تحدث اليوم فضيلة الامام الاكبر احمد الطيب شيخ الازهر فى مؤتمر الازهر العالمى لنصرة القدس و جاءت نصها , فخــامة الرئيس محمــود عبــاس رئيس السلطة الفلسطينية , اصحـاب المعالى والسعادة واصحاب النيافة والفضيلة , الســـيدات والســــادة , الحضـــــور الكــــــريم .. اهلا و مرحبا بحضراتكم فى بلدكم مصر و فى رحاب الازهر , و نشكركم على تفضلكم بالحضور و بالمشاركة فى هذا المؤتمر الدولى العام ، مؤتمر ” نصرة القدس الشريف ” و المسجد الاقصى .
هذا المؤتمر الذى ينعقد تحت رعاية الرئيس السيسى الذى يرعى مع مصر وشعبها قضية فلسطين الحبيبة و ما آلت اليه مؤخرا من تعقيدات السياسات الجائرة والقرارات غير المسؤولة ، فلسيادته ولكل القادة المسؤولين العرب والمسلمين ولكل شرفاء العالم المهمومين بفلسطين وشعبها و بمقدساتها وارضها خالص الدعاء بالتوفيق و القوة و الصلابة التى لا تلين الا للحق و العدل و انصاف المستضعفين .
تحية للرئيس محمود عبَّاس و نحييه ونشد على يديه ، وندعوه الى المزيد من الصمود والثبات .
السيدات و السادة .. منذ إبريل عام 1948 من القرن الماضى و الازهر يعقد المؤتمرات عن فلسطين و عن المسجد الاقصى و المقدسات المسيحية فى القدس , و قد تتابعت هذه المؤتمرات حتى بلغت احد عشر مؤتمرا ما بين 1948 و 1988 و حضرها علماء و مفكرين مسلمين و مسيحيين من افريقيا و آسيا و اوربا , و قدمت ابحاث غاية فى الدقة و العمق و الاستقصاء و بنفس المهموم الذى لم يتبق له الا نفثات تشبه نفثات المصدور الذى فقد الدواء و استعصى عله الداء .
كانت هذه المؤتمرات فى كل مرة تعبر عن رفضها للعدوان الصهيونى على مقدسات المسلمين و المسيحيين واحتلال بيت المسجد الاقصى ثم حرقه وانتهاك حرماته بالحفريات والانفاق والمذابح فى ساحاته و اغتصاب الآثار المسيحية وتدميرها من كنائس و اديرة ومآوى ومقابر فى القدس وطبرية ويافا وغيرها .
اليوم يدعو الازهر للمؤتمر الثانى عشر بعد ثلاثين عاما من آخر مؤتمر انعقد بشأن القضية الفلسطينية و المقدسات الاسلامية و المسيحية و و مؤتمرنا اليوم رغم ثرائه الهائل بهذه العقول النيرة و الضمائر اليقظة من شرق و غرب قد لا يتوقع منه ان يضيف جديدا الى ما قيل و كتب من قبل فى ” قضيتنا ” و ما يتعلق بأبعادها العلمية و التاريخية و السياسية لكن حسب هذا المؤتمر انه يدق من جديد ناقوس الخطر , و يشعل ما عساه قد خمد من شعلة العزم و التصميم و اجاع العرب العرب و المسلمين و المسيحين و عقلاء الدنيا على ضرورة الصمود امام العبث الصهيونى الهمجى فى القرن الواحد و العشرين و الذى تدعمه سياسات دولية , ترتعد فرائضها ان فكرت فى الخروج قيد انملة عما يرسمه لها هذا الكيان الصهيونى و السياسات المتصهينة .
يضيف فضيلة الامام الطيب , الذى اعتقده اعتقادا جازما هو ان كل احتلال الى زوال ان عاجلا أو آجلا و انه ان بدا اليوم و كأنه امر مستحيل الا ان الايام دول , و عاقبة الغاصب معروفة و نهاية الظالم و ان طال انتظارها معلومة و مؤكدة .. واسألوا تاريخ روما فى الشرق واسألوا الفرس عن تاريخهم فى شرق جزيرة العرب واسألوا حملات الفرنجة (والتى يسميها الغرب بالصليبية) والتى طاب لها المقام فى فلسطين مائتى عام واسألوا الدول التى طالما تباهت بان الشمس لا تغرب عن مستعمراتها واسألوا الاستعمار الاوروبى وهو يحمِل عصاه ويرحل عن المغرب والجزائر وتونس ومصر والشام والعراق والهند واندونيسيا والصومال .. اسألوا جنوب افريقيا ونظام التمييز العنصرى وما آل إليه , اسألوا كل هؤلاء لتعلموا من جديد ان الزوال هو مصير المعتدين وان كل قوة متسلطة كما يقول ابن خلدون محكوم عليها بالانحطاط .
