عايشنا طوال شهر رمضان الماضي عدد كبير من المسلسلات والبرامج التلفزيونية التي انتشرت على كافة القنوات الفضائية، كان لها مالها وعليها ماعليها .
وقد لاقت الدراما هذا العام الكثير من النقد بين الاسر المصرية وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما لما إحتوته من مشاهد فجة للعنف المجتمعي ولغياب دور القانون وبذاءة الالفاظ وضعف الجمل الحوارية في العديد من الاعمال الدرامية ، ناهيك عما حوته برامج المقالب التى اتخذت من العنف والترويع وسيلة لمحاولة جذب المشاهد ووضعه في حالة من التشوق والترقب لما سيحدث .
فلايغفل علينا أن صناع الاعمال الدرامية ليس جميعها وانما الكثير منها بحثوا عن الاسوأ ليبرزوه في الشارع المصري وللشارع المصري هادفين الي نسبة ربح عالية وعدد مشاهدات كبير جداً ، وقد لفتت بالفعل الكثير من الاعمال الاسرة المصرية ، بل وانتقلت مشاهدها لحياتنا العملية في الشارع وفي التعاملات الحياتية ولاسيما في المناطق الشعبية والعشوائيات المتطرفة .
لذا سعت وطني نت لمعرفة نبض الشارع المصري تجاه ماتلقاه طوال ثلاثين يوماً من أعمال درامية وبرامج فألتقينا بـ:
الاسرة المصرية غير راضية :
السيدة “سماح” ربة أسرة : والتى لم تستطع أن تثنى علي الدراما الرمضانية قائلة :” إن الدراما هذا العام لم تحو اية قيم حقيقية تقدم للاسرة المصرية، وإنما سعت ببساطة لنشر التعصب والعنف والتعاطف مع الزنى في الكثير من الاعمال التى قدمت “
بينما رأى “م.ألفريد عايد ” أن صناع الاعمال الفنية قد أعتمدوا اسلوب الحوار البذئ والرخيص في الكثير من الأعمال ، بل وأن الأعمال الدرامية سعت بشكل فج للنيل من مبادئنا ومعتقداتنا ، بل أنها رسخت كيف أن الحارة المصرية هي نموذج حي للبلطجة ولتجارة السلاح ونشر المخدرات دون رادع وتحت مرآى ومسمع من الشرطة ، مضيفا في كلامه الي أنه كيف تخرج علينا الرقابة علي المصنفات الفنية بمثل هذه الأفكار والقيم التى تشطر مجتمعنا وتحوله خلال سنوات قلائل إلى الهمجية ولي الذراع وعدم احترام القانون والحط منه.”
فيما رأي أ.أشرف تامر “مدرس الرياضيات للمرحلة الثانوية “: أن الدراما ليست هذا العام وإنما منذ ثورة 25 يناير اتخذت منحي جديد يتمثل في ابراز العنف والالفاظ البذيئة وانحطاط كل القيم التى تربينا عليها ، حتى أن الطلبة صاروا يحفظون مثل هذه الاعمال عن ظهر قلب ويقومون بتقليدها حتى داخل المدارس فقد صرنا نرى طالب الثانوي اليوم يقتاد ببعض النماذج وبطريقتهم وسلوكهم ، وصرنا كمدرسين لمثل هذه المرحلة السنية الخطيرة نري الكوارث بداخل المدارس، والأمر لايفرق بين منطقة شعبية أو راقية، فلقد سعت درامتنا مع الأسف لإبراز أن المحترم لايمكنه أن ينال حقوقه وأنه بالضرورة سيكون عاطلا عن العمل وكل احلامه منهاره ، في الوقت ذاته الذي ينال البلطجى كافة .حقوقه وبرعاية الدولة
مضيفاً الي أنه لازال يبحث بين القنوات والأعمال الدرامية عما يأمن عليه لأبناءه، في ظل ما تمتلئ به القنوات من تصرفات منافية لمبادئنا والصورة التى نطمح في أن نخرج ابنائنا عليها.
