تصاعدت المخاوف التي تشير إلى مرحلة جديدة من الركود مع تصاعد الحمائية وضعف الأسواق الناشئة.
وسط اعتراف أن التحفيز النقدي والسياسات الفضفاضة التي اتبعتها البنوك المركزية العالمية في أعقاب أزمة 2008 كانت الوقود الرئيسي لنمو الاقتصاد العالمي لكن بكل تأكيد التحول بعيداً عن مثل هذه البرامج التيسيرية سيلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي.
تحذيرات متصاعدة
ومع مرور نحو 10 سنوات على انهيار بنك “ليمان براذرز” الأمريكي وما أعقبه من أزمة مالية عالمية، تتصاعد نبرة التحذيرات من مخاطر الأزمة الجديدة والتي تشير التقديرات إلى أنها ستحدث في غضون العامين المقبلين.
ومن الأمور الهامة أنه ينبغي على بنك الفيدرالي أن يضع خطة مسبقة لمواجهة الركود الاقتصادي المقبل، وفقاً لرؤية “جانيت يلين” رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابقة.
كما تحث المركزي الأمريكي على ضرورة أن يكون شعاره الإبقاء على معدلات الفائدة منخفضة لفترة أطول، مشيرة إلى أن شراء الأصول أحد أدوات مواجهة الركود السابقة والتي يجب أن تظل خياراً لكنها لن تكون كافية لمرحلة ركود أخرى.
وعن خيارات مكافحة الركود الاقتصادي المقبل، يتحدث كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي “أوليفييه بلانشارد”، قائلاً إنه يجب أن يلجأ إلى سياسات لم يسكلها من قبل إذا كان الركود حاداً كما نصح البنك بضرورة شراء الأسهم.
ويؤكد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي أن الإشارات الأولى للأزمة المالية العالمية والتي حدثت قبل 10 سنوات مضت مع انهيار بنك “ليمان براذرز”، كانت واضحة تماماً.
وبالنسبة لتوقيت حدوث أزمة الركود المقبلة، فيتوقع محللون في البنك الأمريكي “جي.بي.مورجان” أن تكون في عام 2020 لكنه ألمح إلى احتمالية إيجابية ألا وهي أن الأزمة المقبلة قد تخلق آلالام أقل من تلك التي خلفتها السابقة.
أما عن مسببات الأزمة القادمة، فتؤكد كبير الاقتصاديين في بنك “مورجان ستانلي” أنها لن تكون ديون الأسر الأمريكية كما حدث في الأزمة السابقة ولكنها ستنبع من جانب ديون الشركات.
ووصلت ديون الشركات غير المالية إلى 2.6 تريليون دولار منذ انهيار بنك “ليمان براذرز” وحتى الآن.
وعلى النقيض، يرى رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بولاية شيكاغو “تشارلز إيفانز” أن منحنى العائد المسطح لا يشير بالضرورة إلى مرحلة ركود اقتصادي قادمة.
وتقلصت الفجوة بين عائد السندات طويلة الآجل ونظيرتها التي يحل موعد سدادها بعد عامين وهو الأمر الذي يعطي إشارات متشائمة على مرحلة ركود قادمة ومزيد من التشديد النقدي.
الأداء الاقتصادي
ومع التحذيرات المتزايدة للغاية بشأن مرحلة ركود اقتصادي قادمة، توجد علامات أخرى للقلق تتعلق بنمو الاقتصاد العالمي بفعل الحرب التجارية المتصاعدة والحمائية إضافة إلى تنفيذ البريكست وما يصاحبه من حالة عدم يقين.
ومن المرجح أن يتأثر نمو الاقتصاد العالمي سلباً حال تنفيذ الإعلانات الأخيرة بشأن المزيد من الإجراءات الحمائية من جانب واشنطن وبكين، وفقاً لبيان السياسة النقدية الصادر عن بنك إنجلترا بالأسبوع المنقضي.
وفي الوقت نفسه، يحذر البنك من مخاطر متصاعدة على الاقتصاد البريطاني حال تم تنفيذ عملية مغادرة المملكة المتحدة لعضوية الاتحاد الأوروبي دون صفقة.
واعتبر رئيس المركزي البريطاني مارك كارني أن تنفيذ البريكست بدون اتفاق قد يتسبب في شلل الاقتصاد البريطاني ويؤدي إلى خفض أسعار المنازل بأكثر من 35% مما يزيد معدلات الرهن العقاري.
وعلى صعيد منطقة اليورو ككل، فقام البنك المركزي الأوروبي بخفض تقديرات النمو الاقتصادي خلال العامين الحالي والمقبل بفعل الحمائية التجارية الآخذة في الارتفاع إضافة إلى ضعف وتقلبات الأسواق الناشئة والتي برزت بقوة مؤخراً.
التشديد النقدي
وبعد سنوات طويلة من إتباع سياسات نقدية فضفاضة في مسعى لتحفيز الاقتصاد من الركود العظيم الذي خلفته الأزمة المالية العالمية، تسير البنوك المركزية حول العالم في طريق واحد وهو التخلص من تلك البرامج التيسيرية.
ويقود هذا الطريق بنك الاحتياطي الفيدرالي عبر رفع معدلات الفائدة، حيث نفذ عمليتان في هذا العام مع توقعات قوية بزيادة أخرى في اجتماع المركزي الأمريكي المقبل والمقرر عقده هذا الشهر إضافة لمرة إضافية قبل نهاية العام.
وتسبب قرار المركزي الأمريكي بشأن رفع معدل الفائدة في آلالام ملحوظة داخل الأسواق الناشئة والتي عانت عملاتها من خسائر حادة كما أجبرت بنوكها المركزية على مسايرة قرارات بنك أكبر اقتصاد حول العالم.
وأجبر البنك المركزي في تركيا على زيادة معدل الفائدة لنحو 24% بزيادة 625 نقطة أساس مرة واحدة في خطوة تهدف إلى مواجهة خسائر الليرة التي تجاوزت 40% في 2018 وعلى الرغم من عدم ترحيب الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتسبب قرار المركزي التركي والذي تجاوز تقديرات المحللين في أن يحول الليرة للصعود كما حصدت عملات الأسواق الناشئة المكاسب.
وبالمثل تحرك البنك المركزي في روسيا مخالفاً التوقعات ليرفع معدل الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس للمرة الأولى منذ 2014 لتصبح 7.50% في مسعى لحماية الروبل وتماشياً مع اتجاه التشديد النقدي.
ورغم أن البنك المركزي الأوروبي أبقى على معدلات الفائدة كما هي دون تغييره في اجتماعه الأخير لكنه في الوقت نفسه أكد موعد إنهاء برامج التيسير الكمي بداية من العام المقبل بعد أن يخفض وتيرة شراء السندات للنصف خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من 2018.
وفي المملكة المتحدة، ثبت كذلك بنك إنجلترا معدل الفائدة كما هو لكنه لا يزال عند أعلى مستوى مسجل منذ عام 2009 وسط تأكيدات بأن زيادة قادمة ستكون تدريجية ومحدودة.