التلمذة في بالبرية هي تلمذة الآباء الرهبان والأمهات الراهبات في الأديرة والبراري.
التلمذة على بالبرية هم الزائرون الذين يزورون الأديرة والبراري من وقت لآخر.
والتلمذة هي أحد الموضوعات الأساسية في حياتنا على الأرض. شعور الإنسان بأنه تلميذ مهما كبر ، ومهما تحمل من مسئوليات ، هو أحد ملامح حياة الاتضاع في مسيرة الحياة.
والتلمذة تعني أن الإنسان له فكر واضح ، يتتلمذ لكي يضيف لحياته باستمراوالتلمذة علي البيئة التي يتعلم فيها الإنسان تكون بيئة أمينة ، بمعنى أن يتعلم الإنسان من مدرس شاكر في مجتمع جيد.
حين يتتلمذ الإنسان لا يتتلمذ بالعين فقط ، بل بالعين والأذن واللمس والتذوق ، أي بكل حواسه.
هناك عدة أنواع من التلمذة في حياتنا اليومية: مثل التلمذة الدراسية ، التلمذة المجتمعية ، والتلمذة الديرية (في الدير) ، التلمذة الكتابية ، التلمذة الأسرية ، والتلمذة الحياتية.
– التلمذة في بالبرية:
من الأسئلة المهمة: كيف عاشت الرهبنة كل هذه القرون الطويلة ؟! وكيف امتدت ؟! وكيف نمت ؟!
مازلنا نتذكر القديس الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان والقديس الأنبا مكاريوس والقديس الأنبا باخوميوس أب الشركة والقديس الأنبا بولا أول السواح. فنعتبر القديس الأنبا أنطونيوس أول الرهبان لأنه هو أول من أوجد تلاميذ حوله ، فتعلموا وتتلمذوا على يديه.
والتلمذة في البرية يحكمها عدة مبادئ ، وهناك 3 مبادئ أساسية:
1- المسيح أولا:
إذا غابت هذه النقطة عن الإنسان الذي يعيش في الدير يفقد كل شئ ، وهو ما يسمى في بعض كتب آباء البرية: فضيلة العين الواحدة ..!!. ففي التلمذة الديرية يحتاج الإنسان إلى أن يرى بعين واحدة ، كأن الإنسان يملك عين واحدة ويرى بعين واحدة وترى صورة وهي صورة المسيح.
إذا فمن يسكن في البرية إن لم يجعل المسيح مشتهاه وهدفه ، وهو من يتتلمذ على يديه يفقد كل شئ. ولا يتمتع بهذه العشرة أو الأساس الذي يبني حياة التلمذة في الدير.
“لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم ” هذه الآية بصورة أخرى تريد أن تقول: “لا تجعل عين في العالم وعين في السماء”. يجب أن تكون عينك على السماء فقط أولًا وأخيرًا.
2- نذور الرهبنة:
النذور الرهبانية الثلاثة المعروفة هي: الفقر الاختياري ، الطاعة الكاملة ، حياة التبادل.
هذه الثلاثة تبني كيان الحياة الرهبانية. إن صار الإنسان غير مطيع أو لا يعيش الفقر أو لا يعيش التبتل، فماذا يتبقى في التلمذة ؟!.
يعيش الإنسان التلمذة في حياته بالبرية، في وجود هذه الثلاثة وحين يحفظها ويعرف أنها مسارات حياته اليومية.
3- الإنسان الذي يتجه لحياة الرهبنة (حياة الدير) يختارها بنفسه ، باختياره الشخصي ، اختيار إرادي وهذا الاختيار الارادي ينحصر في 3 نقاط أساسية:
دير: كيان ونظام
أب أو أم: ابوة ، بنوة وحب
أخ أو أخت: من يدخل الدير لا يختار أخوته ولكن أخوته يصيرون عائلته.
لذلك فالتلمذة تحتاج إلى البيئة الخصبة ، الكيان والنظام والأبوة والبنوة والحب والتعاون والسند من الأخوة في الدير.
كل هذا يشكل معالم حياة التلمذة التي هي أساس المسيحية. فأول عمل عمله السيد المسيح أنه اختار تلاميذه ، ووضع أول كيان المسيحية من خلال تلاميذه الاثني عشر ثم السبعين ثم بولس الرسول.
أساس نجاح الحياة الديرية هو التلمذة الروحية الحقيقية التي تحكمها المبادئ الثلاثة السابقة.
هذه هي التلمذة في البرية التي تخصَّنا جميعًا ، كل من يزور الدير ، من يزور الدير هدفه أن يتعلم في الدير ومن الدير وعلى خزانة الروح في البرية.