فيما وصفت السيدة دعاء محمد موظفة وأم ل3 ابناء ، مانتلقاه عبر الدراما التلفزيونية الرمضانية بأنها تشويه لصورة المجتمع المصري وللصورة التى نبثها للعالم الخارجي عن بلادنا، بل وإنها تنفر السياحة وتساعد علي هروبها في ظل مشاهد تؤكد علي غياب دور الدولة ودور الحكومة وغياب الامن ، مشيرة الي الاعمال الدرامية التركية والسورية والهندية والتى علي الرغم من اكتظاظ كل بلد بمشاكله الا انهم استطاعوا ان يلفتوا انظار العالم لجمال بلادهم ورقي أخلاقهم وعلاقاتهم الاجتماعية واواصر الود بين الأسر والجيران، علي عكس مانشاهده منذ فترة في درامتنا والسينما ايضاً زعماً من صناع الاعمال الفنية انهم يجسدون الواقع.
فيما أكد د. وليد السيد ، دكتور أمراض جلدية، على أننا استطعنا خلال الاعوام السابقة أن نبرز أسوأ مافينا من تحرش واغتصاب وسلاح ومخدرات والجريمة بكافة صورها بل وإبراز ضعف دور الامن وأحياناً تواطؤه مع المجرمين ، وعملنا علي إبراز هذه الصورة من خلال وسائل الاعلام وبرامج التوك شو والدراما السينمائية والتلفزيونية ، لافتًاإلي أننا بتنا نستخدم الامراض النفسية لمحاولة لفت أنظار المشاهدين فقد احتوت اعمال هذا العام على الكثير جدا من المرضي النفسييين ، إلا أنه لازال يلزمنا كتابة الأدوار بشكل تفصيلى دون مط ومبالغة مثلما لاحظنا في بعض الاعمال التى خرجت الينا ضعيفة ومهلهلة، الا أن برنامج مثل ” الصدمة” جاء رائعاً وحاول ابراز الكثير من القيم المجتمعية والتعامل معها دون ابتذال او استخفاف علي عكس مافعله البعض في برامج مبتذلة اعتمدت الايذاء واثارة الذعر في عرضها علي الجمهور وخرجت بنتائج سلبية علي الاسرة المصرية، مؤكداً علي أننا بتنا نفتقر الى الأعمال الفنية التى كانت تجمع الاسرة المصرية مثل يوميات ونيس والشهد والدموع وليالي الحلمية وغيرها الكثير التى كنا ننتظرها صغاراً وكباراً.
النقاد يروا أن العنف من أرض الواقع وليست من أحضان الدراما
في الوقت ذاته الذي استاءت فيه الاسرة المصرية مما خرج علينا خلال رمضان الماضي وكيف أن الاعمال افتقرت الي القيمة وابراز القدوة الحسنة والعادات السليمة رأي النقاد أننا نبالغ في الامر حين نقوم بوصفه بهذا الشكل وأن العنف أتى تجسيدا صريحاً عن أرض الواقع وليس العكس فقد رأي :
الناقد الفنى طارق الشناوي أنه من الخطأ والمبالغة في أن نزعم أن الدراما نقلت العنف والانفلات الي الشارع المصري حتى نرتاح ونريح أذهاننا مما يحدث من أحداث شغب مستمرة داخل الشارع المصري.
مؤكداً على أنه لا يعد إنعكاساً بأي حال لشخصية “ناصر الدسوقي في العمل الرمضاني الأسطورة” ماحدث في إحدى قرى الفيوم منذ أيام من التعدي علي شخص واجباره علي إرتداء ملبس نوم والسير به وتصويره ، وهو بالضبط ماحدث في احد مشاهد مسلسل الاسطورة.
فيما زعم إلي أنه ربما أوجد الناس طريقة أخري ربما أكثر عنفاً من هذا في التعامل مع هذا الشخص، وأن الامر لايعد إنعكاس سلبي علي الشارع .
