يستقبل الألمان ومن قبلهم المصريين أيضا العام الجديد بعبارة “لا يمكن أن ينتصر الإرهاب علي العالم” ولاسيما بعدما مررنا به من أحداث إرهابية متتالية خلال الأيام الفائتة أقضت مضاجع العالم بأسره وحرمته الاستمتاع بدفء الكريسماس، ولكن وعلي الرغم مما حدث إلا أن هذا لم يمنع العالم من الاحتفال بالكريسماس وإعادة فتح الأسواق وإحياء مظاهر الاحتفال وتزيين شجرة الميلاد وإضاءتها بالأنوار المبهجة، علها تكون رسالة واضحة لكل إرهابي خسيس أن العالم لازال بأمان وقادر علي لملمة جراحه -التي بعثرها الإرهاب في أرجاؤه- والاحتفال والبهجة من جديد ، ونتعرف اليوم علي أصل شجرة الكريسماس والتي بدأت في ألمانيا وانتقلت تدريجيا إلي العالم بأسره..
ولا يغيب عنا ما دفعه الإرهاب من تفجير في جوف أسواق ألمانيا في تفجير آثم تبنته داعش، إلا أنه وعلي الرغم من إغلاق الأسواق إلا أن الألمان رفضوا بدورهم أن يرضخوا للإرهاب وجعله قيد يكبل فرحتهم ويؤيدها، فأعادوا فتح الأسواق وإحياء البهجة في النفوس، ولعل الذهاب إلي السوق في ألمانيا تقليدا هام جدا ويعد أبرز مظاهر الاحتفال التي تقام في قلب المدن بألمانيا، وتفيد الإحصائيات بأن نحو 85 مليون شخص يقومون بزيارة أسواق عيد الميلاد سنويًا بحثًا عن الترفيه.
ويعود تاريخ هذه الأسواق في ألمانيا إلي عام 1434 بمدينة دريسدن ، بينما تؤكد إحدى الوثائق أن أقدم سوق في ألمانيا يعود إلي 1628بمدينة نورينبرج.
وجدير بالذكر أن ألمانيا قد أقامت عام 2013 نحو 1450 سوقًا لعيد الميلاد، ومن الطبيعي أن تتشابه الأسواق في هذا الوقت من السنة وأن تشع جميعها بالأضواء والزحام الشديد ليلا، حيث تجتمع العائلات وأطفالهم وكذلك الأصدقاء من أعمار سنية مختلفة ويتجولون في الأسواق.
وتعد إحدى العادات والمشاهد المرتبطة بعيد الميلاد ما ليس له أساس ديني، مثل وضع شجرة الكريسماس في الميادين وتزيينها والتي كانت منتشرة خصوصا في ألمانيا، ولم تكن محببة للكنيسة.
إلا أن تاريخ ارتباطها الديني يعود عندما أرسل البابا “القديس بونيفاس”(634-709) بعثة تبشيرية لألمانيا، ومع اعتناق سكان المنطقة للمسيحية إلا أنه لم يتم إلغاء عادة وضع الشجرة في عيد الميلاد، بل تحولت رموزها إلي رموز مسيحية بالتدريج ، وألغيت منها بعض العادات مثل وضع فأس وأضيف إليها وضع النجمة رمزًا إلي نجمة بيت لحم التي هدت المجوس في طريقهم، وتستخدم شجرة التنوب لأنه يعتقد وفقًا للروايات أن شجرة الكريسماس انتشرت في ألمانيا في القرون الوسطي في المنطقة الغنية بالأشجار الصنوبرية.
ولكن علي الرغم من هذا إلا أن انتشارها لازال حبيس ألمانيا فقط ،ولم يصبح عادة مسيحية معتمدة من الكنيسة إلا مع القرن الخامس عشر، حيث انتقلت إلي فرنسا وتم إدخال الزينة إليها بشرائط حمراء وتفاح أحمر وشموع ،فيما اعتبرت الشجرة رمزًا لشجرة الحياة المذكورة في سفر التكوين من ناحية ورمزا للنور، ولذا تمت إضائتها بالشموع، كذلك اعتبرت رمزا للمسيح والذي كان أحد ألقابه في العهد الجديد “نور العالم”.
