– من هو القديس يوسف النجار؟
ذلك الجندي المجهول الذي قبل أن يكون خادماً لهذه العذراء وطفلها في صمت بعيداً عن الأضواء، والمعلومات المتوافره عنه قليله جداً.
إننا نقف إجلالاً و إكراماً لذلك الرجل المختفي، الذي لم ينطق بكلمه واحدة لا بلسانه ولا في الكتب، وحتى الأناجيل لم تذكره إلا ما جاء في إنجيل متى عن سرد لقصه ميلاد يسوع المسيح، حيث قال عنه : “كان يوسف خطيبها باراً” (متى 1 : 19).
تجاهل الباحثون والمؤرخون عن ذكره، وحتى الكهنة والوعاظ – مع الأسف – في عصرنا الحاضر تناسوه بخطبهم ومقالاتهم.
يوسف النجار القديس التقي البار – ما أقل الذين كتبوا عنه – رغم الرسالة الهائلة التي قالم بها في حياة ربنا يسوع المسيح على الأرض، وفي حياة البتول مريم العذراء.
القديس يوسف النجار هو شخصية من شخصيات العهد الجديد، خطيب السيدة العذراء مريم – ومُربي يسوع المسيح، والأب الأرضي له – بخلاف الأب السماوي له “يهوه”، حيث ينُسب يسوع لكلاهما – فهو ابن (يهوه) ويوسف في نفس الوقت حسب اعتقادنا نحن المسيحيون، وينسب إلى الملك داود من خلاله – حيث أن المسيح حسب الجسد سؤاء في المعتقد اليهودي أو المسيحي يجب أن يكون من سلاله داود، حيث أن (يهوه) اختار يوسف وكيلاً وممثلاً عنه، و أن الروح القدس ائتمنه على حراسه عذرية مريم.
– حياه القديس يوسف النجار :
ولد القديس يوسف النجار في بيت لحم، وهو ينتمي إلى سلالة ملكية، حيث ينتمي إلى الملك داود. وكان من عائلة “متان” – ابن داود من سبط يهوذا.
كان (لمتان) ولدان هما “يعقوب ويواقيم” – ويواقيم هذا هو أبو العذراء مريم، حيث يرجع نسب المسيح. ثم مات (متان) بعدها، فتزوجت امرأته بآخر وأنجبت منه “هالى”، ثم تزوج (هالى) ومات دون أن ينجب نسلاً – فتزوج يعقوب بامرأه (هالى) أخيه حسب الشريعة اليهودية “تثنيه 25 : 2” وأنجب يوسف النجار، وإذا كان يوسف النجار ابن لـ(يعقوب) حسب الطبيعة (مت 1 : 16) – وابن (لهالى) حسب الشريعة (لو 3 : 23) وهذا يوضح اختلاف النسب الوارد في إنجيل معلمنا متى النسب الوارد في إنجيل معلمنا لوقا.
ونرجع إلى (يواقيم) وهو شقيق كل من “يعقوب وهالى” من أبيهم (متان)، حيث ظل (يواقيم) وزوجته (حنه) عاقرين لمدة (31 سنة)، ثم أعطاهم الرب الدرة الثمينة مريم العذراء، فوهبها لخدمه الهيل بعد فطامها ولها من العمر ( 3 سنوات)، ولما بلغت مريم ( 6 سنوات ) – توفى أبوها يواقيم، ولما بلغت (8 سنوات) – توفت أمها (حنه) – فصارت يتيمه الأب والأم.
كانت مريم قد نذرت نفسها أن تعيش عذراء طوال حياتها، فلما بلغت (12 سنة) – كان لابد أن تغادر الهيكل بحسب الشريعه ففكر الكهنه في اختيار شخص بار تخُطب له مريم ويأخذها ليرعاها فيبيته بدون زواج فعلي. فجمعوا عصى بعض الشيوخ المعروفين بالتقوى، ووضعوها في الهيكل وظلوا يُصلّون.
وفي يوم من الأيام جاءت حمامة ووقفت على العصاه المكتوب عليها اسم يوسف النجار، ثم طارت الحمامة ووقفت فوق رأس القديس يوسف النجار – فعلم الكهنة أن هذا الرجل قد اختاره الله للقيام بهذه المُهمة، فأخذ يوسف النجار العذراء إلى بيته وهو شيخ على أنه خطيبته أمام المجتمع ونفسه لخدمه الفتاة الصغيرة دون أن يعرف ســــرّ هذه القديسة وأنها سوف تصير أم الله !!.
لم يعرف يوسف النجار مريم العذراء حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع.. خطب يوسف الفتاة الطيبة (مريم)، وهي من أهل الجليل ومن عائله متواضعة، تعيش كفاف يومها بسعادة وقناعة، تخدم في الهيكل وتتعبد لربها.
