كانت تمشي بصعوبة شديدة فيبدو أنها كانت متعبة من الطريق ..كانت ذكريات الماضي تحاصرها .. وأتعاب الحاضر تؤلمها .. وأحداث المستقبل تقلقها .. كانت تشك في كل أحد وفي كل شيء حتى في محبة الله نفسه. كانت تبحث عن ملامحها في وجوه الناس فلم تجدها .. فأخذت تنظر إلى ملامح الناس وكأنهم من كوكب آخر .. هم أغراب عنها وهي غريبة عنهم .. أخذت ورقة وقلم لكي تكتب ما يدور بداخلها، فلم تستطيع فالأحداث كثيرة والأفكار متزاحمة ولا تعلم من أين تبدأ أو كيف تنتهي .. كانت تصرخ كطفل تائه يتحدى الخطر بطفولته البريئة .. إنها النفس البشرية التي تبحث عن الأمان خارج الله فأصبحت فريسة للخوف والقلق .. ولكن ما هو الحل؟؟ هناك ثلاثة عوامل تتحكم في إتزان الإنسان في هذه الحياة، فلو إخْتَلَّ أحد هذه العوامل لإختل توازن الإنسان بالكامل وأصبح يتخبط في طريقه. هذه العوامل الثلاثة هي: نظرة الإنسان إلى الله .. ونظرته إلى نفسه .. ونظرته إلى الآخرين.
أولاً نظرة الإنسان إلى الله: يجب على الإنسان أن يهدأ ويقتنع من كل قلبه وعقله أن الله موجود وأنه ضابط الكل وأن كل ما حدث ويحدث وسيحدث له إنما لخيره. وحتى لو كانت صورة المستقبل سوداء أمام عينيه فيجب أن يثق في محبة الله وأن كل ما سيحدث له ليس من منطلق الصدفة ولكنه جزء من خطة الله في حياته لكي يعالج أمراضه الروحية حتى لا تمنعه من دخول ملكوت السموات .. وأخيرًا يجب على الإنسان أن يثق أن الله يسمعه وبالتالي يجب أن يتحدث مع الله بكل ثقة ويقول له (وإن كانت حكمتك تعلو فهم الإنسان فرحمتك كافيه لتتنازل إلى ضعفي وتفهمني خطتك في حياتي .. تقول لله .. لن أتركك حتى تنتزع مني خوفي وتبدد قلقي)، حينئذ تتكون علاقة شخصية بينك وبين ضابط الكل والقادر على كل شيء.
ثانياً نظرة الإنسان إلى نفسه .. الإنسان الشجاع هو الذي يستطيع أن يواجه نفسه ويصارحها بكل عيوبها، فربما تكون مخاوفك سببها عدم صراحتك مع نفسك ومواجهتك لها، فإجلس مع نفسك وإفحصها وإبحث بداخلك عن أسباب مخاوفك من المستقبل. هل هناك تقصير من جهتك؟؟ هل أنت من النوع الذي يضخم المشاكل؟؟ هل هناك حاجز بينك وبين الله؟؟ فإن كان ليس هناك سبب واضح يتعلق بك، فضع أمورك بين يدي الله وإستريح وهذا يكفي.
ثالثاً نظرتك إلى الآخرين .. يوجد إنسان يضع كل رجاؤه فِيمَن حوله .. يجعل من الناس إلهً يعبده .. لذلك تجد هذا الإنسان لديه مخاوف من المستقبل بإستمرار فهو يستمد سلامه من وجوه الناس. لذلك يجب على هذا الإنسان أن يعتمد على نفسه ويطور من إمكانياته. وفي النهاية يجب على الإنسان أن يفعل كل ما يستطيع فعله ويترك المستحيل على الله. فنحن كبشر نستطيع أن نفعل الأشياء الممكنة .. أما الأشياء المستحيلة فهي من إختصاص الله وحده كقول معلمنا بولس الرسول (وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا،)(أف٣: ٢٠).