون بالايمان، و ذلك ليس منكم هو عطية الله” ( اف ٨:٢) . النعمة هى عطية الله المجانية لمن لا يستحق. إذن لا يستطيع أى انسان ان يتقدم إلى الله ، بدونها من يجد فى نفسه القدرة على المثول أمام قداسة الله ؟! قبل بداية كل قداس يصلى الكاهن: إذ و أنا غير مستحق دعوتنى.
هى التى اعطت الاستحقاق لقبول واحد مثل شاول الطرسوسى الذى يقول عن نفسه “انا الذى كنت قبلا مجدفا و مضطهدا و مفتريا” ( ١تى ١٣:١) لينال يمين الشركة مع القديسين ليكون اناءا مختار . لعله لذلك كثيرا ما تكلم القديس بولس عن النعمة
نعمة الرب يسوع هى موضوع العهد الجديد “تفاضلت نعمة ربنا جدا مع الايمانو المحبة التى فى المسيح يسوع” (١تى ١٤:١ ) فجاءت بالمجدلية التى كانت عليها سبعة شياطين و الخاطئة و زكا العشار و انا وانت .
إلا انه رغم ان نعمة الله المجانية ممنوحة للجميع لكل البشرية لكن لم ينتفع منها الا القطيع الصغير الذى عرف الباب الضيق و الطريق الكرب ، و إلا فهل لم يكن باب النعمة مفتوحا ايضا ليهوذا بغزارة و هو واحد من الاثنى عشر خرج مع التلاميذ فى ارساليتهم الاولى و نال مواهب عمل القوات و اخراج الشياطين. فهل التقصير من النعمة التى تعمل مع البعض دون الآخر؟ هل تميز بين انسان و آخر؟ حاشا. الحقيقة ان باب النعمة مفتوح لكل إنسان فى الوجود ولكن البشر اتخذوا منها مواقف مختلفة هناك من احتقروها و ازدروا بها لأنهم لم يصدقوا ان الله خير الى هذا الحد فلم يؤمنوا بإسم ابنه الوحيد و لم يعرفوا عن الله غير الصرامة و القسوة فحرموا أنفسهم من نعمته، و هناك من صدقوها و لكنهم لم يكلفوا انفسهم للتمتعبخيراته لم يعنهم الأمر كثيرا و كأنه يقول للنعمة اذهبى و متى حصلت على وقت استدعيك، و هناك من قدروها و عرفوا قيمتها و تجاوبوا معها و هذا هو دور الإنسان، صحيح انه بدون النعمة لا يساوى دور الانسان شيئا لكن فى نفس الوقت بدون امانة الإنسان فلا استفادة من هذه العطية المجانية. ذلك الدور هو الجهاد الروحى و الجهاد الروحى بعيد كل البعد عن اعمال الناموس الجوفاء و التى حاربتها الكنيسة بشدة ، القديس بولس يقول عنها “إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بايمان يسوع المسيح لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما” (غل١٦:٢ ) و كل ما يتصل بالناموس من افتخار و تكبر ، و فى نفس الوقت يحث تلميذه تيموثاوس “جاهد جهاد الايمان الحسن” (١تى ١٢:٦ ) و هو نفسه يخبرنا فى نهاية حياته عن ضميره المستريح لأمانته فى جهاده “قد جاهدت الجهاد الحسن” (٢تى٧:٤ ).
و الجهاد الروحى هو الزيت الذى ميز بين الخمس العذارى الحكيمات و الخمس الجاهلات. و هو عمل الرحمة الذى ميز بين خراف اليمين و جداء اليسار. و هو اماتة الذات لأولئك الذين “رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلا بالسيف و هم لم يكن العالم مستحقا لهم تائهين فى برارى و جبال و مغاير و شقوق الأرض” (عب٢٧:١١ )
لا تتوقع ان تغصب نعمة الله انسانا على التمتع بخيراتها و لكن الانسان الذى يغصب ارادته للسلوك بحسب الوصية يتمتع بحلاوة النعمة كما يقول مار اسحق [إذا أنهض الانسان ذاته و بدأ يغصب نفسه قليلا حينئذ تدنو منه النعمة و تأتى اليه قوة تحمل خيرات كثيرة ] .