وأشار إلى تسرب احساس داخل الشارع المصري بأن القانون بات ضعيفاً ومتراخي في التعامل مع حقوق المواطنين ، فالكثير باتوا يعتقدون أن أخذ حقوقهم بأيديهم هو أفضل بكثير، رافضاً أن يتم تحميل الدراما المصرية كل المشكلات التى يحياها المجتمع ، فالاساس هو حالة الانفلات الثقافي ولاسيما أن ثقافتنا حوت لأعوامٍ طوال العنف بين جنباتها.
كما تجلي هذا حتي من خلال الاعلانات التلفزيونية التى لم تجد الرقابة عليها بشكل حقيقي فخرجت علينا اعلانات السحر وفك الاعمال وغيرها بلا رقيب عليها ، كما أنه قد خرجت علينا من خلال صفحات مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مظاهر العنف بل والعديد من البلطجية الذين يستعرضون ويعرضون مساعداتهم لينال المواطن حقه. كما أشار الشناوى خلال حديثه علي أن هناك العديد من الصفحات التى تم تدشينها علي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك التى تجمع البلطجية وتنشر أعمالهم كنوع من المساعدة للمواطنين، والأمر كله يخرج بلا رقيب حقيقي أو رادع من قبل الدولة ، مؤكداً على أن ثقافتنا هي السبب الحقيقي وراء مانتعرض له اليوم.
وقد وجدنا أن رأي الناقدة الفنية ” ماجدة خيرالله ” لم يختلف كثيرا عن كلام “الشناوي” فقد رأت أن العنف موجود في المجتمع منذ فترة ولقد أعتادت الناس الامر وأعتادوا رؤية الدماء وصور الجثث ليس فقط من خلال الدراما ولكن من خلال البرامج الاخبارية وبرامج التوك شو ، فليست الدراما هي التى يثت هذا العنف للمجتمع وإنما هي مادة مأخوذة من الواقع ولاسيما في المناطق الشعبية، فالبلطجي في هذه الاماكن مثال ، معتاد عليه ومعتاد وجوده
وأضافت خيرالله الي أن هناك مستوي إخراجي جيد وصورة وتصوير وأداء للدراما الرمضانية عن السنوات الماضية بشكل لافت للانتباه .
هذا فيما انتقدت بشكل كبير برامج المقالب التى تم عرضها واصفة إياها بالبرامج السخيفة والوقحة والغير آدمية علي الاطلاق ، إلا أن مايتم عرضه في الدراما ليس سوى مشكلاتنا الحياتية وعلي الدولة التنبه لحلها والنظر الي المناطق العشوائية والشعبية التى تُخرج الجريمة من رحمها ، فليس دور الفن هو العلاج ، وإنما يبرز مدي اتساع الخلل النفسي والمجتمعي الذي تفشي في مجتمعنا.
النفسيون يرفضون ويؤكدون تأثر الشباب بهذا العنف وخطورته المجتمعية :
وفي الوقت الذي سعي فيه النقاد الفنيون لتبرئة ساحة الدراما وغسل أيديها من العنف وتأثيره علي المجتمع وعلي النشئ ، نجد الاستشاريون والاطباء النفسيون ينفون هذا الامر مؤكدين علي خطورة هذا على المجتمع وعل الاجيال الشابة فقد قالالإستشاري النفسي و الأسري : :محمد السيد وحيش
بدون مقدمات كثيرة .. فنحن جميعا رأينا برامج هذا الشهر و مسلسلاته” عبر شاشة التليفزيون و رأينا مسلسل الأسطورة و ما يحتويه من مشاهد قتل و تعذيب و إجرام و عنف في الشارع و البيوت ، و شاهدنا أيضا برنامج رامز يلعب بالنار و ما يحتويه من ترويع لضيوف البرنامج و ليس ذلك فقط و لكن أيضا السخرية من هذا الترويع و السخرية على الحريق و إصابة الأشخاص ، و مسلسلات و برامج رمضان مليئة بذلك ( ميني داعش ، هاني في الأدغال ، القيصر …. ) .
و مما لا شك فيه أن لوسائل الإعلام على حياتنا و تصرفاتنا ، ومن أهم تلك القضايا تأثير التليفزيون على المشاهدين ، خاصة الأطفال نتيجة تأثير التليفزيون في عملية التنشئة الأجتماعية، حاله حال العائلة و المدرسة ويمكن أكثر تأثيرا منهم أيضا .
