كيف صبِرَ هؤلاء الشهداء على احتمال هذه الآلام ….و الشهادة لأجل اسم المسيح الربّ؟
بهذة الكلمات كانت مقدمة كلمة الاستشهاد في ذكرى الأربعين ببني مزار واليكم نص الكلمة :
أولاً وقبل أي شئ أقدم كل الشكر والاعتزاز بأبي خليفة القديس الأنبا صموئيل المعترف نيافة الأنبا باسليوس أسقف وأب دير الأنبا صموئيل المعترف .
نيافتكم أب الرهبان وأب لزوار الدير أيضا وهذا لما رأيناه من أبوه صادقة نحو أولادك الشهداء الذين نالوا هذه البركة السماوية في زيارتهم للأنبا صموئيل وديره العامر بالأباء المباركين تحت رعاية قداستكم الأب والأخ والمرشد لنا .
لننال المدينة العظيمة التي أسسها لنا الرب يسوع المسيح بصلبه على الصليب نلنا الفداء وبقيامته نلنا الحياة الجديدة .بناولنا الروح القدس من أمنا الكنيسة وأبونا يسوع المسيح أصبح لنا الحياة الأبدية . كما يقول القديس يوحنا في الرسالة الأولى الإصحاح الخامس عدد 20 ” وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ ( المسيحين ) فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ ” رأينا يا سيدنا أنبا باسليوس فيك شخص المسيح في أبوة باذلة وتضحية ملموسة من اجل أولادك الشهداء والمعترفين . ربنا يحفظك صورة وايقونة للمسيح يسوع الذي له المجد دائماً أبدياً أمين .
عبدك وابنك أثناسيوس أسقف بني مزار والبهنسا
أعجبتني آية جميلة في سفر المكابيين الثاني (أحد الأسفار القانونية الثانية) تقول :” لقد صبر إخوتنا على ألم ساعة، ثم فازوا بحياة أبدية و هُمْ في عهدِ الله …”(2مكابيين 7: 36).
الأصحاح السابع من سفر المكابيين الثاني يتحدث عن أم و أولادها السبعة، في أيام أنطيوخُس الملك في ذلك العصر، و كانت فظاعة هذا الإنسان أكثر بشاعة من فظاعة دقلديانوس الملك الروماني في اضطهاده للمسيحيين.
هذه الأم عظيمة و قدّمت أولادها للموت من أجل الرب مثل القديسة رفقة، و الأم دولاجي اللتان قدّمتا أولادهن للإستشهاد. أمّا أنطيوخس و أمثاله الذين ملَكَ عليهم الشيطان، إبليس الذي هو قتّال للناس منذ البدء يدخل في القلوب التي لا يسكن فيها الله و يُظهر أعماله الرديئة من خلالهم. هؤلاء الذين فرغت أذهانهم و قلوبهم من معرفة الله، و من روحه القدوس، و طالما كانوا بهذه الصورة يملأ الشيطان أذهانهم و قلوبهم و يقوموا بأعمال شريرة – حسد ، حقد، غيرة مرة، إنتقام، قتل، سرقة، زنى، كذب، نميمة، شتيمة … إلخ – التي هي عُمْلة الشيطان و أتباعه و يكونوا كرئيسهم القتّال للناس منذ البدء و الكذاب و أبو الكذّاب (يوحنا 8 : 44)، هؤلاء يستخدمهم الشيطان لتنفيذ مكائده ضد أولاد الله.
أما الإنسان الروحي الذي قال عنه بولس الرسول أنه يحكُم في كل شيء و لا يُحكَم فيه من أحد (1 كورنثوس2 : 15)، و قال أيضاً :” إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح “(رومية 8: 1)، و أيضاً الإنسان المسيحي هو هيكل للروح القدس، الذي أخذه في المعمودية و سر المسحة المقدسة – الميرون – (1يوحنا 2: 20 و 27)، ويكون قلبه ممتلئاً بمحبة الله، و يقبل مالروح الله، و يثمر ثمر الروح كما ذكر الكتاب في غلاطية 5: 22)” و أما ثمر الروح فهو محبة فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف “.
