جنة الرب أرض مصر.. تفتح احضانها للحج الفاتيكاني
مصر.. البلد الوحيد الذي احتمى به المسيح من بطش هيرودس الملك ثلاث سنوات وعشرة أشهر.. باركها الله بأطول محور سياحي في العالم طوله ٣٥٠٠ كم يزخر ب ١٣ شجرة و١٨ بئر و٨ مغارات كلها تشهد للرحلة المقدسة، وتمثل ثروة روحية وقومية عظيمة المقدار.
لكن يبدو أنه “من كثرة ما أعطانا الله من ثروات لا نشعر بقيمتها الحقيقية ولا نقدر القيمة الفعلية لها..” هكذا بدأ نادر جرجس، منسق لجنة إحياء ملف رحلة العائلة المقدسة بوزارة السياحة، حديثه ل “وطني”.. كان وجهه يحمل تعبيرات الفخر والحسرة في ذات الوقت.. الفخر لأنه مصري وينتمي لهذا التراث.. والحسرة لأنه رغم استفادة المصريين بالقيمة الروحية لهذا التراث الثري، إلا أنه لم يستغل أبداً كثروة سياحية.. هنا بدأنا حوار معه لنعرف الكثير، فإليكم تفاصيل الحوار..
أيقونة أثرية لدخول العائلة المقدسة مصر – من كنيسة أبو سرجة
متى وكيف بدأ الاهتمام بمسار العائلة المقدسة كأداة إنعاش للسياحة المصرية؟
في الواقع كان لأحداث ثورة 25 يناير عام ٢٠١١ أثر كبير في هذا الموضوع، فقد أصبحت المنطقة ملتهبة جداً.. سوريا، ليبيا، السودان.. رفح، فلسطين واليمن.. ووقعت مصر في قبضة الإخوان المسلمين واهتزت صورتها دولياً.. بعدها بدأ التفكير في تحسين الصورة الذهنية عن مصر وكان من أفضل الحلول المطروحة هو استخدام ملف “مسار العائلة المقدسة” وأن تتم الدعاية له على أن العائلة المقدسة كانت من أهم اللاجئين إلى أرض مصر والمحتمين بها.لأنه كان من الممكن أن يطلب الملاك من يوسف أن يهرب بالطفل يسوع والعذراء إلى سوريا أو لبنان أو الأردن فكلها بلاد أقرب لفلسطين من مصر، لكنه قال “اهرب إلى مصر” بمعنى أن مصر كانت الملجأ.
بدأنا محاولات للتواصل مع الكنيسة الكاثوليكية لجذب السياحة، لكن كلما تكلمنا عن مسار العائلة المقدسة كنا نجدهم لا يعترفون بكلامنا لأننا من كنائس المشرق. كنا نصرخ أمام كل الدنيا لكن لا مجيب.
وأعود بالتاريخ للخلف لنتذكر بعض المواقف التي تدخلت لإنقاذ الأمر، تلك المواقف التي نحيي فيها العديد من الجهات والشخصيات، وأولها العلاقات المصرية الفاتيكانية الديبلوماسية التي بدأت في مايو سنة ١٩٤٧. ثم جاء البابا شنودة في عام ١٩٧٣ وتحديداً يوم ١٠ مايو ليضع تقارب بين الكنيستين ويعيد الوحدانية التي كانت قبل مجمع خلقيدونية. وكان ذلك بقدر المستطاع، فنحن نؤمن أنه عند ملئ الزمان سوف تعود الوحدانية. رغم جهد البابا في هذا الاتجاه إلا أن الوحدانية لم تتم، لكنه مهد الطريق إلى أن جاء البابا تواضروس وبذكاء فطري بدأ إكمال المسيرة.
في مارس ٢٠١٣ جلس البابا فرانسيس على كرسي القديس بطرس بروما وقام البابا تواضروس في مايو بالسفر لروما لتهنئته، فكانت أول بذرة محبة بعد أربعين سنة من زيارة البابا شنودة.
في يونية ٢٠١٤ أصبح عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، وفي نوفمبر ٢٠١٤ زار بابا الفاتيكان ودعاه لحضور افتتاح قناة السويس الجديدة في اغسطس ٢٠١٥، لم يتمكن البابا من الحضور لانشغاله، لكنه بعث بوفد رفيع المستوى لحضور الافتتاح. وقتها وجه الرئيس الدعوة للبابا فرانسيس لزيارة لمصر.
