صرحت داليا سعد الدين، الباحثة المتخصصة في التاريخ الحديث والمعاصر للقرن الأفريقى وحوض النيل، بأن زيارة رئيس وزراء إثيوبيا “هيلماريام دسالنج” هي مؤشر مهم جدا في اتجاه تقارب مصري إثيوبي مشترك، حتى وإن اعتبرها البعض مجرد مناورة سياسية، لإن حتى المناورة السياسية تفتح باب الحوار من جديد، ولابد ألا تفوت الدبلوماسية المصرية تلك الفرصة الذهبية.
وشددت على أهمية توقيع بروتوكولات تعاون مشترك بين مصر وإثيوبيا فى مجالى التعليم والصحة، موضحة أهميته على المستوى الإنساني لأثيوبيا وعلى المستوى الاستراتيجى لمصر، لإن مجالي الصحة والتعليم تحديدا سيخلقوا مساحة لتغيير رأي الشعب الإثيوبى فى مصر، الذي في أغلبه يرى إن مصر تقف ضد دعم وتنمية وتطوير إثيوبيا وذلك بسبب موقف مصر من سد النهضة.
وقالت ”داليا”: كنت اتمنى شخصيا أن تطرح مسألة تعاون مصر مع إثيوبيا في مجال الري، بعيدا عن سد النهضة وأزمته وذلك لإن إثيوبيا برغم أن نهر النيل الأزرق “أباي” ينبع من الهضبة الإثيوبية حيث بحيرة “تانا”، إلا أن إثيوبيا تعد من الدول التي تعاني من فقر في المياه والخدمات المياه الشرب الصحية خصوصًا في المناطق الريفية، طبقا لتقارير منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف، وبالطبع فالكلام ذاته ينطبق على الصحة والتعليم، ولو استطاعت مصر إنها تحقيق فارقًا يلسمه الشعب الأثيوبي في تلك القضايا فستكون نقلة حقيقية وفعالة جدًا فى العلاقة بين البلدين، بل أن التواجد المصري فى هذه المجالات سيعكس مدى الإهتمام المصري بالتنمية والتطوير في إثيوبيا، وبالتالى سيغير وجهة النظر العدائية ضد مصر بسرعة كبيرة، وهو الأمر بالغ الأهمية.”
وأوضحت أن مسألة توتر العلاقات بين الدولتين بسبب ملىء مياه بحيرة السد، فهو شىء منطقي نظرًا لعدم إلتزام الطرف الإثيوبي، فأثيوبيا لجأت على سبيل المثال عام 1992 لطلب أول قرض لبناء السد على نهر النيل الأزرق من بنك التنمية الإفريقي دون علم مصر، وهو ما يخالف ما تم الاتفاق عليه في معاهدات دولية، مشيرة إلى أن الجانب الدبلوماسي المصري أيضا يتحمل جزء مهم فى توتر العلاقات، لإصرار أعضاؤه فى كل حديث إعلامي على فكرة “الحق التاريخى” مع عدم توضيح أهمية الاتفاقيات الحدودية بالشكل الدقيق، بالتالي عدم تفعيلها – باعتبارها لم تتغير أو يطلب الجانب الإثيوبي تغييرها أو على أقل تقدير تعديلها. إذ لابد من الإشارة إلى الاتفاقيات الدولية وليس ما يتم تداوله عن مسألة “الحق التاريخي”.
واستطردت الباحثة في التاريخ الحديث للقرن الأفريقي وحوض النيل، قائله: “وبالنسبة لمسألة التلويح بالحرب، ففى رأيى هى تقع ضمن مراحل المناورات السياسية من كلا الطرفين، بدليل زيارة رئيس وزراء إثيوبيا الحالية. أما السودان فهدفها الحقيقي هو هدفه إلهاء الشعب بموجاهات خارجية بعيدة عن الأزمات الحقيقية في السودان، مثل أزمة الخبز المندلعة منذ أسابيع وإعلان حالة الطوارىء فى منطقة كسلا والتي تقع على الحدود مع إريتريا، لافتة إلى أن قضية حلايب وشلاتين لها بعد آخر وهو أن المعارضة السودانية تتهم البشير بإنه غير قادر على استعادة مثلث حلايب وشلاتين، ولهذا فقد قام نظام البشير بالتصعيد في تلك القضية.”
وأفادت أن السودان لا تريد الدخول في حرب جيوش نظامية مع مصر أو غيرها من دول الجوار لعدة اسباب داخلية وخارجية منها أن السودان لا يريد إنهاء الصراع مع مصر، لإنه في حال أن السودان استطاع فرض سيطرته على مثلث حلايب وشلاتين فسيكلفه ذلك البحث عن بديل دولي لإلهاء الشعب السوداني عن قضاياه الحقيقية، وهو الأمر الطبيعي بالنسبة لأي نظام لا يريد تداول السلطة بشكل عادل. بالإضافة إلى أن نظام عمر البشير يواجه معارضة مسلحة في فى دارفور وكردفان.
كما أن التوتر –بحسب داليا سعد الدين- سيستمر في المنطقة بسبب نشاط الجماعات والتنظيمات الإرهابية ، لإن ذلك يصب فى صالح أنظمة حاكمة وكما يصب في صالح تجارة السلاح العالمية، والمرتبطة بتجارة المخدرات والتهريب، لإضعاف دول العالم النامي وبالتالي يسهل السيطرة عليها والتحكم في مقدراتها.
وأوضحت أن هناك زيادة في نشاط الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وذلك بسبب الدعم التي تتلقاه تلك التنظيمات، ومصلحة بعض الدول في زيادة تجارة السلاح وتجارة المخدرات والتهريب، مشيرة إلى أن الأنظمة الداعمة للارهاب تخلق غالبا أجواء التوتر والخلاف بين دول الجوار، فى شتى أنحاء العالم، وفي أفريقيا على وجه الخصوص، حتى لا تتواصل شعوب الجوار مع بعضها البعض، وبالتالى تواجه التنظيمات الإرهابية.