هؤلاء الذين صاروا هيكلاً مقدساً لله، يستطيعون أن يقفوا بكل قوة أمام الشرير، معترفين باسم الرب يسوع، و يفرحون باشتراكهم في آلام المسيح، كما فعل الرسل في (أعمال الرسل 5: 41)” أمّا هُمْ فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حُسِبوا مستأهلين أن يُهانوا من أجلِ اسمه “. ويعطيهم الله قوة يحتملون بها الآلام التي يجتازونها، كما يقول في (عبرانيين 12: 2)عن السيد المسيح :” الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي فجلس في يمين عرش الله “، لذلك فرحهم يجعلهم لا يشعرون بالآلام الجسدية. فنجد الرسول بولس يفتخر بالآلام من أجل اسم المسيح يسوع كما ذكر في (2كورنثوس 11: 23- 30):” أهُمْ خدّام المسيح؟ أقول كمُخْتَلِّ العقلِ فأنا أفضل، في الأتعاب أكثر، في الضربات، أوفَر، في السجون أكثر، في الميتات مِراراً كثيرة. مِنَ اليهودِ خمسِ مرّاتٍ قَبِلتُ أربعين جلدةً إلاّ واحدة. ثلاثَ مرّاتٍ ضُربتُ بالعصيِّ، مرةً رُجِمتُ، ثلاثَ مراتٍ إنكسَرتْ بي السفينةُ، ليلاً و نهاراً قَضَيتُ في العُمق. بأسفارٍ مراراً كثيرة بأخطارِ سيولٍ، بأخطار لصوصٍ، بأخطارٍ من جِنسي، بأخطار من الأمَمِ، بأخطارٍ في المدينةِ، بأخطار في البرية، بأخطارٍ في البحرِ، بأخطارٍ من إخوة كَذَبَةٍ. في تَعَبٍ و كَدٍّ، في أسهارٍ مراراً كثيرةٍ، في جوعٍ و عطشٍ، في أصوامٍ مراراً كثيرةٍ، في بردٍ و عُـريٍّ. عَدَا ما هو دون ذلك: التراكُم عليَّ كلَّ يومٍ، الاهتمام بجميع الكنائس. مَنْ يَضعُفُ و أنا لا أضعف؟!، مَنْ يَعثُرُ و أنا لا ألتهب ؟!. إن كانَ يَجبُ الافتخار فسأفتخرُ بأمور ضعفي “. إذ يعتبر أيضاً أنَّ الآلام هبة من الله كما في (فيلبي 1: 29)” لأنّه قَد وُهِبَ لكم لأجل المسيح؛ لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أنْ تتألموا لأجلِهِ “.
الاستشهاد من أجل اسم المسيح هو نعمة كبيرة، و محبة قوية جداً لله، و قوة إيمان عظيمة تجعل الإنسان يصبر على ألم ساعةٍ (2مكابيين7: 36)، و لكن نهايتها حياة سعيدة أبدية. و الشهداء هم في رتبة عالية بعد الملائكة في السماء.
” كما اشتركتم في آلام المسيح إفرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجدهِ أيضاً مبتهجين ” (1بطرس 4 : 13). فإنَّ آلام الجسد هذه لا شيء أمام الأبدية السعيدة التي تنتظرهم، فيستهينوا بالآلام و الخزي الذي يقبلوه في جسدهم، من أجل السرور الموضوع أمامهم.
إخوتنا الذين استشهدوا في طريق دير القديس الأنبا صموئيل، صاروا شهداء لأنهم اعترفوا باسم السيد المسيح و لم يرهبوا الموت، و الذين لم يستشهدوا صاورا معترفين، هؤلاء رأَوا السيد المسيح – أثناء إطلاق النار عليهم – و هو يقبَل أرواح الشهداء ليدخلهم الملكوت، و منع أحد الأشرار من قتل أحد الأطفال الموجودين. إنها آلام ساعة و لكنها لا تقاس بالمجد العتيد أن يُستعلَن فينا (رومية 8: 18)
يقول السيد المسيح :” لا أترككم يتامى “(يوحنا 14: 18)، وقال أيضاً ” الربّ يحارب – يُقاتِل – عنكم و أنتم تصمتون (خروج 14: 14)، فإن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضاً معه (رومية 8: 17)،” لأن خفة ضيقتنا الوقتية تُنشِىء لنَا أكثرَ فَأكثرَ ثِقَل مجدٍ أَبديٍّ “(2كورنثوس: 4: 17)، فإن ” إنتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله (رومية 8: 19). ” فالذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص “(متى 10: 22 و 24 : 13).
تفكّر في الذي احتمل مقاومةً من الخطاة… قاوِم حتى الدم، مجاهداً ضد الخطية (عبرانيين 12: 3 و 4). اصبر على التأديب للمنفعة، كما قال اللص اليمين على الصليب لنظيره اليسار في (لوقا 23: 41):” أمّا نحن فبعدلٍ؛ لأننا ننال استحقاق ما فعلنا …”، فلنتب و نعمل ما يرضي قلب الله لئلا يأتي وقت نقول فيه : نحن ننال استحقاق ما فعلنا من خطايا …، و كما قال الفتى للجلاّد في الأصحاح السابع من سفر المكابيين الثاني (2مكابيين 7: 32 و 33):” فنَحنُ إنَّما نَتَأَلَّمُ مِن أَجلِ خَطايانا. وإِن سَخِطَ علَينا رَبُّنا الحَيُّ حيناً يَسيراً لِتوبيخِنا وَتأديبِنا، فسيُصالِح عَبيدَه مِن بَعدُ “.
فلنسلك بالحكمة و البساطة و نسعى للصلح، و القداسة التي بدونها لن يرى أحدٌ الربَّ (عب12: 14)، و كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا بابتهاجٍ في استعلان مجده “(1 بطرس 4: 13).