وبقيت هناك حلقة واحدة مفقودة لإتمام تلك الزيارة: إعادة العلاقات الطيبة بين الفاتيكان والأزهر. وكان لوزارة الخارجية المصرية دوراً كبيراً في ذلك، حيث رتبت زيارة لفضيلة الإمام أحمد الطيب للفاتيكان في ٢٣ مايو ٢٠١٦ وسافر الإمام الأكبر ولاقى حفاوة شديدة جداً من قداسة البابا فرنسيس. واكتملت بذلك سلسلة إعادة التواصل، وبدأ الإعداد لزيارة البابا فرنسيس لمصر.
كانت وزارة السياحة تراقب كل ذلك بتركيز شديد وتدرك تماماً أهمية احياء مسار العائلة المقدسة وإدراجه تحت مظلة السياحة الدينية لإنقاذ وإنعاش السياحة في مصر.
في مارس ٢٠١٦ تولى يحيى راشد مهام وزارة السياحة وتم تكليفه بملف الفاتيكان كأولوية من أولويات مهامه الوزارية.
وفي أول اسبوع من توليه الوزارة، سافر إلى الفاتيكان وتقابل مع المسئولين بالفاتيكان لبحث اعتماد مسار العائلة المقدسة كأحد برامج الحج الفاتيكاني.
نادر جرجس – منسق لجنة إحياء ملف رحلة العائلة المقدسة
لماذا لم يكن الفاتيكان قد اعترف بمسار العائلة المقدسة؟
سأل الوزير يحيى راشد الفاتيكان عن سبب عدم الاعتراف بالمسار. قالوا إنه لا يوجد أدلة على أن العائلة المقدسة تحركت بخط السير الذي ترويه الكنيسة الأرثوذكسية، فما الذي يؤكد أن المسار هو من رفح إلى الشيخ زويد ومنها إلى العريش ثم إلى الفرما ثم نزلت على آخر فرع في النيل – والنيل وقتها كان له ٧ أفرع، ثم إلى تل بسطا ومنها إلى مسطرد ثم منية سمنود وبلقاس ثم سخا ومنها رجعت على المطرية وعين شمس ثم حارة زويلة ومصر القديمة.. وكيف تجزمون أن العائلة المقدسة مكثت ٣ سنوات ونصف في مصر؟
كيف تم إقناعهم بالاعتراف بالمسار؟
رجع الوزير إلى مصر وطلب مقابلة البابا تواضروس، وتم شرح المشكلة لقداسة البابا بأن الكنيسة الغربية لا تعترف بمسار العائلة المقدسة ولا مدتها.. ومن هنا كلّف قداسة البابا تواضروس معهد الدراسات القبطية بتجميع كل الوثائق والمخطوطات والحقائق التي تثبت صحة المسار وتجميعها في كتاب يتم ترجمته بلغات عديدة لإعلان للعالم كله عن المسار.
فأصبح لدينا مادة علمية من مخطوطات ووثائق متجمعة من بطاركة كنيسة الاسكندرية، ومن رجال دين من الكنيسة الغربية، ومن معاهد وجامعات دولية حققت في الموضوع، ومن شخصيات عامة ومفكرين وصحفيين وباحثين عالميين لتدعيم الأساس المعلوماتي المصري، ولا يمكن أن نغفل أيضا مع هؤلاء الباحثين، الملكة أوجيني التي حضرت لمصر وقت افتتاح قناة السويس الأولى ووقتها زارت شجرة مريم، والملكة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين التي اكتشفت كنيسة الصليب وحضرت أيضا إلى مصر وأنشأت كنائس في مواقع عديدة من مسار العائلة المقدسة مثل كنيسة حارة زويلة وكنيسة العذراء بالمعادي وكنيسة جبل الطير ودير دميانة، فالملكة هيلانة من القرن الرابع دليل لحقيقة المسار.
واستمرينا نتابع مع الفاتيكان لنحسم هذا الملف، وكان وقتها السفير حاتم سيف النصر، سفير مصر في الفاتيكان، والخارجية أدت دور عظيم في هذا الأمر. ومن هنا سافر الوزير يحيى راشد ٣ مرات للفاتيكان لمناقشة الأمور المتعلقة بالملف.
وعندما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الدعوة لبابا الفاتيكان لزيارة مصر، كان البروتوكول المتعارف عليه بين الدول أن يأتي وفد من الفاتيكان لاستطلاع الأماكن التي سيزورها البابا وقت مجيئه، وتنسيق كل الترتيبات مع رئاسة الجمهورية ووزارة السياحة فتم تكليفي باستقبال هذا الوفد على رأس اللجنة المعنية بهذا الأمر.