و لعل الحقيقة مقرونة بحقيقة اخرى تسبقها و تعد لولادتها و اعنى بها امتلاك القوة التى ترعب و تعد العدوان و تكسر انفه و ترغمه ان يعيد حساباته , و يفكر ألف مرة قبل ان يمارس طغيانه و استهتاره و استبداده و علم الله اننا رغم ذلك دعاه سلام لكنه السلام القائم على العدل و على الاحترام و على الوفاء بالحقوق التى لا تقبل بيعا و لا شراء و لا مساومة , سلام لا يعرف الذلة و لا الخنوع و لا المساس بذرة من تراب الاوطان أو المقدسات .. سلام تدعمه قوة علم و تعليم و اقتصاد و تحكم فى الاسواق , و تسليح يمكنه من رد الصاع صاعين و بتر أى يد تحاول المساس بشعبه و ارضه .
و اذا كان قد كتب علينا فى عصرنا هذا ان يعيش بيننا عدو دخيل لا يفهم الا لغة القوة , فليس لنا أى عذر امام الله و امام التاريخ فى ان نبقى حوله ضعفاء مستكينين متخاذلين و فى ايدينا كل عوامل القوة و مصادرها المادية و البشرية .. و انا ممن يؤمن بان الكيان الصهيونى ليس هو الذى ألحق بنا الهزيمة فى 48 أو 67 أو غيرها من الحروب و المناوشات و انما نحن الذين صنعنا هزيمتنا بأيدينا , و بخطأ حساباتنا و قصر انظارنا فى تقدير الاخطار و تعاملنا بالهزل فى مواطن الجد .
و ما كان لامة موزعة الانتماء , ممزقة الهوية و الهوى ان تواجه كيانا يقاتل بعقيدة راسخة و تحت راية واحدة , فضلا عن ان تسقط رايته و تكسر شوكته .
السادة الحضور , اننى على وعى تام بان كلماتى هذه قد لا تتمخض عن جديد يذكر و انها مازالت تدفق من رحم الآلام و الاوجاع و ان تأثيرها لا يعدو تأثير ما قرع اسماعنا و اذاننا عبر 70 عاما من خطب دون ان يغير واقعا أو يعبر عن دماء سكبت و عن تضحات و معاناة و الام فى السجون و المعتقلات تعرض لها شعب فلسطين و شبابها و نساؤها و اطفالها فى مقاومة صامدة لا تلين و صبر لا ينفد و عزيمة لا ضعف فيها و لا وهن .
نعم قد يقال مثل ذلك فى كلمتى هذه أو عن مؤتمرنا هذا و لكن ما اظنكم تختلفون معى فى ان مؤتمر اليوم يختلف كثيرا عن سابقيه لانه ينعقد فى ظروف و ملابسات تشبه السحب الداكنة التى تنذر بالسيول الجارفة , فقد بدأ العد التنازلى لتقسيم المنطقة و تفتيتها و تجزئتها و تنصيب الكيان الصهيونى شرطيا على المنطقة بأسرها تأتمر بأمره و لا ترى الا ما يراه هو و يريها اياه و ما على المنطقة الا السمع و الطاعة و ان نظرة على ما يدبر لهذا الوطن على شواطىء الاطلسى و مداخل البحر الاحمر و شواطىء شرق المتوسط و امتدادها فى اليمن و العراق و سوريا لجديرة بالتنبيه الى ان الامر جلل و ان ترداد الخطب و اجترار الشعارات لم يعد يناسب حجم المكر الذى يمكر بنا و اننا لو واجهناه بما اعتدنا مواجهته به منذ سبعة عقود فلسوف تلعننا الاجيال القادمة ولسوف يخجل احفادنا من ان نكون آباءهم واجدادهم، واذا كان لى من امل انتظر تحقيقه من لقائنا هذا فهو ان يتمخض هذا المؤتمر عن نتائج عملية غير تقليدية تستثمر فيها الطاقات وتنظم الجهود مهما صغرت أو بدت غير ذات شأن .