و قد أشارت نتائج إحدى الإختبارات التي أجريت على الأطفال الذين يشاهدون التليفزيون لساعات طويلة ، أنه كلما كان عدد الأفلام المشاهدة أكثر، كلما كان تقييم الطفل لدرجة العنف و الصور الإجرامية ضعيفا ، وكأنه أشبه بمن يتناول حقنة مخدرة ، حيث يشعر بالتبلد الإنفعالي تجاه ما يشاهد من مناظر عنف أصبحت لا تثير شفقته و إنسانيته. والاحتمال الأخطر من ذلك أن هذا الطفل يصبح مستقبلا غير مكترث بالضحايا الحقيقيين الذين يتعرضون للعدوان ما .
واستكمل حديثه عن نظرتين من نظريات علم النفس ، قائلا:
-1 نظرية التعلم من خلال الملاحظة :.
تدين هذه النظرية بوجودها إلى العالمين باندورا و ولتر .. والافتراض الأساسي لهذه النظرية أن الناس يمكنهم تعلم العنف من خلال ملاحظة العنف فيما تصوره وسائل الإعلام، وأن الناس أيضا يمكنهم تعديل سلوكياتهم في ضوء الشخصيات الشريرة التي تحفل بها وسائل الإعلام ، و العنف في التليفزيون أو غيره من وسائل الإعلام يزيد من إحتمال العدوانية لدى المتلقين ليس فقط من خلال تزويدهم بفرص لتعلم العدوانية، ولكن أيضا من خلال تقديم شخصيات شريرة تقدم بدورها نماذج سلوكية للمشاهدين . ( باندورا و ولتر 1963 )
2- نظرية المزاج العدواني ( تأثير الحوافز أو المثيرات ) :.
يعد بيركوفيتش وهو أحد علماء النفس الإجتماعيين و أول من قدم الإطار العام لنظرية الحوافز في مجال تأثير العنف الذي تقدمه وسائل الإعلام ، ويشار إلى هذه النظرية أيضا بإسم المزاج العدواني، و الافتراض الأساسي لهذه النظرية هو أن التعرض لحافز أو مثير عدواني من شأنه أن يزيد من الإثارة السيكولوجية والعاطفية للفرد ، هذه الإثارة بدورها سوف تزيد من احتمالات قيام الفرد بسلوك عدواني . ( بيركوفيتش 1962 )
مؤكداً د.الوحيش علي أنه طبقا لمقولات هذه النظرية فإن ما تنطوي عليه مسلسلات العنف من اشتباكات و معارك و ضرب بالنار او الأسلحة ذات طابع عنيف أو تهديدات لا تؤدي إالى إثارة المشاهدين نفسيا و عاطفيا فحسب ، و لكنها أيضا تهيئ لديهم شعورا بإمكانية الإستجابة العدوانية لما شاهدوه .
مسلسلات العنف لها تأثير على سلوك الطفل لأن هذا تعلم بالملاحظة وهو جزء رئيسي في عدد من القضايا المهمة بالمدى التي يتعلم فيه الانسان و لاسيما الأطفال ببساطة بملاحظة الأخرين ، على سبيل المثال الدرجة التي تولد ملاحظة العدوان بوسائل الاعلام عنف لدى المشاهدين ، هى مسألة مثيرة للجدل حقيقة يعني وعلى سبيل المثال مسلسل ال سوبرانوس مسلسل قديم فيه رجل عصابة يقتل ضحايا و يقطع أصابعهم و بعد بضعة اشهر في الحياة الواقعية ، قام أخان في كاليفورنيا بخنق أمهم و قطعوا رأسها و يديها ، و قبضت الشرطة أيضا على طفلين ايضا قد قاموا بنفس الموضوع قد قطعوا اصابع والدتهم و وضعوها في أكياس قمامة و قالوا أنها من سوبرانوس ، فالكلام في هذا الوقت قد قامت عليه دراسات كثيرة ، فعلم النفس يرى أن مسلسلات العنف هذه تثير الوحشية المفرطة لدى الناس و الاطفال بصورة لكنهم يتأثرون بسرعة و هذه الأبحاث على النماذج يوضح ان الناس يتعلمون و يحاكون العدوان الذي يلاحظونه بشكل شائع .