اتفق يوسف معها ومع أهلها على أن تكون زوجته – وذهب في فرح عظيم يجهز بيته المتواضع الكائن في بلده الناصرة ليكون مسكناً لمريم.
يوسف الصدّيق البار.. لم يخطر بباله يوماً أن مريم ستكون أم المخلص المنتظر، وأن الملاك جبرائيل قد حمل إليها البشــــارة رغم كونه متعمقا بكل ما جاء في الكتب المقدسة عن المسيح المنتظر وعن كيفيه مجيئه، وما قيل عنه في سفر أشعياء النبي “هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً “، (أشعياء 7 : 14).
كان يوسف ينتظر الخلاص، شأنه شأن سائر شعب الله المنكوب لأنه بعد أن مدّ الفقر والاستياء أزياله على عموم الناس، كان الجميع ينتظر بفارغ الصبر رسولاً من السماء ينُعش ويعيد روح الله في قلوب البشر.
وهكذا حدث ليوسف ما لم يحدث لغيرة سواه، عندما أراد أن يأتي بخطيبته إلى بيته فوجدها (حبُلى)، تنتظر مولوداً.. فاضطرب وخاف كما جاء في الإنجيل – وتساءل ما عسى أن يكون هذا !!!
فاحتار في أمرهاً.. وهكذا تعرض يوسف لمحنة قاسية أوشكت أن تودي بعلاقته مع مريم إلى حد القطيعة والانفصال، فهو يعِتبرها شريكة، عذراء طاهرة.. وإذا بها حبُلى.!!! ذلك يفوق إدراك عقله.. لكن رغم ذلك لم يفقد صوابه، ولا تفوه بكلمه لا مع مريم ولا مع غيرها حول أي نوع من القلق والظنون لأنه كان مقتنعاً ببراءة مريم خطيبته.. ولم يسء الظن بها مطلقاً. ولكن عدم تمكنه من إيجاد تفسير لما يراه عليها من تغييرات، دفعه إلى أن يتخذ قراراً بتخليتها سراً دون إثارة أي ضجة تلحق بها الضرر، لأنه مجرد أن يخبر عن سرّها تنال “مريم” عقوبة الرجم حتى الموت بحسب الشريعة اليهودية.. لكنه لم يفعل.. قد يكون ذلك الأمر بالذات يدعوه الإنجيل “البار.. الصدّيق”.
لم يتركه الله كثيراً في حاله الشك والاضطراب، فأرسل له الملاك وأخبره لتحمل أعظم مسئولية ألقيت على عاتق بشر ليكون مربياً ليسوع المسيح، من دون تأثير على حريته أو الضغط على قراره.
عندما أدرك يوسف مقاصد الله وتدابيره من الملاك جبرائيل، استجاب لها و اندمج معها، فأمن بالسر الكبير وقبلَ المهمه التي كلفه بها الله أن يكون أمام المجتمع الأب الشرعي ليسوع الذي كان الجميع يعرفونه بابن النجار (يوحنا 6 : 42).
هكذا أمن يوسف واحتفظ بمريم، وأتى بها إلى بيته فرحاً مسروراً لهذا الشرف السامي الذي خصه به الله ليكون مربياً ليسوع المسيح.
فعندما ولد يسوع – تهلل قلبه من أصوات الملائكة، وهم ينشدون المجد والسلام بمولده – مع مريم استقبل الرعاة والمجوس الذين أتوا من الشرق ليسجدوا له.
مع مريم هرب بيسوع إلى مصر لما أوُحي إليه أن حياة الطفل مهُددة – مع مريم ويسوع ذاق طعم التشرد والهرب والغربة والانتظار – نذر يوسف النجار حياته كلها مُضحياً بكل ما لديه للعنايه بيسوع وبأمه مريم.
هذا هو يوسف النجار الذي ضرب أروع مثال في التضحية والعطاء ونكران الذات خدمة لخير البشرية الأكبر الذي سيحققه يسوع يوماً ما.. ويكفيه شرفاً وهو الرجل المتواضع المختفي أن يكون قد أوصل بالتعاون مع مريم ابنه يسوع إلى كمال الرجولة من خلال تربية متكاملة الجوانب.
هذه كانت رسالة يوسف وتضحيته العظمى.. فهل تجد اليوم أمثال يوسف!! ؟؟ حتى من بين المكرسين للرب.. !!! عرفوا حقاً معنى التضحية وذاقوا طعم التجرد، وذهبوا إلى أقصى حدود نكران الذات لأجل خلاص النفوس.
