إن لم نتعلم شيئاً من تاريخ الكنيسة، فلابد وأن نعترف بأهمية “سكنى المسيح فينا بغني” (كو 16:3), هناك الكثير من الكنائس لكن يوجد “كتاب مقدس واحد”, فتاريخ الكنيسة يعتبر الشاهد الأمين لجماعة المؤمنين, وﺃﻥ ﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺍﻟﻨﺎﺒﻀﺔ ﻫي ﺒﻔﻌل ﺍﻟﺭﻭﺡ ﺍﻟﻘﺩﺱ ﻭﻋﻤل ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ, لذا فقصة الكنيسة مهمة, قصة مهمة.
تحتفل كنيسة القديس نيقولاس للروم الأرثوذكس ببورسعيد نهاية العام الجاري بمرور91 سنة على تأسيسها وتدشينها, حيث شيدت الكنيسة على نفقة المغفورله “نقولا” مشبهاني, ووضع الحجر الأول في 6ديسمبر 1923 بعهد مثلث الرحمات البطريرك نوفيتوس, وتم تكريسها في 6ديسمبر 1926على يد البطريرك مالانيوس الثاني, وتقع الكنيسة في تقاطع شارع المشرق مع سعد زغلول الكائن في حي الشرق.
الكنيسة نواة لنشأة طائفة الروم الأرثوذكس العرب
في البداية، قال المطران نيفون مطران بورسعيد وتوابعها ورئيس دير مارجرجس بمصر القديمة للروم الأرثوذكس لـ”وطني” أنه في15ديسمبرعام 1899هيأ الله لأبناء الطائفة ببورسعيد الفرصة للاجتماع وتكوين هيئة تجمع شملهم وتوحد كلمتهم وتتجه بهم إلى فعل الخير ونجحوا في ذلك إذ استطاعوا تأليف جمعية خيرية أطلق عليها اسم جمعية الإحسان الأرثوذكسية السورية، ثم عدل اسمها فيما بعد فأصبحت جمعية الإحسان الأرثوذكسية المصرية للروم الأرثوذكس ببورسعيد التي تعرف اليوم باسم “الجمعية الخيرية للروم الأرثوذكس العرب” فاستقرت وأنجزت وعدها بمديد العون للمحتاجين، تحت رعاية أول مجلس إداراتها لها شكل من الأفاضل طيبي الذكر المرحومين: ميخائيل خوري- ميخائيل سالم – إلياس نقولا خشاب- ميخائيل مشبهاني- إلياس شويفاني– إلياس مقدسي –أمين وردة- أنيس باسيلا- ابراهيم فارس- بشارة خوري- جورجي حاماني- حنا جبورشويري- دميان أفنتيميوس- سابا ساحلوني- عيسى أفنتيميوس- يوسف خير الله, وهكذا حقققوا حكمة الانجيل المقدس القائلة “مجانا أخذتم مجانا أعطو”,من يعطى الفقير يقرض الرب, أريد رحمة لاذبيحة”.
وأضاف:كانت هذه الجمعية نواة للتفكير في إقامة عدد من المؤسسات لطائفة الروم الأرثوذكس في مقدمتها الكنيسة المباركة كنيسة القديس نيقولاوس التي نحتفل بعيدها الواحد والتسعين والتي انبثق منها فريق الترتيل ومدارس الأحد، ثم جمعية الشبيبة الأرثوذكسية وجمعية السيدات الخيرية وكشافة الشرق.
كما أضاف مطران بورسعيد وتوابعها ورئيس دير مارجرجس بمصر القديمة للروم الأرثوذكس: امتدت أهداف الجمعية فيما بعد إلى بث الوعي الديني في نفوس أبناء الطائفة بعد أن كثر عددهم فتبنت تلك الرسالة السامية ووضع أعضاؤها كل إمكانياتهم تحت تصرف اللجنة التي عهد إليها بتنمية الجهود المبذولة لإقامة الشعائر الدينية ولم يكن للطائفة كنيسة لأبنائها العرب.
وتم إقامة الشعائر بالكنيسة اليونانية بعد موافقة غبطة مثلث الرحمات البابا والبطريرك فوتيوس على إيفاد كاهن من القاهرة لأداء الخدمة الروحية بصفة منتظمة بعد أن كانت تؤدى على فترات ولمجرد المناسبات فعين مثلث الرحمات الخوري جرجس ثوما راعيا للطائفة.