إذا فماذا ننتظر من الأطفال في المستقبل أو حتى في الحاضر ، حتى قصة شعر ناصر الدسوقي في مسلسل الأسطورة ظهرت علينا هذه الأيام موضة للشباب في العيد ، و ماذا ننتظر من المجتمع بعد غرس ظاهرة العنف فيه و أن العدل يكون باليد و ليس بالقضاء .
مضيفا في نهاية كلامه علي أن الإعلام هذه الأيام يصنع الإرهاب و يزيد من ظاهرة العنف و التحرش بين الشباب .
فيما جاء كلام دكتور “سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس” مؤكداً علي حديث” د.محمد الوحيش “حيث قد رأى أن مسلسلات هذا العام حملت مظاهر كثيرة للعنف والقتل مما سيؤثر حتماً بشكل مباشر علي الشباب الناشئ ولاسيما الشباب منذ المراهقة وحتى العشرينيات الذي سينتهجون هذا الاسلوب كسبيل للعيش والتفكير في حياتهم ، ويقومون بتقليد هؤلاء الممثلون واعتبارهم قدوة لهم في الحديث والملبس والشكل الخارجي والتصرفات وردود الافعال ، مشيراً الي أن الدراما قد أتت لترسخ الكثير من العادات السلبية في المجتمع وبين الشباب بل وجعلت مثل هذه التصرفات كسبيل للتنفيس عن الغضب الذي نعانيه .
هذا وقد أكد عبد العظيم علي أننا نمتلك طاقة شابة تصل الي 60% من مجتمعنا ولابد من الحفاظ عليها وتقديم الدراما الهادفة والاسرية لهم وتوخي الدقة فيما يقدم لهم.
مؤكداً علي أن عدد الساعات التى يشاهد فيها الشباب العنف تختزن في عقلهم الباطن وتؤثر سلباً بشكل كبير في المراحل العمرية اللاحقة ، لافتاً الي أن الشباب يعاني ضيق المعيشة وفقر الحال والبطالة في حياته اليومية وحين أخرج عليه بنموذج درامي عنيف قادر علي أن يأخذ حقه ويصبح غنيا وقادر علي تطويع الحكومة لصالحه فأنا بالضرورة أخلق له حلاً يسيراً لمشاكله وقنبلة مجتمعية لامحال.
وأشار الى ضرورة ترسيخ مبدأ أن الجريمة لاتفيد وأن اختراق القانون هو أمر غير صحيح، ولابد من سيناريوهات تعالج هذه الامور ولاتعمل علي تمجيد العنف وتمجيد الجريمة، بل ولابد من مراقبة هذه الاعمال قبل وأثناء التصوير لما تحوي أيضاً علي الفاظاً بذيئة وعري وسلوك جنسي فاضح ومناظر لاتليق بمجتمعنا وبيئتنا وتؤثر بالضرورة علي الاطفال والمراهقين .
وأنهي كلامه بأن الميديا اليوم تلعب دوراً خطيراًعلي هذا الشباب وقد تعرضه للانحراف والجنوح.
خبراء التنمية البشرية والاجتماعيون يناشدون الدولة اعادة انتاج اعمالا درامية وسينمائية:
لم ير فقط النفسيون خطورة مثل هذه الانواع من الدراما علي الاسرة المصرية وكيف أنها تعمل علي تفكك الاسرة وتنشئ أجيالا جانحة وإنما وافقهم الرأي علماء الاجتماع وخبراء التنمية البشرية فقال “محسن العسيري :خبير التنمية البشرية والاستشاري الأسري”: “لدينا الكثير من العنف في الاعمال الدرامية التى تم عرضها ، بل وإن الكثير من الاعمال الرمضانية لم تحو علي رسالة حقيقية واضحة تقدمها للمشاهد وإنما جاءت بمشاهد كثيرة للعنف الغير مبرر والذي ينمي لدي الشباب الرغبة الحقيقية في الانتقام والعنف وذريعة اخذ الحق باليد.”
