– منتجات تالفة ومجهولة المصدر في ظل موجة غلاء الأسعار
– تدني أسعار المأكولات المختلفة في مقابل عدم وجود تواريخ إنتاج أو صلاحية
إن الظروف المعيشية وغلاء الأسعار قد يدفع كثيرين إلى تلبية احتياجاتهم من أسواق تبيع سلع ومنتجات غذائية اصطلح على تسيميتها بـ”أسواق بواقى الطعام “، هذه الأسواق يتم فييها تداول “اللانشون” و”الهامبورجر” وأجزاء الدواجن ومنتجات الألبان كالزبادي والزبدة الفلاحي والجبن بجميع أنواعها، هذه الظاهرة نلقى عليها الضوء ونحن نضع أنفساء في خندق واحد مع هؤلاء الواطنون والأجهزة الرقابية والدولة في آن واحد، حيث أن للمشلكة جوانب عديدة سواء اجتماعية تتمثل في سوء الأحوال المعيشية لهؤلاء مُرتادي هذه الأسواق أو صحية تتمثل في النتائج السلبية على هؤلاء المواطنين وعلى صحة أولادهم اقتصادية تتمثل في “ضيق ذات اليد ” وعدم القدرة على شراء مأكولات معينة بالأسعار العادية.
ومن هنا توجهت “وطني” لأحد أسواق بيع الطعام المستعمل بمنطقة إمبابة ففي البداية ذهُلنا من تنوع المنتجات بين الجبن، اللحوم، الأسماك والحلويات بمختلف الأنواع فضلاً عن البسكويت، وكسر الجاتو والعصائر، والشيبس، الكيكات.. ومنتجات لا تحصى من كثرة عددها ويوجد أيضاً منتجات التنظيف المنزلية ومنتجات العناية بالبشرة وكلها منتهية الصلاحية، ولا يوجد غير نقاش واحد يدور بين كل بائع ومشتري هل هذه المنتجات صالحة للأكل والإجابة: “جرب واستطعم”.
ويهدف هذا التحقيق إلى إلقاء الضوء على هذه الظاهرة الجديدة القديمة في نفس الوقت، للوقوف على أهم الإجراءات التي يجب أن تتخذ من جانب الأجهزة الرقابية خاصة على الأسواق، ومنها وزارة التموين والتجارة الداخلية وجهاز حماية المستهلك فضلاً عن الأجهزة الأخرى المعنية كالصحة والداخلية وغيرهما .. فإلى هذا التحقيق.
في البداية، قابلنا “أم كريم” 47 سنة وسألنها لماذا تشتري الطعام المستعمل؟، ولم تأخذ وقتا للرد حيث قالت “عندي 5 أولاد محتاجين 3 وجبات فطار وغدا وعشا كل يوم والأسعار نار كيلو البطاطس بـ14 جنية وكيلو الطماطم بـ12 والرز بـ9، ولادي مبيدقوش اللحمة الفراخ من العيد للعيد، باجي هنا السوق بشوف اللي موجود وبشتري منه، الحاجة هنا رخيصة وكتير وبتسد الجوع، بجيب جبنة ولنشون وزيتون للفطار والعشاء والغدا كل مرة بتختلف سعات بالاقى لحمة مستوية بواقي الفنادق بس دي الصبح بدري لازم تخديها عشان بتبوظ بسرعة من الشمس وبنلاقي سمك وولادي بيحبوا الفراخ اللي بتتقلى في الزيت بصراحة السوق ده موسع علينا”.
احتياجات .. بنصف الثمن
وقالت ماجدة جادو مسؤولة نظافة في حضانة خاصة، “أعمل أنا وزوجي لتوفير احتياجات المنزل والأولاد زوجي بائع في محل يتقاضى 1400 جنيه شهريا وأنا 1100 جنيه فكيف نعيش بـ 2500 جنيه بعد أن تخصمي الإيجار والكهرباء والغاز والمياه ومجموعات التقوية للأولاد لا يتبقى أي أموال للطعام أو الملابس أو العلاج. وفي المقابل الأولاد يشعرون بالفقر واحتياجهم لأقل متطلبات الحياة “الأكل” فأتي إلى هنا وأشتري اللحمة بـ 45 جنيه والخضار والفاكهة بنصف ثمن العادي والحلويات لإرضاء الأطفال”.
وقالت “نعمة” 21 سنة بائعة في السوق : “الناس تعبانه ومحتاجة تأكل، أكتر حاجات بتباع اليومين دول عشان المدارس الجبنة الرومي الكيلو 35 جنيه والجبنة البيضاء الكيلو بـ 10 جنيه واللانشون والكورن فليكس وكسر الحلويات كلها بواقي مصانع وشركات ومحالات مشهورة ونضيفه أنا بخلي كل زبايني يدوقوا الأكل قبل ميشتروا”.