كان المستهدف من تلك المهمة هو ترجمة بعض الوثائق والمخطوطات والأدلة التي تؤكد صحة المسار إلى اللغة الإيطالية، وزيارة الوفد لأهم المواقع الخاصة بالمسار والجلوس معهم في جلسة مناقشة عن صحة المسار وإعدادهم للاعتراف به.
كنت على رأس المجموعة التي أسندت لها تلك المهام وتم مقابلتهم وتم زيارة المواقع كلها فانبهروا.. وتصادف أن الزيارة تزامنت مع جمعة ختام الصوم وكان قداسة البابا يصلي صلاة القنديل العام بالكاتدرائية، فطلب الوفد أن يزوروا ساحة القديس مرقس بالكاتدرائية وتلامسوا مع روح الصلاة والخشوع والروحانية، حيث كان قداسة البابا ولفيف من المطارنة والأساقفة والقساوسة ومجموعات الشمامسة بألحانها الرائعة والشعب المصلي.. يملأون الجو بروح تسبيح مؤثر جداً..
آخر نقطة في زيارة الوفد الفاتيكاني كانت في حديقة الأزهر حيث شاهدوا القلعة ومصر القديمة بمناظرها الخلابة.. وهناك بدأ النقاش فيما شاهدوه من مسار العائلة المقدسة، وقدمنا لهم مقترح برنامج الحج الفاتيكاني الخامس “مسار العائلة المقدسة” بكل الأدلة التي تم اعدادها باللغة الإيطالية.. فبدأوا يقرأون المعلومات المقدمة وأهمها كانت مخطوط ميمر الطويل للبابا ثاؤفيلس (البطريرك ٢٣)، وهو محفوظ بمكانين في العالم – دير المحرق ومكتبة الفاتيكان.
أيضا في جامعة كولون بألمانيا، وجدنا بردية من القرن الرابع وتم تحليلها بواسطة المعهد الألماني، حيث ذكرت الوقت الذي دخلت فيه العائلة المقدسة، وفي أي موسم حدث المجئ والفترة التي مكثت فيها العائلة المقدسة في رحلة مجيئها إلى مصر.
تعددت الكتب والمراجع عن مسار العائلة المقدسة واختلفت على عدد نقاط المسار.. ما هو العدد الفعلي لنقاط المسار؟ وما حال تلك النقاط الآن؟
طبقا للميمر الطويل للبابا ثاؤفيلس، يوجد ٣١ موقع موزعين بين خمس مناطق جغرافية: شمال سيناء بها ٦ نقاط، الدلتا بها ٧ نقاط، وادي النطرون به ٤ نقاط، القاهرة والفسطاط بها ٧ نقاط وجنوب الوادي به ٧ نقاط
تنقسم رحلة المجئ الى خمس مراحل، المرحلة الأولى بسيناء والثانية بالدلتا والثالثة بوادي النطرون والرابعة بالقاهرة الكبرى والفسطاط وأخيراً المرحلة الخامسة وجه قبلي من البهنسا إلى المنيا وأسيوط. مرت العائلة المقدسة ب ١٢ محافظة وسارت في طرق فرعية لتبتعد عن الملاحقات وعانت الكثير. أما في العودة كانت الرحلة أبسط، وما بين المجئ والعودة استغرقت الرحلة ٣٥٠٠ كم بعضهم سيراً على الأقدام أو على حمار أو في مركب.
بعض تلك المواقع لا تصلح الآن أن تكون مواقع سياحية. فعدد منها تعرض للتدمير – سواء مقصود لطمس تاريخ أو غير مقصود بعشوائية البناء وعشوائية المجتمع، على سبيل المثال بمنطقة مسطرد – كنيسة مسطرد بها المحمة والبئر وهو احد ١٨ بئر على مسار العائلة المقدسة. قديماً كنا نرى الكنيسة من عند ترعة الاسماعيلية لكن زحف البناء العشوائي طمس هذا المنظر وأصبحت منارة الكنيسة فقط هي التي تظهر بين العمارات العالية، ويملأ المكان مقاهي وشيشة ومخدرات، وكذلك ملوثات وقمامة، فكيف يكون هذا المكان القيم والأثر العظيم صالح للتجول السياحي؟! في الوقت الحالي لا يصلح في مثل هذه الحالات علينا إعداد للمنطقة وتثقيف مجتمعها..