وأكد علي أن الشباب يقلد ويقتاد بمثل هذه الاعمال وليس من المستغرب أن نري انعكاسات هذا في الشارع المصري خلال الفترة القادمة، ونرى التهاون في اتخاذ الاعمال الاجرامية سبيلا في نيل الحقوق، مضيفاً إلى أن الدراما أخطئت بشكل كبير ليس علي مستوي هذا العام وإنما منذ عدة أعوام في بث العنف بشكل كبير بل و انهيار القيم المجتمعية السليمة وزرع قيم خاطئة بدلاً منها، فوجدنا في مسلسل “الاسطورة” كيف تحولت الشخصية “ناصر الدسوقي “من الشاب الخريج الطموح العاشق الي تاجر السلاح البلطجي العنيف الذي يتزوج عدة مرات بعد أن انهار حلمه في أن يصبح ماتمناه، وأبرز صناع العمل كيف أن هذا البلطجي في ثوبه الجديد استطاع ان يتمتع بالحياة الرغدة والزيجات المتعددة وأخذ حقه ، بل وكيف أن الحكومة أغمضت عينيها عنه، فلقد وضع صناع العمل ببساطة العنف والاجرام كحلاً مجتمعياً للتعامل مع المشكلات والاحباطات التي يواجهها الشباب.
فرآه الشباب شخصاً مميزاً بل وتعاطفوا معه خلال شهر كامل وتجرعوا جرعة العنف كاملة لمدة 30 حلقة.
وتساءل العسيري حول كيفية إعادة زرع أن هذا الامر إجرامي وليس سلوكاً مجتمعيا او انسانياً مناسب؟ مؤكداً على حتمية تأثر الاطفال والمراهقين بمثل هذه الاعمال ولاسيما أنهم في مرحلة عمرية متذبذبة وقابلة للتأثر بما تتلقي من كل المؤثرات الحياتيىة حولها، مشيراً الي ضرورة تنمية القيم الانسانية السليمة في الطفل والمراهق ، والابتعاد عن مثل هذه الاعمال الدرامية والبرامج التى تهدم ما تبنيه الاسرة لأعوام.
لافتاً الي أن الدراما النسائية أيضاً أتت بنماذج أبرزت العنف بشكل كبير بل وجعلت الاسرة تتعاطف حتى مع الشخصية الخائنة .
وعقب العسيري على أن الدراما رسخت فكرة أن القانون ضعيف وغير قادر على أن يعطي كل ذي حق حقه وكيف أن رجال الامن قد يكونوا شركاء في الجريمة وتحت مرآي ومسمع منهم، وأن الرقابة أفلت من يديها كثير مما يحدث بين أحضان الدراما، وأن الدولة التى تنفق المليارات علي مكافحة الإرهاب والعنف تأتي الدراما فتجعل الناس يتعاطفون مرة أخرى مع العنف فتضيع وتهدر جهود الدولة، مؤكداً علي تأثير الدراما الصادم والسلبي من خلال هذه الاعمال على الأمن القومي والسياحة في مصر ، فحين أبرز أننا نعيش بلا سلطة للقانون ويبث هذا للعالم أجمع فمن سيأمن أن يأتي للسياحة في بلادي أو للاستثمار علي أراضيها، مستطردا علي أن “الدراما الذكية هي التى تبرز محاسن البلد ومعالمها الجميلة وتبث الامان والطمأنينة للمشاهد مثلما فعلت الدراما التركية والهندية ، فإستطاعتا جذب السياحة بشكل كبير جداً وإحساس المواطن بالأمان ، بل واستطاعتا إبراز الترابط الاسري والتلاحم وقيم الاحترام والاخلاق والمعاملة الطيبة بين الكبار والصغار ، فلفتت الانظار اليها في مدة وجيزة ، بل وجعلت الكثيرين من المصريين يفضلون الدراما التركية والهندية عن الدراما المصرية علي الرغم كونهما بعيدتا عن واقعنا ومشاكلنا.”