اول ذلك و أهمه هو إعادة الوعى بالقضية الفلسطينية عامة و بالقدس خاصة , فالحقيقة المرة هى ان المقررات الدراسية فى مناهجنا التعليمية و التربوية فى كل مراحل التعليم عاجزة عن تكوين اى قدر من الوعى بهذه القضية فى اذهان ملايين الملايين من شباب العرب والمسلمين ، فلا يوجد مقرر واحد يخصص للتعريف بخطر القضية وبتاريخها وبحاضرها وتأثيرها فى مستقبل شبابنا الذى سيتسلم راية الدِفاع عن فلسطين وهو لا يكاد يعرف عنها شيئا ذا بال و ذلك بالمقاومة بشباب المستوطنات الذى تتعهده منذ طفولته مناهج تربوية و مقررات مدرسية واناشيد وصلوات تشكل وجدانه العدائى و تغذيه بالعنصرية و كراهية كل ما هو عربى و مسلم .. و هذا الذى نفتقده فى مناهج التعليم نفتقده ايضا فى وسال الاعلام المختلفة , فى عالمنا العربى و الاسلامى , فالحديث عن فلسطين و عن القدس لا يكاد يتجاوز خبرا من الاخبار أو تقديرا رتيبا من تقارير المراسلين لا يلبث اثر ان يذهب بانقضاء الخبر و ذهب المذيع الى خبر آخر .
ثانى المقترحات هو ان القرار الجائر للرئيس الامريكى والذى رفضه اكثر من ثمان وعشرين ومائة دولة وانكرته كل شعوب الارض المحبة للسلام ، يجب ان يُقابَل بتفكير عربي وإسلامي جديد يتمحور حول تأكيد عروبة القدس، وحرمة المقدسات الاسلامية والمسيحية وتبعيتها لاصحابها وان يتحول هذا التأكيد الى ثقافة محلية وعالمية تحتشد لها طاقات الاعلام العربى والاسلامى وما اكثره وهو الميدان الذى هزمنا فيه ونجح عدونا فى تسخيره لقضيته .
وعلينا الا نتردد فى التعامل مع قضية القدس من المنظور الدينى اسلاميا كان أو مسيحيا. ومن اعجب العجب ان يهمش البعد الدينى فى مقاربات القضية الفلسطينية بينما كل اوراق الكيان الصهيونى اوراق دينية خالصة لا يدارونها ولا يحسبونها سوءات يتوارون منها وماذا فى يد هذا الكيان من مبررات فى اغتصاب ارض تنكره بل تنكره آباءه واجداده غير التهوس بنصوص واساطير دينية تبرر العدوان وتستبيح دماء الناس وعراضهم واموالهم بل ماذا فى يد الصهيونية المسيحية الحديثة التى تقف وراء هذا الكيان وتدعمه و تؤمن له كل ما يحلم به غير تفسيرات دينية زائفة مغشوشة يرفضها آباء الكنيسة وعلماء المسيحية واحبارها ورهبانها وينكرونها اشد الانكار .
واقتراحى الذى اقدمه لحضراتكم لتنظروه ولتروا فيه ما ترون هو ان يخصص هذا العام عام 2018 ليكون عاما للقدس الشريف , تعريفا به و دعما ماديا ومعنويا للمقدسيين ونشاطا ثقافيا و اعلاميا متواصلا تتعهده المنظمات الرسمية كجامعة الدول العربية و منظمة التعاون الاسلامى و المؤسات الدينية والجامعات العربية و الاسلامية و منظمات المجتمع المدنى وغيرها .
وختام كلمتى نداء للامة ان تتنبه نخبها الى انها امة مستهدفة فى دينها وهويتها ومناهجها التعليمية والتربوية ووحدة شعوبها وعيشها المشترك ، وعلى الامة ان تعتمد على سواعدها وان تستعيد ثقتها فى الله وفى انفسها وفى ققدراتها والا تركن الى وعود الظلمة القابعين وراء البِحار ممن قلبوا لنا ظهر المجن وتجاوزوا كل الخطوط الحمراء . شكرا لحسن استماعكم .