ويجب أن نوضح أننا لا ننوي توجيه السائح الحاج أن يأخذ المسار كله بدءاً من رفح حتى دير المحرق، لكننا نعد للسائح أهم نقاط المسار التي تباركت بزيارة العائلة المقدسة لها وعاشت بها مدة طويلة، مثل منطقة أبي سرجة حيث مكثت العائلة المقدسة ٣ أشهر بها في رحلة المجئ وثلاث أيام في رحلة العودة، وتل بسطا التي سقطت بها الأوثان أمام وجه الطفل يسوع، ودير المحرق الذي مكثت فيه العائلة المقدسة 189 يوم والمذبح الذي دشنه السيد المسيح بالمحرق ويعتبر أورشليم الثانية، وكذلك مغارة درنكة على ارتفاع ١٢٠ متر فوق سطح الأرض، وجبل الطير التي بنته الملكة هيلانة من القرن الرابع.
ماذا بعد اقتناع الفاتيكان؟
كانت زيارة البابا فرنسيس لمصر رسالة للعالم أن مصر بلد أمن وأمان ورسالة حب وسلام. ثم اعتمد الفاتيكان أيقونة العائلة المقدسة وهي الرمز التي سوف تستخدم للترويج لبرنامج الحج الفاتيكاني على خطى العائلة المقدسة.
نحن لا نسوق المسار كله سياحياً لكن نهتم بأهم النقاط به، فالأفضل لنا أن نركز على عدد محدود من النقاط ونعده جيداً من أن نفتح المسار كله مرة واحدة ويأتي خطأ ما يسحب منا كل نجاحنا ويقضي على المشروع. فهذا المشروع متوقع منه أن ينقذ السياحة المصرية ويعيد لنا سائح عالمي.
في المرحلة الأولى تم استبعاد سيناء بالكامل بسبب توتر الأوضاع هناك، وكذلك سخا – على الرغم من أهميتها ودلائلها الملموسة، لكن يجب اعداد المجتمع هناك أولاً وتهيئته لاستقبال سياحة الحجاج، فتم تأجيل الموقع للمرحلة الثانية.
قسمنا المسار لثلاثة مراحل، المرحلة الأولى بها ٨ مواقع، والمرحلة الثانية ٧ مواقع والمرحلة الثالثة ٥ مواقع، وبذلك نستخلص من ٣١ نقطة عدد ٢٠ نقطة تكون أهم المواقع على المسار، بها ١٨ بئر و١٣ شجرة و٨ مغارات وكلها تضم روائع تاريخية محفورة في جدرانها.
المرحلة الأولى تتكون من أبي سرجة والمعلقة بمصر القديمة كموقع أول، وكنيسة العذراء بالمعادي التي بنتها الملكة هيلانة والتي وجد أمامها الإنجيل عائماً في النيل ومفتوح على سفر أشعياء والأية”مبارك شعبي مصر” وهذا الموقع الثاني، أما الموقع الثالث والرابع والخامس بوادي النطرون بالتسلسل – هم دير البراموس ثم دير السريان مروراً بنبع الحمرا ثم دير الأنبا بيشوي. ونبع الحمرا هو المكان الوحيد الذي كان موجوداً وقت وجود العائلة المقدسة في مصر، لكن الأديرة لم تكن موجودة وقتها فالعائلة مرت بهذه المنطقة وباركت المكان الذي أنشئ عليه الأديرة بعد ذلك. أما نبع الحمرا فهو عبارة عن بحيرة على مسطح ٧٠٠ فدان من المياه الكبريتية شديدة الملوحة لا يعيش بها سمك، وعندما عطشت العذراء مريم ضرب الطفل يسوع يده في المياه فطلع نبع مياه عذبة وسط البحيرة صالحة للشرب وهذا النبع موجود إلى هذا اليوم وكان معروف قديماً باسم “نبع مريم” ونحن نعتبره أحد ال ١٨ بئر على المسار.
مغارة أبي سرجة
كنيسة حارة زويلة
الإنجيل العائم في النيل أمام كنيسة المعادي
والثلاث مواقع الباقية التي ستلحق بأول خمسة بعد استكمال إعدادهم، هي: جبل الطير بالمنيا الذي بنته الملكة هيلانة، ودير المحرق بجبل قسقام في أسيوط الذي دشنه المسيح بنفسه وهذا مؤكد لنا من ظهور العذراء مريم للبابا ثاؤفيلس يوم عشية التي كانت معدة لتدشين نفس المذبح بحضور أساقفة وقساوسة كثيرين، فظهرت العذراء له موضحة له أن ابنها دشن بنفسه هذا المذبح مع التلاميذ وشرحت له أيضا رحلة العائلة المقدسة والمسار الذي سلكوه في مصر وقتها، وأخيراً دير درنكة بأسيوط الذي يعتبر بداية رحلة العودة للعائلة المقدسة.
