مصر في أمس الحاجة لتأسيس وزارة للسعادة
الخطوة الأولى في طريق السعادة الوعي بالذات
دائمًا ما يوصف المصري بأنه “ابن نكتة”، ويضحك ويبتسم للحيساة رغم الظروف الصعب، بل إنه يسخر من كل السلبيات ويقاومها بالأمل والكفاح، لكن كان للمجتمع الدولي رأي آخر، حسب في مؤشر السعادة العالميّ الخاص بالأمم المتحدة لعام 2018، جاءت الإمارات العربية المتحدة الأولى عربية (العشرون عالميًا) ومصر الخامسة عشر عربيًا (المائة والثاني والعشرون عالميًا) وجاءت ليبيا متفوقة عليها لتاتي في المرتبة السادسة عربيًا والمرتبة السبعين عالميًا.
كما تفوقت الصومال على مصر فجاءت في الترتيب الحادي عشر عربيًا ورقم الثامن والتسعون عالميًا، والعراق الرابعة عشر عربيًا والمائة والسابعة عشر عالميًا.
فتناقشت “وطني” مع بسمة محمود أخصائية صحة نفسية وحقوقية في مجال المرأة، حول تقرير الأمم المتحدة للسعادة، وحول سعادة المصريين.
• ما رأيك في قائمة الدول الأكثر سعادة؟
أرفض قائمة الشعوب الأكثر سعادة، فكيف أن شعبًا يعاني الحروب ويعاني أطفاله التشرد والتهجير والأمراض والأوبئة، يعد من الشعوب السعيدة. من المنطقي أن نجد أن الإمارات من أكثر الشعوب العربية سعادةً فالشعب الإماراتي يحيا في مستوى اجتماعي جيد ولديه نسبة رخاء، والناس يعيشون في سواسية وتواءم برغم اختلاف طوائفهم وأديانهم. لكن أن تكون ليبيا والصومال من الدول المرتفعة في قائمة السعادة على المستوى العربي، فهذا امر لا مبرر منطقي له. ولهذا هناك الكثير من علامات الاستفهام حول تلك القائمة. وأعتقد أن هناك أنظمة سياسية تتحكم في نتائج تلك القائمة.
• ماهي مقاييس السعادة؟
يمكننا قياس السعادة من خلال هرم ماسلو Maslow’s Hierarchy of Needs وهو هرم يشير إلى الاحتياجات الأساسية للإنسان، مقسمًا إياها إلى احتياجات فسيولوجيات كالأكل والنوم والجنس والصحة، والاحتياج للأمان، والاحتياج للعلاقات الاجتماعية، والاحتياج إلى تحقيق وتقدير الذات. إشباع كل تلك الاحتياجات هو مايؤدي إلى السعادة. وبالتالي إذا أردنا قياس مدى سعادة شخص او شعب، يجب أن نرى مدى إشباع تلك الاحتياجات، هل هو يأكل في اوقات طبيعية ويأكل طعامًا جيدًا هل يأخذ قسطًا كافيًا من النوم، هل يتمتع بسعادة جنسية، هل لديه تقدير لذاته. وبطبيعة الحال فالشخص سيصاب بالأمراض النفسية والاجتماعية في حال إن لم يشبع كل الاحتياجات المذكورة في هرم ماسلو.
• في حال أن قررنا تأسيس وزارة للسعادة، ما هي الإجراءات الذي ستقوم به الوزارة لتحقيق السعادة للمصريين؟
نحن في أمس الحاجة لتأسيس وزارة للسعادة في هذه الأيام بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يواجهها الشعب المصري، لكن لأننا لم نعد لدينا السبق في أي شيء.
وعند تأسيس الوزارة –من وجهة نظري- يجب أن نقسم الشعب إلى فئات عمرية وتحديد الاحتياجات المهمة لتلك الفئات، فمثلا الأطفال سيحتاجون بالأكثر اشباع الأكل والنوم، والشباب سيحتاجو إلى إشباع الجنس وتقدير الذات والعمل، وكبار السن سيحتاجون إلى تقدير الذات.
