بين القلب والعقل معركة لا تنتهي.. الفائز فيها يسيطر حال انتصاره على أرض المعركة بكل ما فيها، من مشاعر وأفكار وردود أفعال وأقوال.. بل يستطيع التأثير في أرض الغير بالتحكم في أحاسيسه وأفعاله حسب تصرفاته معه.
إنها حرب باردة من طرفين.. الغلبة فيها ليست للقوي والهزيمة ليست للضعيف.. بل لمن استيقظ وقت المعركة، وكان له سبق الحضور.
منا من اعتاد تحكيم عقله في كل أمور حياته، ومنا من كان القلب أميره المطاع، ومنا من وفق بينهما واستطاع أن يوحد ملكهما تحت راية واحدة.
السؤال الذي يطرح نفسه، ويعيد نفس الطرح مرة بعد مرة، في انتظار جواب كاف يطفئ نار الحيرة التي تحرق أكثرنا، ممن يعاني بين ألم نفسي وأمل فكري.. هو : هل نوقظ أحدهما وندخل الآخر في سبات عميق، أم نصنع توافقا بين السلطانين.. يفضي إلى توازن فكري..حسي ؟
ربما مال أكثرنا إلى تنصيب الاثنين معا، ظنا منهم أن في الوسطية راحة، ولكنهم لا زالوا يحاولون أن يصنعوا هذا التوافق دون جدوى، وربما حزنوا لأن كفة ميزانهم تميل يمينا أو شمالا، لكن معاناتهم هذه تستمر وتنغص العيش دون جدوى، لأنهم ينسون أن في هذا الاختلاف جمالية غفلوا عنها، ولم ينتبهوا إلى أهميتها.
ربما لو تأملنا الشاعر حين ينظم دررا، أو الأديب وهو يصور لنا رواية يجعلنا نعيشها بكل جوارحنا، فيتملكان مشاعرنا وأحاسيسنا، وقد يغيران قناعات لطالما آمنا بها.. أو شاهدنا كيف يستطيع العالم الرياضي أو الفيزيائي أو الطبيب أن يقنعنا بفرضياته، واكتشافاته العلمية، بدلائل منطقية تخاطب العقل وقد تغير كل ما كنا نظنه سابقا. لعلمنا أن كل هؤلاء، ما كانوا ليبرعوا فيما قدموه لنا، لولا غلبة أحد الطرفين، وبين منطق العقل وعاطفة القلب، يكمن السر في التباين وليس في التوازن.
بدل أن يختار الواحد منا التغيير، وتشخيص صورة معينة أطرها ووضعها لنفسه هدفا دون معايير، عليه أن يحاول اكتشاف قدراته، وتوظيفها، وبتلك الطريقة فقط سيكون متميزا ويتربع على عرش ميولاته.. ولو فشلت فيما برع فيه غيرك، فكن متأكدا أنك ستبرع فيما فشل فيه غيرك.