اما محاور التلمذة على البرية هي
اولاً: الزيارات أن يزور الإنسان المواضع المقدسة الموجودة من القرون الأولى والتي تشبعت بالصلوات.
تخيل كم الصلوات التي رفعت في هذه المواضع ، وكم البخور الذي رفع والتسابيح والمدائح التي ذكرت. لذا فأنت تزور مواضع مقدسة ولها أثر في حياة الإنسان.
مجرد جدار الكنسية له أثر وله عمل، ويستطيع الإنسان أن يتأمل فيه. فيجب إذًا أن تكون الزيارة مهدفة.
ثانياً: الجلسات الروحية
مثل جلسات الشباب في بيوت الخلوة ، يمكن أن يكون هناك حديث مع الراهب مسئول الزيارة في الدير وفي هذه الجلسات يمكن طلب المشورة الروحية. ولكن المشورة الروحية يجب أن تطلب من الإنسان المختبر ، وفي بعض الأديرة في الخارج يكون الراهب مسئول الزيارة أكبر راهب في الدير لكي يكون باستطاعته أن يقدم المشورة الروحية للزوار، لأنه يكون جدير أن يقدمها لأنه نضج في حياة البرية.
ثالثاً : الصلوات
أن اشترك في الصلاة ، أحضر الصلاة ، الحضور الذي به خشوع وخضوع وصمت ، الحضور اللائق بمواضع مقدسة عاش فيها أجيال كثيرة.
حضور القداس في كنيسة هادئة ولها عدد قليل ، فلا حاجة لميكروفونات مما يزيد من خشوع الصلاة ويكون لها معنى آخر. ويستطيع الإنسان أن يتأمل في كلمات الصلاة والتسبحة وطلب البركات ورفع القلب.
يجب أن نعرف قوة الصلوات المرفوعة في الدير، ففيه أناس تخصصوا في عمل الصلاة فقط وسائر الأعمال الأخرى هي أعمال جانبية.
الصلوات في الأديرة سند قوي لخدمة الكنيسة ، فالكنيسة تخدم في العالم والأديرة تسندها بروح الصلاة المرفوعة في كل دير.
رابعاً: الاختبارات الروحية
بلا شك ساكني الأديرة الذين يشبعون بالمسيح كل يوم لديهم اختبارات جميلة.
أحيانًا تكون هذه الاختبارات بدون كلام، مثل القصة الشهيرة عندما زار بعض الآباء الأنبا أنطونيوس لمحاولة اكتشاف الخبرة الروحية لديه. فواحد من الآباء لم يتكلم طوال الزيارة، وحين بادره الأنبا أنطونيوس مداعبًا إياه: لماذا لا تسأل فأجابه: يكفيني النظر إلى وجهك يا أبي.
فهذه خبرة روحية عاش فيها الأنبا أنطونيوس وظهرت على وجهه وترجمتها هذا الراهب.
الشبع بالمسيح ، عدم التعلق بالعالم ظهور الفضائل ، مثل فضائل الصمت والسكوت وقلة الكلام هذه اختبارات روحية.
يجب على زوار الأديرة أن يحتفظوا بهذه الخبرات الروحية.
وأيضًا عند تقدمة شئ الرهبان في الدير يجب أن يقدم الشئ بحساب وحكمة، وأن يكون مناسبًا لحياة الراهب، إذ يجب أن ندعم حفظ نقاوة رهبانيته.
خامساً : الكتابات
بلا شك في صفاء الجو وصفاء الحياة والبعد عن كل هم يستطيع الراهب أن يكون منتجًا، ليس في الأمور المادية بل في الأمور الروحية.
الكتابات والتأملات والترجمات والمخطوطات هي أمور نافعة لكل العالم ويمكن للإنسان أن يتتلمذ عليها.
الحياة الدراسية داخل الأديرة من الاساسيات المهمة جدا. حتى أنه في بعض الأحيان تسمى الأديرة (جامعات روحية).
وحينما يكون هناك شئ دراسي اجتهد فيه الآباء يمكن للإنسان أن يتتلمذ عليه ويتعلم منه.
كما أن الراهب الذي يسلك في هذا الطريق يجعل كل وقته مملوء لعمل مبارك ودسم وروحي ولا يعطي الفرصة لأفكار تحبطه أو تشتت فكره.
وختم قداسته الوعظة قائلا بأن التلمذة على البرية شئ يفيدنا جميعًا، فكلنا نتعلم من خبرة البرية.
فليعطنا المسيح أن نكون بالحقيقة تلاميذ في حقله أو في حقل الكنيسة. وأن نكون في حياة التلمذة في البرية وحياة التلمذة على البرية.