لا يجب أن يستغرب الكثيرون من التفجيرات التي أصابت فنزويلا مؤخرا، خاصة وأنها إحدى القوى الدولية المؤثرة والمحددة لاتجاهات سوق البترول في العالم مع السعودية وروسيا وليبيا والكويت والعراق وإيران. وما يقلل من الدهشة والاستغراب، أن فنزويلا منذ شهور وهي تعاني من حالة حادة من عدم الاستقرار السياسي والفقر المجتمعي بسبب الاضطرابات الداخلية بين الرئيس الحالي، الذي قام بتغيير الدستور ليستمر في السلطة، والمعارضة التي تنادي بالديمقراطية وتدوير السلطة، مع استمرار الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بخطف الدولة والشعب والسلطة لمصالحهم الشخصية.
في هذا التقرير نحاول نرصد التطورات الأخيرة في هذه الدولة العضو في منظمة الأوبك الدول المنتجة للنفط، وإحدى دول أمريكا الجنوبية المهمة، ليس علي مستوى التفجيرات الأخيرة فقط، ولكن أيضا علي مستوى الأزمة السياسية الطاحنة التي تضرب البلاد منذ عدة شهور، دون مخرج حقيقي ينقذ الشعب الفنزويلي.
وريث .. ديكتاتور
في هذا السياق، ذكر راديو كندا الدولي في خبر عاجل عقب التفجيرات التي ضرب البلاد خاصة في قطاع البترول أن طائرة هليكوبتر هاجمت عدد من المؤسسات السيادية الحاكمة منها المحكمة العليا وبعض الوزارات السيادية، منها وزارة الداخلية الموالية للرئيس. ونعت هذا الهجوء الرئيس الفنزويلي نكولا مادورو بأنه محاولة انقلاب من قبل بعض عناصر المعارضة الإرهابية، حيث أطلقوا الرصاص والقنابل علي هذه المؤسسات السيادية.
وقال راديو كندا أن شهود عيان أكدوا أن العديد من التفجيرات تضرب في العمق العديد من المدن والمؤسسات، خاصة في العاصمة كاراكاس، حيث المؤسسات السيادية الحاكمة والقصر الرئاسي، حيث يقبع مادورو.
وحسب جريدة جورنال دو موريال الكندي: ويرى مادور في نفسه الوريث الشرعي، للزعيم التاريخي والروحي لفنزويلا هوجو شافيز. في حين أن قادة المعارضة المدنية يعتبر نيكولا مادورو، ديكتاتورا دمر الاقتصاد الوطني، وخرب السياسية بصورة غير مسبوقة وديكتاتورية، في ظل احتجاجات ومعارضة شعبية تجتاح البلاد من حوالي 4 شهور. وتقوم الحكومة باعتقال المئات منذ اندلاع هذه الاحتجاجات في أبريل الماضي، التي راح ضحيتها أكثر من 90 قتيلا وآلاف المسجونين.
مطالب المعارضة
من جانبها، قالت وكالة رويترز للأنباء، أن تسجيل مصور لأحد الضباط الذين قادوا الطائرة، قال في تسجيل مسجل أن ما قام به صحيح، وكان يستهدف استعادة الديمقراطية المسروقة من قبل مادورو. وذكر الضابط أن هناك تحالف من رجال الشرطة والجيش وعدد من كبار المسؤولين المدنيين المعارضين يستهدف استعادة السلطة المغتصبة من قبل نيكولا مادورو، ويدعو لانتخابات عامة رئاسية ونيابية في فنزويلا يتمتع فيها الشعب الفنزويلي بالحرية المطلقة لاختيار من يمثله وفق قواعد الديمقراطية والنزاهة.
ويطالب المتظاهرون بانتخابات عامة وإجراءات لتخفيف الأزمة الاقتصادية الطاحنة والإفراج عن مئات المعتقلين من ناشطي المعارضة واستقلالية الهيئة التشريعية الوطنية التي تسيطر عليها المعارضة.