تأثيرها على صحة المواطن
وعن الأضرار الصحية الناتجة عن تناول الأطعمة المستعملة، قال الدكتور مينا زكي أخصائي العلاج الطبيعة والتغذية العلاجية: كل ما يدخل جسم الإنسان له تأثير عليه أما بالسلب أو الإيجاب وفي حالة استهلاك الشخص لأطعمة منتهية الصلاحية أو فاسدة فهو يقوم بإتلاف 4 وظائف مهمة وأساسية في جسمه ابتداء من إصابات المعدة بالتسمم والجرثومة مروراً بتلف الكبد والكلى وأخيرا بضعف المناعة والتي لا تقل قيمة عن الكلى والكبد فالمناعة لها دور قوى في صحة الإنسان ابتداء من حمايته من دور الأنفلونزا وصولاً إلى السرطان.
وعن الظروف المعيشية التي تجبر عددًا كبيرًا من استخدام هذه المنتجات نصح الدكتور زكي، تقليل عدد الوجبات أو كمياتها واستخدام الأطعمة السليمة لن يضر بصحة الإنسان عن أشباع البطن بالسموم، ولكن إذا كانت القدرة المادية صعبة واستخدام مخلفات المصانع أمر لابد منه فعلى الإنسان الحذر والتعامل بشكل واعي فمثلا استخدام العين والأنف في اكتشاف العيوب فاللحوم بكافة أنواعها يظهر عليها الفطريات البيضاء والخضراء وترى بالعين المجردة وكذلك رائحتها تكون نفاذة ففي هذه الحالة لا يجب استخدام هذه الطعام نهائيا مهما كانت الظروف، أما إذا كان وضع الطعام لا بأس به من حيث الشكل والرائحة فيمكنا اتخاذ واحده من طريقتين للتأمين، وهي طرق سهله وبسيطة وفي متناول يد الجميع “الغليان أو التجميد ” غلي الأطعمة أو تجميدها يقتل نسبة كبيرة جدا من البكتريا خصوصا في المنتجات المصنعة من اللحوم والفراخ.
غياب الرقابة الفعالة
وقال الدكتور خيري فرجاني أستاذ الاقتصاد السياسي بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية: إنه في ظل موجة غلاء الأسعار التي شهدتها البلاد، زادت عمليات طرح منتجات فاسدة ومجهولة المصدر بأسعار منخفضة لجذب المستهلكين، هذا وتتنوع المنتجات التي تُباع على الأرصفة وأغلبها منتهي الصلاحية، ما بين لحوك مُصنعة مثل “اللانشون” و”الهامبورجر” والدواجن مجهولة المصدر ومنتجات الألبان والزبدة الفلاحي والجبن بجميع أنواعها، فضلاً عن أنواع مختلفة من العصائر بملصقات تحمل أسماء ماركات شهيرة.
وأضاف: للأسف الشديد فإن هوؤلاء الباعة يستهدفون الأطفال، فيعرضون عليهم حلوى وجاتوهات وبقايا “التورت” للبيع بأسعار زهيدة في ظل غياب الرقابة الفعالة، خاصة وأن هذه المأكولات تتعرض للذباب وعادم السيارات والأتربة، ومن المناطق التي تشهد انتشاراً كثيفاً لهذه الأطعمة الفاسدة أسواق كرداسة وغزبة أبو حشيش وسوق الأحد بشبرا الخيمة وسوق الجمعة، حيث تتراص المعروضات من المنتجات منتهية الصلاحية بتلك المناطق دون أدنى رقابة من الجهات المختصة مع رفض الباعة رفضاص تاماً لأي محاولة من قبل المستهلكين لمعاينة البضاعة والكشف عن تاريخ الصلاحية أو جهة الإنتاج.
وتشير الدراسات والإحصاءات المختلفة التي أعدتها هيئات طبية وعلمية إلى زيادة معدلات الإصابة بأمراض السرطان والفشل الكلوي والكبدي، فضلاً عن حالات التسمم، وقد أرجعت تلك الدراسات العديد من العوامل لانتشار هذه الأمراض وفي مقدمتها بيع المواد الغذائية مجهولة المصدر ومأكولات الشوارع غير الصحة، بالإضافة لتداول الأطعمة والحلوى والمأكولات بجميع أنواعها التي تباع أمام المدارس وتفسدها أشهة الشمس وتسبب العديد من الأمراض، والغريب أن هناك إقبال شديد على شراء تلك المنتجات، رغم كونها مجهولة المصدر ولاتوجد بها تواريخ إنتاج أو صلاحية، وذلك نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار السلع والمنتجات الغذائية بجميع أنواعها، وفي المقابل تدني أسعار تلك المنتجات الفاسدة إلى ما يُقارب نصف الثمن العادي.
ويرى أستاذ الاقتصاد السياسي بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية أنه هذه النتائج يأتى دور وزارة التموين وجهاز حماية المستهلك من خلال تنشيط دور مفتشي الصحة لوقف بيع البضائع والمأكولات الفاسدة والمنتهية الصلاحية والمجهولة المصدر والمعروضة بطرق غير صحية في عرضها للمستهلك، وأن تكثيف جهود وزارتي الداخلية والتموين من شن حملات المواجهة عمليات بيع تلك الأغذية الفاسدة، بالإضافة لأهمية دور المواطنين في التصدي لهذه الظاهرة، من خلال الإبلاغ عن من تُتاجرون بهذه الأغذية، لمساعدة ” الداخلية ” في القضاء عليها.