وبذلك تكون المرحلة الأولى قد تضمنت ٤٠ ٪ من أهم نقاط المسار المدرجة في برنامج الحج الفاتيكاني.
فيديو بدير المحرق وقت زيارة وفد من الأحباش
جبل الطير
مغارة العذراء مريم بدير درنكة
ما هي برامج الحج الفاتيكاني؟
برامج الحج الفاتيكاني كانت حتى الآن أربعة: الأول هو أورشليم – القدس مع الأردن
والثاني هي قرية لورد بفرنسا التي ظهرت بها العذراء مريم للطفلة برناديت (14 سنة) ويتوافد عليه – بحسب تقرير ٢٠١٦ – ٨ ملايين سائح.
أما ثالث برنامج حج هو سانت فاطيما بالبرتغال – حيث ظهرت العذراء مريم لأربع أطفال، وأنشئت كنيسة في هذا المزار المبارك وساحة كبيرة يزورها الناس و يزورها ٥ ملايين سائح في السنة.
والرابع هو الفاتيكان نفسه، وقد تم إدارة الحج فيه بشكل مدروس حيث أخذوا السلم الرخام الذي صعد عليه السيد المسيح وهو يحاكم أمام بيلاطس البنطي ووضعوه في الفاتيكان فيأتي السياح ويصعدون على ركبهم هذا السلم ويتباركون به، وبهذا يتوافد ٦ ملايين سائح على الفاتيكان سنوياً.
بإدراج مصر في الحج الفاتيكاني يصبح مسار العائلة المقدسة هو البرنامج الخامس.
وبذلك يتضح أن التخطيط الجيد يأتي بثمر جيد والمجتمع الجاذب للسياحة يساعد لرواج السياحة في أي بلد.
ما المقصود بالمجتمع الجاذب للسياحة وكيف يمكن اعداد المجتمع في مصر ليصبح مجتمعاً سياحياً؟
مصر ليست بلد سياحية لكن مصر بلد بها مزارات سياحية ومنتجعات سياحية، فلكي تكون مصر بلداً سياحياً يجب أن يكون مجتمع مصر مجتمعاً سياحياً، وغير طارد للسياح.
فرنسا يأتي إليها ٨٥ مليون سائح سنوياً، وليرى المجتمع الفرنسي وكيف يتعايش وكيف يأكل وكيف يعيش، فليس لديهم مشكلة في المواصلات او تكسير وتلوث الشوارع، وليس لديهم مشاكل في التعامل مع السياح – لا يوجد تحرش وجرح الناس، الطرق الممهدة والخرائط الواضحة لتحرك السائح.
ما الخطوات التي تتخذ من الفاتيكان ومصر الأن بعد اعتماد المسار؟
يوم ٤ أكتوبر ٢٠١٧، تم الإعلان للعالم من ساحة القديس بطرس بالفاتيكان وعلى لسان قداسة البابا فرانسيس، أمام كل الإعلام العالمي المرئي والمسموع والمقروء باعتماد مسار العائلة المقدسة بمصر كأحد برامج الحج الفاتيكاني.
وبرامج السياحة يصدر لها دوريتين سنوياً – واحد في شهر نوفمبر لأبريل لرحلات الشتاء والأخرى في شهر مايو لأخر اكتوبر لرحلات الصيف.
وقت اعتماد بابا الفاتيكان المسار في أكتوبر الماضي كانت دورية الشتاء قد تم طبعها وتوزيعها قبل الحدث بشهر ليتم توزيعه على كل الشركات التي تبدأ الدعاية لرحلات الحج الفاتيكاني، ولذا لم تدرج فيه رحلة العائلة المقدسة بمصر.
لكن يتم ادراج مصر ضمن دورية الحج الفاتيكاني مايو القادم لتكون الدورية متوفرة في شركات السياحة قبلها بشهر أي في ابريل ٢٠١٨
ولكي يتم ادراج الرحلة داخل الدورية، يجب ان يأتي وفد من الفاتيكان لزيارة المواقع ودراستها ومراجعتها ويدرسوا برنامج الزيارة تفصيلياً بكل نقطة على المسار المحدد، حتى تقدم الدورية بوضوح ما سيراه الحاج الفاتيكاني.
