أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن عيد عاشوراء الذي يحتفل به العالم غداً في العاشر من المحرم هو عيد مصري قديم يرجع إلى الدولة القديمة في أواخر عصر الأهرام وكان من بين أعياد منف الدينية وكانوا يطلقون عليه عيد طرح بذور القمح المقدس ويقع في اليوم العاشر من شهر نوبى (طوبة) أول شهور الفصل الثاني من فصول السنة (فصل برت – البذر) طبقاً لما جاء في كتاب الدكتور سيد كريم “لغز الحضارة المصرية”.
ويضيف د. ريحان أن قدماء المصريين كانوا يحتفلون بعيد عاشوراء بإعداد مختلف الأطعمة التقليدية الخاصة به والتي تصنع جميعها من القمح المعد للبذر وفى مقدمتها صحن عاشوراء ولا تختلف صناعته وطريقة إعداده وتقديمه عما هو متبع حالياً وكانت البليلة تصنع في قدور خاصة ولا تزال حتى الآن من الأطعمة الشعبية المتوارثة وكذلك كعك عاشوراء الخاص ويصنع من القمح وعسل النحل وكان يصنع على شكل القمحة أو السنبلة.
وينوه د. ريحان إلى أن يوم عاشوراء المصري القديم تصادف مع العاشر من تشرى أول السنة العبرية وفيه أمر نبي الله موسى عليه السلام اليهود بالصيام تكفيراً عن ذنب عبادتهم للعجل في الوادي المقدس طوى عند جبل الوصايا وهو عيد الكيبور وقد أخذ العرب في الجاهلية عادة الاحتفال بعاشوراء والصوم عن اليهود وعند نزول الإسلام أمر النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين بالصيام في نفس اليوم والاحتفال به وقد صادف يوم عاشوراء المصري القديم العاشر من تشرى أول السنة العبرية والذي صادف بدوره العاشر من المحرم عند المسلمين.
ويوضح د. ريحان أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين سئل كيف يصوم المسلمون مع اليهود ويحتفلون معهم قال “نحن أحق بموسى منهم” . ويحتفل الشيعة أيضاً بعيد عاشوراء لأن الحسين رضي الله عنه قتل في يوم عاشوراء. كما أن بعض البلاد الآسيوية القديمة كان تحتفل به أيضًا في نفس اليوم على أنه اليوم المقدس الذي زرع فيه سيدنا نوح عليه السلام القمحة في الأرض بعد الطوفان.
ويؤكد د. ريحان أن المسلمين يحتفلون في العاشر من المحرم بيوم عاشوراء وهو اليوم الذي قتل فيه أبو الشهداء الحسين بن على رضي الله عنه في العاشر من المحرم سنة 61هـ/680م بمدينة كربلاء بالعراق في معركة بين الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنه و جيش يزيد بن معاوية وذلك طبقاً لما جاء في دراسة أثرية للدكتور على الطايش أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة
وقد احتفل الفاطميون بهذا العيد بشكل رسمي. وأصبحت مصر تحتفل به وتعتبره عيداً من أعيادها الرسمية ولكنه عكس كل الأعياد فكان عيداً للحزن والبكاء تعطل فيه الأسواق وتغلق الدكاكين ويخرج الناس ومعهم المنشدون إلى الجامع الأزهر وتتعالى أصواتهم بالبكاء وعندما نقلت رأس الحسين رضي الله عنه إلى القاهرة وبني لها المشهد الحسيني كان خروج الناس للمشهد الحسيني.
ويشير د. ريحان إلى أن مظاهر الاحتفال تغيرت في العصر الأيوبي السني واعتبر ملوك بني أيوب هذا اليوم فرح وسرور يوسعون فيه على أولادهم ويكثرون من الأطعمة الفاخرة ويصنعون ألوان الحلوى ويكتحلون. واستمر ذلك في عصر المماليك وما يليه وصاحب هذا الاحتفال خلال العصور المختلفة كثير من الخرافات التي انمحى بعضها الآن نتيجة لانتشار التعليم والثقافة وبقى البعض الآخر متداولا في القرى وفى الأحياء الشعبية ومنها ظهور الجن في هذا اليوم يطرق الأبواب ليفرغ ما لديه من الذهب.
ويتابع د. ريحان أن الاحتفال في عصر المماليك كان يتم منذ اليوم الأول حتى العاشر من المحرم واعتبر الفقهاء في العصر المملوكي هذا اليوم من المواسم الشرعية الرئيسية حيث تكثر الزينات والولائم وتسير المواكب وتنشد الأناشيد ويحضر السلطان إلى القلعة ومعه الشيوخ والقضاة وأهل العلم والأمراء ويبدأ القراء فى تلاوة القرآن الكريم وإنشاد المنشدين فإذا ما انتهى كل منهم دفع إليهم السلطان بصرة فيها دراهم من الفضة وحينما تنقضي صلاة المغرب تمد الأسمطة ويوزع منها على الفقراء بعدها يمضى الجميع بقية الليل فى سماع المطربين حتى الفجر.
ويرصد د. ريحان العادات التي لا تزال متبعة حتى الآن وهى صناعة نوع من الحلوى في هذا اليوم تسمى “عاشورا” وهو نوع يصنع من الحبوب أو من القمح عادة تطبخ على شكل البليلة المعروفة ثم يصفى ويضاف إليه اللبن والسكر وبعض الياميش مثل الجوز واللوز والبندق وشراء البخور لتبخير المنازل لإبطال مفعول نظرة الحاسدين.