واستطرد الدكتور خيري فرجاني قائلاً: إن هناك إشكالية تواجه وزارة التموين، حيث يعمل بها حوالي 12 ألف مفتش وبرجع العجز لعدم وجود تعيينات جديدة منذ 1984 فضلاً عن أن الـ 9 آلاف مفتش المتواجدين حالياً بالوزارة اقتربوا من سن المعاش ومعظمهم يعملون إداريين، ومن ثم فإن العاملين بالوزارة حاليا، والذين يقومو بعمل ميداني تتراوح أعدادهم ما بين 2 إلى 3 آلاف شخص يراقبون كافة أسواق الجمهورية، ومن ثم يصعب تشديد الرقابة على الأسواق ويجعل هناك صعوبة فى الكشف على الأسواق.
كما يجعل من الصعوبة الكشف عن تلك السلع الفاسدة والمكشوفة، برغم ما يحدث في الأسواق حالياً يُجرم بموجب قانون حماية المستهلك، بالإضافة إلى زيادة عدد المفتشين الأكفاء في أسرع وقت لضمان السيطرة على الخارجين على القانون، وذلك حفاظاً على الصحة العامة للمستهلك، كما أن الأطباء البيطريين يتمتعون بسلطة التفتيش القضائي، ومن حقهم بل من واجبهم أن ينظموا حملات دورية على جميع المصانع الغذائية والأسواق العامة وإجراء تفتيش مفاجئ وتحليل عينات عشوائية من المواد الغذائية التي يتناولها المواطنين فمن حق المواطن الحصول على غذاء صحي ونظيف.
ومن هنا تأتي أهمية توجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ببيع منتجات اللحوم والدواجن بأسعار مخفضة في كافة مناطق الجمهورية، حيث قامت سيارات تابعة للقوات المسلحة في مختلف المناطق ببيع منتجات اللحوم والدواجن والسلع الغذايية المختلفة بأسعار مخفضة، وفي كافة منافذ بيع القوات المسلحة تنفيذا للمبادرة التي أطلقها الرئيس السيسي لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين البسطاء وحدودي الدخل لمواجهة الغلاء وظاهرة ارتفاع اسعار المنتجات الغذائية.
زيادة الوعي الاستهلاكي
قال سعاد الديب عضو مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك بوزارة التموين والتجارة الداخلية، إن هذه الأسواق ليس عليها أدنى رقابة تذكر، منوهة أنه في السابق كان يتم الاتفاق بين الفنادق والجمعيات الأهلية أو بنك الطعام في السنوات الأخيرة، على الاستفادة من بواقي الطعام والمأكولات لصالح الفئات معدمة الدخل بصورة منظمة وأكثر حضارية، إلا أن ما يحدث الآن في هذه الأسواق يفتقد لأي تنسيق بل يتم بشكل عشوائي وتحت مُسمى البيع والشراء، استغلالاً لظروف هؤلاء البسطاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل رهيب، مشيرة إلى تخوفها رغم صدور قانون حماية المستهلك من الصدمات التي قد تحدث في الأسواق خاصة في الكثير من التي تتسم بالعشوائية، مؤكدة أن هذه الظاهرة تتطلب دور كبير من الأجهزة المعنية بالرقابة على الأسواق وليس فقط جهاز حماية المستهلك المحدود في أدواته وفروعه الرقابية، وإنما لأبد من مساهمة وزارة الصحة بما تملكه من حق الضبطية القضائية خاصة فيما يتعلق بالأغذية، منوهة أن جهاز سلامة الغذاء جزء من منظومة حماية المستهلك، والذي سيكون له دور كبير في تتبع دورة تداول السلع والمنتجات الغذائية بدءاً من الزراعة حتى وصول المنتج الغذائي إلى المواطنين من خلال الأسواق، مُطالبة بأن يكون دور الجهاز مُماثل لما يقوم تقوم به الأجهزة التي تراقب السلع والمنتجات الغذائية التي يتم تصديرها إلى الخارج فيقومون بالأخذ بكافة المواصفات العالمية المرتبطة بسلامة الغذاء في كافة مراحله .
وأوضحت سعاد الديب، أنه على المستهلك نفسه وعلى المجتمع العمل على زيادة وعيه الاستهلاكي، نظراً لتدنى هذا الوعي لدى الكثير من البسطاء في القرى ومن يذهبون لهذه الأسواق التي تتداول بها هذه المأكولات أو ما يُسمى “بأسواق بواقي الطعام”، حيث أن هذه المواد الغذائية تكون في الغالب منتهية الصلاحية بسبب سوء تداولها وقد يتعرض من يأكلها للتسمم والكثير من الأمراض، لذلك ننصح هؤلاء بالاهتمام الكيف في شراء الطعام أكثر من الكم، نظراً لأنه في حالة شراء الكم من هذه الأسواق ، فهذا يُعرض صحتهم للضرر ، كما أنه قد يُقارب نفس التكلفة إذ تم حساب الفاقد من هذه المأكولات نظراً لأنه في الغالب تالفاً .