يقول عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في مقدمة كتابه نظام الأثينيين، الذي نشرته دار المعارف عام 1921م:
“لم أتعلم لأنتفع وحدي بما تعلمت، ولأن من الحق على كل مصري أن يبذل مايملك من قوة لإصلاح ما اصاب مصر من فساد”.
هكذا يعلمنا أستاذنا أنه من الواجب على كل مصري أن يقف ويعارض الفساد، فالفساد مسئولية كل مواطن مهما كبرا وصغرا، أوكان غفيرا او سفيرا أو وزيرا او فقيرا.
في السنوات القليلة الماضية انتفض المجتمع المصري ضد الفساد، وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه لا أحد فوق القانون أو فوق الفساد، فالقانون سيد الجميع، ووجدنا رد فعل كبير لهذه الصيحة العالية ضد الفساد، وجدنا وزراء وكبار الموظفين ورؤساء مؤسسات ومديرو مصانع وهيئات توضع الكلبشات في أيديهم ويساقوا إلى المحاكمة وإلى العدالة التي أغفلوها وتغاضوا عنها من أجل مصلحتهم، ووجدنا مليارات الجنيهات، وهي أموال الشعب، تهدر وتسرق بسبب طمع الفاسدين وضعف ذمتهم وعدم اتقاء الله في عملهم، انتفض الشعب لمواجهة الفساد والمفسدين والبحث عن أمواله الضائعة وأرضه المنهوبة وحقوقه المسلوبه هكذا الفساد مسئولية كل مواطن مهما بلغ بساطته وتواضعه.
فمن حق كل انسان أن ينال حقه وأن يجد الطعام والمسكن اللائق والعمل المناسب. كان الفساد في الماضي يأتي بشباب خريج كلية الحقوق بدرجة مقبول ليقعده على مقعد وكيل نيابة فى نفس الوقت الذى لا يجد زميله الحاصل على نفس المؤهل ليسانس حقوق بدرجة جيد جدا أو أكثر لا يجد عملا!
هذه حقيقة وأذكر هنا حكاية حدثت معي شخصيا.. ركبت سيارة أجرة ووجدت السائق حزينا كئيبا.. سألته.. مالك يا أسطى؟ نظرا إلى نظرة حزينة وقال.. قبل أن تركب سيادتك معي ركب معي رجل شيك غاية في الالاجة، ثم وجدته يقول لي هو مش انت فلان الفلاني، قلت له.. أيوة أنا، فقال انت مش عارفني انا زميلك في كلية الحقوق انا فلان، رحبت به وسألته أين يعمل الآن فقال أنا الآن وكيل نيابة، ولم أعلق على حديث الزبون الذي هو زميل لي في الكلية الفرق بيننا هو أنني حصلت على الليسانس بدرجة جيد جدا ولم أجد واسطة لأعمل، فعملت سائق تاكسي بالليسانس، والزبون دفع مالا عندما كان المال ينفع فى العصر السابق على الثورة- عصر الفساد الحقيقى، وكنا نسمع تسعيرة الأعمال 50 ألف أو مائة الف جنيه لكل وظيفة، أو مثل ذلك لدخول كليات الشرطة والحربية او.. أو. حكاية أخرى عن الفساد حدثت معي شخصيا. كنت قد حصلت في عملي بالإذاعة على درجة كبير بعدها وجدت من يأتي إلى- شخصية مجهولة، ويقول لي لماذا لا تدفع خمسين ألف جنيه وترتقى إلى درجة وكيل وزارة ورفضت الطلب والعرض وهكذا كانت الترقيات والمناصب الكبرى فى العصر البائد الفاسد.
الفساد هو سم ينخر فى عظام المجتمع، يعطي حقوقا لمن لا حقوقلهم، يرقى الافاقين والحرامية بتوع الثلاث ورقات ويهمل الجادين أصحاب الهمم والذمم العالية، يضع المنافقين فى الصدارة والمجتهدين فى آخر الطابور.
الفساد موجود فى كل الدنيا منذ وجدت وحتى الآن، ويختلف من دولة إلى دولة بحسب حضارتها وعلمها، وكلما كانت الدولة متحضرة قل الفساد، لأن الحضارة سلوك والفساد هو سلوك غير طبيعي لا يعرف العدل أو الحق أو العلم أو حتى الذوق.
الفساد مسئولية كل مواطن لا تسمح لأي فاسد أن يستغلك، إذا كنت تشتري خضر أو فاكهة وضحك عليك التاجر فلا تسكت بل أعيد إليه البضاعة الفاسدة وخذ بدلها بضاعة جيدة تستحقها لأنك دفعت نقودا فيها.. اذا كنت تقف في طابور لقضاء عملك فلا تتخلى عن دورك لأحد، فالنظام يمنع الفساد، لا تشجع السوق السوداء فى شراء تذاكر السينما أو القطار أو المباريات وتمسك بحقك فى شراء تذاكر بالأسعار العادية. إذا دخلت مطعما وقدم لك طعاما فاسدا فلا تسكت لانه سيقدمه لغيرك وربما يتسبب فى وفاة وتسمم الاخرين.
الفساد مسئولية كل مواطن ويجب أن نعمل على أن ينتهي الفساد من مجتمعنا بالتمسك بالحق والواجب، لا تتسامح حتى مع الفاسد الصغير الذي يبيع لك البضاعة المغشوشة أو بأسعار أغلى من حقيقتها لأنك عندما تتسامح معه سيكبر ويصبح فاسدا كبيرا لو أتيحت له الفرصة، لاتتنازل عن حقك في أن تحصل على بقية نقودك حتى لو كانت قليلة لأن التنازل عنها يشجع على الفساد، وأعرف أن هناك فرقا بين الطيبة والفساد، فاذا كنت طيبا تصرف مع الناس بالرحمة والعدل وتنازل برغبتك عن باقي مالك لا بالقوة أو الاستعباط.
الحمد الله أن الدولة انتبهت للفساد وهي تتعقبة فى كل مكان حتى تعيد للشعب أمواله وحقوقه المشروعة التي سلبها وسرقها واغتصبها الفاسدون، وإذا كانت الدولة قد بدأت بالفعل هذا المشوار فلا أقل من أن نساعدها في عملها ونهاجم ونكشف الفساد في كل مكان وتأكد عزيزي القارئ أن القضاء علي الفساد هى مهمة كل مواطن ومسئوليته الأولى.