وإلى جانب هذا يجب أن نقوم بعمل استبيان للمصريين عن كيفية إرضائهم. فنجوب الشوارع بفريق من المستشارين من الوزارة ونسأل “ماذا تريدون لكي تصبحوا سعداء؟” وغالبا لن تخرج احتياجات الناس عما ورد في هرم ماسلو.
• بعض المسؤولين يقولون أن الشعب المصري “مبيعجبهوش العجب”، ما تعليقك ؟
كيف نقول أن المصري غير راضي عن ظروفه مهما حدث!! بالعكس فالشعب المصري يرضى بأقل القليل. ففرص العمل نادرة، بالإضافة إلى أن أسعار المواد الغذائئية مرتفعة وليست في متناول الجميع. وأنا كامرأة لا أستطيع أن أسير في الشارع بأمان فأنا معرضة للتحرش.
كما أتعرض للعنصرية لأني غير محجبة ولا أجد عملا بسهولة لآن هناك عنصرية ضدي كامرأة.
• هل الأسرة لها دور في السعادة؟
بالطبع فالأسرة لها دور هام جدُا في السعادة، فالأسرة الإيجابية هي التي تنشئ الشخص الواثق من نفسه والفاعل في حياته فيستطيع إيجاد السعادة، وذلك بتوجيه الطفل لنقاط قوته ودعمه في كل مايربو إليه وتعمل على تنمية مواهبه. أما الأسرة السلبية والتي تنشئ الطفل دائمًا معتمدًا عليها اعتمادًا كليًا، تجعله طفلًا مدللًا وبالتالي يفقد خاصية الاعتماد على النفس التي سيكون في أشد الاحتياج لها عندما يخرج للحياة وينطلق بعيدًا عن الأسرة، وبالتالي لن يكون قادرًا على العمل ولن يتمكن من تأسيس أسرة ولن يكون قادرًا على إقامة علاقات اجتماعية سليمة وناجحة.
ولكن هنا لدينا مشكلتان، الأولى هي أن الأسرة مضغوطة بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية وبالتالي لم يعد الأهل قادرين على متابعة الطفل أو الشاب، وأقول متابعة وليس مراقبة، لأن المتابعة مبنية على الحب والاحترام اما المراقبة فمبنية على الشك.
المشكلة الثانية هي وجود لاعبين آخرين في تنشئة الطفل، مثل مواقع التواصل الاجتماعي والأصدقاء والشارع والإعلام. وبالتالي إن لم يقم الأهل حوارًا مبنيًا على الثقة والاحترام المتبادل والحب العميق، مع الطفل، سيقوم ذلك الطفل بالبحث بنفسه عما يريد بين أصدقائه وفي مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت بشكل عام.
أما محاولة فرض السيطرة والقسوة سواء من الأفراد أو الأسرة أو المؤسسات (الآباء او المعلمين) هو في حد ذاته يتنافى مع التربية السليمة، والتربية السليمة، والمطلوب التواصل المستمر مع الطفل منذ صغره بداية من مرحلة الرضاعة، فيقوم الوالدان بالحديث معه والغناء له ومداعبته ومحاولة إضحاكه والحوار معه إلى أن يتعلم النطق فيبدأ في الرد وهكذا تبدأ الصداقة والود بين الطرفين.
ويجب أن يكون الحديث مع الطفل بعيدا عن الأوامر الناهية فإذا أخطأ نرشده ونشرح له الفارق بين الصواب والخطأ.
• هل يمكن أن تحرم السمنة الإنسان من السعادة؟
المشكلة هنا ليست في السمنة بحد ذاتها، بل مايأتي على الفرد من المجتمع، فالمجتمع متنمرًا وساخرًا من البدناء. وهو الأمر الذي يجعل الشخص البدين كارهًا لجسمه وغير قادر على الاستمتاع بحياته.
