تداول رواد موقع التواصل الاجتماعي منذ عدة أيام ، عقب مباراة مصر وأوروجواي بعض البورتريهات الفنية لمشروع بعنوان “ترنيمة مصرية” للفنان أحمد الصبروتى البالغ من العمر 30 عامًا، وأحد خريجى كلية الفنون الجميلة ،إلا أن الأمر أثار غضب وحفيظة الاقباط بشكل كبير واعتبروه محاولة متعمدة لتشوية وإزدراء المسيحية ،وجاءت تعليقات الكثيرين رافضة هذا النوع من الفن الذي جسد مدرب المنتخب المصري الذي يخوض هذه الايام مباريات كأس العالم “هيكتور كوبر” على أنه الرسول وهو ممسك بكتاب ويشير بالطريقة ذاتها التي اعتمدها الفن القبطي في الكثير من الايقونات المتعارف عليها للسيد المسيح، وعليه فقد رآي المسيحيون هذه اللوحة هي نوع من التهكم المباشر والمتعمد على المسيح وتشبيه به وهو الأمر الذي رفضوه ،فيما صور بعض لاعبي الفريق مثل “محمد صلاح، وعصام الحضري” وغيرهما وكأنهم قديسين، وهي نفس التصاميم المعهودة والمعروفة في الايقونات المسيحية المنتشرة في العالم كله ،فيما حملت صورة اللاعب محمد صلاح كلمة “بؤورو” أي الملك ، وصورة عصام الحضري حملت كلمات بمعني “القائد” وكتبت على الصور عبارة “بركاتك يا عدرا”، مما أجج من موجة الغضب المسيحي الذين خرجوا بدورهم لينفسوا عنه عبر صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، مطالبين ومشددين على ضرورة محاكمة هذا الفنان ورفض هذا النوع من الفن، إلا القليلون الذين حاولوا الوصول الي حقيقة الامور والوقوف عليها، ورؤية الفن في الفن فقط وأن الامر لم يستهدف المسيحية على الاطلاق وليس ازدراءً للاديان ،وإنما استخدام لأحد الطرز والحضارات الفنية الموجودة والتى طال تناسيها وطمس ملامحها.
فجاءت بعض التعليقات : “لقد جسد الصبروتي كوبر مكان للسيد المسيح ولم يتوقف الأمر على ذلك فقط بل تهكم على العذراء مريم وشبه الخسارة ببركات من العذراء وعلى انها جلبت النحس للفريق، هذا … الملوث بالأفكار الإرهابية يبث الكراهية والتعصب بالاعلام وينشىء جيل لا يعرف المحبة والسلام بين اطياف الشعب بل يعبىء للكراهيه للديانة المسيحية والاستهتار بمقدساتنا.”
وفي تعليق آخر :” لقد تهكم الصبروتي ليس فقط على المسيحية وإنما هو يسخر من القرآن، حيث نسى أو تناسى أن هناك سورة كاملة باسم السيدة العذراء “مريم” ،وهو ما يؤكد استهتاره بالأديان وعدم احترامه لها”.
بينما في تعليق آخر أكثر تفهما ولا يحمل هذا التطرف والتشدد الذي حمله الكثيرون في ردود أفعالهم : “أعجبتنى رسومات أحمد الصبروتى للاعبي المنتخب بطريقة مستوحاة من بورتريهات وجوه الفيوم ،وأرفض بشدة أية بلاغات أو شكاوى تقدم لجهات التحقيق أو المجلس الاعلي للاعلام ،مناخ التربص والتضييق صعب جدًا ،الرحمة شوية.”
جدير بالذكر أن احمد الصبروتي ، أراد أن يعود بالمصري أيًا كانت ديانته الي أصوله الأولي، ومن المعروف أن الاصول الاولي لمصر والمصريين هي القبطية ،و في شرحه لمشروعه “ترنيمة مصرية” : بعد الجدل الذى سببته صور مشروعه قال “إننا جميعنا أقباط ،فالأقباط ليسوا المسيحيون فقط، إلا أنها ثقافة وحضارة متكاملة ولقد عزمت على رسم مشروع مصري أصيل، يثبت إننا جميعا ذو اصل واحد وإن كلمة قبطي هي قومية وليست ديانة، هذا تراث مصري وفني لكل المصريين، ولكل الشعب المصري ، ولا يجب أن يكون الفن حبيس الكنائس والأديرة فقط، وما سعيت إليه هو مشروع قائم على شخصيات محبوبة ومعروفة تمثل هذه الحضارة التى لم تحظ بالكثير من الاهتمام علي مر التاريخ ، فالجميع يتهافت ويلتفت الي التصميمات الفرعونية متناسيًا الأصل القبطي لنا ، كما أننى صممت هذا المشروع للأجانب لكى يرووا ويعرفوا عظمة حضارتنا القبطية، ولم أتوقع مطلقًا إنه سينال من الشهرة المصرية الواسعة في مصر والدول العربية، حيث أراد الكثيرون معرفة شكلهم في العصور القديمة تأسيا بنجومنا”.مضيفًا أن الحضارة القبطية هي الاب الروحى للايكونوجرافي”فن الايقونة” المنتشر في كل العالم .
وأما عن أيقونات الفيوم التى رسم على غرارها المشروع سالف الذكر ،فهي نوع من الفن كان معاصرًا لمرحلة اضمحلال اقتصادى وتوتر سياسي نتيجة التهديدات العسكرية الخارجية من كل ناحية ،بجانب القمع السياسي والدينى الداخلي، فظهرت بورتريهات الفيوم كبديل أرخص وعملي عن التوابيت الفرعونية المنحوت عليها شكل الموتى بدقة فائقة، واستعيض عنها برسم بورتريهات مرسومة بألوان تمبرا وهي ألوان السائل الحامل للصبغة في صفار البيض.
وكنوع من الفن كان الفنان القبطى يقوم بتوسيع الاعين في بورتريهاته كدلالة على قوة الايمان والبصيرة ورؤية الحق مما جعل الامر يعد أحد سمات الفن القبطى الذي تعارفت عليه الاجيال عبر الايقونات المنتشرة في العالم بأسره، وهو ما اعاد الصبروتى استخدامه في مشروعه مع بعض الشخصيات، في الوقت ذاته الذي استخدم تعبيرات التوتر والقلق نتيجة الضغوط والرهبة علي وجوه بعض اللاعيبة الذين أختارهم في مشروعه، وقد استخدم الصبروتى الشخصيات الابرز والاشهر في المنتخب الوطنى ولم يدعم في مشروعه المنتخب الوطني بأسره، بينما جاء استخدام غصن الزيتون الذهبي فوق رأس محمد صلاح وكلمة “إبؤورو” ،واحتفظ بالملامح الفرعونية للننى مضيفًا له عين حورس، وكتب عن الحضري في البورتريه الخاص به “بيشاومويت” أي القائد وأعتبر هيكتور كوبر المدرب الارجنتينى هو الرسول ، وهو ما دفعه لرسمه علي هيئة تشبه السيد المسيح أو كأحد رسله، معتمدا في مشروعه علي الطراز القبطى الذي رآه الانسب والذي اعتقد أنه قد حان الوقت ليخرج هذا الفن من الكنائس ،كما خرج الفن الاسلامى وغيره من بين جدران المساجد وامتد الي الكثير من الطرز المعمارية والفنية.