تعود معكم وطني للإجابة على تساؤلاتكم حول مشروع التحطيب الوطني من خلال الكابتن عادل بولادمؤسس التحطيب المعاصر ، حيث كان من المهم العودة إلى التاريخ للتأكد إن كان المشروع على الطريق الصحيح أم لا،
هل قمت بالبحث تاريخيًا وأثريًا؟ لا، أنا لست متخصص في الآثار والتاريخ، لكني كنت أود التأكد من إن كل ما تعلمته سليم ومضبوط بالنظر إلى البعد التاريخي والأثري، فقابلت دكتور طارق العوضي، كان مدير المتحف المصري بالقاهرة سابقًا، وكانت رسالة الدكتوراه الخاصة به عن منطقة أبوصير وهي منطقة أثرية تقع بين الجيزة وسقارة، وبها هرم للملك ساحورع وهو الملك الثاني في الأسرة الخامسة – حوالي 2600 ق.م. هرم ساحورع يتقدمه ممر طويل طوله 200 متر لكن معظمه تهدم وما بقى منه كان يحوي أربعة مناظر تحطيب بها، فأراني طارق العوضي إياهم وترجم لي الكلمات المصرية القديمة المدونة بجانب الصور وكانت توجيهات من المعلم إلى تلميذه. وكانت تلك هي النصوص الوحيدة المكتشفة حتى الآن عن التحطيب، ولذلك فأنا اعتبر إن ذلك النص هو معجزة، فقد تم تدمير معظم الممر ليتم استخدام أحجاره لصنع أفران وما إلى ذلك، كما إن المناظر الأخرى الموجودة في مناطق أثرية أخرى مثل مقابر الأشراف ببني حسن لا نجد أي شرح، أينعم المناظر المصورة على مقابر بني حسن تعتبر كتاب رياضي كامل ففيها مناظر شاملة ورائعة، لكن ينقصها الشرح. ثم تعرفت على علماء مصريات فرنسيين وألمان، وكان هدفي الأول أن يكون كل شيء مرتب ومنظم على مستوى عالي حتى استطيع نشر اللعبة على مستوى دولي وتسجيها في اليونسكو. هؤلاء العلماء قاموا بمراجعة أعمال طارق العوضي، ومن بين هؤلاء العلماء والمستشارين دومينيك فاروت Dominique farout والذي قام بكتابة المرجعية في صفحتين بكتاب التحطيب، وكان موضوعه عن الفنون القتالية في مصر القديمة. كما تعرفت أيضًا على فولفانج دوكير wolfgang deker وهو أكبر عالم في الرياضات في العالم القديمة بشكل عام، والفنون القتالية القديمة بشكل خاص. وكتب دوكير مقالة متخصصة في فن العصا في مصر القديمة وشرح الكثير من الأمور عن التحطيب. أين قدمتم عروضكم وكيف كان مردودها؟ قمنا في أكتوبر 2015 بعرض في انجلترا في المتحف البريطاني أسموه روح مصر soul of Egypt . فنزلنا المتحف و”احتليناه” بعد ستين عامًا من عدوانهم الثلاثي على بورسعيد، وكنت حينها أبلغ من العمر 5 سنوات. وفي المهرجان الدولي الفنون القتالية Festival des Arts Martiaux في 2016 في حي بيرسي بباريس، طلبوا مننا أن نقوم بالعرض الختامي وكنّا قلقين للغاية لأن هناك العديد من العروض الممتازة التي قدمت، قالوا لنا إن فنكم له طابع احتفالي استعراضي لك ستقدمون العرض الختامي. وكانت المفاجأة إن الجميع أعجب بالعرض وانهالوا عليه تصفيقًا.
من عرض التحطيب بالمهرجان الدولي للفنون القتالية ببيرسي [T-video embed=”GTHIIxKi6js”] وهل كانت هناك ردود فعل أخرى؟ لقد اهتمت وسائل الإعلام العالمية. ومن بينهم مقالتين في مجلة كاراتيه بوشيدو الأولى بتاريخ يناير 2010 والثانية بتاريخ إبريل 2013، وموقع مونت كارلو الدولية، كما أفردت جريدة لوموند الفرنسية –وهي أهم جريدة في فرنسا- صفحة كاملة، وحينها ذهبت إلى سفير مصر في فرنسا وقلت له هل كتبت تلك الجريدة عن مصر حرفًا واحدًا بسبب نشاط السفارة، فقال أبدًا. ولهذا أنا اعتبر نفسي سفير ثاني لمصر بالتحطيب. كما إني حاولت أن أجلب السياحة لمصر، فأرسلت خطاب لوزير السياحة ووزير الهجرة ليفتتحوا مكتب في بريطانيا لكنهم لم يهتموا.
وما هو الفارق بين التحطيب التقليدي والتحطيب المعاصر؟ لقد أضفت للتحطيب التقليدي أربع إضافات، الأولى النموذج والهيكلة الرياضية. كما أضفت حركات أخرى من مجموعة أبوصير الأثرية، وسميتها باسم أبوصير تأصيل – أبوصير تأصيل – أبوصير التزام – أبوصير تواصل. الإضافة الثانية هي الزي الرياض. فعندما قمنا بالعروض في أكثر من مكان. كانت هناك اعتراضات على الجلباب الزي يرتديه اللاعبون، قائلين نريد أن نفهم حركات القدمين والجسم. فوضعنا زي رياضي بلمسة مصرية قديمة، حيث من خلال مناظر التحطيب على المقابر والمعابد، وضعنا حزام ثلاثي يشابه الزي الذي كان أجدادنا القدماء يرتدونه عند ممارسة التحطيب. والإضافة الثالثة هي فتح الباب للنساء للممارسة، فقديمًا وحتى الآن لم يكن للنساء ممارسة التحطيب التقليدي، بالرغم من أن التحطيب يعتمد على مرونة التفكير ومرونة الجسم والتحكم واحترام الذات واحترم الأخر، وهو ما يتواجد لدى الرجال والنساء على السواء. وفي التحطيب المعاصر بدأت النساء في الإقبال على مراكز التدريب لتعلم التحطيب. وأول فتاة لعبت التحطيب في مصر و العالم هي فتاة مصرية من المنيا تدعى ماجي وكان لك في العام 2007.
