حينما تقذفنا المتعة الحرام بسهامها, لا ينجو منها إلا من يتمنطق بسلاح الإيمان, ودروع الله التي لا تنفذ عبرها سيوف العدو, تلك المتعة تستعبد الضعفاء, والأقوياء أيضا, المتعة الحرام, لا تستهدف الخطاة, أو الأبرياء, إنما تضع النبلاء والشرفاء والبسطاء في مقدمة قوائمها, كلنا تحت الضعف, كلنا تحت الخطية, كلنا في مرمي سهامها, كلنا في سباق الجهاد ضدها لاهثون, لكن البعض يسقط في الطريق, يلفه الخزي, ويغطي هامته العار, وتدوسه أقدام المتكبرين, والذين يجدون في أنفسهم البر أكثر من غيرهم, لا هذا مجرم, ولا أولئك أبرار, لكنها عجلة الحياة التي تدور وفي كل دورة من دوراتها يصير بعضنا أبرارا, والبعض الآخر خطاة, والعكس يحدث في دورة أخرى, في تلك الدورة من عجلة الحياة في عام 2013, دارت وللأسف لم تعد للخلف حتى الآن, دارت لتنتزع الرجل البسيط, الخلوق, الحنون, من أسرته, وتلقيه في أحضان امرأة عجوز, لماذا؟ وكيف؟ وما العمل, وما هي التفاصيل؟ الإجابات سنجدها في السطور التالية.
ليلي ذات الوجه الأسمر, ذات القلب الأخضر, تتقدم خطوات و تتراجع خطوات أكثر, خشية أن يكشف العوز أدق أسرارها, إسمرار وجهها ينطق بالشقاء, نظارتها السميكة تخبر الناظرين عن ضعف بصرها, مظهرها البسيط, إنزوائها واستكانتها, انخفاض الصوت فيها, كل شيء يصرخ نيابة عنها أنا من دنيا الغلابة لم تطلب شيئا سوى المساعدة في جهاز ابنتها العروس, موعد الإكليل عقب ختام صوم الرسل, العريس حلاق, مستور, اتفق مع الأسرة علي تحمل حجرة السفرة والأنتريه, على أن تتحمل العروس الأجهزة الكهربائية, وحجرة النوم, الأمر ليس جديدا علينا, فمعظم الاتفاقات تكون هكذا, أنه عرف المجتمع المصري, طلبت والدة العروس المساعدة في هدوء ودون إلحاح أو طول نقاش, لفت نظري انعدام اللهفة علي الاطمئنان إذا كانت المساعدة جاهزة أم لا, وتحرك فضول الصحفي بداخلي, ودار بيننا الحوار التالي:
* إنتي مالك تعبانة ولا زعلانة ولا إيه؟
** لا أبدا يا أبلة, أنا بس عيانة.
* عندك إيه؟
** عندي تليف في الكبد, كان عندي فيروس سي واتعالجت لما الحكومة وفرت علاجه لكن للأسف كنت خلاص كبدي أتليف, ده غير السكر إللي تاعبني جدا.
* طيب محتاجة علاج؟
** لا الكنيسة بتساعدني في العلاج لكن المشكلة في المعايش غالية وأنا ماعدتش أقدر على شغل البيوت, ده هلاك كنت بأروح أخدم لما صحتي كانت كويسة, كنت حاسة ربنا مديني الصحة علشان أقدر أشتغل وأصرف علي عيالي, لكن حاليا, خلاص تعبت ماعدتش أقدر, والحالة اتدهورت.
* وفين جوزك؟
** إيدك منه والأرض, زي قلته, اعتبريه مش موجود.
* يا ساتر كل ده ليه؟ عمل إيه؟
صمتت ليلي, سألتها أكثر من مرة لكنها تنظر في صمت, ثم طلبت مني إخلاء الغرفة, والجلوس على انفراد, بالخبرة أدركت ما سوف ترويه, فكل من طلبت هذا الطلب قبلها, تحدثت عن تغيير الديانة, أخليت الغرفة, وأمسكت بالورقة و القلم لأدون ما ترويه, حتى أنقله لكم, ولو وافقت لكنت سجلته بالصوت والصورة, ليعلم كل من يفكر في هدم كيانه الأسري من أجل نزوة, كم تحمل النزوات من عذابات, لكنها رفضت التسجيل بأي شكل من الأشكال, وقالت وهي تضرب صدرها بكلتا يديها, وبلهجتها الصعيدية العريقة: يا فضيحتي, عايزاني أفضح جوزي, بعد العمر ده كله, عايزاني أثبت عليه إللي ماقدرش حد يثبته, علشان أجهز بتي, لا عاشت ولا اتجهزت ولا اتجوزت, مش عايزة حاجة وكفايانا الستر.