ويقول مادورو إنهم يسعون للانقلاب عليه بتشجيع من الحكومة الأميركية التي ترغب في السيطرة على احتياطات فنزويلا الهائلة من النفط.
صراع تاريخي بين كاراكاس وواشنطن
ونظرا للتأثير الكبير لحالة عدم الاستقرار في فنزويلا علي وضع الاستقرار في عدد من الدول المجاورة لها في أمريكا الجنوبية، والتي تعتبر البوابة الجنوبية للأمن القومي الأمريكي، فقد نشرت جريدة نيويورك تايمز الأمريكية تقول: أن إدارة الرئيس ترامب تدرس فرض عقوبات صارمة علي الحكومة الاشتراكية في كاراكاس، بسبب سياساتها الديكتاتورية المناوئة للديمقراطية والشعب الفنزويلي. مشيرة إلى أن قطاع البترول يمثل عصب الاقتصاد الفنزويلي.
ويشير محللون أن إعلان واشنطن فرض عقوبات علي الحكومة الاشتراكية، التي تمثل امتدادا لفكر شافيز الاشتراكي، يمثل امتدادا للصراع الأمريكي الفنزويلي منذ أيام شافيز الذي توفى منذ سنوات بسبب مرض السرطان. ويطالب عدد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية ترامب بالتروي وعدم الانصياع لسرعة تطورات الأحداث في فنزويلا، خاصة وأن الإدارة الأمريكية فشلت سابقا في تحقيق أى نصر سياسي صريح علي هوجو شافيز الذي كان يتخذ مواقف معلنة عدائية ضد الولايات المتحدة وإداراتها المختلفة، وهو مايسير علي نهجه نيكولا مادورو، فضلا عن عقلية قطاع يعتد به من الشعب الفنزويلي ذي التوجهات الاشتراكية الرافض للدور الأمريكي.
انهيار اقتصادي وفقر وبطالة
علي جانب آخر، توقعت جريدة واشنطن بوست الأمريكية، أن تزداد حدة الصراعات الداخلية في فنزويلا، ليس فقط لاعتبارات سياسية، ولكن لاعتبارات اجتماعية، بعد أن انهار الاقتصاد، وبلغت معدلات الفقر مستويات رهيبة، ولم يعد المواطن الفنزويلي يجب المواد والسلع الضرورية اللازمة لحياته، وانتشرت السرقات من الأسواق للبضائع والمنتجات، في ظل شح رهيب للمنتجات الغذائية والسلع الضرورية. ويضاف إلى هذا وجود تكتلات ومافيا كبيرة لا تتاجر فقط في المواد المخدرة مثل بقية دول أمريكا الجنوبية، ولكنها تتاجر في المواد الغذائية التي أصبحت نادرة بدرجة كبيرة في الأسواق، وهو ما ينذر بثورة، ربما تكون دموية، خاصة وأن ارتفاع معدلات الفقر، يصاحبه ارتفاع كبير لمعدلات البطالة بين أوساط الشباب، الذين بدأوا يعلنون ضيقهم من الاشتراكية، وخليفة شافيز، مقارنة بغيرهم من دول أمريكا الجنوبية.
قمع المعارضة وتعذيب قياداتها
في سياق متصل، وفي استخدام لوسائل التواصل الاجتماعي، قالت وكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس، أن المعارض ليو لوبيز، في تسجيل مصور، قال أنه يتعرض للتعذيب الوحشي، في محبسه، حيث يقضي عقوبة السجن لمدة 13 سنة، بتهمة التحريض علي الاحتجاجات والعصيان المدني والتحريض علي العنف في الاحتجاجات ضد النظام الحاكم برئاسة نيكولا مادورو.