وقال المطران نيفون: بدأنا نفكر في ضرورة تشييد كنيسة ليستقل بها أبناء الطائفة العرب ولتكون الحجر أول للبنيان ووقتها أبدى الفقير قبل الغني حسن الاستعداد للمشاركة في هذا المشروع غير أن المرحومين قسطنطين وجورج وسابا وسليم مشبهاني سارعوا طوعا إلى بناء الكنيسة على نفقتهم الخاصة بمجرد أن حصلت الهيئة على ترخيص الإنشاء الصادر بمقتضى الأمر رقم 2لسنة 1924.
كما أضاف: شيدت الكنيسة الحالية التي تحتفل بعيدها الواحد والتسعين لافتتاحها وكرست باسم القديس نيقولاوس الفائض الطيب.
وأرسى الحجر الأساسي مثلث الرحمات البابا فوتيوس في 19ديسمبر 1923.
وقام بتكريسها البابا والبطريرك ملاتيوس ورأس أول قداس اُقيم في 19ديسمبر 1926.
كما أن الكنيسة أشرف عليها وعضدها مطارنة بورسعيد وتوابعها كل من : المثلث الرحمات المتروبوليت بوليفلتوس والمتروبوليت برثينوس والمطران فرنافس وايرينوس وبندليمون كالينيكوس.
يُذكر أن بلغ عدد الروم الأرثوذكس في العالم 250 مليون تقريباً وأن كلمة “أرثوذكسية” تشير إلى الإيمان المستقيم أو الحق، ليست بالنسبة إلينا شعاراً لطائفة معينة يميزها عن بقية الطوائف، بل هي طابع الكنيسة الأولى الجامعة التي حافظت على استقامة التعليم الرسولي، واستمرارية الحياة بالروح القدس، كونها الكنيسة ذاتها التي أسسها الرب يسوع المسيح على صخرة الإيمان الحق بابن الله الحي المتجسد والباقي معها إلى الأبد, أما بخصوص كلمة “رومان” أو “روم” فقد أُطلقت غالباً على رعايا الكنائس القديمة الخمس (روما، القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكية، أورشليم) لأن هذه المدن كانت المراكز الكبرى الإدراية والروحية للأمبراطورية الرومانية وهي لا تعني بالضرورة أن أبناء هذه الكنائس هم رومان أو يونان بل تدل على أنهم، بالرغم من انتمائهم إلى قوميات مختلفة، قد تبعوا إيمان الكنيسة الجامعة التي كانت حينها ضمن إطار الأمبراطورية الرومانية.
وقد ازدادت الحاجة إلى استعمال هذه الصفة (رومان، روم) بعد استقلال الكنائس الشرقية القديمة والتي أخذت إلى حدّ ما طابعاً قومياً كالكنائس الأشورية، السريانية، القبطية، الأرمنية، الحبشية, فكل من لم ينتسب إلى هذه الكنائس وبقي على إيمانه بكنيسة الأمبراطورية الرومانية أي كنيسة المجامع المسكونية السبعة، التي عقدت بمبادرة أباطرتها وعلى نفقتهم، سُمّي “رومانياً” أو “رومياً” تميزاً له عن أبناء الكنائس المذكورة, وكانت تسمي رومان القسم الشرقي من الأمبراطورية الرومانية روم (أو) تميزاً لهم عن رومان القسم الغربي من الأمبراطورية، في حين سمّاهم الغربيون منذ القرن التاسع “Greek”، وفيما بعد بيزنطيين لكي يبعدوا عنهم الانتماء إلى الرومانية ويحتفظوا بها لأنفسهم.
وأن الغربيين هم الذين تغربوا عن هذه الصفة بعد احتلال القبائل الجرمانية (الغوط، الإفرنج، اللومبارديين، الأنكلوساسكون) للغرب واندثار الحضارة الرومانية فيه، وفصله عن القسم الشرقي وبالتالي إبعاده عن منابع التقليد اللاهوتي الرسولي.