• مادور الإعلام والسينما في السعادة؟
معظم أفلامنا وإعلامنا وإعلاناتنا ومسلسلاتنا تعبر إما عن الطبقة العليا والتي تقارب 5% من الشعب المصري وهم ساكنو القصور والفيلاتوإما عن الخارجين عن ونماذج لا تعبر عن أغلبية الشعب المصري، وتلك الأعمال لا تصدر النموذج الواقعي للطبقة الوسطى، بينما الأفضل أن تعبر الدراما عن مشاكل هذه الطبقة وكل الكادحين وأتذكر هنا عملا دراميًا هو “رمضان كريم” والذي رسم الحارة المصرية بصورة رائعة، وأنني أشيد بهذا العمل.
• هناك عدة أزمات بالنسبة لإشباع احتياجات هرم ماسلو، تتمثل في العمل والزواج والحياة الاجتماعية فكيف نتعامل مع تلك الأزمات؟
في مجال العمل لا بديل أمامنا إلا الانخراط في أي عمل، فلا يوجد لدينا اختيارات كافية حول ما يرضي طموحنا. ولنعمل حتى براتب شهري ألف جنيه، ولا نعتمد على الأسرة لأنها بالكاد تدبر معيشتها. ومن خلال العمل يمكن اكتشاف مهاراتنا ونواقصها، فنحن أيضًا لدينا أزمة في المهارات، فالكثير من الشباب لا يجيدون أي لغة أجنبية بجانب العربية، بل أننا لدينا من لا يزال ينتظر العمل الحكومي ومن الرجال من يجبر زوجاته على العمل بينما هو يجلس في المنزل ونسبتهم تقارب 50% من عدد النساء المعيلات، اللائي يبلغ نسبتهن 34% من المجتمع.
• وماذا عن موضوع الجنس والزواج؟
لدينا شقين في ها الأمر الشقي العلمي البحت والآخر الشق الأخلاقي الديني، فضلا عن الشقين الاقتصادي والاجتماعي. عندما نتحدث من منظور علمي بحت سنجد علم النفس شدد على إشباع كافة الاحتياجات.
كما نعرف من علم النفس إن الاحتياج الجنسي مهم جدا، فعدم إشباعه يصيب الشخص بالتوتر والقلق.
كما لن يستطيع الحياة بشكل بشكل سوي مع الطرف الآخر، وأنا هنا أتحدث علن الشاب والفتاة على حد سواء. فإذا لم أشبع احتيجاتي الجنسية كشاب سأجد نفسي مضطرًا للتفكير بشكل جنسي فيمن هم حولي من النساء والفتيات الأمر الذي قد يترجم إلى معاكسات دنيئة أو تحرش مع زميلات العمل والفتيات في الشارع والأماكن العامة بل وربما في المنزل أيضًا!!!
أما العنصر الأخلاقي والديني، ونحن بصدد مجتمع يسوده الفكر الديني، فهذا الوازع الديني يدفعنا للتفكير في أن نلتزم هنا بالجنس داخل منظومة الزواج. وقد أشار علم النفس إلى أن علم النفس يشير إلى أن الجنس داخل منظومة الزواج له نتائج أفضل منه خارج الزواج، لآن الجنس هنا يكون مع شخص واحد فقط مما يحقق الاستقرار العاطفي والنفسي.