وهذا يتطلب إجراءات لوجستية تقوم بها الدولة منها إعداد طرق ووضع ارشادات وتجهيز خدمات محيطة بالمنطقة وأيضا عملية رفع كفاءة المواقع وخدمات المواقع من خدمات محلية إلى خدمات دولية، ليتلاءم مع الرحلات المستهدفة لهذا المسار. ومنها الخدمات الطبية والإسعاف الطائر والفنادق المحيطة وكافيهات ومطاعم وبازارات لبيع المنتجات المصرية.
وفور الانتهاء من تلك الاجراءات اللوجستية سيتم اعلامنا بذلك من أجهزة الدولة ومن هنا يتم ضمهم على نقاط المرحلة الأولى.
كل هذا تصور عام لما يحدث الأن من إعداد، وسيتم الإعلان عنه تفصيلاً لاحقاً.
إلى أي مرحلة وصلت أجهزة الدولة في التجهيز لتهيئة ال ٨ مواقع المدونة في المرحلة الأولى؟
ونحن على مشارف دخول عام ٢٠١٨ حيث الاستعداد لاستقبال الوفود بدءاً من مايو ٢٠١٨، يتم الأن تجهيزات عالية المستوى، غير متاح لي الأن الإعلان عنها، لكن يكفي ان يعرف قارئ وطني أنه حتى عام ٢٠١٧ لم يكن يوجد في منطقة أديرة وادي النطرون خط مياه ولا خط كهرباء ممدودة للأديرة أو حتى شبكة صرف صحي.
من هو السائح المستهدف وماذا يعد له؟
سائح الحج لديه عقيدة ومؤمن أنه قادم للتبارك بالأماكن المقدسة، لن يبالي بالعلاقات السياسية ولا الديبلوماسية ولا أي حذر على دخول مصر ولا أمن ولا إرهاب.
واليونيسكو في ٢٠١٦، أصدر بيان أن ٦٠ ٪ من سكان العالم متدينون، فهذا هو أكثر سائح مستهدف لهذا المسار.
ولكن مصر عندما تهتم بفكرة الحج الفاتيكاني لا تقتصر ذلك على المسيحيين فقط بل توجه الدعوة لكل أطياف البشر من كل أنحاء العالم، من مسيحيين ومسلمين ودرزين وبوذيين وملحدين.. يأتي إليها البشر لمشاهدة تاريخ وأثار ورحلة روحية ويتباركون بكل الأماكن المقدسة على أرض مصر.
السائح الديني يجب أن يحتك بالمجتمع لأنه قادم ليزور مجتمعاً يعيش حول هذا المسار، فهو ليس في منتجع سياحي مغلق يقدم له كل احتياجاته لمدة معينة وبعدها انقله إلى بلده مباشرتاً، على العكس فالسائح الديني يحتاج أن يشعر بروحانية المكان من خلال احتكاكه بالشعب المتعبد هناك، يمشي حول المكان ويشعر بفكر الشعب ويتعامل مع بساطة الناس ويشم رائحة المكان، كل ذلك يضيف لعبق التاريخ الموجود.
سيتم اختيار الأوقات المناسبة للزيارة، أي اننا لن نجعل الرحلة متزامنة مع احتفالات أو موالد، لأن السائح يتشتت من الزحام الشديد في تلك المناسبات. فمثلاً المرتادين على ديري المحرق أو درنكة وقت المواسم لا يقل عن ٣ ملايين مصري، وهذا التكدس لن تتحمله الأفواج السياحية.
جبل الطير
هل الكنيسة لها دور في الإعداد لهذا المشروع؟
قداسة البابا تواضروس على رأس الكنيسة له دور كبير جداً في هذا العمل، لدعمه ومساعدته بكل ما يقدم لإنجاح هذا الملف المصري.
ولأن المسار بنقاطه مترامي الأطراف، فمثلاً كنيسة العذراء بالمعادي تحت إشراف الأنبا دانيال – له كل الحق في إدارة المكان وتقديم آراء ورغبات. وكذلك رؤساء الأديرة، رئيس دير السريان الأنبا متاؤس ورئيس دير الانبا بيشوي الأنبا صرابامون، ورئيس دير البراموس الأنبا إيسيذورس
لأن خصوصية الرهبان داخل أديرتهم شئ هام جداً خاصة في أداء شعائر صلواتهم وتعبدهم وخلواتهم الجبلية والصحراوية، نحن نحترم هذا تماماً ونثمنه لذلك لا نطالبهم إدخال ٢٠٠٠ شخص يومياً لزيارة الدير. الأمر يحتاج إلى تنسيق وتنازلات من الطرفين، ولذلك نراعي كل متطلباتهم في البرامج السياحية المقدمة بحيث لن يكون هناك أي زيارات لتلك المواقع بعد غروب الشمس. وبذلك تكون الكنيسة متمثلة في البابا والأساقفة والمطارنة ورؤساء الأديرة في تعاون شديد مع أجهزة الدولة، ولهم دور كبير في اعداد تفاصيل وتهيئة المكان لاستقبال السياح.
