اليوم ولد لنا مخلص ، فما هي رسالتنا ودورنا في هذا الميلاد ؟
أبشركم بفرح عظيم، اليوم ولد لكم مُخلِّصٌ في مدينةِ داود ، وهو المسيحُ الرب ( لوقا ٢ : ١١ )، كلمة الله في بيت لحم ، في مغارة حقيرة ، وأتخذ جسداً من مريم العذراء البتول فأنتسب إلى عائلة بشرية معينة .
يرسم لنا القديس متى الإنجيلى شجرة هذه العائلة إبتداءاً من داوود ليشير أن المسيح ملك وهو المسيح المُنتظر .
أنتسب يسوع إلى عائلة بشرية ليجعلنا ابناء العائلة الإلهية فأصبحنا بالعِماد والأسرار المقدسة أبناء الآب وإخوة المسيح وهيكل للروح القدس .
اليوم ولد من جديد يسوع المخلص فصبّح الكون بالمولود الجديد وأسرع الرعاة على الحان الملائكة ليشاهدوا ذلك الحدث العجيب : ” إبن الله صار إبن مريم، إبن الإنسان اليوم يولد المسيح من جديد فى صحراء الفقر و سلاحات الحرب والتشرد والهجرة ، في الكنيسة والرعية ، في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا، في شوارعنا ومستشفياتنا ومصانعنا، فى قلوبنا يولد في لقاءنا مع كل شخص وخاصة مع المريض والمتألم والمُهمش والضعيف يولد فى كل شخص بحاجة إلى إبتسامتنا وخدمتنا ، يولد مرة أخرى في العالم كي يستمر سر تجسده ومحبته ابدياً، اليوم نستقبل المخلص الآتي بإسم الرب برفقة رعاة بيت لحم ومجوس المشرق ، اليوم نفرح مع الملائكة والكنيسة والعالم لهذا الحدث العظيم ، اليوم نقبل مع العذراء ويوسف إرادة الله ونخضع لأوامره . في الميلاد لك دور يجب ان تؤديه كما ادّاه الرعاة ويوسف ومريم.
دورالرعاة :
في سكون الليل وظلامه شع مجد الله وانكشف امام الرعاة فطلب إليهم أن يبشروا به العالم . لقد راى لوقا في هؤلاء الرعاة الفقراء الجهلاء الذين كشف لهم الآب سره فقبلوا بإيمان وبساطة كلام الله . كلام الملائكة هو كلام الفرح ، هو كلام بشرى وإنجيل وخبر سار نُقل إلى شعب الله دون تمييز وتفرقة ، فهل طرحت عنك يا أخي الحبيب وأختي العزيزة كل كبرياء و حسد وقبلت نعمة الله كالرعاة الفقراء الجهلاء وفتحت قلبك واصبحت الذين ” يسر ابوهم السماوى ان يكشف لهم سره ” (لوقا ١٠ : ٢١ )
دور القديس يوسف :
يوسف النجار رجل متواضع عاش سر التجسد عن كثب لكنه لم يستطع ان يفهم كل شىء لقد اختبر يوسف صعوبة الإيمان ولكنه لم يعترض على كلام الله بل آمن بعمل الروح القدس في حَبَل العذراء مريم، في تلك الليلة هدّدأ الملاك قلق يوسف وخوفه وأزال الحيرة والشك من ضميره وأفهمه أن المولود هو المسيح الذي سيولد من الروح القدس . إنسان اليوم لا يزال يشك في أمور إلهية كثيرة صعب عليه كما على يوسف إدراك كل الأمور و الأسرار الفائقة الطبيعة والتي لا لايستطيع ان نفهمها إلا بالإيمان وبالإيمان فقط . حقيقة التجسد الإلهيّ لن تتضح لنا إلا إذا قبلنا مسبقاً بإنها تتخطانا. صوت الله الذي يهمس في أعماقنا كما همس في أعماق يوسف يشرح لنا : ” كيف يكون هذا ” ؟ ويكشف لنا عن عمق وجوهر سر التجسد العظيم الذي لا يستطيع ان يدركه العقل البشرى .