كما أعلنت في سياق متصل، المعارضة المدنية في البرلمان الفنزويلي، والتي تمتلك الأغلبية بأنها لم تعد تعترف بالحكومة الحالية لنيكولا مادورو، ولا تقبل الدعوات غير الصادقة لمادورو للدعوة إلى انتخابات جديدة لتشكيل جمعية تأسيسية.
فشل السياسة الاشتراكية
وأوضحت جريدة لوموند الفرنسية أن القمع الوحشي للمظاهرات والاحتجاجات المدنية، التي يقوم بها الشباب، ضد الرئيس مادورو، إنما تعتبر تعبيرا حقيقيا عن فشل السياسية الاشتراكية، التي أدت لانهيار الاقتصاد وتفشي الفقر والبطالة، لدرجة جعلت المجتمع الفنزويلي علي شفا ثورة حقيقية ضد الرئيس مادورو.
وهنا يكون من المنطقي أن تنتشر حالات التفجير في عدد من المنشآت الحيوية، لتلصق التهم بالفريق المعارض، فالرئيس يتهم المعارضة، والقوى المعارضة تتهم الجماعة الحاكمة حتى تسئ لصورتها أمام جمع المواطنين، في لعبة أشبه بلعبة القط والفأر سياسيا.
اتهامات التدخل الأمريكي
وأشارت جريدة الجارديان البريطانية إلى أن مادورو من وقت لآخر يتهم الولايات المتحدة بأنها وراء دعم المعارضة في بلاده من أجل أن تسمح المعارضة حال وصولها للسلطة أو حتى قبل وصولها للسلطة بالتدخل العسكري الأمريكي في البلاد، وهو ما يوجد موطئ قدم للأمريكان في فنزويلا بعض صراع وعداء تاريخي بين كاراكاس وواشنطن منذ أيام الأب الروحي لفنزويلا هوجو شافيز.
وتقول أن الشعبية الكبيرة التي كانت يعتمد عليها مادورو في بداية حكمه باعتباره خليفة شافيز، تراجعت لمستويات متدنية للغاية بسبب الانهيار الاقتصاد وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، التي تهدد بانفجار مجتمعي مروع.
عزلة من الجيران
كما كشفت وكالة بلومبرج أن هناك حالة من الجفاء بين فنزويلا منظمة الدول الأمريكية، حيث سبق وأن أعلنت المنظمة أن عودة فنزويلا للمنظمة مشروطة بتخلي مادورو عن الرئاسة وإجراء انتخابات ديموقراطية تتسم بالنزاهة والشفافية في ظل تواجد مراقبين دوليين. ويذكر أن فنزويلا انسحبت من المنظمة منذ أن اندلعت الاحتجاجات الشعبية فيها في أبريل الماضي، بسبب مطالب المنظمة لكاراكاس بمزيد من الاجراءات الديموقراطية وانهاء حالة القمع الوحشي والسلطة المطلقة لمادورو.
أسعار أسواق البترول
يبدو أن تطورات الأحداث بوتيرة سريعة في فنزويلا ستكون حديث وسائل الإعلام العالمية، ودوائر صنع القرار، خاصة وأن كاراكاس، أحد أهم مصدري النفط في الأسواق الدولية، وبالتالي أى تطورات سلبية ستؤثر علي مستويات الأسعار، وهذا ما يمكن أن يتحمله الاقتصاد الدولي لبعض الوقت، ولكن ليس لفترات طويلة، خاصة وأن السعودية قررت مؤخرا تغيير سياسات السعرية المغرقة لأسواق النفط بكميات ضخمة لضرب البترول الإيراني، إلا أن تردي أداء الاقتصاد السعودي، جعلها مجبرة تعدل من الأسعار بالارتفاع نسبيا، في ظل سياسات التقشف التي تتبعها الرياض مؤخرا، وهو ما يعني أن أى نقص في الكميات المعروض في أسواق النفط الحالية، سيشعل الأسعار في السوق، حسب جريدة الفاينانشيال تايمز.