من سيتولى مسئولية وإدارة نقاط المسار – الكنيسة أم أجهزة الدولة؟
الحاج القادم لهذا المسار يختلف تماماً عن السائح العادي، فالسائح العادي يزور مصر القديمة وربما وادي النطرون أيضا، ويتخلل زيارته مزارات أخرى متنوعة ما بين سياحية أثرية، ثقافية، وترفيهية. لكن السائح الحاج قادم لبرنامج تفصيلي أكثر عمقاً وروحياً، بمعنى أن السائح العادي يمكنه زيارة أديرة وادي النطرون في يوم واحد ولكن بالنسبة للحاج الفاتيكاني زيارة كل دير على حدى لا تقل عن ٦ ساعات وهذا يعتبر يوماً كاملاً.
ولذلك فان رحلة وادي النطرون سيتم تقسيمها على ثلاثة أيام، وبذلك يتم زيارة كل دير في نصف يوم لتلبية طلب الأديرة بغلق الدير وقت غروب الشمس، وللحفاظ على هدوء وقدسية المكان تم التنسيق أيضا أن مكان تجميع الحجاج سيكون خارج الأديرة، فإذا افترضنا أن مليوني سائح سيأتي إلى مصر وهذا العدد تم توزيعه على 50 أسبوعاً بالسنة وعلى أربع أيام رحلات أسبوعياً – حيث أن الرحلات ستكون أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس فقط، سيكون الناتج 10 آلاف في اليوم وإذا قسمناهم على الخمس مواقع الأولى – كأول جزء في المرحلة الأولى سيكون لدينا 2000 سائح يومياً في كل نقطة على المسار.
هذا العدد الكبير يحتاج تنظيماً من نوع خاص ومتابعة بعيداً عن إدارة وحياة الأديرة أو الكنائس نفسها. لكن أثناء وضع البرنامج يتم تنسيقه بما يتناسب مع ظروف كل دير وكل كنيسة لعدم التعدي على خصوصيتهم أو التأثير على حياتهم وعبادتهم داخل المكان.
تفاصيل برنامج الحج في منطقة أديرة وادي النطرون؟
اليوم الواحد يكون مدته ست ساعات، من العاشرة صباحاً حتى الرابعة مساءً، ويبدأ اليوم بشرح “أوديو فيجوال” من خلال فيلم تسجيلي وافٍ لتاريخ مسار العائلة المقدسة بدءاً من رفح حتى المكان محل الزيارة، ويستغرق حوالي 45 دقيقة، ثم التكلم عن الموقع محل الزيارة نفسه – ما هو وماذا يحتوي ومتى أنشئ وما الترميمات التي تمت فيه وما البعثات التي اشتركت في ترميمه وأيضا الأساقفة أو المطارنة المهمين في الكنيسة الارثوذكسية الذين خرجوا من هذا المكان أو الدير، ويستغرق ذلك أيضا 45 دقيقة.
وبعدها يدخل السائح الحاج إلى الدير نفسه في طوابير ولا يوجد شرح داخل الدير لأنه تم مسبقاً قبل الدخول، ويستمر السائح في مساره ويستمتع داخل الدير مدة ساعة، ثم يخرج من الدير وله مطلق الحرية خارج الدير – في مكان مخصص له، أن يقيم الشعائر الدينية الخاصة به لمدة ساعة أخرى – إن كانت وعظة، درس كتاب، فقرة ترانيم. وذلك ليكون لهذا الحاج الحرية الكاملة للتعبد بالطريقة التي تحلو له دون استخدام كنائسنا، فسوف يكون هناك مواقع مخصصة للكل لإقامة شعائرهم أي كانت ديانتهم أو طائفتهم. وبعدها تخصص ساعة لشراء بعض البضائع من البازارات المتوفرة في المكان، وفي أخر ساعة ونصف متبقية تكون زيارة منطقة الحمرا والتبرك من نبع المياه الحلو وسط المياه الكبريتية.
وبذلك تكون الأديرة تمام الساعة الرابعة مساءً هادئة ومتروكة للرهبان يعيشوا فيها بسلام.