دور مريم :
يحدد لنا لوقا الإنجيلى وضع مريم بكلمات قليلة : ” هي البتول وخطيبة يوسف البار ، هي العذراء الحُبلى من الروح القدس ” هنا نفهم سر التجسد الذي حيّر البشرية ولا يزال يحيّرها . في هذا السر لقاء ، لقاء بين شقاء البشر ومجد الله إنه دخول الله في تاريخنا حيث يتحد ببشريتنا لينعش فيها الأمل والرجاء والمحبة ، وليكون فيها حاضراً بمحبته الدائمة. امام هذا السر كانت العذراء تتأمل هذه الأمور في قلبها بل قرأت الكتاب المقدس وتأملت في أسراره وتعاليمه ووصاياه . هل هيأت ذاتك لتسمع صوته وتعمل بحسب إرادته ومشيئته وتقول مع العذراء ما قالته بإسم البشرية جمعاء ” ها انا امة الرب ” ( لوقا ١ : ٣٨ ) ؟
الرب يدعوك إلى الخدمة في العائلة والكنيسة والمجتمع للتضحية في كل مكان وزمان فهل انت مستعد لأن تكون شاهداً لأسراره ولحياته امام الإنسان المُعاصر ؟
دور المجوس :
قد رأينا نجمه فى المشرق فجئنا نسجد له ( متى ٢ : ٢ )
إن ظهور النجم القريب في المشرق وإشراقة نوره في السماء جعل المجوس يتركون كل شىء ويتبعوا النجم ، ويبحثوا بحثاً دقيقاً عن يسوع ” الطريق والحق والحياة ” ورغم كل الصعوبات والمشقات فرحوا فرحاً عظيما ً لأن الله الخالق والمُخلّص كشف سر علاقته مع البشر وعرفوا أنّ الله افتقد شعبه ( لوقا ١ : ٦٨ )
وان الشعب السالك في الظلمة ابصر نورا عظيما ( اشعياء ٩ : ٢ )
عندئذ سجدوا وقدموا هداياهم للإله المتجسد ذهباً وبخوراً و مراً ، شاكرين عظمة العطاء الإلهيّ للبشرية والذي يفوق كل هدايا البشر فأنصرفوا ورجعوا فى طريق آخر إلى بلادهم لأن هيرودس كان مُزمعاً أن يقتل الطفل ملك السلام . بالأمس أراد هيرودس أن يقتل يسوع واليوم مئات اهيرودسيين يقتلون يسوع وخاصة في أرجاء شرقنا العزيز والمُعذب والذي مازال يبحث عن مخلص يمنحه حرية الضمير و الدين ويعيد له كرامته وحقوقه . مازال هيرودس يقتل الأتقياء والأبرياء والضعفاء ويَذبح بسبب التعصب الديني الأعمى النساء والشيوخ والأطفال . أمام الطفل الإلهيّ نقف خاشعين متأملين مُصّلين لكي نخلع عنّا أعمال الظلم ونتمسك بالحقيقة وندافع عن الحق لتُنَقى الضمائر وتتجدد الثقة في شبابنا وتلتقي العائلات وكل المجتمعات بالفرح والتسامح الحقيقيين .
الميلاد تجدد وحياة :
في البرية كان قداس الميلاد الأول ، و اقام الطفل المتجسد القربان وأنشدت عساكر السماء ” المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام والناس المسرة ” ( لوقا ٢ : ١٤ ) . مجد الله دوماً في حنانه و غفرانه سكب سلامه فأزهرت البرية فرحاً وسلاماً وتحولت أرض الله إلى بركة وفاضت نعماً وبدأ الرجاء الصالح ينمو في قلوب البشر بعالم أفضل وأسمى . اليوم في قداس الميلاد ، في قداسك انت ، وفي كل مرة تقوم للصلاة يتحول العالم فيك من ساحة حرب إلى واحةِ سلام ، وبحر الشقاء يصبح فسحة سماء . فهل أدركت مفعول الصلاة بأنواعها في حياتك كالرعاة وأنت تمجد الله وتسبّحه على كل ماسمعت و رأيت ؟
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية واورشليم والاردن للأرمن الكاثوليك