وأن كلمة “روم” لا تعني انتماءً قومياً، بل هي انتماء حضاري وختم أصالة كون “الرومانية” أو “الرومية” بشكل خاص هي البيئة التي أخذت فيها الكنيسة طابعها الثقافي والحضاري الأول إذ واستعمل الرسل والآباء والشعراء الملهمون والمصورون المبدعون التعابير اللغوية والاصطلاحات الفلسفية والأصول الشعرية والموسيقية التصويرية التي كانت شائعة في تلك البيئة, والتي جمعت تأثيرات من مختلف الحضارات المنطوية تحت لواء الأمبراطورية الرومانية كاليونانية والرومانية والآرامية والمصرية إلخ, وهكذا مع الزمن صار للكنيسة أدبها المميز باصطلاحاته المسيحية الخاصة، وأيقوناتها بأسلوبها الفني الروحاني، وطقوسها بأصولها الشعرية وموسيقاها الموحية، والتي تشكل جميعها تقليدها الرسولي الكنسي وتعبر عن حياتها المتجددة، أو عمل الروح القدس فيها عبر التاريخ من خلال هذه الأطر الحضارية, الأهم في صفة “روم”، إذن، ليس مجرد غنى وروعة التراث الحضاري الرومي الذي إليه ننتمي، بل الحياة الإلهية التي تحملها تعبابيره، فتساعد المؤمنين على التخشع، وتضعهم في تيار روح الله الذي عاشه مؤلفوها القديسون الملهمون.
القديس نيقولاوس
وعن نشأة القديس نيقولاوس, ولد الأسقف البار سنة 262م من أبوين مسيحين تقيين ورعين هما أبيفانيوس ونونا في مدينة باترا في إقليم آسيا الصغرى وأمه تونة.
وقد جمعا إلى جانب الغنى الكثير مخافة الرب، ولم يكن لهما ولد, ولما شاخا تحنن الله عليهما ورزقهما هذا القديس الذي امتلأ بالنعمة الإلهية منذ طفولته, ربّياه والداه تربية حسنة، ونشأ تحت رعاية الكنيسة في نقاوة القلب.
وفي سن الخامسة بدأ يتعلم العلوم الكنسية، ويومًا بعد يوم أضاءت تعاليم الكنيسة عقله وحمَّسته إلى التدين السليم وكان من مدينة مورا أو باتارا إحدى مقاطعات آسيا الصغرى، وكانت ميراالعاصمة قريبة من البحر، وهي مقر كرسي أسقفية.
رهبنته: ترهب في دير كان ابن عمه رئيسًا عليه، فعاش حياة النسك والجهاد والفضيلة حتى رُسِم قسًا وهو في التاسعة عشر من عمره.
وأعطاه الله نعمة عمل الآيات ومنها إخراج الشياطين وشفاء المرضى، وكان يبارك في الخبز القليل فيشبع منه عددًا كبيرًا.
وتوفي والداه وهو شاب تاركين له أموالًا وثروة، فقرر أن يكرّس ميراثه في أعمال الرحمة, سرعان ما حانت له الفرصة لتحقيق اشتياقه، ذلك أن أحد رجال باتارا فقد كل أمواله لدرجة أنه لم يجد ما يقتات به, وكان عليه أن يزوج بناته الثلاث، إلا أنه لم يستطع ذلك بسبب فقره، فنوى الرجل البائس أن يسلمهن لأعمال الدعارة. حين سمع القديس نيقولا بهذا الأمر أخذ مائة دينار وجعلها في كيس وتحت ستار الظلام ألقاه من شباك منزل الرجل، الذي لما انتبه من نومه ووجد الكيس فرح كثيرًا وزوَّج بهذا المال ابنته الكبرى.
ثم كرر القديس نيقولاوس (نيقولا) نفس الأمر مع الابنة الثانية, ولما جاء دور الابنة الثالثة كان الأب يسهر ليراقب ويتعرَّف على شخصية هذا المحسن الكريم.
لبث ساهرًا في المرة الأخيرة وحالما شعر بسقوط الكيس وسط منزله لم يأخذه بل أسرع إلى خارج البيت ليرى من الذي ألقاه فعرف أنه القديس نيقولاوس، فخرَّ عند قدميه وشكره كثيرًا لأنه أنقذ فتياته من فقر المال وما كن يتعرضن له من الضياع.
أسقف ميرا: قبل انتخابه لرتبة الأسقفية رأى ذات ليلة في حلم كرسيًا عظيمًا وحلة بهية موضوعة عليه وإنسانًا يقول له: “البس هذه الحلة وأجلس على هذا الكرسي”.