وهناك رواية أخرى عن شجرة الكريسماس تقول إن الكنيسة أرادت إلغاء الاحتفال بيوم ميلاد الشمس وهو عيد وثني كانت تحتفل به الحضارة “السيلتية” في أوروبا.
حيث كان “السلتيون” يخصصون لكل شهر في تقويمهم القمري شجرة ترمز له، وكانت شجرة التنوب المزينة بالفواكه والورود والقمح مخصصة لشهر ديسمبر باعتبارها رمز الحياة، وانتقل الطقس من الحضارة “السلتية” إلى المسيحية.
كما أن الاحتفال برأس السنة لا يقف عند شجرة الميلاد ولكن هناك رمزا آخر أصبح جزء من الاحتفال، وهو رجل ضحوك وسمين جدا يرتدي سترة يغلب عليها اللون الأحمر وتغطي وجهه لحية بيضاء ، يصاحب احتفالات الكريسماس في أنحاء العالم ، وتظهر شخصية سانتا كلوز أو بابا نويل في جميع الأماكن السياحية حول العالم ،ويسعى الجميع لالتقاط اللقطات التذكارية معه.
ويعد سانتا كلوز من القصص ذائعة الصيت بين الأطفال وأنه يعيش مع بعض الأقزام الذين يصنعون له هدايا الميلاد، وحيوانات الرنة التي تجر له زلاجاته السحرية، ومن خلفها الهدايا ليتم توزيعها علي الأطفال أثناء هبوطه من مداخن مدافيء المنازل أو دخوله من النوافذ المفتوحة وشقوق الأبواب الصغيرة.
وتعود قصة سانتا كلوز الحالية إلي شخصية تاريخية معروفة باسم القديس نيكولاس، وهو أسقف لمدينة “ميرا” أو مدينة مورا بالقرب اليونان حاليًا، في القرن الخامس الميلادي.
وكان القديس نيكولاس يقوم أثناء الليل بتوزيع الهدايا علي الفقراء وعائلات المحتاجين دون أن تعلم هذه العائلات من هو الفاعل، وصادف أن توفي القديس نيكولاس في ديسمبر.
وتعود صورته الحالية “سانتا كلوز/بابا نويل” إلي الشاعر الأمريكي كليمنت كلارك مور، حيث قام بتأليف قصيدة “الليلة السابقة لعيد الميلاد” عام 1823 ، حيث وصف سانتا كلوز بزائر ليلة الميلاد الذي يوزع هداياه سرًا على الأطفال ويحتفل مع الفقراء والمحتاجين بعيد الميلاد.
وفي عام 1881، قام الرسام الأمريكي “توماس نيست” برسم أول تصور لسانتا كلوز ،وهو الذي استمر معنا حتى الآن، في جريدة هاربرس ، فتصوره ببذلته الحمراء المعروفة وذقنه الأبيض الطويل وحذائه الأسود كشخصية مروجة للمشروبات الغازية وقتذاك.
وعليه تطورت الفكرة في أمريكا وفقا للتفكير الرأسمالي ،فقاموا بتحويله إلي سلعة تجارية ورمزا للمتاجر وموسم الأعياد وفي العديد من الأفلام والقصص الخيالية الأمريكية، ثم انتشرت قصته ورمزه بالزى الأحمر والذقن البيضاء وحوله الهدايا .
حتى أصبح مع الوقت سانتا كلوز هو تلك القصة الخيالية التي تروى للأطفال مع موسم الأعياد في الدول الغربية ، حيث يقول الآباء لأطفالهم إذا كنتم مطيعين وتسمعون الكلام فإن سانتا كلوز سوف يضع لكم الهدايا داخل جوارب صوفية يضعونها فوق المدفأة في المنازل، حيث أن سانتا كلوز سوف يهبط إلي داخل المنزل من فتحة المدفأة وفي المقابل يترك للأطفال كوبًا من اللبن والكعك لسانتا كلوز..وبالطبع فإن الآباء أنفسهم يضعون الهدايا لأطفالهم ..ولازالت القصة تروى لنا ولأطفالنا جيلا تلو الآخر..ولازال سانتا كلوز مصدر لفرحة الأطفال مع قدوم العام الجديد