وأشار العسيري إلى أننا قد بالغنا في التحدث عن مشاكلنا بشكل كبير فمشكلة كالإدمان خرج لها العديد من الاعمال الدرامية وكأن البلد بأثرها تحولت لمدمنين ، وكذلك الأمر في المرض النفسي وفي الجريمة المجتمعية ، وكان يكفينى فقط عمل درامي واحد يبحث الأمر من كل جوانبه بدلا من تضخيم الامور وانفاق المليارات دون حلول حقيقية علي أرض الواقع ، في الوقت الذي يوجد لدي اكثر من 50% تحت خط الفقر ، مستكملا :”أن القائمين علي الاعمال الدرامية يهدفون فقط لتحقيق الأرباح وعدد كبير من المشاهدات والاعلانات.”
وأكد العسيري على أن درامتنا تعرض واقعاً مبتذلاً وغير موجود وغير حقيقي وتحمل الكثير من الاساءات بين طياتها للحارة المصرية وللمجتمع الشعبي وتزعم أن الحارة المصرية مليئة بالدعارة والاجرام والعنف والسلاح والارهاب والثأر والمخدرات ، وهذه اساءة كبيرة للمجتمع المصري وللحارة المصرية التى خرج منها الكثير من العباقرة والادباء ، لافتاً الي ان الكثير من الاعمال الدرامية افتقر الي توازى خيطي الخير والشر سوياً مما أفسد العمل ، كما أنه من المحال أن يكون هذا هو الدور الحقيقي الذي تلعبه الحكومة في مواجهة المجرمين والعنف المجتمعي ، فلقد خرجت العديد من الاعمال هذا العام تبرز تواطؤ الحكومة والشرطة والداخلية في الفساد وفي التآمر ضد المواطنين والتواطؤ مع المجرمين ، كذلك ايضاً جاءت الاعمال ايضاً تحمل اساءة للاطباء وللصحافة وتشير الي انها منظومات فساد، مضيفاً علي أنه وان كان لدي نموذج فاسد فأنا لدى عشرات النماذج صالحة وليس بالابتذال الذي سعت لإبرازه الدراما.
كما أكد” د.رفعت عبد الباسط أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ” علي كلام “العسيري” قائلا : إن دراما اليوم بعيدة كل البعد عن الواقع ، وجاءت تحمل بطولات فاشلة وعنف مبتذل على عكس الدراما بالأمس والتى كانت تحمل تأثيرها الايجابي الي الاسرة ، مضيفاً علي أن الشباب بات يتعامل بأساليب غير شرعية ، في فترة نحتاج فيها للارتقاء بالذوق العام وليس لترسيخ قيم فاسدة وكيفية استغلال الغرائز وتجارة السلاح والجنس .
ملمحا في كلامه علي أن مثل هذه النوعية من الدراما لم تجذب انتباه الطبقة المثقفة بل وأفسدت ذوق المشاهد العام وأثرت سلباً علي اخلاقياته وقيمه.
لافتاً إلى أن التلفزيون كان بالأمس أداة للتبصير والتوعية ، إلا ان اليوم صار مفسدة مجتمعية ويبث برامج غير هادفة باخساً بقيم السلام والمحبة والأمن المجتمعيين.
قائلا أن ” الدراما أصبحت مخجلة للاسرة المصرية اليوم ، وأن الكثيرون هربوا من الدراما المصرية الي الدراما العربية .”
ولم يزد كثيرا د.محمد باغة أستاذ التنمية البشرية علي كلام سابقيه مؤكدا علي أنه لابد من إعادة دور الدولة مرة أخري في انتاج الافلام التى تبرز القيم المجتمعية السليمة ، مثلما انتجت بالامس أفلام اسماعيل ياسين وافلام حرب اكتوبر واعادة برامج الكاميرا الخفية ،ولانترك الانتاج الموجود اليوم يعبث بنا ويعزز الغرائز الحسية ويستخدم اساليب غير ادمية ويربي ثقافة عنيفة في شبابنا ، مشددا علي ضرورة اعادة دور الدولة في انتاج الدراما والسينما.