لقد فعل يوسف ما أمر به الملاك من طاعة عجيبة ورجاء حي.. وأطاع أيضاً أمر الملاك بالهروب إلى أرض مصر، هذا رغم أن الإنجيل لم يسجل ولو كلمة واحدة قالها يوسف لكي تتحقق ثلاث نبوات كتابيه كان ليوسف دور في إتمامها، وهي:-
1- ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل. 2- مبارك شعبي مصر . 3- من مصر دعوت ابني.
كان يوسف يأخذ عائلته كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح، أشار يسوع إلى يوسف بكلمة (أبي) – وكذلك فعلت أمه مريم.
لقد تمتع القديس يوسف بعلاقة قوية بالسماء، حيث كانت تصدر له التعليمات بتحركاته وتصرفاته – ولنا في شخصية القديس يوسف النجار قدوة عظيمة من خلال ما تمتع به من صفات نحن في أمس الحاجة بالتحلي بها. لقد كان الرجل المناسب في المكان المناسب.
من أين لنا هذه المعلومات عن حياة القديس يوسف النجار :
أن اكثر المعلومات التي نعرفها عن القديس يوسف أو عن مريم العذراء جاءتنا في (ميمر) هام كتبه لنا القديس يعقوب الرسول ابن حلفي “أول أسقف على أورشليم” عن ميلاد السيدة العذراء.
– من هو القديس يعقوب ابن حلفي وما علاقته بالسيد المسيح:-
يعقوب ابن حلفي، هو أحد الاثنى عشر تلميذاً، “كاتب رساله يعقوب” وله صلة وطيدة بالسيد المسيح، هذا ما جعل أهمية كبيرة لهذا (الميمر) الهام.
كان يعقوب ابن حلفي وأخوه يهوذا “كاتب رساله يهوذا”، ضمن الذين تلقبوا بأخوة الرب يسوع المسيح، وهم: “يعقوب ويهوذا وسمعان ويوسى”، وهم في الحقيقة أولاد خالة المسيح وأولاد عم المسيح في نفس الوقت ، إذا اعتبرنا يوسف النجار في مقام أب المسيح أمام الناس.
إن الرب أعطى يواقيم وحنه – ابنة ثانية بعد تقديمهم مريم العذراء إلى الهيكل، فأسمياها مريم أيضاً، مريم الثانية هذه تزوجت برجل اسمه حلفا (بالعبرية) – أو كلوبا (باليونانية) – وأنجبت منه الأربعة أولاد السابق ذكرهم.
يقول (بوسابيوس) القيصري المؤرخ الكنسي المشهور، إن كلوبا كان أخ يوسف النجار، ومن هنا جاءت أهمية (الميمر) الذي كتبه يعقوب الرسول كفرد من عائلة المسيح هذا – وأن يواقيم والد العذراء مريم هو عم القديس يوسف النجار – وبهذا تكون العذراء القديسة مريم قد خطُبت إلى ابن عمها، وبذلك تكون الصوره قد اتضحت أكثر.
نياحة القديس يوسف النجار :-
في 26 أبيب – تنيح القديس البار الشيخ يوسف النجار الذي استحق أن يدعى أبا للمسيح بالجسد.
ولما حضر الوقت الذي ينتقل فيه من هذا العالم إلى عالم الأحياء – حضر السيد المسيح نياحته ووضع يده على عينيه وبَسط يديه وأسلم الروح ودفن فى قبر أبيه يعقوب وكانت جملة حياته (مائة واحد عشر سنة) – منها أربعون سنة غير متزوج واثنين وخمسون سنة متزوجاً وتسعة عشر سنة مترملاً، وكانت نياحته في السنة السادسة عشرة لميلاد السيد المسيح.
احتفال الكنائس بيوسف النجار :
تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بعيد القديس النجار قبل بدأ صوم السيدة العذراء بأسبوع، وقد شيدت له كنيسة على اسمه في مصر القديمة في القاهرة.
تكرّم الكنيسة يوسف القديس العظيم كالرسل أنفسهم، وتعيّد الكنيسة الرومانية اللاتينية – والكنيسة الغربية للقديس يوسف في يوم 19 أذار من كل سنة – بينما تحتفل الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية بتذكار يوسف الصديق خطيب مريم في الأحد الذي يلي عيد الميلاد وترى فيه شفيع الكنيسة الجامعة الرسولية.
يُذكر (ميمر) يعقوب ابن حلفي أن :
. قد تزوج يوسف النجار عندما كان عمره 40 سنه وقد ماتت زوجته عندما كان عمره 92 سنه .
. القديس متى : ذكر النسب الحقيقي ليوسف النجار على أنه ابن يعقوب.
. القديس لوقا : ذكر النسب الشرعي ليوسف النجار على أنه ابن هالى.
Discussion about this post