احترمت رغبتها, ووعدتها بعدم النشر, اطمئنت ليلي لتكشف الستار عن تاريخ أسود, لكنه للأسف متكرر, تركت مقعدها المقابل لمكتبي, وجلست إلي جواري وكأنها تختبيء في حضني, استوطن الخجل حنجرتها, فخففت من نبرة صوتها للغاية, ثم قالت: جوزي أسلم, وأخرجت من كيس يدها الصغير ورقة مهلهلة قديمة, أطلعت عليها لأجدها شهادة إشهار إسلامه, نظرت إلي الشهادة وإلي ليلي, قائلة: كلي آذان صاغية, وبدأت ليلي تروي التفاصيل:
اتجوزنا من 24 سنة, وخلفنا أربعة …تلات بنات وولد, أكبرهم الولد 22 سنة وأصغرهم 15 سنة, جوزي غلبان وطيب جدا, مالوش في العوج, كان ساترنا, والقرش في إيده كويس, على الأقل مش بنشحت, ولا بنستلف, وكنا عايشين ومخلطين على جيراننا شقتهم في باب شقتنا, كان يجي كل يوم يديني شقاه, خمسين جنيه أو مية, زي ما يكون وأنا أمشي البيت, شغال باليومية لأنه نقاش, وفي سنة 2013, بدأت ألاحظ عليه تغيير, الفلوس قلت جدا معاه, وبقي يسألني أسئلة غريبة, في مرة قال لي: لو سافرت سفرية بعيدة يكفيكي كام أنت و العيال؟, ممكن أروح ليبيا. شكيت فيه وقلت له عمري ما قلت قليل ولا كتير, إحنا مش عايزين غيرك, بعدها قال إنه بيهزر, لكن بدأ يغيب عن البيت, وأنا عارفة أنه مالوش في القهاوي, ولا الشرب ولا أي كيف, يبقي بيروح فين, ويودي فلوسه فين, وفي ليلة, لقيته بيسألني, لو أتجوزت تزعلي؟ بس مش هاسيبك, وهاجي لك كل يوم, فقلت له أنت بتضحك ولا بتتكلم جد؟ قال لي طبعا باضحك.
بعد الموقف ده بشهر لاحظت أن في تليفونات غريبة بتيجي له في نص الليل, مارضتش أبين أني عارفة, وطلبت من بنتي الكبيرة, تعرف مين صاحبة الرقم, وفعلا البنت تابعت ووصلت لصاحبة الرقم, واكتشفنا أنها جارتنا إللي باب شقتها في باب شقتنا, في الوقت ده كان جوزي عمره 41 سنة, وهي عمرها 64 سنة وعندها ولدين وبنت, حاجة غريبة مش كده؟ راجل يسيب مراته إللي من عمره, علشان يروح يرمي نفسه في حضن ست أكبر منه بخمسة وعشرين سنة, ومش من دينه, ويصرف عليها فلوسه.
الشك أصبح حقيقة مرة, كان بياكل في قلبي, باتقطع وأنا ساكتة, مش عايزة فضايح, وخايفة من رد الفعل, عيالها هايعملوا فيه إيه, ولو دخلوا فى خناقة على عرض أمهم, ممكن واحد منهم يقع قتيل, وأخسر جوزي وممكن أخسر ابني كمان, غير سمعة بناتي إللي ماحدش هايوافق يرتبط بيهم بعد الفضيحة دي.