باب أثري في دير بوادي النطرون
السائح العالمي يسافر إلى أي مكان بعد عمل بحث وافٍ عن المكان الذي سيزوره.. ما وسيلة الشرح الوافي التي ستقدم له؟ وأين دور المرشد السياحي في تلك المنظومة؟
إذا تخيلنا أن 2000 سائح موجودين في الموقع الواحد فهذا يعني حوالي 50 أوتوبيس، منهم الياباني، الإيطالي، الفرنساوي، الألماني، الأسباني، الكوري ومنهم من أمريكا اللاتينية والصيني، كثير من الدول، وكل تلك الأوتوبيسات تابعة لشركات وليسوا وافدين من وزارة السياحة، وكل أتوبيس معه مرشد.
من ضمن الدعم اللوجيستي الذي يدعمه قداسة البابا تواضروس لهذا المشروع، أنه كلف معهد الدراسات القبطية بعمل دورات تدريبية تثقيفية للمرشدين السياحيين لمسار العائلة المقدسة، مقدمة بشكل علمي يؤهلهم لهذا العمل. ويتم إعطاء من اجتاز تلك الدورة من المرشدين شهادة اجتياز الدورة. أول دورة اشترك بها 50 مرشداً وجاري عمل دورات أخرى بلغات مختلفة تؤهل المرشدين للعمل بحرفية وليكون الشرح موحداً ومناسباً للحاج الفاتيكاني. وجاري إعادة تلك التدريبات لمائة ثم مائة فمائة إلى أن نصل لشهر مايو حتى نعطي فرصة للمرشدين ونعد أكبر عدد منهم بشكل جيد.
وفي بعض الحالات يمكن للراهب أن يشرح جزءاً داخل الدير وسيتم استخدام الترجمة للغات متعددة عبر سماعات مخصوصة.
هل اليونيسكو لها دور؟
هناك ملف مفتوح باليونسكو لاعتماد مسار العائلة المقدسة كأحد المسارات التراثية العالمية. اليونسكو له شروط خاصة به، لو المكان مستوفى للشروط يتم قبوله واعتماده من قبل اليونسكو، وإن تم اعتماده يتم عمل مراجعة عليه وتفتيش بشكل دائم، وفي حالة حدوث مخالفات يتم سحب الاعتماد وإلغاؤه.
مصر بها ٨ مواقف معتمدة من اليونسكو ونأمل أن نحصل على اعتماد نقاط المسار في حقبة رئيسة اليونسكو الجديدة.
جاري عملية دراسة اليونسكو لل8 نقاط الخاصة بالمرحلة الأولى من المسار، والجهتان المعنيتان بمتابعة اليونسكو هي وزارة الأثار ووزارة الخارجية وليست وزارة السياحة.
إذا اعتمد اليونسكو المسار كتراث عالمي دولي ينتقل من الحج الفاتيكاني ذي ال2 مليار نسمة إلى السياحة الروحية العالمية ذات ال6 مليارات نسمة في العالم، بمختلف ثقافاته. ودون شك إدراجنا في الحج الفاتيكاني يدعمنا كثيراً لدى اليونسكو.
هل مسار العائلة المقدسة له ميزانية للدعاية العالمية بعد حصوله على الاعتماد الفاتيكاني؟
هيئة تنشيط السياحة والصندوق الخاص بدعم تنشيط السياحة وهما المعنيان بهذا السؤال.
وما يحل لي أن أعلنه أنه بمجرد إعلان الفاتيكان اعتماده للمسار يتم مخاطبة الكنائس الكاثوليكية في العالم كله وبذلك كاهن الكنيسة يجمع شعبه للذهاب للرحلات المعنية بحسب مباركة البابا بالفاتيكان، وذلك يكون أول وأبسط وسيلة دعاية للمشروع.
وأفضل دعاية أطلبها أنا من وطني هى مناشدة المجتمع المدني بالاستعداد لاستقبال الأفواج السياحية بشكل لائق وحضاري واستثمار تلك الأفواج.
يمكن للمجتمع المدني ارشاد من يتميز بحرف أو صناعات يدوية صغيرة، إن كان أحد بارع في جدل الخوص أو عمل كليم، فخار، الباتسر، ويرغب في ربط حرفته بزيارة العائلة المقدسة، فإنه سوف يدر عليه عائداً كبيراً وتنعش من دخله.
ولكن أهم ما في الأمر أن لا تغضب سائحاً ابداً لأن من يستاء ينفر عشرات المعارف من المكان، ومن يسعد ويستمتع يجذب ثلاثة فقط من معارفه.. وهذا مبدأ معروف في مجال السياحة.