تدريب التحطيب المعاصر في كلية العلوم السياسية بباريس- العنصر النسائي واضح في الفيديو [T-video embed=”cx1oSDLhvUg”] أما الإضافة الرابعة هي مبارزة فرد لأكثر من فرد. فالتحطيب أصله فن قتالي عسكري. وطبيعي في الحروب يمكن أن نرى شخصًا يقاتل ويبارز أكثر من فرد وحده، ولهذا أعددت وصممت جزء خاص بقتال فرد مع مجموعة، وكتبت فصل عنه في كتاب التحطيب. وعندما عرضت هذا الكتاب على معلمي التحطيب في الصعيد وتركته بين يديهم لمدة ستة أشهر أصروا على بقاء ها الجزء في التحطيب المعاصر قائلين “هذا هو الفن القتالي الحقيقي”. إذن هل بعدما انتهيت من الأبحاث في التحطيب وتطويره بدأت في العمل من أجل اليونسكو؟ أولًا أنا لم انتهي من بحثي في التحطيب أو انتهي من تطويره، الأبحاث لازالت مستمرة مع فريقي ومع الفرق الأخرى، وكل ممارسة تمنحك اتجاهات جديدة، لا فالإبداع لن ينتهي. أما بالنسبة لليونسكو ففي العام 2011 قابلت المستشار الثقافي المصري في فرنسا حول الأمر فقال: “لا تقلق سنهتم بالأمر وستدعمنا وزارة الثقافة.” واتفقنا على أن أحضر لهم المعلومات التي قد جمعتها. وفي يوليو 2012 اجتمعنا مع المسئولين وأعطيناهم ما جمعناه من معلومات. واجتمعت بفنانين وظللت أجوب فرنسا لمدة 40 يومًا مقدمًا لعروض ومحاضرات، ثم اتفقت مع الشخص المسؤول على أن نتقابل في شهر سبتمبر لأحضر له ملف كامل عن التحطيب، حتى يقومون بإعداد ملف في اليونسكو ويدخل المنظومة في شهر أكتوبر ليتم تسجيله في قائمة التراث اللامادي بعد سنتين. لكن ما حدث بعد ذلك انه لم يقابلني في شهر تسعة وكلمته أكثر من مرة لأقابله لكنه لم يأتي في كل مرة، وبذلك قد انقضى شهور أكتوبر ونوفمبر وديسمبر.
تحدثت إلى ماجدة صالح وهي أول بالرينا وكانت تعمل في دار الأوبرا المصرية، فقالت لي أن أتوجه إلى تامار تينيشفيلي Tamar Teneishvili ،مستشارة ثقافية باليونسكو، والتي وجهتني إلى أيمن خوري مصور فيديو ومن المتخصصين بشئون التراث، وسميح شعلان مستشار في وزارة الثقافة في مجال الأبحاث. ثم قالت لي: “لابد لك من جهة رسمية تدعمك وميزانية. اجمع ملف وعززه بفيديوهات، وان استطعت، سيتمكن ملفك من الدخول في المنظومة في آخر مارس 2013 ليتم التصويت عليه في 2014.”
ثم قابلت خوري وشعلان وبدأنا في إعداد الملف ووجدنا جهة رسمية تدعمنا هي جمعية الصعيد، وهي جهة محترمة تأسست سنة 1949 ولها 135 مركز في الصعيد تقوم من خلالهم بالتنمية والتطوير والتعليم، وجهة ضمنت لنا ميزانية. وأنجزنا الملف، ومضى محمد أبو سعدة باسم وزير الثقافة –الذي كان وقتاها هو محمد صابر عرب. ثم دخل الملف المنظومة.
تقربت بعدها من سفير مصر في اليونسكو، محمد سامح عمرو، وقلت له لابد من التحرك ومقابلة وفود البلاد التي ستقوم بالتصويت حتى نقوم بإقناعهم بالموافقة على ملفنا، لكنه لم يتحرك. ثم جاءت 2014 وطلبت منه التحرك ثانيةً وطلبت أيضًا من أشخاص آخرين يعملون في الدبلوماسية المصرية باليونسكو لكن جميعهم لم يتحركوا، وقالوا لي مصر قوية ولسنا بحاجة إلى مقابلة الوفود.
ثم ذهبت ثانية إلى وفد الدبلوماسية المصرية في نهاية شهر سبتمبر متسائلًا عن كيفية عمل المنظومة ومتى سنقابل الوفود، ففوجئت بأن هناك اعتراضات على ملف التحطيب أعلنها اليونسكو للوفد المصري منذ شهر يونيو من نفس العام. اعترضت اليونسكو حول إن الرياضة تحتوي على عنف، كما اعترضوا على عدم انتشاره في مصر كلها، لأن التسجيل في قائمة اليونسكو معناه إن الدولة تحافظ على هذا التراث، وتسجيله في قائمة اليونسكو سيشجع على المزيد من الدعم له، وكانت اعتراض على عدم مشاركة النساء في اللعبة. والسؤال هنا ماذا حدث بشأن الاعتراضات؟ تابع معنا عزيزي القارئ باقي هذا الحوار “وطـني” تحاور عـادل بولاد مؤسس التحـطيب المعاصر (١) |