المهم سكت فترة طويلة, لكن الموضوع زاد عن حده لقيته زي ما بيجيب لبيتنا يجيب لها, ويسيب البيت بالليل ويروح لها في نص الليل, كان لازم أواجهه, وفعلا واجهته, وساعتها أول كلمة قالها لي: مش دي صاحبتك وحبيبتك, قلت له صاحبتي حاجة وأنك تعرفها وتمشي معاها في الحرام حاجة تانية, دي مش من ديننا يعني الموضوع هايكبر ويبقي مصيبة, وأحنا مش أد الحاجات دي, الخلاصة مافيش فايدة منه, بعد المواجهة بتلات أيام لقيت بنت الست دي بتتصل بي وبتقول لي خلي جوزك يبعد عن أمي, وإللي كنت خايفة منه حصل, خرجت زي المجنونة أقول لجارتي الخاينة تبعد عن جوزي لقيته واقف معاها على السلم, أول ما خرجت قالت لي: لو أتجوزت جوزك تزعلي؟!! كلام غريب وعجيب, على واحدة عاقلة أو واحدة في سنها, قلت لها شوفي لك واحد من دينك أتجوزيه, بعد الموقف ده قررت أعزل من البيت علشان ما أشوفش المهازل دي تاني, والظاهر أني لما قررت أعزل وسعت لهم السكة أكتر, بعد أيام لقيت بنتها بتكلمني تاني وقالت لي إن جوزي رايح الأزهر مع أمها.
ماحستش بنفسي إلا وأنا عندها في البيت, بأدافع عن بيتي, وحياتي ودنيتي, عن جوزي وعمري ومستقبل ولادي, صرخت في وشها سيبينا في حالنا, قالت لي خلاص الموضوع خلص, جوزك أسلم والشهادة معايا, طلعت لي الشهادة وشفت صورته, وأخدت الصدمة, وأدتني نسخة كمان, لقيت الدنيا بتلف بي, مش عارفة أعمل إيه, أنا لا بأعرف أكتب ولا أقرأ, جريت علي الكنيسة, رحت لأبونا أب اعترافي, قرأ الورقة وقال لي: إنه لسة مسيحي لأنه ماغيرش البطاقة الشخصية, وبدأ أبونا يساعدنا في أننا نرجعه لبيته وعياله, ونلحقه قبل صدور البطاقة, لأنه بيغير دينه علشان يتجوز واحدة تانية مش علشان حتى مقتنع بدين تاني, ولا علشان شيء له علاقة بالإيمان, ده بيلعب بالأديان, ولحقناه قبل صدور البطاقة الجديدة وماحصلش تغيير في دينه, لأن طبعا أي تغيير كان ممكن يأثر علي بناته, لأن القانون بيقول الأبناء يتبعوا الأبوين دينا, حسب ما سألت وعرفت, كانت العيلة كلها حياتها هاتتقلب, والدنيا هاتخرب.
راح له أبونا و قدر يقنعه بخطورة إللي عمله وإزاي إشهار إسلامه هيأثر علي عياله مش عليه هو بس, وهايهد حياتهم و يجبرهم على اعتناق دين هم مش مؤمنين بيه, تراجع جوزي وقدرنا نشوف له شغل في دير من الأديرة, وراح قعد هناك تلات شهور, وغير رقم تليفونه, واتغير تماما, وشكرنا ربنا, لكن أول ما رجع الحي, ماعرفش عنه حاجة, بعد عني تماما ورجع لها, لكن من غير إشهار, بيجي يبيت في البيت كل يوم, لكن كأنه مش في البيت, بيقضي معاها وقته كله, وفلوسه كلها رايحة ليها, كأننا اشترينا مصير البنات, والمقابل أنه يفضل معاها في الحرام, هي عندها دلوقت 69 سنة ولسة ماسابهاش, وأنا شايلة الحمل لوحدي وابني الكبير بيساعد في المعايش لكن مايقدرش يجهز أخته, الحاجة غالية جدا جدا, والدنيا مقفولة في وشنا, وما صدقنا ربنا ستر علينا بدون فضايح, علشان كده الكنيسة بتساعدنا بدون معرفة حد لأنه قدام الناس بيشتغل, وبيكسب, وراجل البيت, لكن الحقيقة أنه زي قلته, علشان كده مش بنطلب منه حاجة, لأن حتي لو طلبنا مش بيدينا, معتبرنا أننا وقفنا في طريق سعادته و جوازه من الست إللي عايز يعيش معاها, معتبرنا أننا دمرنا سعادته, خسارة الرجالة لما بتخيب.
تواصلوا معنا عبر المحمول – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة