اختتم معهد جوتة الألماني بمصر فعاليات دزرت فيو، بإقامة ورشة تفاعلية شارك فيها مهندسون معماريون وطلبة من الجامعة الألمانية بمصر وعدد من الإعلاميين.
وقالت داليا فخر المسئولة الإعلامية للمعهد: “إن (دزرت فيو ) هو مشروع بدأه “كونستنزه فشبك” و”دانيل كوتر” مخرجا السينما والمسرح الألمانيين، حيث كانوا مهتمين جدًا أثناء زيارتهما لمصر منذ أكثر من عام، بالمناطق السكنية الجديدة المسورة “الكومباوندات” والموجودة خارج محيط القاهرة . فبحثوا كثيرًا وعملوا مع أخصائيين اجتماعيين ومهندسين معماريين وطلبة من الجامعة الألمانية، وتوصلوا إلى إنه، إذا أرادوا فهمًا أعمق لتلك الظاهرة عليهم أن يصحبوا أحدًا ليخوض التجربة معهم ويوثقها ويبحث معهم. وهنا تعرفوا على عائلة بركات والتي تتكون من ثلاثة أجيال، عاشوا خلالها في منطقة بشتيل، وعاصروا نموها وتحولها إلى العمران والتكتظ بالسكان بعد أن كانت أراضِ زراعية. وانتقلت عائلة بركات إلى العيش في فيلا مستأجرة في مدينتي، حيث اختارت العائلة السكن هناك من بين عدة أماكن مطروحة هي التجمع الأول والتجمع الخامس ومدينتي”.
وقالت كونستنزه فشبك: “إن المشروع هو بحثي فني للتوثيق والتعارف بهدف الإختلاط. وأضافت : بدأنا مشروعنا منذ سنة ونصف أو أكثر ومع الوقت تعرفنا على عائلة بركات وبدأنا مشاركتهم التجربة أول بأول. ومنذ أكتوبر الماضي كنا في مصر وبحثنا عن أماكن مختلفة تصلح لبحثنا، واتخذنا –بالتوافق مع عائلة بركات- مدينتي كنموذج أمثل للظاهرة الجديدة في التنمية العمرانية خارج القاهرة.”
وأوضحت فشبك إن “مدينتي” ليست كأي مدينة مسورة فهي تبدو مجهزة لتصبح مدينة متكاملة وتتطور حاليًا، وساعدهم ذلك خبرتهم المتمثلة في تطوير المدن القديمة وبناء المدن الجديدة في ألمانيا خلال السبعينات.
وأضافت إنه على حد علمها انه في حوالي 50 أو 55% من المساحة المخطط لها أن يتم تطويرها في مدينتي، قد تم تطويرها بالفعل، مؤكدة على إنه كان من المهم أن أسرة بركات تخوض تجربة البقاء في مدينة يتم تطويرها لمدة شهر كامل وأن يسجلوا كيفية تنميتها ويوثقوا تجربتهم هناك.
وشرحت كونستنزه فشبك لمَاذا سُمي مشروع دزرت فيو بهذا الاسم قائلة في حال وجودنا في أي مدينة مثل مدينتي سيكون المشهد الذي سنراه من الداخل هو الصحراء، أما في حال رأينا المدينة من الخارج سنجد عمرانًا ومساحات خضراء، وهنا يكمن الفارق، ففي كل الدعاية التي يسوقونها للمدن الجديدة الموجودة خارج القاهرة دائمًا ما يركزون على المشهد الذي نراه حينما نكون في الخارج حيث ما نراه هو المساحات الخضراء، أما في ألمانيا فهم يركزون في دعاياتهم على ما يراه الساكن حينما يقطن الشخص بداخل المدينة فيرى ما هو بالخارج .
أما دانيل كوتر فأشار إلى إن السؤال الأساسي الذى يجب مناقشته هو كيف نريد أن نعيش؟ ملمحًا إلى أن هذا السؤال كل إنسان يمكنه الإجابة على هذا السؤال ويكون له وجهة نظر فيه. كما تطرق دانيل إلى أسئلة أخرى وهي كيف يتشكل الفارق بين الفضاء والتكدس؟ وكيف يتلاقى العرض والطلب في نقطة ما؟ مؤكدًا على إن هذه القضية هي مهمة جدا لمصر ولابد من فتحها للنقاش في هذه الأيام أكثر من أي دولة في العالم، ومشروع مثل هذا يمكن الاستفادة منه أثناء بناء مدن جديدة أخرى.
هذا وقد انقسم الحضور إلي مجموعات ناقشت إحداها الحياة العادية لأسرة بركات طيلة الأسابيع الأربعة، فقالت الأم “أمال” إنها كانت تعتقد إن مدينتي كالجنة على الأرض لما رأته في الدعاية التي تسوق لتلك المدينة، ولكن عندما عاشت فيها وجدتها أشبه بالمقابر، فالمساحات بين كل فيلا وأخرى واسعة، كما وجدت إن من بين كل بضع فيلات قد تجد واحدة منهم مأهولة، فضلًا عن عدم الترحيب الذي وجدته في الحديث مع سكان تلك الفيلات.
ونفت أمال أن يكون ها الأمر تمييز طبقي مشيرة إلى أنها من المترديين على منطقة الزمالك ولكنها لم تجد من سكان الزمالك بكل طبقاتهم وفئاتهم إلا الترحيب والتعاون.
فيما قالت أسماء –الزوجة- إنها تنقلت بين العديد من المناطق بالمدينة فترددت على منطقة العمارات، وأوضحت أنهم أكثر ودًا من سكان الفيلات، غير أنها تفضل الحياة في بشتيل عن الحياة في الوحدات السكنية بمدينتي لأن التنقل داخل مدينتي صعب لمن هم لا يمتلكون سيارة، كما إن الأسعار هناك مرتفعة للغاية. وفضلت أسماء العودة إلى بشتيل حيث مرحب بها من الجميع ويمكنها الاعتماد على جيرانها وأصدقاءها ممن يعيشون حولها في أي وقت، كما ستتمتع بأسعار معقولة ووسائل مواصلات متاحة طوال الوقت.
فيما فضل الزوج -بركات- الحياة في مدينتي وذلك بسبب إن الحياة في مدينتي ستضمن له تربية أبنه في مناخ أنقى كما إنه –بما إنه في مجتمع يمثل النخبة- فهو متأكد من وجود ابنه في مناخ لن يسمع فيه ألفاظ نابية، مثلا، كما يحدث حاليًا في المجتمعات الغير رسمية. غير أنه رحب بالحياة وسط مجتمع العمارات حيث يجد الترحاب أفضل والعلاقات الاجتماعية بين السكان أقوى عن مثيلاتها في مجتمع الفيلات بمدينتي.
وقررت إحدى المجموعات إثارة الأسئلة حول الأمر، قائلين هل الخروج للصحراء شيء ضروري؟ هل المدينة المثالية هي المدينة الخضراء وبها ملاعب جولف؟ ومن أين أتت تلك الصورة؟ فنحن لا نجد ملاعب جولف في الريف المصري!
كما تطرقوا إلى أن المدن الحديثة فيها مشاكل ؛ فهي تستهلك الكثير من المياه لبناء ملاعب الجولف بالرغم من أن مصر بها فقر مائي، وأيضا نجد إن تلك المدن ليس بها أسس اقتصادية فهي مدن استهلاكية وليست منتجة فضلا عن كونها غير مكتملة فيضطر سكانها للعودة للوادي حتى يأتون بمتطلباتهم الأمر الذي لا يحد من تكدس الوادي.
وأيضًا المدن الجديدة تبنى على مسافات ليست بعيدة عن العاصمة الأمر الذي يؤدي –عند تضخمها وازدياد السكان بها- إلى التحامها بالعاصمة مما يؤدي إلى زيادة الكثافة السكانية بالعاصمة.
الأمر لم ينته بعد، حيث يقوم حاليًا الفنانان الألمانيان بتجميع المواد التي جمعوها بالإضافة إلى خبرات عائلة بركات والنقاشات التي قامت بين الكثير من المهتمين بالأمر ليقوموا بإعداد فيلم وثائقي حول ذلك المشروع والذي سيتم إطلاقه خلال شهور قليلة قادمة.