لكن من المنظور الاقتصادي والاجتماعي، فالزواج الآن أصبح أمرًا غاية في الصعوبة بسبب المتطلبات المالية الكثيرة في وضع اقتصادي سيء، فأصبح الشباب يتزوجون في سن متأخر مما يسبب لهم اضطربات بسبب ذلك. ولهذا يجب أن نغير من عاداتنا وأن نوقف المغالاة في كل شيء. أمر آخر هو الهلع من الزواج وهو راجع لأمر مهم وهو عدم الوضوح، فالطرفان سماتهم وحاتياجاتهم غير واضحة لأنفسهم وللطرف الآخر. وعدم الوضوح من الأمور التي سببت في ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعنا. ويجب هنا أن نكون واضحين مع أنفسنا أولا ونحدد ما يجب أن نفعله لنحقق السعادة. وعند الارتباط والزواج يجب أن أصارح الشريك بهدفي من الزواج، بل أدعوا أن يتم تسجيل ذلك في عقد الزواج، مهما كان يعتقد أنها غير مهمة، فأنا مثلا أريد من زوجي الحياة الكريمة والاحترام والأمان يجب أن أذكر ذلك له وأسجل لك في عقد الزواج. ويجب عند اختيار شريك الحياة ألا نلتفت لما يقوله المجتمع، فهذه حياتنا وهذا زواجنا، واختيارنا هنا نحن وحدنا من سنتحمل نتائجه طيلة حياتنا، ولهذا يجب أن يكون اختيارنا نحن لا أحد آخر. وأيضًا من مشاكل الزواج في مصر هي انعدام التوازن والمساواة والتوازن، فكل طرف يدخل العلاقة في محاولة للسيطرة على الطرف الآخرن وهذا خطأ فيجب أن نتعامل كشركاء متساويين لا كطرف قوي مسيطر وآخر ضعيف مقهور.
• وفيما يتعلق بالحياة الاجتماعية، هل الانعزال عن المجتمع قد يكون تصرفًا صحيًا؟
لا ليس صحيًا على الإطلاق لأن الإنسان بشكل عام كائن اجتماعي ويحقق السعادة من خلال العلاقات الاجتماعية الناجحة وفي نفس الوقت يستطيع الإنسان أن يحقق التوازن الاجمتاعي عندما لا يتأثر بالتفاهات من حولهم و”القيل والقال”، ويصب كل اهتمامه على عمله ونجاحه، وفي نفس الوقت يحتفظ بالأصدقاء الأوفياء ويمارس أنشطة جماعية في تلك الحالة يحقق توازنًا نفسيًا.
• ماهي خريطة الطريق للسعادة بالنسبة لنا كأفراد؟
السعادة قرار، فيجب أن نقرر أن نكون سعداء، قد يبدو للأمر إنه مجرد شعارات وكلام أجوف لكن تلك هي الحقيقة، فلو ركزت انتباهي على المشاكل فقط وانتقاداها لن أصل لشيء بل ساغرق في الحزن والاكتئاب.
كما يجب أن أن أقتل أي وقت فراغ، لان في وقت الفراغ قد تتسلل إلى عقولنا أي أفكار سوداوية بسبب الظروف الراهنة، فيجب أن استغل أوقات فراغي في تنمية مهاراتي وتعلم أي شيء جديد.
يجب أيضًا أن اختار أناس إيجابيين يساعدوننا على مواجهة الحياة، وأن أتجاهل كل من هو لا هم له إلا الشكوى من الواقع وانتقاد الأوضاع، فمن الجميل ان انتقد ظروفي لكن يجب أن يكون ذلك بشكل إيجابي بمعنى أن انتقد أوضاعي وأبدأ في التفكير في ما يمكنني عمله للخروج من تلك الأوضاع السيئة، لكن أن انتقد أوضاعي فقط دون أي حراك، هذا مدمر.
يجب أن أكون عقلاني وعملي فيما يتعلق بطموحاتي، فمثلا لا يمكنني الحديث على إني سأعمل في شركة عالمية وأنا لا أجيد الإنجليزية أو إني سأكون رجل أعمال وأنا لا أملك قوت يومي، ويجب أن أذكر هنا أن العديد من المرضى النفسيين أصيبوا بتلك الأمراض بسبب أن طموحاتهم أعلى من إمكانياتهم، وهنا أمام الفرد أن تكون طموحاته في حدود إمكانياته أو يقوم بتطوير إمكانياتناته لتناسب طموحاته.
ويجب أن تكون الخطط والطموحات قريبة وسهلة للتنفيذ، فكلما أنجزت خطط ستكون سعيدًا وهو الأمر الذي سيدفعك لتنفيذ خطط أكثر وبالتالي المزيد من الطاقة الإيجابية.