رأى في ليلة أخرى السيدة العذراء تناوله بعضًا من ملابس الكهنوت والسيد المسيح يناوله الإنجيل. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ), ولما تنيّح أسقف مورا اجتمع الإكليروس والشعب لاختيار الأسقف الجديد. فظهر ملاك الرب لرئيس الأساقفة في حلم وأعلمه بأن المختار لهذه الرتبة هو نيقولاوس، وعرَّفه عليه.
ولما استيقظ أخبر الأساقفة بما رأى فصدقوا كلهم الرؤيا وعلموا أنها من السيد المسيح، ثم أخذوا القديس ورسموه أسقفًا على مورا.
واشتهر الأسقف بقداسته وغيرته وصنع الكثير من المعجزات, وقد تحمل الحبس من أجل الإيمان واعترف اعترافًا حسنًا في نهاية فترة اضطهاد دقلديانوس.
كما حضر مجمع نيقية المسكوني الأول وحرم الأريوسية, وكان القديس نيقولاوس يُعتَبر رئيس المسيحيين في المدينة وكان يعظ ويعلم الشعب عن حقائق الإيمان بكل شجاعة، قبض عليه الوالي هو أيضًا وعذبه كثيرًا عدة سنين، وكان السيد المسيح يخرجه من العذاب سالمًا ليكون غصنًا كبيرًا في شجرة الإيمان, ولما ضجر منه دقلديانوس ألقاه في السجن، فكان وهو في السجن يكتب إلى رعيته ويشجعهم ويثبتهم. ولم يزل في السجن إلى أن مات دقلديانوس, وحين مَلَك الإمبراطور قسطنطين البار أطلق سراح المسجونين ومن بينهم القديس نيقولاوس الذي عاد إلى كرسيه في ميرا, وحين كان القديس نيقولاوس حاضرًا مجمع نيقية تَحَمَّس ضد أريوس ولطمه على وجهه، فقرر الآباء على أثر ذلك أن يعزلوه من رتبته وقرروا حبسه، إلا أن السيد المسيح والسيدة العذراء ظهرا له في السجن وأعاداه إلى حريته ورتبته وكان القديس يأخذ مواقف حاسمة ضدهم وضد الوثنية. من ضمن معابدهم التي دمرها كان معبد أرطاميس، وهو المعبد الرئيسي في المنطقة، وخرجت الأرواح الشريرة هربًا من أمام وجه القديس, منالقصص التي تُروَى عن اهتمام القديس بشعبه أن الحاكم يوستاثيوس أخذ رشوة ليحكم على ثلاثة رجال أبرياء بالقتل.
وفي وقت تنفيذ الحكم حضر القديس نيقولاوس إلى المكان وبمعجزة شلَّ يد السياف وأطلق سراح الرجال.
ثم التفت إلى يوستاثيوس وحرَّكه للاعتراف بجريمته وتوبته. وكان حاضرًا هذا الحدث ثلاثة من ضباط الإمبراطور كانوا في طريقهم إلى مهمة رسمية في فريجية، وحين عادوا إلى القسطنطينية حكم عليهم الإمبراطور قسطنطين بالموت بسبب وشاية كاذبة من أحد الحاقدين , تذكَّر الضباط ما سبق أن شاهدوه في ميرا من قوة حب وعدالة أسقفها، فصلّوا إلى الله لكي بشفاعة هذا الأسقف ينجون من الموت ,في تلك الليلة ظهر القديس نيقولاوس للإمبراطور قسطنطين وهدده إن لم يطلق سراح الأبرياء الثلاثة.
في الصباح أرسل واستدعاهم للتحقيق معهم، وحين سمع أنهم تشفعوا بالقديس نيقولاوس الذي ظهر له، أطلق سراحهم في الحال وأرسلهم برسالة إليه طالبًا منه ألا يهدده بل يصلي من أجل سلام العالم,ظلت هذه القصة لمدة طويلة من أشهر معجزات القديس نيقولاوس , ولما أكمل سعيه انتقل إلى الرب في ميرا، ودفن في كاتدرائيتها. وكانت أيام حياته تقترب من الثمانين سنة، منها حوالي أربعين سنة أسقفًا, سانتا كلوز: بعد نياحته كان الكثيرون يتخذونه شفيعًا لهم، وكان المسيحيون في ألمانيا وسويسرا وهولندا يتبادلون الهدايا باسمه في عيد الميلاد المجيد انتشر هذا التقليد في أمريكا بعد ذلك بفعل البروتستانت الهولنديين، إلا أنهم حَوّلوا صورة القديس إلى صورة ساحر أسموه سانتا كلوز.