فى اجتماع لجنة التراث العالمى التابعة لليونسكو المنعقد حاليًا فى المنامة عاصمة البحرين ،نوقشت تجربة حركة ” حياة ما وراء السياحة”، برئاسة كورينا ديل بيانكو من أجل استثمار مواقع التراث العالمى فى عملية الحوار الحضارى والثقافى ما بين الشعوب لتحويل السائح من مجرد عابر للمدن التى يزورها إلى مقيم مؤقت يتفاعل مع المجتمع المحلى، ويرجع إلى بلاده حاملًا جزءً من الهوية الثقافية للبلاد التى زارها.
وفى هذا الإطار يطالب خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء ووجه بحرى والمستشار الإعلامى لاتحاد المرشدين السياحيين العرب إلى استغلال هذه الدعوة لتحويل دير سانت كاترين المسجل تراث عالمى منذ عام 2002 إلى ملتقى الحضارات والثقافات ودعوة السيدة كورينا ديل بيانكو مدير حركة ” حياة ما وراء السياحة” إلى دير سانت كاترين لدراسة هذا المقترح.
ويوضح الدكتور ريحان أن دير سانت كاترين يحوى عناصر تفرد تجعل منه مركزًا لالتقاء الحضارات والثقافات، حيث تم بناؤه فى الوادى المقدس طوى ذى القيمة لكل الأديان حيث تلقى نبى الله موسى ألواح الشريعة عند الجبل المقدس وناجى ربه عند العليقة المقدسة وبنى الإمبراطور جستنيان فى القرن السادس الميلادى أشهر أديرة العالم فى أحضان هذا الوادى وبنى المسلمون الجامع الفاطمى الشهير عام 500هـ 1106م داخل الدير وكان الدير ملتقى الحجاج المسيحيون منذ القرن الرابع الميلادى منذ بداية أول رحلة للحج المسيحى ،قامت بها القديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى ،ومنذ دخول الإسلام إلى مصر أصبح ملتقى للحجاج المسيحيون والمسلمون الذين تركوا كتاباتهم وأسمائهم على جدران قاعات الدير وبمحراب الجامع الفاطمى.
ويضيف الدكتور ريحان أن دير سانت كاترين يضم ثانى مكتبات العالم حفظًا لأهم المخطوطات فى العالم بعد مكتبة الفاتيكان ، التى تضم ثلاث مخطوطات شهيرة تمثل ملتقى للأديان والحضارات وأقدمها مخطوط التوراة اليونانية المعروفة باسم كودكس سيناتيكوس وهى نسخة خطية غير تامة من التوراة اليونانية تعود إلى القرن الرابع الميلادى، علاوة على الإنجيل السريانى المعروف باسم (بالمبسست) وهى نسخة خطية غير تامة من الإنجيل باللغة السريانية مكتوبة على رق غزال تعد أقدم نسخة معروفة للإنجيل باللغة السريانية ويظن أنها مترجمة عن أصل يونانى فى القرن الثانى الميلادى وكذلك العهدة النبوية، وهو كتاب العهد الذى كتب للدير فى عهد نبى الله محمد عليه الصلاة والسلام وكان الأصل محفوظًا فى الدير إلى أن فتح السلطان سليم مصر 1517م فأخذ الأصل وأعطاهم نسخة معتمدة منه مع ترجمتها بالتركية وهو أول عهد فى التاريخ يضع مبادئ حقوق الآخر واحترامه وحمايته وحفظ التراث الإنسانى والمساهمة فى ترميمه وتطويره.
ويشير الدكتور ريحان إلى أن مخطوطات المكتبة جمعت معظم حضارات وثقافات العالم فى ستة آلاف مخطوط منها 2319 مخطوط يونانى، 284 مخطوط لاتينى، 600 مخطوط عربى، 86 مخطوط جورجيانى، بالإضافة إلى المخطوطات السوريانية، القبطية، الأثيوبية، السلافية، الأمهرية، الأرمينية، الإنجليزية، الفرنسية والبولندية وهى مخطوطات دينية، تاريخية، جغرافية وفلسفية.
ويقترح الدكتور ريحان إنشاء مركزًا ثقافيًا دوليًا بدير سانت كاترين يمثل ملتقى للحضارات والثقافات تعقد فيه المؤتمرات الدولية فى هذا الإطار ويقيم فيه السياح عدة ليالى للربط بين الدور الحضارى للدير والمجتمع المحيط به الذى يجسّد ثقافة البادية وأنشطتها المتمثلة فى طب الأعشاب والمنتجات التراثية السيناوية المتنوعة وحياة البادية فى الأودية المتعددة حول الدير ومجتمع الصحراء بعاداته وتقاليده وموروثاته الحضارية.