كلنا بحاجة للحب صغيرنا قبل كبيرنا.. و بدون الحب تصبح الحياة بلا معنى.. معاني الحب كثيرة.. وأنواعه عدّة.. ولكن الحب الذي نحتاجه فعلا في أي علاقة.. هو الحب الصادق أو الحب الحقيقي.
الحب الحقيقي نادر الوجود.. ومحظوظون جدا هؤلاء من يقدر لهم أن يجدوه.. ولكن ما لا يفهمه الكثيرون.. أن الحب الصادق ليس فيلما رومانسيا من أفلام هوليود.. فهو ليس ورودا حمراء ونظرات خيالية وقبلات تتناثر في الهواء.. وإنما الحب الحقيقي هو شيء مختلف تماما.
فهو شعور قوي جدا يربط شخصان منذ لحظة تلاقيهما.. انجذاب مباشر وعنيف يجعلهما يشعران وكأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ زمن.. قوة إحساسهما ببعضهما البعض يجعلهما في بداية العلاقة لا يستطيعا البعد أو القرب لمدة طويلة.. ليس هناك حاجزا يفصلهما.. وليس هناك قانون أو عقد أو شرط أو دستور يطلق على الرابط الذي جمعهما.. كل منهما يشعر بالآخر وإن فرقتهما آلاف الأميال.. كل ذلك يبدو جميلا وخياليا كرواية عشق خرافية.. ولكن جوهر الحب الحقيقي لا يتوقف عند ذلك.
فعندما نقابل حبا صادقا في حياتنا.. صدق و قوة الإحساس بالحبيب تعطينا طاقة عاطفية جارفة لم نشعر بها من قبل.. هذه الطاقة تنتشر في كياننا كالإعصار، بسرعة، بقوة و بعنف.. فتجرف كل ما نخفيه في أعماقنا منذ زمن.. منذ الطفولة أو منذ مراحل الشباب الأولى من أحزان، آلام أو عقد.. كتلك الانكسارات والجروح التي كتمناها في أنفسنا حتى اليوم ونسيناها أو تجاهلناها.. فيشعر العاشق أو كلاهما وكأن كيانه انقلب رأسا على عقب.. يشعر بآلام لم يشعر بها من قبل.. كلمات الحبيب وتصرفاته، وإن كانت بسيطة، تؤثر به في العمق فيلوم الحبيب على أنه مَن سبب له تلك الآلام.. فتبدأ الخلافات والمنازعات بينهما.. فيعيشا فترات متعاقبة من البعد والقرب.. فقربهما يفجر فيهما كل تلك الأحاسيس والجروح وبنفس الوقت ذلك القرب هو ما يساعدهما على مداواة تلك الجروح.. ولكن قد يصل بهما الألم أحيانا حدا لا يطاق.. فيفترقان، ولكن ألم الفراق لا يلبث وأن يجمعهما مرة أخرى.. وخلال تلك المراحل من القرب والبعد وتفجر الأحاسيس والآلام.. كل منهما ينضج وينمو ويتغير بسرعة وتبدأ الحياة، كما عهدها بالسابق، تبدو غريبة.. الكثير من الأشياء والتي كانت تعني لهما الكثير من قبل يتبدل مفهومها بالنسبة لهما.. وتتواصل تلك المراحل المؤلمة في حياتهما حتى يصل كل منهما إلى حالة من الاستقرار النفسي.. كل منهما يشعر بحب أكبر لذاته.. يشعر بأنّه شخص آخر لم يعهد نفسه على ذلك الحال من قبل.. كل منهما يفهم نفسه ومحبوبه بشكل أكبر وأعمق.. ومع الوقت يزداد حبهما قوة وعمقا.. فلِمَّ إذن الحب الحقيقي نادر الوجود؟ لأن معظم الناس لا يجتازوا مرحلة الألم.. لا ينظروا لأنفسهم بشكل أعمق ولا يحاولوا أن يفهموا أنفسهم ونقاط الضعف فيهم، أو عاداتهم السيئة ويعملوا على تطويرها وتحسينها وإنما يقضون حياتهم في لوم الطرف الآخر بأنه سبب آلامهم وتعاستهم، لا يحاولوا أن يعطوا الحبيب الفرصة لكي يجتاز آلامه.. كل منهما يضع الكبرياء والغرور وسلبية التفكير كحواجز تفصله عن الحب الذي يبحث عنه، ولكن هؤلاء الذين يثابرون ولا يكلون أو يستسلمون ويجتازوا عاصفة تطورهم وآلامهم بنجاح يقدر لهم أن يعيشوا قصة حب ليس لها مثيل، فقط إن كان ما يربطهما منذ البداية حبا حقيقيا.