كتاب (من بعيد) تأليف د. طه حسين :
فى مقدمة الطبعة الأولى الصادرة عام 1935 كتب طه حسين أنّ فصول هذا الكتاب كتبها فى الفترة بين 1923وسنة 1930. ونظرًا لأنّ الكتاب يقع فى 305 صفحة من القطع المتوسط ، فإننى سوف أكتفى بعرض موجز لما جاء فى القسم الرابع منه المُعنون (بين العلم والدين)
فى هذا القسم ناقش طه حسين العلاقة بين العلم والدين ، وهل هناك خصومة بينهما أم لا ؟ فكتب ((الحق أنّ هذه الخصومة بين العلم والدين ستظل قوية متصلة، ما قام العلم وما قام الدين. لأنّ الخلاف بينهما أساسى جوهرى لا سبيل إلى إزالته ولا إلى تخفيفه إلاّ إذا استطاع كل واحد منهما أنْ ينسى صاحبه نسيانـًا تامًا ، ويعرض عنه إعراضًا مُـطلقــًا)) (ص 202)
وفى باقى فصول هذا القسم شرَحَ أسباب الخصومة بين العلم والدين ، فكتب ((والخصومة بين العلم والدين جوهرية ، لأنّ الدين يرى لنفسه الثبات والاستقرار. ولأنّ العلم يرى لنفسه التغير والتجدد ، فلا يمكن أنْ يتفقا ، إلاّ أنْ ينزل أحدهما عن شخصيته. والخصومة بين العلم والدين أساسية جوهرية ، لأنّ أحدهما عظيم جليل واسع المدى بعيد الأمد ، لا حد له ولا انتهاء لموضوعه ، ولأنّ الآخر متواضع ضئيل محدود المطامع بطيىء الخطى ، يقدم ثم لا يكره أنْ يحجم ، ويمضى ثم لا يكره أنْ يرتد ، ويبنى ثم لا يتحرج من الهدم . فلا يمكن أنْ يتفقا ، فالخصومة بينهما أمر لابد منه. ولكن المسألة فى حقيقة الأمر ليست فى أنّ الخصومة ضارة أو نافعة. أو بعبارة أدق : المسألة هى أنْ نعرف هل كــُـتب على الإنسانية أنْ تشقى بالعلم والدين ؟ أم كــُـتب على الإنسانية أنْ تسعد بالعلم والدين ؟ أما نحن فنعتقد أنّ الإنسانية تستطيع أنْ تسعد بالعلم والدين معًا ، وأنها مُلزمة إذا لم تستطع أنْ تسعد بهما أنْ تجتهد فى ألاّ تشقى بهما. وسبيل ذلك عندنا واضحة ، وهى أنْ يُنزع السلاح من يد العلم والدين . أو قل سبيل ذلك أنْ تــُـرغم السياسة على أنْ تقف موقف الحيدة بين هذيْن الخصميْن ، فالسياسة تريد وتستطيع الأذى غالبًا ، وهى كما قلتُ تتخذ العلم حينـًا وسيلة هذا الأذى . وتتخذ الدين حينـًا وسيلة إليه)) (من 227- 229) ثم شرح كيف أنّ رجال السياسة يستغلون رجال الدين ورجال العلم ويشترون ضمائرهم.
واختتم طه حسين هذا القسم قائلا ((نحن مُـتصلون رضينا أم أبينا بأمم الغرب المُـتحضرة . ونحن حريصون على أنْ نظفر- لا أقول بعطف هذه الأمم – بل أقول بإكبارها لنا واحترامها لمنزلتنا السياسية والاجتماعية. وإذن فنحن مضطرون أنْ نـُـساير هذه الأمم ونعيش كما تعيش . ونحن لا نستطيع أنْ نعيش فى القرن العشرين كما كانت تعيش فرنسا فى القرن الرابع والخامس عشر بحجة أننا حديثو عهد بهذه النظم الحديثة. نحن نريد أنْ نظفر من الاستقلال بما يقفنا من إنجلترا وفرنسا موقف الند من الند . فيجب أنْ نعيش كما تعيش إنجلترا وفرنسا إلى ما نطلب من الاستقلال . ونحن مضطرون إلى أنْ نـُحاول التخلص من الامتيازات الأجنبية. فيجب أنْ تعيش بلادنا كما يعيش الأجانب فى بلادهم . وأنْ نستمتع من الحرية بمثل ما يستمتعون . ثم نحن مضطرون إلى أنْ نعيش ، ولن نستطيع أنْ نعيش إلاّ إذا اتخذنا أسباب الحياة الحديثة. فنحن محتاجون أنْ ننتفع بالبخار والكهرباء ونستغل الطبيعة كلها لحياتنا ومنافعنا. والعلم وحده سبيلنا إلى ذلك ، على أنْ ندرسه كما يدرسه الأوروبيون ، لا كما يدرسه آباؤنا منذ قرون . وويل لنا يوم نعدل عن طب باستور وكلود برنار إلى طب ابن سينا وداود الأنطاكى . وهذا العلم الحديث الذى لا نستطيع أنْ نستغنى عنه ، لا يمكنه أنْ يعيش ولا أنْ يُـثمر إلاّ فى جو كله حرية وتسامح. فنحن بين إثنيْن : إما أنْ نـُؤثر الحياة ، وإذن فلا مندوحة عن الحرية ، وإما أنْ نـُؤثر الموت ، وإذن فلنا أنْ نختار الجمود)) (ص 245، 246) وهذا الفصل سبق أن نشره فى مجلة الحديث عدد أمشير/ فبراير1927. وهذا الكتاب الصادر عام1932 أعادتْ هيئة قصور الثقافة طبعه عام 2012.